 |
-
الشيعة من دور المعارضة الى دور السلطة
الشيعة من دور المعارضة الى دور السلطة
GMT 7 00 2006 الأحد 29 أكتوبر
جمال الخرسان
--------------------------------------------------------------------------------
رغم ان الشيعة عرف عنهم لعب دور المعارضة في فترات طويلة في التاريخ الاسلامي حتى اتقنوا ذلك الدور بشكل جيد.. الا ان الوجود الشيعي ايضا كانت له اشواط في مزاولة بعض الفعاليات السياسية في فترات زمنية حتى وان كانت متباعدة، بحيث لا ترفئ في كثير من الاحيا ن الى ارضية واضحة تؤسس بشكل منضج لمنهج واسلوب في الفقه السياسي.
علما ان التاريخ السياسي الشيعي المعاصر شهد محاولات عديدة في سياق تاسيس نظري للفقه السياسي الشيعي.. كانت اهمها في مطلع القرن العشرين اطروحة النائيني في كتابه الشهير ( تنبيه الامة وتنزيه الملة ) والتي جاءت في اجواء ثورة المشروطة ( الدستورية في ايران مطلع القرن العشرين ) في العهد القاجاري، كما كانت هناك محاولات من قبل الخالصي في ثورة العشرين وماتلاها من صراع مع الاحتلال الانجليزي..
القصة ليست بتلك البساطة فالعلاقة بين الدين والسياسة تثار حولها العديد من الرؤى والافكار، حيث هناك من يعتقد ان الدين لابد ان يحكم وتشكل حكومة اسلامية تستمد شرعيتها من العلماء، بمعنى ان الاسلام يحكم الدولة وهناك تجارب مختلفة في هذا الجانب سواء اكانت على طريقة ولاية الفقيه او على طريقة حسن الترابي او الجماعات الاسلامية في الجزائر او طالبان، لكن تلك الرؤى وان كانت تتفق على حاكمية الدين للدولة الا ان الجمع بين اطرافها فيه شئ من الاجحاف لانها تمثل اطراف معتدلة نوعا ما واخرى متشددة تماما.
وهنالك وجهات نظر اخرى قد تختلف شيئا ما في طبيعة العلاقة بين الفقيه والسياسي بمعنى ان الفقيه لا يزج نفسه في كل صغيرة وكبيرة وتقتصر تدخلاته الابوية على الامور التي تمس المصالح العليا جدا مثل الدستور والانتخابات وغيرها.. وليس بالضرورة ان تكون الدولة الحاكمة مجازة من قبل رجل الدين كما يذهب الى ذلك البعض.
ولاية الفقيه
تتلخص تلك النظرية بتصوير الفقيه على انه النائب العام المخول من قبل الامام المعصوم في ادارة شؤون المسلمين وبالتالي فهو يمثل المستخلف الوحيد ( كما تصوره النظرية ) الذي يتولى قيادة الدولة، ومع ان النظرية في تفصيلاتها والتعديلات التي اجريت عليها تتضمن بعض الممارسات الدستورية اذ انها تتشكل بعقد اجتماعي بين الامة و القائد (الولي الفقيه ) الا انها بشكل عام تعاني عقدة التمحور حول الرمز وتوفر ارضية مناسبة لنشوء الدكتاتور، مما ولّد ضدها ردود افعال نقدية كثيرة من قبل بعض رجال الدين والفقهاء، وفي مجمل الحال فان النظرية تعاني وجعا نقديا حادا جدا جعلتها نظرية غير مجدية ولا تناسب ما تتطلبه اساليب الحكم وادارة شؤون العامة في هذا العصر.
الاتجاه الجديد في الفكر السياسي
العملية السياسية واجواء الحريات التي حصلت بعد التاسع من نيسان من عام 2003 طرحت بوادر اسلوب وطريقة جديدة من قبل المؤسسة الدينية الشيعية في النجف في طبيعة تعاملها مع الحدث السياسي في العراق.
تلك السيرة العملية شهدتها الحالة العراقية من خلال لمسات القيادات الدينية الشيعية البارزة في العراق بقيادة اية الله السيستاني، حيث ابدى ذلك الاتجاه مرونة منقطعة النظير في التعامل مع الحدث السياسي وقدم خطاب تميزه الحالة الديمقراطية.. يلجا الى تقنين مجدول في مراحل نهوض الدولة العراقية.
واهم مايميزه انه يشكل حالة وسطية ومنهج اعتدالي بين من يحاول اقحام الدين في السياسة على طريقة ولاية الفقيه او بمعنى اخر ان يتحول رجل الدين الى سياسي يقود الدولة.. وبين البعض الذي استجمع علومه وتقواه وحاشيته وجلس تحت قباب المساجد فقط ليس معنيا بالمرة بما يدور حوله من تداعيات، انه منهج الوسطية الذي يتدخل في الحدث تدخلات ابوية في الشعوب ولا يحشر نفسه في كل شئ.
