رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء العراقي
كتابات - د.فخري مشكور
عزيزي الاستاذ نوري المالكي
السلام عليك ورحمة الله
اطلعتُ اليوم على جريمة تصدي الارهابيين التكفيريين الى مواكب العراقيين المسالمين المتوجهين لزيارة الكاظمية في مناسبة دينية لا ترتبط بالسياسة ولا بالمحتل ولا تستفز احدا ولا تنال من فكرة او مذهب او قومية او شريحة او طيف سياسي، مما يجعلها جريمة بكل المقاييس تـُخرس كل من يحاول الدفاع عنها مهما بلغ سروره بوقوعها، ومهما وجد فيها فرصة للابتزاز السياسي وتحقيق مكاسب اكبر من حجمه الواقعي مستفيدا من صراخه بصوت عال، او من احراج المحتلين المتزايد وسعيهم لفرض استقرارٍهش يحفظ هيبتهم ويحرس مصالحهم، لا أمنٍ صلب يحفظ حياة العراقيين وثرواتهم وكرامتهم واستقلالهم.
هذه فرصة ذهبية للضرب بيد من حديد على الايدي الآثمة التي امتدت لتقتل العراقيين في هذه المناسبة مستفيدة من رسائل الامان التي اعطتها الحكومات المتعاقبة –دون ان تقصد-منذ سقوط الطاغية عندما تقاعست او عجزت عن انزال العقاب العادل بحق قتلة الشعب العراقي وذباحيه الذين وجدوا دوما من يدافع عنهم من تجار السياسة المرتبطين بالتكفيريين واجهزة القمع البعثي التي نزلت للعمل تحت الارض معتمرةً بعمامة الدين ومتلفعةً بعباءة العروبة، تاركةً مهمة الدفاع عنها لانكر الاصوات بحجة مقاومة الاحتلال تارة والوحدة الوطنية تارة اخرى.
ان أحدا لن يجرؤ اليوم عن الدفاع عن هؤلاء القتلة بأي ذريعة، فلا يستطيع قائل ان يقول: ان العملية (استهدفت امريكان متوجهين لزيارة الامام الكاظم)، و(لا متطوعين في الشرطة او الجيش يريدون تسجيل اسمائهم في الصحن الكاظمي) ، ولا (طلاب مدرسة سقطت عليهم القذيفة التي كانت تستهدف في الاصل دورية امريكية)،ولم يكونوا (يهددون عروبة العراق وحدته الوطنية و استقلاله و سيادته بهذه المسيرة)...انها جريمة ضد الانسانية وضد العراقيين الابرياء وبدافع الحقد الطائفي البغيض وكل من يدافع عنها يلوث سمعته بنجاسة لا تطهرها المكاسب السياسية التي يحصل عليها في المقابل، ولا تستطيع الفضائيات ان تبث له مقابلة يفتخر فيها بهذا الدفاع.
ومن ناحيتكم –كحكومة-لا يمكن تبرير التساهل او التسويف في انزال العقوبة العادلة والعلنية بهؤلاء المجرمين الا بالضعف امام ضغوطٍ من داخل الطيف السياسي او من قبل الامريكان (أوالبريطانيين عن طريق سفيريهما وقواتهما).
ولا شك انك تتوق وبشدة الى انزال العقوبة الصارمة والعاجلة بحقهم ، لكن لديك اسبابا لا تستطيع الاعلان عنها تمنعك من ذلك، أو تجعل الامر خارج يدك.الا ان عدم مصارحة الشعب بهذه الاسباب يعد نوعا من التكتم الذي يضعف موقفك الشعبي الذي هو رصيدك الديمقراطي، واساس شرعيتك السياسية.
ان التكتم عن الاسباب الحقيقية التي تمنع انزال العقاب العادل (وبالتالي تشجع الارهاب على الاستمرار في مأمن من العقاب) يؤدي الى تحميل الحكومة بشخص رئيسها مسؤلية الفشل في القضاء على الارهاب بينما تختفي القوى الحقيقية التي تدعم الارهاب(القوى الداخلية والخارجية) وراء سكوتكم يارئيس الوزراء عن كشف الحقائق للناس طمعا في الحفاظ على الوحدة الوطنية او تحاشيا للاحتكاك بالامريكان.وتكون النتيجة ان الامريكان يستفيدون من الاضطراب الامني لمقاصدهم الداخلية والاقليمية (ومنها اضعافكم) كما يستفيد السياسيون المرتبطون بالارهاب لاقناع الامريكان بقدرتهم التاريخية المجرّبةعلى السيطرة على الاوضاع من خلال الاستفراد بالحكم ضمانا للمصلحة الامركية و(حماية لعروبة العراق)!!
ان المسيرة الفعلية يا ابا اسراء لا تنبئ بخير، فامريكا كما تعلم تريد من يحمي مصالحها، وقد ثبت فشل الديمقراطية في هذه المهمة وهي الان بصدد اعادة الدكتاتورية في لباس الديمقراطية لتضمن مصالحها الاقتصادية والستراتيجية في الشرق الاوسط الجديد، وقد اكتشفت ان الديمقراطية الحقيقة لن تحقق لها ذلك، فقررت العودة للحبيب الاولي الذي يذبح العراقيين باسم المقاومة ويقول للامريكان: (نحن اولياؤكم في الامس واولياؤكم في الغد، فلا تجعلوا لغيرنا فيها نصيبا).
عزيزي ابا اسراء
اذا استمر الوضع على هذا الحال فستكون الصورة كالاتي :
• حكومة فاشلة عجزت عن تحقيق الامن للشعب الذي انتخبها، وهي وحدها تتحمل نتائج فشلها، لأنها لم تقل للناس من الذي أفشلها.
• فئة جاهزة لحصد نتيجة الفشل، ترتدي لباس الوطنية وتضع قدما في السلطة والاخرى في (المقاومة!).
• امريكا راعية الديمقراطية سوف تسلم الامور لاصدقائها القدامى في صيغة ٍ "ديكتاديموقراطية"
• يعود جلادو الشعب للاستفراد بالسلطة وتحقيق كل شروط الامريكان ومصالحهم (لكنهم موشحون بوسام المقاومة!)
• غالبية خسرت مواقعها وسمعتها مرتين: مرة ً وُصمت – دون باقي المتعاونين-بالعمالة للامريكان، ومرة بالفشل في تجربة الحكم بالعجز عن توفير الامن للمواطن.
عزيزي ابا اسراء
هذا ما اراه بام عيني، ولا ينبئك مثل خبير، ولعلك تراه افضل مني... افلا تسمع نصيحتي بأن تحزم امرك على تسريع الاجراءات القانونية لكي تتم محاكمة علنية وسريعة وعادلة للمجرمين لتسليمهم الى المشانق في منظر درامي شعبي يشفي غليل اليتامى والارامل والثكالى من ابناء العراق المظلوم وليقـل الاخرون ما يقولون..فماذا سيحصل اسوا مما هم حاصل؟
اما اذا واجهت عقبات في التنفيذ-وستواجه- فاصدع برأيك واعلن بكل صراحة اسماء الذين يعرقلون والذين يتوسطون والذين يدافعون عن هؤلاء المجرمين..وليكن ذلك في خطابات مباشرة الى الاعلام .سفراء كانوا ام وزراء أم اعضاء برلمان أم اعضاء هيئات دينية، امريكان كانوا ام عربا ام اكرادا...فاما ان تكسب المعركة وتفضح اعداء الشعب المتمترسين بالسلطة والمتلفعين بالجهاد والوحدة الوطنية، واما ان تفقد منصبك -الذي ستفقده على كل حال- لكنك ستربح امرين مهمين:
• ستثبت انك لم تهادن اعداء الشعب الذين لا تجلب مهادنتهم اية نتيجة، وانك جئت للمنصب لخدمة الشعب فاذا استحالت الخدمة تركته وهو عندك اهون من شسع نعلك، ووستنال احترام الشعب وحبه الحقيقي، لانك تصارحه بالحقائق ولا تكتمها عنه كما يفعل من يعبدون السلطة ويدعون الشفافية كذبا.
• وستضع نهجا لا يستطيع ان يتخطاه من يأتي بعدك: اما ان يكشف الحقائق للناسن واما ان يسقط
عزيزي ابا اسراء
اني لك ناصح أمين
والسلام عليك وعلى كل من يرى المنصب تكليفا لا تشريفا
د.فخري مشكور
2006-08-20