 |
-
العراق ..حملات انتخابية في المساجد.. وفتاوى تقرع الأجراس
العراق ..حملات انتخابية في المساجد.. وفتاوى تقرع الأجراس
جابر حبيب جابر
تصدرت الفتاوى الدينية حول موضوع الانتخابات المشهد العراقي، حيث اصدر ممثلو المرجع الديني الاعلى السيد السيستاني وصايا بضرورة المشاركة واعتبارها تكليفا شرعيا. هذه الحملة بدأت متوائمة مع الاستحقاقات الاجرائية للعملية الانتخابية، اذ سيشهد شهر تشرين الثاني توزيع وتدقيق معلومات الناخبين وتسجيل الكيانات السياسية. ويستطيع المتجول في الأمسيات الرمضانية في شوارع بغداد، ان يستمع الى حالة غير مسبوقة تأتي عبر مكبرات الصوت في المساجد. اذ بدل ان تتحدث وتنشغل بالخطب الوعظية، تسمع الحديث عن الانتخابات والدستور وحتمية المشاركة، والتأكيد على دور المرأة. انها جزء من الحملة التي تتبناها المرجعية. لكن هل ينبئ هذا بظهور خطر دور متعاظم لهذه المؤسسة ولرجال الدين؟
للاجابة على ذلك، لا بد من تبيان بعض الحقائق:
أدت سياسة النظام السابق المفرطة في قمعيتها، الى افراغ البلد من القوى والشخصيات السياسية. وصاحبها الغاء وتجويف لدور مؤسسات المجتمع المدني. لذا عندما انهار النظام، كان من الطبيعي ان يقوى تأثير البنى والأطر التقليدية، كونها موجودة تاريخياً ومنظمة، وانتماء المواطن لها امر طبيعي ويعود لها وقت الازمات. وزاد ذلك فوضى وتشرذم الاحزاب التي ظهرت على الساحة، مع ضعف في القدرة على الاستقطاب الفعال، مما اضعف تأثيرها في المجتمع ودفع الى تقدم دور المرجعية في الشأن السياسي.
في مجتمع لم يترب على مناخ ديمقراطي ويفتقد لبديهات وأساسيات هذه الممارسة، فان الوضع يتطلب تنشئة ديمقراطية لتحقيق كل هذه الأمور. وبما اننا لا نمتلك لا الوقت ولا التراكم لإنجاز ذلك، فلا ضير من ان تتصدى المنابر الدينية بالتثقيف حول امانة وصدقية الاختيار والممارسة وان تقرن ذلك بالفضائل والوصايا الدينية.
الخطر المحدق بالانتخابات بات كبيراً، وهناك اطراف تعد نفسها لتقويضها بالعنف. وأفضت التهديدات الى استقالة بعض مديري مفوضية الانتخابات في المحافظات الساخنة، ومن المتوقع ان تطال المرشحين وصولاً الى تهديد الناخبين، وربما تفجير بعض اماكن التصويت. امام هكذا تحد دموي شرس، هل يكفي ان تذكر الفرد بحقوقه المدنية، وأن تقول له ان تعريف المواطن عند الاغريق كان هو الشخص الذي يشترك بالعملية السياسية؟ لموازنة رعب التهديد لا بد من قوة عقيدية دافعة، وهذه يوفرها الدين عبر دعوة مراجعه، المطالبة بأن تقرن دعواتها بالتكليـف الشرعي مما يلزم المواطـن بالمشاركة مسترخصاً المخاطر او حتى التهديد بالموت.
وما دعت اليه المرجعية يلتقي مع المنهج المتحضر الذي سلكته الشعوب لتحقيق امنها الاجتماعي وتصالح تكويناتها وتحقيق استقرارها ورفاهها، وهو الاحتكام الى الاليات الديمقراطية، وهو منهج لا يستطيع الغرب وإدارة الاحتلال ان تتنكر له ولا ان ترفض النتائج التي يفضي اليها، فقد تمسك بالقاعدة الفقهية القائلة «الزموهم بما ألزموا به انفسهم».
اما الداعون للمقاطعة وهي في طور الجدل الى الآن، فان مقاطعتهم اذا تمت، فمن الصعب أن تحقق نجاحاً كبيراً على الارض، لأنها ستعزز النقد الموجه لمن يتبناها بأنه يرفض المسار السياسي، ولا يؤمن بأي آلية سلمية. وربما فُهِمَ رفضه لمجلس الحكم والحكومة المنبثقة عنه ثم الحكومة الانتقالية ثم نقل السيادة، ولكن ماذا عن رفض الانتخابات؟ فسلبية المقاطعين تفرغ هذه الانتقادات وتضعف من مضمونها الوطني، وتترك الآخر يستحوذ على المشهد السياسي، بالاضافة الى ان من يرفض يفتقر إلى تقديم بديل عملي ممكن التطبيق، فضلاً عن ان هناك عوامل تضعف من قوة المقاطعة منها:
ان النظام الانتخابي الذي اخذ به، وهو اعتبار العراق دائرة واحدة، من شأنه أن لا يجعل غياب بعض المناطق ملموساً على مستوى التأثير والتمثيل، فضلاً عن انه وسط اندفاع الآخرين للمشاركة، فإن غياب أي تكوين لن يقدح بشرعية الانتخابات.
تسنى لي حضور لقاءات انتخابية لبعض النخب التي تفكر في تأليف قوائم وتعد لذلك، ووجدت ان المشهد يخترق الطوائف والقوميات، وان هناك رغبة واسعة في التواجد والمشاركة ووفرة في المرشحين، بل حتى في المناطق الأكثر سخونة امنياً، فان هناك ميلا متنامياِ عند نخبهم بضرورة المشاركة، لإدراكهم بأن عدم مشاركتهم سيؤدي إلى تغييبهم لمصلحة آخرين من نفس تكوينهم الاجتماعي، مع إدراكهم بأن المجلس المقبل سيكون ائتلافياً، لذا فإن اي كتلة برلمانية مهما صغرت، ربما ستكون بيضة القبان للموازنة بين الكتل السياسية المتنافسة داخل البرلمان، ويستطيع الصغير ان يعظم مكاسبه ويمرر خياراته.
المجلس المقبل سيكون انتقالياً لسنة واحدة، الا ان اهميته تنبثق من انه سيعطي للفرقاء اوزانهم الحقيقية، لذا فليس من الحصافة التغيب الذي سيؤدي الى اضعاف التواجد، ومن جهة اخرى فإن مهمته الاساسية هي صياغة دستور يطرح للشعب في استفتاء عام وهذا الدستور سيكون له دور هام في تشكل العراق المستقبلي.
نعود الى السؤال المقلق: هل هذا ينبئ بدور متعاظم لرجال الدين في مستقبل العراق؟ ان اجراس الخطر ستدق لو تجاوزت المرجعيات الدينية الدور القيمي والإرشادي الى لعب الدور الاساس في قيادة العملية السياسية، وفيما لو لم تحتفظ المرجعيات الدينية لنفسها بمسافة بعيدا عن كل القوى والفعاليات السياسية، ودخلت في تغليب فئة او طائفة على اخرى، وفيما لو قسرت المجتمع على خيارات معينة.
ترى، اذ فشلنا في اعادة العسكر الى ثكناتهم بعد نجاح الثورات، فهل سننجح في اعادة رجال الدين الى مساجدهم بعد اقامة الديمقراطية!.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |