وقام الحسين الى الصلاة فصلّى بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف وتقدم امامه زهيربن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي في نصف من اصحابه ويقال إنه صلّى واصحابه فرادى بالايماء ولما أُثخن سعيد بالجرح سقط الى الارض وهويقول : اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود وأبلغ نبيك مني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني اردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك صلى الله عليه وآله وسلم والتفت الى الحسين قائلا : أوفيت يا ابن رسول الله ؟ قال : نعم أنت امامي في الجنة ثم قال سعيد أبلغه أني تركت حسيناً في الأثر وقضى نحبه فوجد به ثلاثة عشر سهماً غير الضرب والطعن
ولما فرغ الحسين من الصلاة قال لأصحابه : ياكرام هذه الجنة قد فتّحت أبوابها واتصلت أنهارها وأينعت ثمارها وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوافي سبيل الله يتوقعون قدومكم ويتباشرون بكم فحامواعن دين الله ودين نبيه وذبّوا عن حرم الرسول فقالوا : نفوسنا لنفسك الفداء ودماؤنا لدمك الوقاء فوالله لا يصل اليك والى حرمك سوء وفينا عرق يضرب ووثبوا الي خيولهم فعقروها ولم يبقِ مع الحسين فارس إلاّ الضّحاك بن عبد الله المشرقي يقول : لّما رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلتُ بفرسي وأدخلتها فسطاطاً لأصحابنا واقتتلوا أشد القتال وكان كل من أراد الخروج ودّع الحسين بقوله : السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين وعليك السلام ونحن خلفك ثم يقرأ ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظروما بدلوا تبديلا, وخرج أبو ثمامة الصائدي فقاتل حتى اُثخن بالجراح وكان مع عمر بن سعد ابن عم له يقال له قيس بن عبد الله بينهما عداوة فشّد عليه وقتله وخرج سلمان بن مضارب البجلي وكان ابن عم زهير فقاتل وخرج بعده زهير بن القين فوضع يده على منكب الحسين وقال مستأذناً
أقـدم هديت هادياً مهديّاً
فـاليوم القى جَدَّك النبيّا
وحـسناً والمرتضى عليّاً
وذا الجناحين الفتى الكميّا
وأسد الله الشهيد الحيا
فقال الحسين : وأنا القاهما على أثرك ، وفي حملاته يقول
:أنا زهير وأنا ابْن القين أذودكم بالسيف عن حسين فقتل مئة وعشرين ، ثم عبط عليه كُثير بن عبد الله الشعذي والمهاجر بن أوس فقتلاه فوقف عليه الحسين ودعا له وجزّاه خيرا وقال : لعن الله قاتليك ولعن الذين مُسخوا قردة وخنازير وجاء عمرو بن قرظة الانصاري ووقف أمام الحسين يقيه من العدو ويتلقى السهام بصدره وجبهته فلم يصل إلى الحسين سوءٌ ولما كثر فيه الجراح التفت إلى أبي عبد الله وقال : أوفيت يا ابن رسول الله ؟قال : نعم انت امامي في الجنة فاقرأ رسول الله مني السلام واعلمه اني في الاثر وخرَّ ميتاً فنادى أخوه علي وكان مع ابن سعد : يا حسين ياكذاب (أنما أقول كلمته حتي تطلع علي خبث هؤلاء الافراد) غررت اخي حتى قتلته فقال عليه السلام : إني لم اغر اخاك ولكن الله هداه واضّلك فقال : قتلني الله إن لم اقتلك ثم حمل على الحسين ليطعنه فاعترضه نافع بن هلال الجملي فطعنه حتى صرعه فحمله اصحابه وعالجوه وبرأ ورمى نافع ابن هلال الجملي بنبال مسمومة كتب اسمه عليها وهو يقول : أرمي بها معلمةً أفواقها مسمومةً تجري بهاأخفاقها, فقتل اثني عشر رجلاً سوى من جرح ولما فنيت نباله جرد سيفه يضرب فيهم فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه واخذوه اسيراً فأمسكه الشمر ومعه اصحابه يسوقونه فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك ؟قال : إن ربّي يعلم ما اردت ، فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك ؟ فقال :والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا ًسوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني ثم قتله الشمر, ولما صرع واضح التركي مولى الحرث المذحجي استغاث بالحسين فأتاه أبو عبد الله واعتنقه فقال : من مثلي وابن رسول الله واضع خده على خدّي ! (أنظر الي الحسين بن علي رجل الدين وألانسانيه يضع خده مرةً علي خّد ولده علياً الاكبر وكذلك ايضاً مرة اخري يضع خدّه علي خدّ غلامٍ تركي إذ لا يُفرّق إمامنا سلام الله عليه بين افراد النوع إلانساني فالدين إلانساني هو الدين إلاسلامي ) ثم فاضت نفسه الطاهرة ومشى الحسين الي أسلم مولاه واعتنقه وكان به رمق فتبّسم وافتخر بذلك ومات رضوان الله عليه ونادى يزيد بن معقل : يا بُرير كيف ترى صنع الله بك ؟ فقال : صنع الله بي خيراُ وصنع بك شراً فقال يزيد : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذابا أتذكر يوم كنت أماشيك في (بني لواذن) وأنت تقول كان عثمان مسرفاً ومعاوية ضالاً وإن إمام الهدي علي بن أبي طالب قال : بُرير : بلى اشهد ان هذا رأيي فقال يزيد : وانا اشهد انك من الضالين فدعاه برير الى المباهلة فرفعا ايديهما الى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله ثم تضاربا فضربه بُرير على رأسه ضربةً قدّت المغفر والدماغ فخر كأنما هوى من شاهق وسيف بُرير ثابت في رأسه وبينا هو يريد ان يخرجه إذ حمل عليه رضا بن منقذ العبدي واعتنق بُريراً واعتركا فصرعه بُرير وجلس على صدره فاستغاث رضا بأصحابه ،فذهب كعب بن جابر بن عمرو الازدي ليحمل على برير فصاح به عفيف بن زهير بن أبي الأخنس: هذا بُرير بن خضير القاري الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة فلم يلتفت اليه وطعن بُريراً في ظهره فبرك برير على رضا وعضّ وجهه وقطع طرف انفه وألقاه كعب برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله وقام العبدي ينفض التراب عن قبائه وقال : لقد انعمت عليّ يا اخا الازد نعمة لا أنساها أبداً ولما رجع كعب بن جابر الى أهله عتبت عليه امرأته النوار وقالت : اعنت على ابن فاطمة وقتلت سيد القراء لقد اتيت عظيماً من الأمر والله لا اكلمك من رأسي كلمة أبداً فقال :
سـلي تـخبري عنّي وانت ذميمة
غـداة حـسين والـرماح شوارع
الي آخر أبياته ونادي حنظلة بن سعد الشبامي : يا قوم إني اخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعادٍ وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد يا قوم اني اخاف عليكم يوم التّناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ومن يُضلل الله فما له من هاد يا قوم لا تقتلواحسيناً فيُسحتكم الله بعذابٍ وقد خاب من افترى فجّزاه الحسين خيراً وقال : رحمك الله انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم اليه من الحق ونهضوا اليك ليستبيحوك واصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا اخوانك الصالحين قال : صدقت يا ابن رسول الله أفلا نروح الى آلاخرة ؟ فأذن له فسّلم على الحسين عليه السلام ,وتقدم يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه واقبل عابس بن شبيب الشاكري على شوذب مولى شاكر وكان شوذب من الرجال المخلصين وداره مألفاً للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيت فقال : يا شوذب ما في نفسك ان تصنع ؟ قال : اُقاتل معك حتى اُقتل فجزّاه خيراً
وقال له : تقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى أحتسبك فان هذا يوم نطلب فيه الاجر
بكل ما نقدرعليه ,فسلّم شوذب على الحسين وقاتل حتى قُتل ووقف عابس امام أبي عبد الله عليه السلام وقال : ما امسى على ظهر الارض قريب و لا بعيد أعز عليّ منك ولو قدرت ان ادفع الضيم عنك بشيء أعز عليّ من نفسي لفعلت السلام عليك ،اشهد اني على هداك و هدى أبيك و مشى نحو القوم مصلتاً سيفه و به ضربة على جبينه فنادى : ألا رجل فأحجموا عنه لأنهم عرفوه اشجع الناس فصاح عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة فرمي بها فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره وشد على الناس وانه ليطرد اكثر من مئتين ثم تعطّفوا عليه من كل جانب فقُتل رضوان الله عليه ووقف جون مولى أبي ذر الغفاري امام الحسين يستأذنه فقال عليه السلام : يا جون إنما تبعتنا طلباً للعافية فأنت في اذن مني فوقع على قدميه يقبلهما ويقول : أنا في الرخاء ألحس قِصاعكم وفي الشدة أخذلكم سيدي ان ريحي لنتن وحسبي للئيم ولوني لأسود فتنفس عليّ بالجنة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبّيض لوني لا والله لا افارقكم حتى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم أهل البيت فأذن له الحسين فقُتل خمساً وعشرين وقُتل فوقف عليه الحسين وقال : اللهم بيِّض وجهه وطيِّب ريحه واحشره مع محمدٍ (صلي الله عليه وآله وسلم) وعرِّف بينه وبين آل محمد( عليهم السلام) فكان من يمر بالمعركة يشم منه رائحة طيبة اذكى من المسك
وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاً كبيراًصحابياً رأى النبي وسمع حديثه وشهد معه بدراً وحنيناً ، فاستأذن الحسين وبرز شادّاً وسطه بالعمامة رافعاً حاجبيه بالعصابة ، ولما نظر اليه الحسين بهذه الهيئة بكى وقال : شكراً لله لك يا شيخ فقتل على كبر سنهِ ثمانيةعشر رجلاً وقُتل وجاء عمرو بن جنادة الانصاري بعد أن قُتل أبوه وهو ابن إحدى عشرة سنة يستأذن الحسين هذا وقد أمرته أمه من قبل ذلك وقالت له : ولدي قم وأنصر ريحانة رسول الله بعد ما ألبسته لامة حربه فخرج يستأذن من الحسين بن علي فلما نظر إليه الحسين قال لأصحابه : هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأُولى ولعل أُمه تكره خروجه الي المعركه ردّوه الي الخيمة فأقبل الغلام يسعي نحو الحسين عجلاً خائفاً من أن يصّده أصحاب أبي عبدالله عن مراده وقصده فصاح : سيدي أبا عبد الله أن أمي هي التي ألبستني لامة حربي فأذن لي يا بن رسول الله حتي أرزق الشهادة بين يديك فجزّاه الأمام خيرا فبرز وهو يقول :
أميري حسينٌ ونعم الأمير
سرور فؤاد البشير النذير
علي ٌوفاطمةٌ والداه فهل تعلمون له من نظير
له طلعةٌ مثل شمس الضحى له
غرّةٌ مثل بدر المنير
فقاتل قتال الابطال فأحاط أعداء به من كل جانب أردوه الي الأرض صريعا فاحتزوا رأسه ورموا به نحو الخيام, فسعت الي رأسه أمه فمسحت الدم عنه وأخذته وضربت به رجلاً قريباً منها فمات وعادت الى المخيم فأخذت عموداً وقيل سيفا وانشأت تقول :
(أنا عجوز في النسا ضعيفة
خاوية بالية نحيفة
أضربكم بضربة عنيفة
دون بني فاطمة الشريفة ) فردّها الحسين إلى الخيمة بعد أن اصابت بالعمود رجلين (وما رضي الحسين سلام الله عليه بأن تخرج امرأة من سائر نساءالمسلمين امام الأعداء امام الرجال الأجانب فصونوا حلائلكم معاشر المسلمين كما تصونون ديناركم ودرهمكم) وقاتل الحجاج بن مسروق الجّعفي حتى خُضّب بالدماء فرجع الى الحسين يقول : ( اليوم القي جدك النبيا ثم أباك ذا الندي عليا ذاك الذي نعرفه الوصيا) فقال الحسين : وأنا القاهما على أثرك فرجع يقاتل حتى قُتل ولما اُثخن بالجراح سويد بن عمرو بن أبي المطاع سقط لوجهه وظُنَّ انه قُتل ,فلما قُتِلَ الحسين وسمعهم يقولون : قُتل الحسين أخرج سكينةً كانت معه فقاتل بها وتعطّبوا عليه فقتلوه وكان آخر من قتل من الأصحاب بعد الحسين عليه السلام ,ولما لم يبق مع الحسين إلاأهل بيته عزمواعلى ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مر ونفوس أبية واقبل بعضهم يودّع بعضاً واول من تقدم هو شبيه رسول الله علي ٌ الأكبر وكان شبيهاً برسول الله خلقا وخُلقاً ومنطقاً فأحطن به النسوة وقلن أرحم غُربتنا فليس لنا طاقة علي فراقك فلم يأبي بكلامهن واستأذن أباه فبرز على فرسٍ للحسين يسمي لاحقاً وهويقول :
أنا علي بن الحسين بن علي نحن وبيت الله أولي بالنبي
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي ضربةغلامٍ هاشميٍ علوي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
ولم يتمالك الحسين عليه السلام دون أن رفع شيبته المقدّسه نحو السماء وأرخي عينيه بالدموع وقال :اللهم أشهد علي هؤلاء القوم فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمّدٍ صلّي الله عليه وآله وسلّم وكنا إذ أشتقنا الي رؤيه نبيك نظرنا إليه اللهم امنعهم بركات الأرض وفرّقهم تفريقاً واجعلهم طرائق قددا ولا ترضِ الولاة عنهم ابداً فأنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا وصاح ببن سعد : قطع الله رحِمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ثم تلا قوله تعالي : إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ .ولم يزل يقاتل حتي قتل سبعين رجلاً وقد أشتّد به العطش فرجع الي أبيه يستريح ويذكر ما اجهده من العطش فبكى الحسين وقال : واغوثاه ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظمأ بعدها أبداً
نادى
يبويه شربة بمية الچبدي
اتگوي واگوم للگوم وحدي
يا بويه انفطركبدي وحگ جدي
العطش والشمس والميدان والحر
يگله منين جيب المايي يبني مو حجيك بهض حيلي وشعبني
واوفت روحي وحمت چبدي ولسبني يبويه استخلف الله العمر واصبر
يگله والدمع يسفح من العين يابعدي وبعد كل الناس يحسين
يگلي اصبر وگلبي صار نصين اشلون اصبريبويه والصبر مر
واتاه سهم وقع في حلقه وطعنه مُرة بن منقذ العبدي بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته وتابعه الناس بأسيافهم حتي قطّعوه إرباً فجاء إليه الحسين وأنكّب عليه يقول قتل الله قوماً قتلوك ما اجرأهم علي الله وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا ثم أخذ بكفه من دمهِ الطاهر ورمي به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة وامر فتيانه أن يحملوه الى الخيمة فجاؤا به إلى الفسطاط الذي كانوايقاتلون أمامه وحرائر بيت الوحي ينظرن اليه محمولاً قد جللته الدماء بمطارف من العز حمراء وقد وزّع جثمانه الضرب والطعن فاستقبلنه بصدور دامية وعولةً تصكُّ سمع الملكوت وامامهن كبيرة البيت الهاشمي زينب العقيلة صارخةً نادبة فألقت بنفسها عليه تضم اليها جمام نفسها الذاهب وحمى خدرها المنثلم وعماد بيتها المنهدم ,وخرج من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهو يقول :
اليوم القى مسلماً وهو أبي وعصبة بادوا علي دين النبي
فقتل جماعة بثلاث حملات ورماه يزيد بن الرقاد الجهني بسهم , فاتقاه بيده فسمرها الى جبهته فما استطاع ان يزيلها عن جبهته فقال : اللهم انهم استقلّونا واستذلّونا فاقتلهم كما قتلونا وبينا هو على هذا إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه ومات ولما قُتل عبد الله بن مسلم حمل آل أبي طالب حملة واحدة فصاح بهم الحسين عليه السلام : صبراً على الموت يا بني عمومتي والله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم , فوقع فيهم عون بن عبد الله بن جعفرالطيار وامه العقيلة زينب واخوه محمد وامه الخوصاء وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب واخوه جعفر ابن عقيل ومحمد بن مسلم بن عقيل وأصابت الحسن المثنى ثمانية عشر جراحة وقطعت يده اليمني ولم يُستشهد وخرج أبو بكر بن اميرالمؤمنين عليه السلام واسمه محمد وامه شرية قتله زحر بن بدر النخعي, ثم خرج عبد الله بن عقيل فما زال يضرب فيهم حتى اُثخن بالجراح وسقط الى الارض فجاء اليه عثمان بن خالد التميمي فقتله, وخرج أبوبكر بن الأمام الحسن عليه السلام وهو عبد الله الاكبر وامه ام ولد يقال لها رملة ,فقاتل حتى قُتل وخرج من بعده اخوه لامه وأبيه القاسم وهو غلام لم يبلغ الحُلم فلما نظر اليه الحسين عليه السلام اعتنقه وبكى اذن له فبرز كأن وجهه شقة قمر وبيده السيف وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع نعله اليسرى وأنف ابن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن يحتفي في الميدان فوقف يشد شسع نعله وهو لا يزن الحرب الا بمثله غير مكترث بالجمع ولا مبال بالالوف, وبينا هو على هذا إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الازدي وضربه بالسيف علي رأسه ففلق هامته, وصاح الغلام ياعماه وأمه واقفه بباب الخيمة تنظر إليه وهي مدهوشة فأتاه الحسين وضرب قاتله فاتقاه بالساعد فأطنها من المرفق وصاح صيحة عظيمة سمعها العسكر فحملت خيل ابن سعد لتستنقذه فأستقبلته بصدورها ووطأته فمات ,وانجلت الغبرة واذا الحسين قائم على رأس الغلام وهويفحص برجليه والحسين يقول : بعداً لقوم قتلوك خصمهم يوم القيامة جدّك ,ثم احتمله ورجلاه يخطان في الأرض فألقاه مع علياً الاكبر وقتلى حوله من أهل بيته,
جابـــه اومدده ما بين اخوتـــه بجـه عدهـــم يويلــي وهم موته
بس ماسمعــن النسوان صوتــه اجت عمتـه تصيـــح اللّه وكبـر
امبارك بين سبيـــعن الف جابوك عن الحنـة ابدم الــرأس حنـــوك
ابدال الشمــع بالنشاب زفــوك على راسـك ملبس نبــل ينثــــر
ولما رأى العباس عليه السلام كثرة القتلى في أهله قال لأخوته من أمّه وأبيه عبد الله وعثمان وجعفر : تقدّموا يا بني أُمي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله والتفت الى عبد الله وكان أكبر من عثمان وجعفر وقال : تقدم يا أخي أراك قتيلا وأحتسبك فقاتلوا بين يدي أبي الفضل حتى قُتلوا بأجمعهم ,ولم يستطع العباس صبراً بعد قتل إخوته وأولاد عمه وأخيه وكان آخرمن بقي مع الحسين فأستأذنه قال : ياأخي أنت صاحب لوائي , قال العباس : قد ضاق صدري وأريد أن آخذ ثأري من هؤلاء المنافقين فقال الحسين : إذاً فأطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء فذهب العباس الى القوم ووعظهم وحذّرهم غضب لجبّارفلم ينفع ورجع الي الحسين يخُبره فسمع الأطفال ينادون العطش العطش ,فركب جواداً وأخذ الِقربة وقصد الفرات فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم يأبي بجمعهم ولم ترعه ( ولا راعته) كثرتهم فكشفهم عن المشرعة ودخل الماء واغترف منه ليشرب فتذّكر عطش الحسين فرمي الماء وقال
يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنت أو تكوني
هذا الحسين وارد المنون
وتشربين بارد المعين
شلون أشرب واخويه حسين عطشان
وسكنة والحرم واطفال رضعان
وظن گلب العليل التهب نيران
ياريت الماي بعده لا حلا ومر
هذا الماي يجري بطون حيّات
اضوگه گبل چبد حسين هيهات
وظن طفله ومن العطش مات
واظن موتي گرب والعمر گصّر
ثم ملأ القربة وتوجه نحو المخيم فأخُذ عليه الطريق وجعل يضرب فيهم وهو يقول
لا أرهب الموت إذا الموت زقا
حتّى اُوارى في المصاليت لقى
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقى
إني أنا العبّاس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشرَّ يوم الملتقى
فكمن له زيد بن الرّقاد من وراء نخلةٍ وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فبراها وأخذ السيف بشماله وقال (والله إن قطعتم يميني إني أُحامي ابداً عن ديني ) فحاموا عن دينكم ايها المسلمون وتمّسكوا به فأنه خير دينٍ ( وعن امامٍ صادقٍ اليقينِ نجل النبي الطاهر الامينِ) فكمن له حكيم بن الطفيل من وراءِ نخلة فضربه علي شماله فقطعها فضّم اللواء الي صدره وتكاثروا عليه وأتته السهام كالمطر فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها وسهم أصاب صدره وسهم أصاب عينه وضربه رجل بالعمود على رأسه ونادي عليك مني السلام ابا عبد الله فأتاه الحسين ورأه مقطوعا اليمين واليسار مُرتثاً بالجراحا انحني عليه وبكي بكاءً عاليا وقال : آلان انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمُت بي عدّوي ثم حمل عليهم ويقول : بنا اين تفرّون وقد فتتم عمودي فبينا امامنا جالس عند ابي الفضل واذا بأبي الفضل التفت فقال سيدي ماتريد أن تصنع قال أريد حملك الي المخيّم
نادى:
ياخويه حسين خليني بمچاني يگله ليش يازهرة زماني
يا خويه واعدت سكنه تراني ابمي ومستحي منهه ومگدر
يخويـه مادرت لنـك رميـه و ابرجــواك تسجيـهـا ميـه
يخويـه امنيـن اجت ليك المنيه اوتكضي بالشمس والعطش والحر
فبعد هنيئةٍ فاضت روح أبي الفضل في حجر أبي عبد الله الحسين فرجع الحسين الي المخيّم منكسراًحزيناً يكفكف دموعه بكمه وقد تدافعت الرجال على مخيمه فصاح : اما من مجير يجيرنا اما من مغيث يغيثنا اما من طالب حق فينصرنا اما من خائف من النار فيذب عنا فأتته سكينة وسألته عن عمها فاخبرها بقتله وسمعته زينب
فصاحت : وا أخاه وا عباساه وا ضيعتنا بعدك وبكين النسوة وبكى الحسين معهن وقال :
وا ضيعتنا بعدك ولما قُتل العباس التفت الحسين فلم ير احداً ينصره ونظر الى أهله وصحبه مجزّرين كالأضاحي وهو إذ ذاك يسمع عويل الايامي وصراخ الأطفال صاحبأعلى صوته : هل من ذاب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا ؟ فأرتفعت اصوات النساء بالبكاء ونهض السجاد (ع) يتوكأ على عصا ويجر سيفه لانه مريض لا يستطيع النهوض فصاح الحسين بأم كلثوم احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد فأرجعته الى فراشه وهي تنادي
يخويه ومالك معين وگومك عالغبره مطاعين
انا منين اجيب المرتضي منين عن كربلة يابه غبت وين
تدري الاميـه اعليك اكـو دين بويه يطلبون ثار ابدر وحنـين
خذو ثارهـم واحـد ابسبعين فزعـوا فرد فزعه عله احسين..
ثم انه عليه السلام أمر عياله بالسكوت وودّعهم وكان عليه جبة خز دكناء وعمامة مورَّدة ارخى لها ذوابتين والتحف ببُردة رسول الله ولبس درعه وتقلد بسيفه وطلب ثوباً لا يرغب فيه أحد, يضعه تحت ثيابه لئلا يجرد منه فانه مقتول مسلوب فأتوه بتّبان فلم يرغب فيه لانه من لباس الذلة وأخذ ثوباً خرقاً وخرّقه وجعله تحت ثيابه ودعا بسراويل ففزرها ولبسها لئلا يُسلبها ودعا بولده الرضيع يودعه فأتته زينب بابنه عبدالله وأمه الرباب فأجلسه في حجره يقبله ويقول بعداً لهؤلاء القوم اذا كان جدّك المصطفى خصمهم
ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بسهم فذبحه ,فتلقى الحسين الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة وقال هون ما نزل بي انه بعين الله تعالى اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا منا لظالمين وأجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرةً لنا في الآجل اللهم انت الشاهدعلى قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآله وسمع عليه السلام قائلا يقول : دعه يا حسين فان له مرضعاً في الجنة فجاء به الي قرب خيمة (العقيلة زينب) وما رجع به الي أمه لأن الأم لا تتوكد أن تري ولدها مقتول أمامها فخرجت إليه العقيلة فلما نظرت الي الطفل وإذا به مذبوح من الوريد الي الوريد والسهم نابتٌ في نحرهِ ودمه مسفوح علي صدره
نادت
يخويه الطفـل عني دغطـيـه آنه مالي كلب يحسيـن اصـد ليــه
اشوفـه ذبيـح او مـاد رجليــه خويه خفــت العطش لن يلحك عليه
هـــذا الخفـــت منــه طحت بيه
وحفر له الحسين سلام الله عليه بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه ويقال وضعه مع قتلى أهل بيته وتقدّم نحو القوم مصلتاً سيفه آيساً من الحياة ودعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل جمعاً كثيراً ثم حمل على الميمنة وهو يقول :
الموت اولي من ركوب العار
والعار اولي من دخول النار
وحمل على الميسرة وهو يقول :
انا الحسين بن علي آليت أن لا أنثني
أحمي عيالات أبي أمضي علي دين النبي
قـال عــبــد اللّه بـن عمـار بـن يـغـوث : مارأيت مكـسورا قط قد قتل ولده وأهل بـيتـه وصـحـبـه أربـط جـأشـا مـنـه ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مُقدما ولقـد كـانـت الرجـال تنكشـف بـيـن يديه إذا شد فيها ولم يثـبـت له أحـد فـصـاح عـمر بـن سـعد بـالجـمع : هذا ابـن الانزع البطـين ، هذا ابن قـتال العـرب ، احــمـلوا عليـه من كـل جانب ، فـأتـتـه أربعة الاف نبله ، وحال الرجال بـينه وبين رحـله ، فصـاح بهم : يا شـيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين ، وكنتـم لا تخـافـون المعـاد ، فكونوا أحـرارا في دنياكم ، وارجـعـوا إلى احسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر : ما تقول يا ابن فاطمة ؟
قـال : أنـا الذي اقاتــلكـم وأنتـم تـقاتـلونني ، والنسـاء ليس عـليهـن جـنـاح فامنعوا عتاتكم وجهالكم عن التعرض لحرمي مادمت حيا
قال اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي قد حان حيني وقد لا حت لوائحه
فقال الشمر : لك ذلك ،
* عطش سيد الشهداء
وقـصـده القوم واشـتـد القتـال ، وقد اشتـد بــه العـطـش ، فـحـمـل من نحـو الفـرات عـلى عمـرو بــن الحـجـاج ، وكـان في اربعة الاف ، فكشـفهـم عن الماء ، واقحم الفرس الماء ، فلما ولغ الفرس ليشرب قـال الحــسـيـن : أنت عـطـشـان وانا عطشان ، فـلا اشرب حتى تشـرب!! فرفع الفرس رأسه كأنه فهم الكلام ! ولما مد الحـسـين يده ليشـرب ناداه رجـل : أتـلتذ بالماء وقـد هتكـت حرمـك ؟!! فـرمـى الماء ولم يشـرب وقـصـد الخـيمة
ثـم إنـه عـليـه السـلام ودع عياله ثانيا وأمرهم بــالصـبـر ولبس الازر وقال ـ: اسـتـعـدو للبـلاء ، واعلمـوا ان اللّه حـاميـكـم وحـافـظـكم وسينجـيكم مـن شـر الاعـداء ويجعل عاقـبـة أمركم إلى خير، ويعذب عدوكم بأنواع العـذاب ، ويـعوضـكـم عن هـذه البلية بأنواع النعم والكرامة فـلا تـشـكوا ولا تقولوا بالسنتكم ما ينقص من قدركم فقال عـمر بـن سـعد : ويحـكم اهجـموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه واللّه إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم فـحـمـلوا عـليـه يرمونـه بـالسـهام حتـى تخـالفت السهام بـين أطـناب المخيم ، وشـك سـهم بـعض أزر النساء ، فدهشن وارعبن وصـحـن ودخـلن الخيمة ينظرن إلى الحسين كيف يصنع فـحـمل عـليهم كـالليث الغـضـبـان فلا يلحق أحدا الا بـعجـه بسـيفه فيقتـله ،والسهام تأخذه من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره ورجـع إلى مـركـزه يـكثـر من قـول لا حـول ولا قوة إلا بـاللّه العلي العظـيم وطلب في هذا الحال ماءا
فـقـال الشـمـر : لا تـذوقه حـتـى تـرد النـار ! وناداه رجـل : يا حسـين ألا تـرى الفـرات كـأنـه بــطـون الحـيـات ؟ فلا تشـرب مـنه حتى تموت عـطشا فقال الحسين : اللهم أمته عطشأ فـكـان ذلك الرجـل يطـلب المـاء فيؤتـى به فيشـرب حـتى يخـرج من فيه وما زال كذلك إلى ان مات عطشا .