ومع ان رجال الدين الذين يحيطون بمرجعية السيستاني ( وهم السيد محمد سعيد الحكيم والشيخ اسحاق الفياض والشيخ بشير النجفي ) ينتمون الى تيار عرف عن تاريخه بالانعزال بشكل كامل عن التعاطي مع الحدث السياسي واللجوء الى فصل الدين عن الساسية، حيث ان مدرسة السيد الخوئي ( وهو استاذ السيستاني وزعيم الحوزة العلمية في النجف طيلة فترة الثمانينات ) كانت معروفة بذلك التوجه، الا ان جميع تلك الاجواء والمؤثرات لم تمنع المؤسسة الدينية بعد سقوط صدام حسين ان تقدم نفسها للعالم بحلة جديدة وبافق منفتح على جميع التيارات، افق يفضل الحلول الدبلوماسية العقلانية، ولايعاني عقدة الخلافة والدولة الاسلامية وما يرجح هذا الاتجاه على سابقه هو مجموعة من الدواعي من اهمها:
1- ان السياسة مصالح ومكر وليست مؤسسة خيرية انسانية تعتمد البعد الاخلاقي والقيم الانسانية في اولويات منطقها مع الاحداث، بينما الدين علاقة روحية وصفاء ايماني وطهر لا يتلائم مع هذه اللعبة.
2- ان اغلب التجارب الاسلامية التي حكمت والتي لم تحكم لم تقدم رؤية سياسية منضجة تتمتع بمرونة وفقا لمعطيات الواقع باعتبارها نظرية سياسية تمثل الرؤية الاسلامية في قيادة الدولة، لذلك لا يمكن اقحام الاسلام والدين في النسيج السياسي المعقد مالم تتوفر معطيات وبوادر الوجهة الاسلامية في دخول الحكم، بمعنى انه يمكن التخلي عن مقولة فصل الدين عن السياسة شريطة توفر نموذج منضج للنظرية السياسية الاسلامية في قيادة الدولة بعيدا عن الشعارات العاطفية.
3- ان السياسي ( غير رجل الدين ) ذلك النموذج بالامكان محاكمته والتظاهر عليه وعزله وحتى تغيير حكمه، اما رجل الدين فانه يضفي على حكمه ونفسه وقراره بعدا شرعيا وارتباط الهي وبالتالي فان التظاهر او النقد ضده يعني العداء للخالق وتتحول القصة الى صراع بين الرب والشيطان، هذه الاشكالية حتى هذه اللحظة لا توجد صيغة علمية منضجة لتجازوها.
4- ان التدخل في الثوابت العامة والامور المصيرية جدا قد يعطي صبغة معقولة عن دور رجل الدين الابوي لرعاية المصالح العليا دون ان يتحول الى دبلوماسي يتدخل في كل ما يعنيه وما لا يعنيه، بمعنى ان من الافضل لجميع الاطراف ان تقتصر توجيهات وتدخلات رجل الدين على الامور الاكثر مصيرية فقط.
علما ان تدخلا من هذا النوع يمكن ان يفي بغرض النصوص التي يعتمد عليها رجال الدين في لابدية التدخل في شؤون المسلمين وذلك لانه يضمن للفقيه اهتمامه في عمومات الامور العامة للمسلمين ولكن دائرت ذلك التدخل تقتصر على مساحة معينة مما يعني اننا نوفر فرصة لرجل الدين لابراء ذمته امام النص الموكل اليه وايضا نوفر فرصة على السياسي ان يتحرك في مساحة اختصاصه من دون تطفلات بعض المتدينين.
ومن اجل الابتعاد عن الغرامية في هذا الاتجاه لابد من تسليط الضوء على تغرات قد تجعله في يوم من الايام يرحل مع رحيل شخوصياته ويموت مع موت ابطاله (لاسامح الله).. فهو لم يقم على تاسيس نظري علمي واضح ومنضج بحيث تتحول تلك اللمسات المقدمة من قبل المرجعية والتي اثمرت كثيرا بكل تاكيد.. تتحول الى خطوات مدروسة في اطار منهج علمي يكون خاضع للنقد والتطوير بغية ان يصب في مجال تراكم الجهود والتجارب وتكثيف الافكار بدل ان نبدأ كلّ مرّة من جديد ونتعثر مرارا وتكرار.
ان ذلك التوجه يعاني غياب التاسيس النظري الواضح الذي يضع حدودا فاصلة التي بين المساحة التي يحق لرجل الدين قول كلمته فيها وبين المساحات الاخرى التي ليست الا من اختصاص رجل السياسة حصرا.
فهذه دعوة لاصحاب ذلك التوجه توفير المعطى النظري لخصائص ذلك المنهج.
جمال الخرسان
كاتب عراقي
mosawi_gamal@hotmail.com
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |