بقلم |
ايهاب الغريفي
هل قال سيد قطب حقًا إن (الإمام عليّ) يشرب الخمر؟




لعل هذه المسألة من أكثر ما شغل بالي أثناء قراءتي لتفسير "في ظلال القرآن"، فهي قضيةٌ تثير الدهشة والاستفهام: هل هذه النسبة إليه صحيحة؟ فكل مسلم يعلم يقيناً أن الإمام عليّاً (عليه السلام) لم يكن أول من أسلم فحسب، بل هو الوحيد بين أصحاب الرسول ( ص) الذي ولد مسلماً قبل الإسلام . فكيف يُعقل أن يجهل مفكرٌ مثل سيد قطب هذه الحقيقةَ البديهية؟

والإنصاف يقتضي القول إن الرجل لم يجهل قدر عليٍّ (عليه السلام)، فمن يطالع كتب سيد قطب يدرك المكانة الرفيعة التي كان يخص بها الإمام. لكن ما القصة إذن؟ وما حقيقة ما نُسب إليه؟

كنت أظن ككثيرين غيري ممن قرأوا "في ظلال القرآن" أن هذه النسبة ثابتة في كتابه، لكنني كلما أعيد قراءة العبارة المنسوبة إليه، يراودني الشك في صحتها، إذ تفتقر إلى سياق واضح ومنضبط، بل تكاد تبدو كأنها أُقحمت إقحاماً في النص. ثم ازددت شكّاً حين سمعت من بعض الثقات ممن اطلعوا على الطبعة الأولى من التفسير أنهم لم يعثروا فيها على هذه العبارة!

ولكن للأسف صودرت الطبعةُ الأولى من مكتبت هذا العم الفاضل ، كما صودرت سائر كتبه على أيدي أزلام النظام البعثي. وظللت أبحث عنها في مكتبات العراق ومصر، فلم أجد لها أثراً، حتى تواصلت مع عدد من الأصدقاء الباحثين، فكان الجواب واحداً: اختفت الطبعةُ الأولى من الأسواق والمكتبات العامة ، والتي تمثل رؤية سيد قطب الخالصة للقرآن، دون تلك الإضافات التي أثارت لاحقاً كثيراً من الجدل في العالم الإسلامي.

ومرت السنوات وأنا أبحث عن أي دليل يقودني إلى تلك الطبعة، حتى بلغني أن العالم الأزهري الشيخ عصام تليمة يعكف على تحقيق طبعة جديدة من "في ظلال القرآن" تعتمد على النسخة الأولى. وقد التقى في تسعينيات القرن الماضي بأخي سيد قطب، محمد قطب، لاستئذانه في إعادة نشر الطبعة الأولى، لكن الأخير رفضَ رفضاً قاطعاً!

لكن الحمد لله، فقد أتمَّ الشيخ تليمة مشروعَه، وتم إعادة نشر الطبعة الأولى المحققة أواخر عام ٢٠٢٣. والعجيب أن هذه النسخة خلت تماماً من فرية شرب الخمر المنسوبة إلى الإمام علي (عليه السلام)، كما خلت من كثير من الشوائب الأخرى التي أُثيرت حول سيد قطب. بل إن الدكتور تليمة نفسه – الذي تواصلت معه – نفى وجود هذه الرواية في الطبعة الأولى، وسأنشر رسالته في هذا الشأن لاحقًا.

بل إنني حتى قبل نشر هذا المنشور كنت على قناعة تامة بأن هذه "الزيادة" (أعني أكذوبة شرب الخمر) من صنع أخيه محمد قطب، ربما لأسباب سياسية أو دوافع طائفية، لاسيما بعد تعاطف العديد من المراجع والمفكرين الشيعة مع سيد قطب قبل إعدامه وبعده، وانتشار تفسير في ظلال القران في الأوساط الإسلامية والأكثر إثارة أن هناك مؤشرات تشير إلى تورط أيدي وهابية في هذه الإضافة، خاصة أن محمد قطب كان يعيش في كنفهم أثناء تدريسه في جامعاتهم قبل أن تندلع الخلافات بينهم وبين الإخوان.

خلاصة القول:

إلى كل من قرأ "في ظلال القرآن" في طبعاته المتأخرة: أرجو أن يعود إلى هذه الطبعة المحققة، ليقارن بينها وبين ما اعتاد قراءته؛ فالفوارق بينهما كبيرة و شاسعة إلى حد يُخيل معه أننا أمام كتابين مختلفين، بل وتفسيرين لرجلين، لا تفسير واحد لشخصية واحدة!