ربي الذي يحيى ويميت ........
على طوال تاريخ البشرية .... كان هناك صراع لتحقيق ارادة الله في الارض وقد أفرز هذا الصراع رجالاً عرفوا بثباتهم على الدرب وقدموا انفسهم فداء لاهدافهم .

اضرمت النار اللاهبة التي جمع لها الحطب أياماً عديدة فكانت ترحق كل من يدنو منها وتلتهم من اقترب اليها ووضع سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام في منجنيق ليقذف به في النار من مسافة وفي تلك الحالة جاءه جبرائيل عليه السلام ليسأله (( ألك حاجة )) فأجابه والأيمان ينبعث من كل حرف والثقة بالله سبحانه وتعالى تتمثل في كل لفظة ( اما اليك فلا ...واكبر جبريل هذه الروح ثم استدرك اذن ادع ربك وهنا سمى ابراهيم عليه الصلاة والسلام بشعوره وأحساسه وسمواً رفيعاً بالله وتمثل الله في ضمير أبراهيم شاهداً حاضراً عنده وهو أقرب اليه من حبل الوريد يعلم حاله ويردك سؤاله فاجاب :علمه بحالي يغني عن سؤالي .. نعم هذا هو اليقين هاذا هو الايمان الصادق بالله سبحانه وتعالى . وهذا هو الاحساس الواقعي برقابة الله وحضوره ومن هنا كان الانبياء عليهم الصلاة والسلام لا يعصون الله طرفة عين لان الله شاهد وحاضر في قلوبهم وضمائرهم وعقولهم .
ان جواب نبينا أبراهيم عليه الصلاة والسلام كان ممثلاً لكل معاني الأيمان بالله سبحانه وتعالى ... وهنا يكون عند ظن عبده فينجيه .. ينجيه من كل شر الاشرار ويؤيده بنصره (( وقلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على أبراهيم وارادوا به كيداً فجعلناهم الا خسرين .. أنا كذلك ننجي المؤ منين )) .
وخرج سيدنا أبراهيم من النار بعد ثلاثة ايام من الاشعال المستمر لم يصب باذى .. ونصره الله نبيه وجنده .
واحتشد المجلس بالحضور واقبلت الوفود لتقدم لنمرود الطاغية أيات الطاعة والولاء والخضوع والاستسلام ... ولكن شيئاً حدث فاشرأبت الانظار وتطاولت الاعناق .. ترى من هذا القادم الجديد وتقع الابصار على رجل طويل القامة تبدو على وجهه قسمات العزم والتصميم واقبل حتى وقف على نمرود .. واراد نمرود أن يهون من أمر سيدنا أبراهيم وربه امام اعين الناس ويعيد لنفسه الثقة التي فقدها أمام اعين الجماهير بعد نجاة أبراهيم من النار فقال لابراهيم ... من ربك ؟ فأجابه عليه السلام بكل ثقة ليذكره بنجاته من النار قائلاً ... ربي الذي يحيي ويميت .. وهنا أرتبك الطاغية نمرود لكنه لف ودار لتضليل ضعفاء الانفس والعقول وقال انا احيي واميت .. قال أبراهيم فان ربي ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب .. وذلك ليوضح عجز وبطلان الطاغية نمرود فهذا الكافر لم يستطيع الجواب . وبهذا المنطلق المفعم بالواقع استطاع سيدنا أبراهيم عليه السلام أن يلجم خصمه ويهدي بعض الضالين عن طريق الهدى والاصلاح الى درب الخير والرشاد .


أستيقظ من نومه وهو يردد (( انا لله وانا اليه راجعون )) لبيك اللهم لبيك .. لبيك اللهم لبيك .. وجاء الى والده ليوقضه (( يا بني أني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى )) والولد البار بابيه العارف بحقه يجيبه والايمان يملاء قلبه (( يا ابت افعل ما تؤمر ستجدنى أن شاء الله من الصابرين )) الا طاعة لامر الله سبحانه وتعالى والتسليم لارادته تذيب عنده الارادة الشخصية والاهواء النفسية وتنحل كل اهواء النفس وشهواتها من حب البقاء والاستمرار في حياة هذه كانت الافكار التي تدور في ذهن هذا الولد الصالح المطيع لابيه والمطيع لامر ربه .. واقتربت ساعة الفداء وقدم سيدنا أبراهيم ولده ليذبح فداء للارادة الالهية ... أسلما لله (( ولما اسلما وتله للجبين )) ليذبحه ناداه الرب الرحيم (( يا أبراهيم قد صدقت الرؤيا ))
ونزل جبرائيل لفداء أسماعيل من السماء لينجيه من الذبح وذبح الكبش وقاية لاسماعيل حين عرف الله منها صدق النية والتسليم لامره .
الولد فلذة الكبد وخاصة أذا كان طفلاً رضيعاً يشعر الاب نحوه بحنان كبير وانشداد عظيم حتى لا يكاد يصبر على فراقه وتهيج في نفسه الاحزان اذا هو تركه او ابتعد عنه ... وامر الله سبحانه وتعالى عبده ابراهيم ان يترك زوجته وولده في أرض قاحلة لا زرع فيها ولاضرع ولا ماء .. يتركهم ولا يعلم عن مصيرهم شيئاً ويدع أبراهيم عليه السلام اهله على تلك الحال ثم يتوجه الى ربه (( رب اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ))

وتعطش الام وينقطع لبنها الذي يمد الطفل بالحياة والشبع ويعلو صراخ الطفل من شدة العطش وتسعى الام على جبال مكة ووهادها لتطلب الماء لولدها وتيأس وهنا يأتي نصر الله فيفجر الارض عيناً من الماء العذب تحت قدمي الطفل وتشرب الام وتسقي ولدها .
هكذا يأتي نصر الله حين تتفجر القلوب الماً وتشتد المحنة ويكاد المرء أن يياس من أن ينتصر هنا ينصره الله سبحانه وتعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد ابو جهاد الحسني