 |
-
ويقولون لك: هجمة استراتيجية حازم صاغيّة الحياة 2004/09/28
ويقولون لك: هجمة استراتيجية
حازم صاغيّة الحياة 2004/09/28
اعتراف كولن باول بتزايد أعمال العنف في العراق خير من الأجواء الاحتفالية التي طغت على زيارة اياد علاوي للولايات والأمم المتحدة، ومن خطابه وخطاب جورج بوش المعدّين لأغراض الحملة الانتخابية الوشيكة.
فبوش (وعلاوي) يقول ان المشكلة هي جون كيري، فيما يقول باول ان المشكلة هي أبو مصعب الزرقاوي ومن ماثله وحذا حذوه. وهذا الإدراك هو المطلوب اليوم، مثله مثل التعلم من الاخطاء الاميركية الفادحة التي ساهمت في جعل الوضع على ما هو عليه. وهو مطلوب بحدة بالضبط لأن الزرقاوي وصحبه، اي الهمجية المسلحة والقاتلة، هي المشكلة.
فهذا ليس سبباً للفرح، أو حتى للارتياح: ذاك انه كلما قويت هذه الهمجية كان المعنى ان قابلية العراق للغرق اكبر. فالخسائر الأميركية مهما كبرت تبقى قابلة للاحتمال والتعويض عنها، فيما القوى العراقية القادرة على الوقوف في وجه الهمجية تزداد ضعفاً وضموراً.
فما بين أعمال القتل والتفجير التي تطال الكفاءات وتجبر الكثيرين منهم على الرحيل، والتعطيل الاقتصادي الذي يعيق تبلور الطبقة الوسطى وشعورها بذاتها، يُخشى ان لا يبقى من العراق الكثير للمستقبل، اي مستقبل (حُوّل 20 في المئة من المساعدات الاميركية التي تفوق 18 بليون دولار عن المشاريع الى الأمن).
والمفاضلة التي تقوم اليوم بالغة الدلالة: فما بين أعمال الزرقاوي وعصابات القتل والنهب، وانتخابات قد تأتي مشوّهة، أو ناقصة، أو فاسدة، لا يجوز التردد في الاختيار.
فالأولى، وهذا الى البداهة أقرب، تنهي الساسة وتهدد بإنهاء الحياة نفسها، فيما الثانية تبتدئ السياسة وتوحي بإمكانات الحياة، سيئةً في البداية ثم، وفي موازاة خلق آليات سياسية ورقابية، أفضل فأفضل.
وحتى لو نشأت المفاضلة بين قوة الهمجية ونجاح الاستراتيجية الاميركية في الإمساك بالعراق، وهي أقوى الحجج في معارضة سياسة واشنطن، بدا النجاح الاستراتيجي ذاك أهون الشرين. ولا بأس بالتذكير هنا، بعيداً عن فخيم الكلام وخطابيات الألفاظ المنتفخة، بأن المنطقة عرفت، في الخمسينات، هجوماً استراتيجياً غربياً جسده «حلف بغداد» و«مشروع ايزنهاور». وكان المقصود يومها الوقوف في وجه السوفيات عبر بناء تحالفات تجمع باكستان وايران وتركيا الى العراق والأردن وما تيسر من بلدان عربية تقبل الإنضواء. وبدا المشروع خطيراً لأنه، بين أمور اخرى، يُحل الصراع مع موسكو في المحل الذي يُفترض للصراع العربي - الاسرائيلي ان يشغله. وقد أشيع، كذلك، ان البلدان التي تندرج في تلك الأحلاف ستفقد سياداتها الوطنية وكرامات شعوبها.
وللمشروع هذا تصدت الناصرية، وهي قياساً بالزرقاوية مثل سقراط قياساً بالقذافي، إلا ان النتيجة كانت مرة ومريرة. فالمنطقة صارت نهباً للانقلابات العسكرية والنزاعات الأهلية، فيما المؤسسات والدساتير وُضعت بين هلالين، ودخل القتل للمرة الأولى بعد الاستقلالات صلب التداول السياسي، ليس فقط عبر تصفية العائلة الملكية في العراق عام 1958، بل ايضاً باغتيال رئيس الحكومة الأردني هزاع المجالي قبل عام، وبالتصفيات الدموية التي ارتكبها عبدالحميد السراج والبعثيون في سورية قبل عامين. واذا بالناصرية الحريصة على سيادات الدول العربية تحتل اليمن. واذا بالأطراف التي تشاركت في التصدي للهجمة الاستراتيجية الغربية، أي الناصرية والشيوعية والبعث، تغرق في مستنقعات دموية. واذا بالهزيمة الأضخم في تاريخ العرب الحديث تنزل بالعرب. واذا بمصر الناصرية تسهو عن سيادتها هي نفسها لتستضيف القواعد والمستشارين السوفيات. أما سورية التي كانت الأبكر في التصدي للمشاريع الغربية، والتي هي دائماً الأعلى صوتاً في التشهير بها، فهذه هي سورية!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |