التظاهرات الاخيرة التي شهدتها بعض مدن إقليم کوردستان العراق، يظهر إنها بعثت الکثير من"الإنشراح"و"الغبطة"في نفوس العديد من الکتاب و "المدافعين"عن حقوق الانسان هنا و هناک، وقد ذهب البعض الآخر أبعد من ذلک حين بات يصور الامر وکأنه نهاية لمسرحية"تجزئة العراق"و بداية فتح الحساب مع قادة"الفصائل الکردية"بحسب ما يعبرون عنه في کتاباتهم.
ويقينا أن ما جرى هناک کان رد فعل طبيعي لجملة سلبيات على أرض الواقع وإنها جاءت معبرة عن آراء و طموحات الشارع الکوردستاني، لکنها لم تکن في نفس الوقت تعبيرا عن حالة "رفض"للتجربة أو سياسة حکومة الاقليم کما حاول و يحاول العديد من أصحاب الاقلام"النزيهة"أن يصورونها، على الرغم من إن تلک التظاهرات إنطلقت من دون إذن رسمي کما هو متبع في البلدان الديمقراطية، هنا في المانيا، حين تکون هناک نية لمظاهرة أو إعتصام فإنه يجب قبل کل شئ أخذ مجوز رسمي من السلطات الالمانية ليتم ضمان سلامة المتظاهرين وعدم حدوث أية أعمال شغب مخلة بالقانون، لکن الذي حدث هناک في کوردستان کان أمر قد کسر المألوف حين هاجم المتظاهرون إشارات المرور و کسروا زجاج المساجد و الابنية الحکومية و حاولوا التعرض للسلطات الادارية، ومع ذلک فقد أخذت سلطات الاقليم بمطالب المتظاهرين و وعدت بتلبيتها قدر الإمکان. ولتذکير الکثيرين من الذين لا يمتلکون معلومات دقيقة عن الاقليم الکوردي، أقول لهم، أن هناک الکثير و المظاهرات و الإعتصامات و الاضرابات التي جرت في مدن الاقليم بعد أخذ إذن رسمي وقد کان العديد منها حادا في توجهاته الفکرية حتى. وقد حاولت من خلال قنواتي الخاصة"الرسمية" و"غير الرسمية"من إستجلاء الموقف وأدرکت أن لاهناک نوايا سياسية من وراء هذه التظاهرات لکن"مع التشديد على کلمة لکن"هناک أيادي تحاول العبث بالامور، أيادي تنطلق من عواصم معينة تتخوف من هذه التجربة السياسية الکوردية کما يتخوف المحتضر من عزرائيل!
إن الذي جرى هو شهادة حق بصحة المسار و التجربة و الديمقراطية الکوردية وأن الجماهير الکوردية هي في البداية و النهاية صاحبة القرار الحاسم، وإن إعتقال البعض من المتظاهرين قد إرتبط بشکل أو بآخر بمحاولات التخريب و الإعتداء على منشئات عامة التي تکون عادة هدفا في البلدان ذات النظم الشمولية، وإن مثل تلک الخطوات سعي لفرض هيمنة القانون الذي هو أساس و عماد النظم الديمقراطية، ومثلما تم إعتقال بعض المشاغبين، فقد تم في نفس الوقت إلقاء القبض على رجل أمن في مدينة کلار أطلق النار بشکل غير متقصد وأودى بحياة أحد المتظاهرين، إلقاء القبض عليه تم بمذکرة صادرة من القاضي بناءا على شکوى رسمية سجلها أهل القتيل لدى القضاء.
الناس تظاهروا في کوردستان مطالبين بحقوقهم، لکن ليخبرني أصحاب تلک الاقلام عن عدد المتظاهرين في بلدان"الضاد"ضد الحکومات السائدة هناک؟ وهل يعلمون شيئا عن کيفية مجابهة المظاهرات في بلد "شبه ديمقراطي"مثل ترکيا؟
الشعب الکوردي إنتخب برلمانه و حکومته قانونية دستورية و رئيسه شرعي منتخب بإرادة و إختيار الشعب کله، ومن هنا فإن أية تظاهرات أو إضرابات تحدث في کوردستان لاتثير خوفا أو قلقا ولن يکون هناک داع لإصدار قوانين إستثنائية طارئة، بل وعلى العکس من ذلک تشکل لجان مختصة لدراسة الاسباب الکامنة وراء التظاهرات و العمل على معالجتها فورا.
وأذکر أصحاب تلک الاقلام بأن المظاهرات باتت أمرا عاديا في سائر أرجاء العراق وليس في إقليم کوردستان فقط، إن هناک حالة من فرض إرادة جماهيرية على الرغم من کل تلک القوى الظلامية السوداء التي تعبث إرضاءا لنظم إستبدادية و قمعية.
الذين يحاولون التشکيک في الديمقراطية الکوردستانية فليتفضلوا بزيارة الاقليـم و يطلعوا هناک وعن کثب على التجربة ليدرکوا ماهيتها، وهو أمر قام به الاعلام الغربي بمختلف قنواته نقله الى المشاهد الغربي بکل حرفية، أما هؤلاء الکتاب، فدوما يکتبون بوحي من خيالاتهم، وهي خيالات تنطلق دوما من عدة مرتکزات لکن أهمها دوما هي محاولة الإنتقاص من کل شئ يتعلق بالکورد!
nezarjaff@gmail.com