ورمـاه أبــو الحـتـوف الجـعـفي بـسـهمفي جبـهته فنـزعه وسالت الدمـاء على وجـهه فـقـال : اللهم انـك تـرى ما انا فيه من عـبـادك هؤلاء العصـاة ، اللهم احـصـهم عـددا واقتـلهم بـددا ولا تذر على وجـه الأرض منهم أحدا ولاتغفر لهم أبدا وصـاح بــصوت عـال : يـا أمـة السـوء بئسما خـلفـتم محمدا في عترته ، امـا انـكـم لا تـقـتلون رجـلا بـعـدي ، فـتهابون قتله ، بل يهون عليكم ذلك عند قـتـلكـم إيـاي ، وايم اللّه انـي لارجـو ان يكرمني اللّه بــالشـهادة ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون قال الحصين : وبماذا ينتقم لك منّا يا ابن فاطمة ؟
قــــال : يـلقــي بـاسكـم بينـكــم . ثــم يصـــب عليكــم العــذاب صبـــا
ولمـا ضـعـف عن القـتـال وقف يـسـتريح ، فرماه لعين بـحجـر على جبـهته ، فـسـال الدم عـلى وجـهـه ، فأخـذ الثـوب ليـمسح الدم عن عينيه رماه آخـر بسهم محدد له ثلاث شعب وقع في صدره وقيل على قلبه فــقــال : بــســم اللّه وباللّه وعــلى ملة رسول اللّه . ورفع راسه إلى السماء وقـال : إلهـي انـك تــعــلم أنهم يقتـلون رجــلا ليس على وجه الأرض ابـن نبـي غـيره !! ثــم أخـرج السـهم من قفاه ، وانبعـث الدم كالميزاب ، فوضـع يده تـحـت الجـرح ، فـلمـا امتلأت رمى بـه نحو السـماء وقـال : هون عــلي مـا نـزل بــي أنه بعـين اللّه، فـلم يســقـط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض !! ثـم وضـعها ثانيا فلما امتـلأت لطـخ بـه رأسـه ووجـهه ولحـيته وقال : هكذا أكـون حـتــى ألقـى اللّه وجدي رسـول اللّه وأنا مـخـضـوب بدمي وأقول : يـاجـد قـتــلنـي فـلان وفلان . وأعـياه نزف الدم ، فجلس على الأرض ينوء بـرقبتـه ، فانتهى إليه في هذا الحال مالك بن النسر فشتمه ، ثـم ضربه بالسيف عـلى راسـه ، وكـان عليـه بـرنس فـامـتـلأ البرنس دما . فقـال الحـسين (ع) : لا أكـلت بــيـمـينـك ولا شـربـت وحـشرك اللّه مع الظـالمين ، ثــم ألقـى البرنس ، واعتم على القلنسوة
قال هاني بـن ثـبت الحـضـرمي : اني لواقف عـاشـر عشرة لما صـرع الحسـين ، إذ نظـرت إلى غـلام من آل الحـسـين ، عـليه ازار وقميص وفـي اذنيه درتان ، وبـيده عـمود من تـلك الأبنية ، وهو مذعور يتلفـت يمينا وشـمالا ، فأقبـل رجـل يركـض حـتـى إذا دنا منه مال عـن فـرسـه وعـلاه بـالسيـف فقـطـعــه وذلك الغـلام هـو محـمد بــن ابـي سـعـيد بـن عقـيل بـن ابي طـالب وكانت أمـه تـنـظـر إليـه وهي مدهوشـة . ثـم انهم لبــثوا هنيئة وعـادوا إلى الحـسـين وأحاطوا به وهو جالس على الارض لا يستطيع النهوض
فـنظـر عـبـد اللّه بـن الحـسـن السبـط وله احدى عشـر سنة إلى عمـه ، وقــد أحـدق بـه القوم ، فـأقبـل يشـتـد نـحو عـمه وأرادت زينب حبسـه ، فأفـلت مـنها ، وجـاء إلى عـمه ، وأهوى بـحـر بن كـعب بالسـيف ليضـرب الحسين فـصـاح الغـلام : يا ابـن الخـبيثـة أتـضـرب عـمي الحسـين ؟ فغضب اللعين من كلامه ، فـضـرب الغـلام بسـيفه فاتـقـى الضربة بيده ، فأطـنها إلى الجـلد فإذا هي معلقة فـصـاح الغـلام : يا عـماه لقـد قطـعوا يدي ، ونـظـر إلى أمه في بـاب الخـيمة فـنـادى : يـا امـاه لقـد قطـعـوا يميني فضـمه الحـسـين إليه فقال : يا ابـن أخـي أصـبـر على ما نزل بك ، واحـتـسـب في ذلك الخـير ، فإن اللّه تعالى يلحقك بـآبـاءك الصـالحــيـن. ورفـع يده قـائلا : اللهم إن متعتهم إلى حين ، ففرقهم تـفـريقا ، واجـعـلهم طـرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبـدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ،ثم عدوا علينا يقاتلوننا ورمى الغـلام حـرملة بـن كـاهل بـسـهم فـذبحه وهو في حجـر عـمه ، وبقـي الحـسـين مـطـروحا عـلى الأرض مليا ولوشـاؤوا ان يقـتــلوه لفـعـلوا ، إلا ان كل قبيلة تتكل على غيرها ، وتكره الاقدام .
فـصـاح الشـمر ما وقوفكم ، وما تـنتـظـرون بـالرجـل وقد اثـخـنته السـهام والرمـاح ، احملوا عـليـه ، فـضـربــه زرعة بـن شـريك على كتـفه الأيسـر ! ورماه الحـصـين في حلقه ! وضـربـه آخـر على عاتـقه ! وطعنه سـنان بن انس فـي تـرقوته ، ثـم في بـواني صـدره ، ثم رماه بسـهم في نحـره ، وطـعـنه صالح بن وهب في جنبه قـال هلال بـن نافـع : كنت واقفا نحـو الحسـين ، فرأيتـه يجـود بنفسه ، فواللّه مـا رأيـت قـتيلا قط مضمخـا بـدمه ، أحـسن منه ولا أنور وجـها ! ولقد شـغـلني نور وجـهه عـن الفـكرة في قـتله ! فاستسقى في هذا الحال ماءاً فأبـوا ان يسقوه !
وقـال له رجـل : لاتـذوق المـاء حـتى ترد الحاميـة فـتشـرب من حميمها!
قـال : أ أنـا أرد الحـامـيـة ؟! وإنما أرد عـلى جـدي رسـول اللّه ، وأسكـن معه فـي داره ، في مـقـعـد صـدق عنـد مليك مقتـدر ، وأشـكوا إليه ما ارتـكبـتم مني ، وما فعلتـم بـي فغضبوا بأجـمعهم حـتى كأن اللّه لم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئا .
واقـبـل فـرس الحـسين يدور حوله ويلطـخ ناصـيتـه بـدمـه ! فصاح ابن سعـد : دونـكـم الفـرس ، فانه من جـيـاد خـيل رسول اللّه. فأحـاطـت بــه الخيل فجعل يرمح برجليه ، حتى قتل جماعة فـقـال ابـن سـعـد : دعوه لننظـر مـا يـصـنع فلما امن الجـواد الطـلب ، أقبل نحو الحسين يمرغ ناصيته بدمه ويشمه ويصهل صهيلا عاليا قال أبو جعفر الباقر كان يقول : الظـليمـة الظليمة ، من أمة قـتـلت ابـن بنت نبيهـا وتوجه نحو المخيم بذلك الصـهيل فلما نظـرن النسـاء إلى الجـواد مخـزيا ! والسرج عليه ملويا ! خرجن مـن الخــدور ! عــلى الخـدود لاطــمات ! وبــالعويـل داعيات ! وبـعد العز مذللات ! وإلى مصرع الحسين مبادرات .
فواحــدة تحنـو عليه تضمــه واخـــرى عليــه بالرداء تظلل
واخرى بفيض النحر تصبغ شـعرها واخرى تفديــه واخــرى تقبل
واخرى على خوف تلوذ بجـنبـه واخــرى لما قد نالـها ليس تعقل
ونـادت أم كـلثـوم : وامحـمداه ! واأبـتاه ! واعـليـاه ! واجـعفـراه ! واحمزتاه هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء !
ونـادت زيـنب : واخــاه ! واســيداه ! واأهل بيتاه ! ليت السمـاء اطـبقــت على الارض ، وليت الجـبـال تدكدكت على السهل , وانتهت نحـو الحسين ، وقد دنا منه عمر بـن سـعد في جماعة من أصـحابه ، والحسين يجود بنفسه فصاحت : أي عمر أيقتل أبو عبد اللّه وأنت تنظر إليه , فـصـرف بـوجـهه عـنها ، ودموعه تـسـيل على لحـيته ! فقـالت : ويحكم أما فـيـكـم مسـلم , فلم يجـبـهـا أحـد , ثـم صـاح ابـن سعد بـالناس : انزلوا إليه وأريحوه , فبدر إليه شمر !!! فرفسه برجله.
واللّـه مـا قـرأت هـذه المصـيـبـة إلا فـي اليـوم العـاشـر فقط ولا اتعرض إلى ذكرها طيلة السنة أبدا
فـرفسـه بـرجـله وجلس عـلى صـدره وقـبـض على شـيبـتـه المـقدسة وضـربـه بالسـيف , وضربه بالسيف اثـنـى عـشـر ضربــة !! واحـتـز رأسه المقدس !! أي وا إماماه ! وا حسيناه ! واسيداه !