الفيدرالية خطوة نحو الحل؟ أم بداية أزمة جديدة؟
هناك مخاوف حقيقية من أن تؤدي الفيدرالية في العراق الى التقسيم. ورغم ان الدستور العراقي أجاز اتفاق عدد من المحافظات لتشكيل إقليم على أساس جغرافي، ولم يسمح بإقامة فيدراليات على أسسا قومي أو طائفي، حتى لا يفتح الباب أمام تقسيم العراق قوميا أو طائفيا، الا ان الواقع يشهد بأن الفيدرالية الأولى التي قامت في كردستان أنها قامت وتقوم على أساس قومي، وكذلك فان اقليم الجنوب أو اقاليم الجنوب اذا ما قامت الفيدرالية فيها ستقوم على أساس طائفي لكون غالبية أبناء الجنوب من الشيعة، وبالتالي فان الاقليم الأخير أو الثالث في شمال غربي العراق سيكون سنيا.
وحسب سياسة الأمر الواقع فانه لا مشكلة كبيرة اليوم مع فيدرالية كردستان، وانما الاشكالية الكبرى أو الرفض الأكبر يأتي من سنة العراق الذين يتركزون في محافظة الأنبار والموصل وصلاح الدين، والذين يخشون من فيدرالية الجنوب أو الشيعة الذين قد يمهدون لانفصالهم عن الشمال واحتكارهم للثروات النفطية .
ان دعاة الفيدرالية في العراق سواء الأكراد أو الشيعة يقدمون الفيدرالية كحل بديل عن التقسيم والانفصال والفوضى. واذا كان الأكراد قد أنجزوا فيدراليتهم، فان الشيعة المتحفزين لإقامة فيدراليتهم ينادون بها كضمانة للمحافظة على المكاسب السياسية التي حصلوا عليها بعد سقوط نظام صدام حسين، وفي مواجهة أية محاولة للانقلاب على الديموقراطية، حيث يعبر بعض قادة الأحزاب الشيعية ، عن مخاوفهم من انقلاب أميركا عليهم وتسليم السلطة عبر انقلاب عسكري الى ضابط سني، نتيجة تصاعد العداء بين واشنطن وطهران، وخوف أميركا من اصطفاف الشيعة في العراق الى جانب ايران في أية حرب قادمة بين الطرفين.
وحتى اذا ما انسحبت القوات الأمريكية من العراق، فان الشيعة يخشون عودة النظام السابق، أو قيام المجموعات السنية المسلحة بالسيطرة العسكرية على بغداد، ولذلك يجدون في الفيدرالية ملجأ لحماية أنفسهم وردع من تسول له نفسه الانقلاب على النظام الديموقراطي.
فقد قال السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السبت 26/08/2006 ان إقامة فيدرالية في جنوب العراق، تشكل ضمانه للأجيال القادمة.
ونقل بيان صادر من المكتب الإعلامي للمجلس عن الحكيم قوله: "إن أكبر ضماناتنا لشعبنا هو الفيدرالية وتشكيل إقليم الوسط والجنوب الذي يجب أن يصوت عليه الشعب".
ومن المتوقع ان يخصص مجلس النواب جلسته الاولى في الفصل التشريعي الثاني بداية هذا الشهر لمناقشة مشروع الفيدرالية. وسوف يتركز الجدل تحديداً حول آليات تطبيقها. وربما كان الكثير من أعضاء كتلة الإئتلاف الموحد يتفقون مع الحكيم حول مبدأ الفيدرالية ويختلفون في بعض التفاصيل، فهناك من يرى البدء بفيدرالية الجنوب ، وهناك من يرى شمولها لكل المحافظات الشيعية، وهناك من يرى تأجيل الفيدرالية الى ما بعد رحيل الاحتلال.
وحتى القائمة العراقية فانها لا تعترض على الفيدرالية كمبدأ ، كما يقول الناطق باسمها النائب راسم العوادي، ولكن يبقى تطبيقها وشكلها وهل ستكون على شكل محافظة واحدة في اقليم ام عدة محافظات في اقليم هي موضع الجدل .
أما النائب علي الاديب العضو القيادي في حزب الدعوة فيؤكد على وجوب ان تكون النية صادقة في الفيدرالية وهو ان تبقى الاقاليم ضمن الدولة بعيدا عن الانقسام وهو ما نطمح اليه، ويقول:"ان الفيدرالية بمفهومها الاتحادي الموجود في الدستور علاج للصراعات والنزاعات والخلافات وهو ما يتطلبه الوضع الحالي. وان الكثير من الانظمة نجحت في تطبيق الفيدرالية اذ هناك 24 دولة نجح فيها النظام الفيدرالي ولكن هناك انظمة فشلت في تطبيقه". ويشترط الاديب على الحكومة اذ ارادت نجاح تطبيق الفيدرالية في العراق، ان تساوي في الحقوق والواجبات بين جميع المحافظات وان لا تغبن احدا في حقوقه حتى لا يشعر المواطن بغبن في حقوقه عن الاخرين ". ويقول:" كنت شخصيا من الرافضين لفكرة الفيدرالية الا ان الوضع الحالي يحتم تطبيقها. وان كردستان العراق كانت سابقا تتجه الى الانفصال من خلال تعبير تقرير المصير الذي يطلقونه ونحن كنا رافضين للفيدرالية على هذا الاساس اما الان فالنظام الفيدرالي الاتحادي الذي نص عليه الدستور لا يدعو للخوف".
وما يعزز دعوة الشيعة للفيدرالية هو تزايد القناعة لدى الكثير منهم يوما بعد يوم باستحالة التعايش مع العنف الأعمى الذي يطال الشيعة في المساجد والأسواق والشوارع، وازدياد ايمانهم بالفصل الفيدرالي حفاظا على أمنهم. ولكن هذه الدعوة تثير من جهة أخرى مخاوف السنة وتدفعهم الى الاستماتة في القتال من أجل منعها.
وقد اشترك السنة في التصويت على الدستور بشرط بتشكيل لجنة برلمانية لمناقشة المادة 115 التي تضمنها الدستور العراقي بشأن "تكوين الأقاليم". ونجحوا بتضمين الدستور مادة جديدة هي المادة 142 التي نصت على أن "يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من أعضائه... مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن أجراؤها على الدستور في ما يخص الفيدرالية".
وقد عبر الشيخ ماجد عبد السلام العلي رئيس عشائر الأنبار السنية في مؤتمر العشائر للمصالحة الوطنية الذي عقد الأسبوع الماضي إلى تأجيل تطبيق الفيدرالية من أجل نجاح مشروع المصالحة الوطنية.
ولكن السنة ليسوا مجمعين على رفض الفيدرالية فان البعض منهم يرى فيها حلا بديلا عن النظام القائم الذي يسمح للشيعة بممارسة الحكم، ولا يجد بعض قادة المسلحين السنة حرجا من التعبير عن رفضه للنظام الديموقراطي ولقيادة الشيعة للعراق، الى حد تفضيل الحكم الفيدرالي أو الانفصال، كما يعبر المدعو "أبو نور" أحد قادة الجماعات المسلحة، الذي أجرى لقاء صحفيا مع الصحفية الأمريكية المختطفة جيل كارول قبيل اطلاق سراحها بقليل، وقال لها بصراحة (حسب صحيفة ذي كريستيان ساينس مونيتور): " نحن لا نريد حكومة ائتلافية ، من السنة والشيعة ، نحن نريد حكومة سنية فقط ، لأننا نعرف ان السنة لايحبون الشيعة ولا الشيعة يحبون السنة ، هذه هي الحقيقة ، هذه حقيقة تاريخية مهمة. لهذا اذا اردنا تشكيل حكومة ناجحة ، يجب ان تكون حكومة سنية محضة ، واذا اراد الشيعة تشكيل حكومة خاصة بهم في الجنوب ، فليفعلوا ، فنحن المجاهدون نقبل بالفيدرالية ، واذا أرادت اميركا الفيدرالية للعراق فلا مشكلة ، وان رئيس العراق يجب ان يكون سنيا ".
ان هذا المنطق المصحوب بالعنف والدماء يعطي المتطرفين الشيعة مبررا قويا للاتجاه نحو الفيدرالية والانفصال، في حين لا يمكن إيقاف عجلة التقسيم الا بنبذ الطائفية والاعتراف بالآخر، والاجماع على النظام الديموقراطي الذي يضمن العدالة والمساواة والحرية للجميع بتبوء جميع المراكز القيادية دون استثناء.
وفي الحقيقة لا يمكن القول ان عامة الشيعة يؤمنون بالفيدرالية أو يسعون الى الانفصال، فهناك اتجاه قوي يلتزم بالوحدة العراقية ويسعى للوحدة العربية والاسلامية. وعلى رأس هذا الاتجاه يقف المرجع الأعلى السيد علي السيستاني الذي يدعو باستمرار الى الحفاظ على "وحدة الشعب العراقي وتماسك نسيجه الوطني" وعدم "تفتيت هذا الوطن" ولم يؤيد حتى الآن الفيدرالية الشيعية، لا تلميحا ولا تصريحا.
ahmad@alkatib.co.uk
www.alkatib.co.uk
http://www.maktoobblog.com/ahmad_alkatib
أحب في الله من يبغضني في الله