شهدت المنطقة العربية سيادة موجات من التيارات السياسية والفكرية .. فقد عرفت صعود اليسار بعد الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الستينات .. نتيجة تأسيس الاتحاد السوفيتي ومعاركه في مواجهة النازية وإنتصاره الساحق عليها .. ثم ومنذ منتصف الخمسينات وحتى منتصف الستينات طغى على سطح الاحداث تيار قومي تعلق بشخص جمال عبد الناصر بعد إنتصاره السياسي رغم هزيمته العسكرية في حرب السويس عام 1956 .. وفي الثمانينات كان لإنتصار الثورة الاسلامية في إيران وظهور زعامة الامام الخميني أثره في التحول الفكري والسياسي في المنطقة .. ومع ان النظام السعودي العميل لعب دورا كبيرا في مواجهة الثورة الاسلامية الصاعدة وتأثيراتها الفكرية في المنطقة .. ووظف من أجل ذلك طاقات كبيرة من بينها دفع نظام صدام حسين الى حرب ضروس مع ايران .. فضلا عن تجنيد جيش هائل من مرتزقة القلم والفكر من مختلف التيارات لمواجهة الثورة الفتية .. فإنه لم يستطع ان يمنع تحول المنطقة نحو الإسلام السياسي الذي بات سيد الموقف الى يومنا هذا ..
تواجه المنطقة العربية خلافا لمناطق كثيرة في العالم معضلات بقيت على الدوام بلا حل .. ويرتبط الأمر بثلاثة عوامل هي النفط ووجود " إسرائيل " والموقع الجغرافي .. وهذا ما عرضها الى غزوات متتالية ومتواصلة .. مباشرة وغير مباشرة .. مبطنة ومكشوفة .. وكان من نتيجة هذه الغزوات تسليط أنظمة عميلة وفاسدة .. تنفذ أجندات أجنبية .. وتعجر عن حل المشكلات الإجتماعية والسياسية التي تواجهها شعوب المنطقة .. وكانت القوى الغربية صاحبة المصلحة في تكوين نظام سياسي عربي لا يعبر عن مصالح العرب .. ولهذا منعت شعوب المنطقة من أخذ زمام الامور بيدها .. وقد بقيت المنطقة تعاني من تسلط أنظمة ديكتاتورية تابعة .. كانت بمقدار ما تخدم المصالح الاجنبية تبتعد عن ان تكون ممثلة لشعوبها .. بل ان هوة سحيقة نشأت بمرور الزمن وسيادة حالة الاحباط الناجمة عن عجز هذه الانظمة وتسلطها وفسادها وديكتاتوريتها بيها وبين شعوبها .. لهذا كان العرب يبحثون دوما عن بطل .. يختصر الزمن الضائع المهدور الذي جعل العرب أمة بلا قيمة وبلا هوية وبلا حاضر او مستقبل ..
لقد تربع جمال عبد الناصر على عرش القيادة لدى العرب مع انه خرج بهزيمتين عسكريتين .. لكنه كان يعوضهما بسياسة صمود وتحدي .. وبخطاب سياسي تحريضي يستقطب العرب .. وعند موته ترك فراغا كبيرا لم يستطع احد ان يملئه مع ان كثيرين قد حاولوا ذلك كالقذافي وحافظ الاسد وصدام حسين .. تطورات الاوضاع اليوم .. ما استطاع حزب الله ان يحققه من إنتصارات بينة جعلت الجيش الصهيوني الذي لا يقهر مجرد إسطورة .. الصفات القيادية الكاريزمية للسيد حسن نصر الله .. خطابه السياسي التوحيدي .. فضلا عن فراغ القيادة الكبير وعجز الانظمة العربية عن تقديم اي صورة إيجابية عن نفسها تجعل نصر الله مؤهلا لقيادة العرب في المرحلة المقبلة .. وقد بدت ملامح وإرهاصات مثل هذا القبول العربي بمثل هذه القيادة في الايام الاخيرة واضحة ومتسارعة .. فنصر الله صار البطل المنتظر بدون منازع .. وصوره وأعلام حزبه صارت تقتنى في البيوت .. والهتاف بإسمه ملأ العواصم العربية .. وصارت الناس تصرح بأنه قائد العرب ..
من المؤكد ان هذا الوضع لن يكون مقبولا ولا بأدنى درجة لدى الامريكان الذين جاؤوا الى المنطقة ولديهم أجندة الهيمنة والتفرد بكل مقدراتها المادية والثقافية والروحية .. ومن باب أولى لدى الصهاينة .. فضلا عن الأنظمة العربية التي ترى في كل إستقطاب للشارع العربي تهديدا لها .. والانظمة العربية التي بدت واهنة متخاذلة لا تستطيع فعل اي شئ خلال العدوان الصهيوني على لبنان فزت من نومها فجأة وصارت بيروت محجة لها .. وأمريكا التي تستشعر مخاطر عجز الجيش الصهيوني عن قهر حزب الله تعلم الآن ان نهاية للحرب بهزيمة ساحقة للصهاينة ستجر عليها آثارا كبيرة وقد تدفع بها في وقت مبكر خارج المنطقة .. لهذا سيعمل هذا التحالف على إفراغ الانتصار العظيم الذي حققه حزب الله بل الانتصار العربي الوحيد الذي حققه حزب الله على الصهاينة .. من زخمه وتحويله الى هزيمة سياسية او على الأقل حالة لا انتصار سياسي .. والأنظمة العربية بشكل خاص ستعمد الى إثارة النعرات الطائفية كي لا يتحول نصر الله وحزب الله الى ظاهرة تهدد وجودها وستكون السعودية بدورها التأريخي المعهود الذي لعبته مع كل حركات التحرر من عبد الناصر الى الامام الخميني رأس الحربة في هذا الجهد المضاد .. مع ذلك فالظروف الموضوعية ستقود الى ان نصر الله بعد هذه المواجهة الظافرة سيكون رمز العرب والمثل الذي يتبعونه وسنجد في كل بلد عربي تيارا او تنظيما يستلهم هذه القيادة .. إننا امام تيار جارف سيكتسح المنطقة عنوانه السيد حسن نصر الله .. وقد جاء نصر الله والفتح .. وبدأ عصر نصر الله ..