صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 35
  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي روايه- من الحلقه -19 - الى الحلقه -21- ارجو التثبيت

    ضحوكة العالم المثالي / رواية - ح19
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 19 ـ
    حينما وصلت مجموعة إبراهيم إلى بوابة الممر كانت الشمس قد توارت قبل لحظات تاركة خلفها حمرة تملأ الأفاق ، بدأ الجندي صاحب السجل ينادي وهناك خمسة حراس في الممر يحملون الهراوات ومن بينهم صاحب المفاتيح وكانت الزنزانات كلها مفتحة كما تركوها أول مرة ، صاح الجندي وهو يحمل سجلا أزرق كتب على غلافه الكارتوني سجل الأشغال الأسبوعي و كان ذلك الجندي يقف في بداية الممر.
    ــ الزنزانة واحد .
    صاح اثنان من السجناء .
    ــ نعم سيدي .
    ــ أدخلا هيا بسرعة.
    وهذان ليس عليهما أن يهرولا حتى يدخلا الزنزانة إذ أن الزنزانة كانت قريبة على بوابة الممر وما عليهم إلا أن يستديرا فقط ، خلع أحد الجنود عنهم السلسلة ويمكن مشاهدة الجروح التي خلفها الاحتكاك ، والحقيقة أن ذلك الجندي كان يخلع السلسلة عن كل مجموعة تصل مع غض النظر عن دخولها ، وهكذا بقية الأرقام وكلما ابتعدت الزنزانة كان على أصحابها الهرولة وإلا تعرضوا للضرب وكان صاحب المفاتيح يغلق الزنزانة ما إن يدخل السجينان إليها ويخلق البوابة المتحركة أيضا ، مسك إبراهيم التمثال موهم الحرس انه يمسك بطنه أو ألبدله ، كان يخشى أن يقع وهذه يعني أن يؤخذ ليرى يوسف شمران وهو أجراء لا يتحمله إبراهيم في الأوضاع التي يعيشها الآن ، أحس أنه ارتكب حماقة في جلب ذلك التمثال ، لكنه أصر على ذلك إذ لا مجال للانسحاب ، هرولا بعد أن سمعا الجندي يصيح برقم زنزانتهم ، قالا بصوت واحد وهما يقفزان.
    ــ نعم سيدي.
    لم يتعرضا للضرب بالهراوات ولكن احد الجنود صفع إبراهيم على قفاه وهو يدخل إلى الزنزانة ، حينما دخلا وجدا إن هنالك بطانيتان وكانتا بلون رمادي ، وضعتا في وسط الزنزانة ، أغلق الجندي صاحب المفاتيح الزنزانة ، لم يصدق الشاب ما كان يرى، قال بعد أن رفع أحداهما وشمها وهو يبتسم.
    ــ انظر إبراهيم إنها بطانية لقد ذكرونا أخيرا ، هؤلاء الأوغاد ما كنت أتصور أنهم سيجلبون لنا بطانيات ، ولكنها ليست جديدة ، علينا أن نفرشها حتى نصلي ، آه ، علينا كذلك أن نصلي الظهر والعصر.
    قال إبراهيم .
    ــ يا الهي انظر إلى أقدامنا كيف صنعت السلسة بها .
    قال الشاب وما زال يمسك البطانية التي راح يفرشها .
    ــ هذه ليست الأولى الذي يسمعك يظنك أول مرة تخرج للأشغال ، أعتقد أن الجندي هذا مستجد هو لا يعرف كيف يقيدنا لقد شدها كثيرا سوف نقول للضابط الذي جاء ، ماذا قال اسمه.
    قال إبراهيم .
    ــ أي ضابط تعني.
    ــ الضابط ذات الأخلاق الجيدة الذي مر علينا واخبرنا بالتأريخ .
    ــ نعم فهمت ، أعتقد انه سليم أو سالم ، لا يخرج عن هذه الأسماء.
    جلس إبراهيم وقد مد رجليه بحيث أصبحت أقدامه على البطانية المرمية في وسط الزنزانة ، نظر إلى إصبعه لا زالت هنالك آلاما خفيفة حاول أن يحرك الإصبع المجروح كأن يدفعه إلى الأمام أو يسحبه إليه لم يستطع وكأنه فصل عن جسده ، ترك هذه الفكرة ، أغمض عينيه واتكأ على الجدار، ما زال الشاب يتكلم عن البطانية التي فرشها قرب الباب تاركا نصف الزنزانة لإبراهيم الذي مد رجليه ، حرك يده اليمنى ببطء إلى حيث يرقد التمثال ، ما زال مغمض العينين وما زال الشاب يتكلم ولم يلتفت إلى إبراهيم قال إبراهيم.
    ــ لقد جلبت لك صديقا من عمق التأريخ وسيحدثنا عن أسراره وعلاقاته الشخصية.
    أنتبه الشاب إذ لم يكن يصغي جيدا وكان إبراهيم يتكلم بصوت خافت جدا ، قال .
    ــ ماذا قلت؟.
    ــ أقول لقد جلبت لك صديقا من عمق التأريخ وسيحدثنا عن أسراره وعلاقاته الشخصية.
    ــ هل هذه مزحة؟.
    ــ لا.
    فتح عينيه ونظر إلى الشاب الذي اقترب من إبراهيم ، كان إبراهيم ما يزال متكأ ولا زالت قدماه ممدودتين على البطانية.
    ــ إنها حقيقة ، صديق لا يتجسس ، ولا يبلغ شمران عن أصحابه ماذا تكلموا قبل سنتين.
    أخرج إبراهيم التمثال بينما صعق الشاب وقفر إلى البوابة المتحركة ليضع إذنه اليمنى عليها ليتأكد من خلوا الممر من الجنود ، قال .
    ــ حسبتك تمزح ، دعني أنظر إليه ، إنه ليس جندي ، ماذا لو رأوه عندنا.
    ــ وما أدراك إنه ليس جندي؟.
    ــ لا ادري ولكن أتصوره ملكا.
    ــ سواء كان جنديا أو ملكا أو خادما لا يفرق عندنا بشيء ، سنتكلم عن هذا فيما بعد أنه حديث طويل مع صديقنا الجديد ، والأن أعني على النهوض أريد أن اغتسل.
    ــ أراك متعب على غير عادتك .
    ــ لا ادري هذه الليلة حزينة جدا ، تصور كنت كلما أتذكر خديجة ثمة إحساس بالقوة يأتيني ولكن حينما ذكرتها اليوم لا ادري ما شعرت ، انه شعور لا اعرفه ولكنه حزين ومخيب للآمال.
    ــ أتعلم لماذا؟.
    ــ لماذا ؟.
    ــ لأنك متعب ومرهق وهذا الشعور شعور المتعبين العائدين من الأشغال ، هيا يا صديقي العجوز انهض لتغتسل حتى اغتسل بعدك ، هات يدك ، واعطني هذا الملك المبجل، لأمرح معه قبل الصلاة.
    نهض إبراهيم ، قال وهو يسير إلى المرحاض .
    ــ لا اعتقد أن هذا ملك.
    ثم ادلف للمرحاض مصطحبا معه القدح الأحمر الجديد، بينما راح الشاب يحدثه عن العمل وانه لم يلتقي الجندي سامي لأنه كان بعيدا .
    قال وهو في المرحاض.
    ــ نعم ... نعم... رأيت سامي بعيدا عنك وفكرت بك قلت إنه لن يستطع أن يتكلم مع سامي، كان في غير مجموعتنا ، لقد كان حسابي دقيق نحتاج بعض الوقت حتى يقترب علينا هذا إذا لم يتلاعبوا بمراقبي الوجبات .
    ثم حدثه الشاب من أن الحرس ضربوه لأنهم كانوا يزعمون أنه لم يضرب الأرض بقوة، كما واخبره أن العجوز رحيم الذي يسكن في الزنزانة الواحدة والعشرون سقط قدحه ولم يستطع احد أن يرفعه بقدمه ، قال وهو يرمي أخر قدح ماء على رأسه ، كان يغتسل ويزيل الدم من قدميه.
    ــ أنا لم أشاهدك كنت بعيدا عني ، لماذا ابتعدت ، ألم نخرج من الزنزانة سوية ، عليك أن لا تكرر ذلك ، لا مجال للأخطاء يا صديقي العزيز.
    ـ 20 ـ
    مرت ثلاثة أيام ولم يستطع إبراهيم ولا الشاب من حل رموز تلك الأحرف التي كتبت على المنصة الصغيرة التي يجلس عليها التمثال ، كان أسود اللون ومصنوع من الكرافت وهو يتمتع بصحة جيدة إي أنه لم يصب بخدش ، إلا إنهم وبعد تفكير عميق توصلوا إلى أن يطلقوا عليه زاين ، لا أدري من أين حصلوا على هذا الاسم ، قال إبراهيم وهو يحلل شخصية هذا التمثال.
    ــ إنه جندي شجاع من حماية الملك (اوتو ـ حيكال) ، لا نعرف اسمه إلا إننا أطلقنا علية اسم زاين تيمنا بهذا السلاح الذي يحمله بيده اليمنى ، أما ما وضعه زاين في يده اليسرى فهو لوح طيني لا نعرف ماذا يصنع فيه.
    وكان إبراهيم يضحك كثيرا وكذلك الشاب حينما كانا يقومان بتلك التمثيلية ، وكان إبراهيم يستشعر إن ذلك ليس سلاحا ولكنه كان يريد الجندي هذا أن يحمل سلاحا وقد تأمل ذات مرة في ذلك الشيء الذي يحمله ذلك الشاب ذو اللحية الطويلة وقال في نفسه حينها ( اعتقد أن هذه قصبة كتابة ، ولكن يا ترى ماذا كتب في هذا اللوح الذي يحمله) ، لم يكن هذا التمثال لملك من أور ولم يكن هو الأول الذي يعثر عليه السجناء فهنالك بعض الحالات القليلة المشابهة والتي يمكن لك أن تلمسها حينما تبحث في زوايا بعض الزنزانات ، كما لم يكن جندي من عصر اوتوـ حيكال، بل كان شاعر يحمل قصبة في يده اليمنى والتي قربها إلى صدره ويبدو أن القصبة تلك كانت ذلك القلم الذي كان يكتب به قصائده ولم يكن سلاحا ، بينما ترك اليسرى ممدودة قرب ساقه النحيفة تمسك لوحا طينيا كتب فيه أخر قصائده والتي أطلق عليها العروس المبتهجة وكانت عبارة عن أغنية.
    أيها العريس الحبيب إلى قلبي.
    جمالك باهر .
    حلو ، كالشهد.
    أيها الأسد الحبيب إلى قلبي.
    جمالك باهر ، حلو .
    كالشهد .
    لقد أسرت قلبي فدعني أقف بحضرتك .
    وأنا خائفة مرتعشة .
    أيها العريس سيأخذونني أليك إلى غرفة النوم .
    لقد أسرت قلبي فدعني أقف بحضرتك .
    وأنا خائفة مرتعشة .
    أيها العريس دعني أدللك.
    فان تدليلي أطعم وأشهى من الشهد .
    وفي حجرة النوم ، الملأى بالشهد .
    دعنا نستمتع بجمالك الفاتن .
    أيها الأسد ، دعني أدللك .
    فان تدليلي أطعم وأشهى من الشهد .
    أيها العريس قد قضيت وطر لذتك مني .
    فابلغ أمي وستعطيك الأطايب .
    أما أبي فسيغدق عليك الهبات .
    وكان أسم الشاعر ذاك كيفو وهو من المقربين للملك شوـ سين وكان يغني له دوما وخاصة في أليالي المقمرة ، إذ أن شو ـ سين كان يحب ذلك كثيرا.
    أخذ الشاب يتجول في الزنزانة ، كان يتقدم ثلاث خطوات ليقف ، ثلاث خطوات فقط ثم عليه أن يدير وجهه وهكذا ، كان إبراهيم يلاحظ ذلك ، كان ينظر إلى خطواته يحسبها في قلبه وهو يهز رأسه ، توقف الشاب قرأ ( أذكرونا في صلاة الليل ) وهناك مجموعة من الأسماء كتبت تحتها ، تبسم أدار وجهه إلى الجدار الذي كان خلفه ، أخذ يقرأ كانت كلمات كثيرة ممسوحة تماما (الجماهير دائما أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة وقد تضعف لكنها لا تستسلم)، قال في نفسه ، ( رائع شيء رائع )، لمح قصة كان قد كتبها أحد السجناء في زمن ما ، قال.
    ــ هل قرأت هذه القصة ؟.
    ــ لا لم اقرأ أي شيء حتى الآن ، أن الكتابة هنا مبعثرة وناعمة جدا بحيث لا يتسنى لي أن اقرأ معظمها ، إلا إنني كنت قد لاحظت أن بعض السجناء قد كتبوا أشياء جميلة ولكنني وللأسف لا أستطيع أن اقرأها ، وقد فكرت أن أقول لك إذا قرأت شيئا أن تقرأه لي.
    يتبع إنشاء الله.....
    H_K_h_2000@yahoo.com
    تنويه...
    في الحلقة (17) سقطت سهوا الكلمات الأخيرة من الحلقة وهي.
    (، أصبح الشق قريب ، حينما نصل افعل ما يحلوا لك) ولم يكن الشق قريب ، بل ما زال في العمق ، وحينما أعاد عليه السجين ذلك الطلب لم يجبه وابتعد عنه وهو يضحك مما اضطر ذلك السجين أن يتبول وهو يسير وهذا الأمر مألوف لدى السجناء، مألوف جدا وليس فيه أدنى خجل.
    .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح20

    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ــ لا بأس لقد أخبرتك بذلك قلت لك لا تتعب نفسك في القراءة أنا أساعدك في ذلك، أنا سوف اقرأ لك.
    يكتب السجناء أحيانا كلماتهم على الجدار بأزرار البذلة والتي إذا تحركت على الجدار تترك أثرا اسود باهت يمكن أن يقرأ فيما بعد ولكن كلما تقادم الزمن عليه يضمحل شيئا فشيئا حتى لا يرى ، البعض يقتلع شيئا من عروة القدح فيكتب بها وتبدوا هذه الأكثر شيوعا وكلماتها أكثر عمرا ووضوحا ، أخذ الشاب يقرأ شيئا من ذلك الكم الهائل من الكلمات والتي حولت لون الجدار وعلى مستوى ما يستطيع السجين أن يمد يده ارتفاعا من الأحمر إلى الأسود فبقى اللون الأحمر مسيطرا على ما هو مرتفع جدا ، وربما كان في بعض الزنزانات من يطلب في حمله ليكتب شيئا في الأعلى وهذا نادر جدا ، في زنزانة إبراهيم لا توجد كتابة مثل ذلك اللون ، كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحا بدقائق حيث مرت السوبر فرليون وهو موعدها اليومي ، وتبعتها مي8 ، قال الشاب.
    ــ ثورة الدخان.
    قال إبراهيم.
    ــ ماذا أنا لم اسمع .
    ــ أنتظر حتى تمر الطائرة.
    قال الشاب حينما خفت صوت الطائرة وصار بالكاد أن يسمع.
    ــ ثورة الدخان ، وهذا على ما يبدو هو اسم القصة ويبدو أنها قصة قصيرة .
    ــ نعم .. نعم فهمت أكمل.
    ــ ولكن على اتفاقنا وهو أن نقرأ شيئا منها فقط وان كان بعضها لا يقرأ ولكن سنحاول به ، عادتي إذا رأيت كلمة مفقودة من السطر أحاول آن أجد التكملة وأبقى على ذلك أياما وربما اجتهد في وضع ما يناسبها ولكن نزولا لرغبتك سأتجاوز عن هذا .
    قال الشاب ذلك وهو يبتسم ، بينما هز إبراهيم رأسه معلنا بذلك تأييده وهو يجلس متكأ على جدار الذي يقابل الجدار الذي يقف أمامه الشاب الآن وقد مد رجليه وهو يلهو بلحيته في يده اليمنى وهي عادته حينما يتأمل أو يفكر بعمق وكان ينظر إلى الباب وقال في نفسه على نحوا السرعة ( لماذا اللون الأحمر بالذات ) وتكلم الشاب فانقطعت أحاديث إبراهيم مع نفسه.
    ـ 21 ـ
    الأيام هنا دوما قاسية وقاسية جدا وتمضي ببطء شديد وكأنها اللحظات التي تقضيها مع شخص تبغضه أشد البغض ، لقد أنقضى الصيف ، ذلك الصيف الذي عثر به إبراهيم على التمثال ، وعاد الشتاء ثم ولى هو الأخر بعد أن أخذ مأخذه من السجناء ، وهكذا ، الزنزانات التي فرغت في يوم ما وتم دفن أصحابها في الشقوق ملئت مرة أخرى كما وتم طلاء كل جدرانها بلون احمر أيضا وطمست كل الكلمات التي كان السجناء قد سطروها في يوم ما .
    السيد شمران شدد على أن الزنزانة التي يرى فيها شيء من الكتابة ولو حرف واحد ستعاقب في بيت التحقيق الأعظم وهو مكان تم استحداثه مؤخرا وفيه ما لا يحصى من أدوات التعذيب ، وكان يكثر من القول في أخر أيامه في الصرح ( لا بد من توسيع الصرح هناك ضخ غير طبيعي ، اشعر أن الشعب كله هنا ) وحدَّث نفسه كثيرا في ذلك وفكر في استحداث مواقع جديدة وكتب مذكرة للداخلية بذلك يخبرهم فيها عن ضيق ذلك المكان الذي كان في يوم ما واسع جدا .
    ذكريات جديدة بدأت تنساب بين الزنزانات والمحاجر وقصص هي الأخرى جديدة ، السجناء الجدد كانوا يحدثون القدامى هذا في حالة اللقاء بهم عن كل ما حدث في تلك السنين ، السنين الموحشة جدا والمرعبة جدا ، أما القدامى فليس لديهم شي يقولونه إلا بعض التوصيات ونبذ الاندفاع الشبابي الذي قد يجر عليهم بالويلات ، كانوا يقولون لهم.
    ــ إياكم والأخطاء إن الأخطاء هنا لا تغتفر ، لست في بيت صديق لك حتى يغضي عنك إنك في مكان جل تفكير الذين هم فيه هو كيف يقتلوك فعليك أن تحافظ على نفسك قدر الإمكان.
    هذه الحالة أي السجناء الجدد في زنزانات القدامى نادرة الحدوث ، نادرة جدا ، فالسيد شمران يرفض وبشدة إدخال السجناء الجدد مع القدامى ولكن أحيانا ونتيجة الضخ الغير طبيعي على حد تسميات يوسف شمران يحدث هذا وبشكل محدود ومدروس أيضا ، فإبراهيم مثلا لم يتسنى له أن يلتقي بسجين شهد عقد الثمانينات وهو خارج الصرح إلا مرة أو مرتين وربما ثلاثة، منهم ذلك السجين لذي نجى من غابة الأسود والتي يشرف عليها نجل السيد الرئيس ليطيح في غابة الصرح وقد حدث إبراهيم بذلك في يوم ما والأخر تكلم مع إبراهيم عن حرب السيد الرئيس مع إيران والتي انطلقت فيها ثورة كبرى تعد الفريدة في المنطقة وذلك في نهاية عقد السبعينيات وقد أسقطت تلك الثورة التي فجرها بعض رجال الدين حكم الشاه ، ولكن ذلك السجين لم يستفهم منه إبراهيم كثيرا إذ شك في توجهاته وتوقع أن شمران أرسله ليعرف تطلعات السجناء ، ومع ذلك فهو لم يبقى سوى أربعة أيام ثم أُخرج وظل إبراهيم يفكر في تلك الكلمات طويلا ولكنه في ذات الوقت كان يشكك ويستخف بها ولم ينقلها لأي سجين إلا بعد عامين حين أكد له أحد السجناء ممن التقوا بسجناء عاشوا في الثمانينات تلك المعلومات ، ولكم تمنى أن يرى سجينا يحمل بعض المعلومات الجديدة والمهمة ،كانت أصوات الطائرات الحربية والتي عادة تأتي مع الفجر تقلق السجناء ، لقد كثرة في السنوات الأخيرة ، إبراهيم انتقل إلى عدة زنزانات وترك الشاب منذ سنوات ولكنه ما زال يحتفظ بذلك التمثال ، كان يضعه في بذلته حينما كانوا ينقلونه من زنزانة إلى أخرى وكان يشده على خصره حينما يأخذونهم إلى العمل خشية أن يفتش الجنود الزنزانة في غيابهم وكان يتألم من ذلك ويخشى من عواقبه ولكنه تعلق بالتمثال كثيرا واعتبره الصديق الوحيد الذي لم ولن يستطيع يوسف شمران أن يفرق بينهما ، وأستعد إلى أن يعدم دون أن يفرط في التمثال بسهولة ، ولما بلغ الخمسة عشر عاما في السجن تم استثنائه من الأشغال ووضع في ممر كانوا يطلقون عليه بزنزانات العجزة حيث التقى هناك بشيبه وتحدث معهم طويلا ، ولم يصدق إنهم استثنوه إلا بعد مرور أشهر على ذلك ، قال للشاب ، الشاب الذي كان معه يوم عثر على التمثال في الشقوق ، قال له يوم صرخ به الجنود ( أنت أيها العجوز سنخرجك إلى مكان أخر انهض) ، قال له بلغة حزينة.
    ــ سأذكرك كثيرا وسأفتقدك .
    وأراد أن يعانقه إلا انه خاف من الحرس لأنهم كانوا يتابعون حركاته ، حينها خرجت من عينيه وهو يجتاز باب الزنزانة بعض الدموع وظل متأسفا على ذلك اشهرا عديدة ، لقد مضى عليهما ثلاثة سنوات في تلك الزنزانة ، ولكن حينما تعرف على آخرين تلاشت نوعا ما تلك الذكريات . يومها (أي حينما أخرجوه) لم يكن التمثال في بذلته وكان تحت البطانية وقبل أن يفتح الجنود الباب دسه في البذلة بسرعة ولو انتبه الجنود لذلك لعلموا انه كان يخفي شيئا ما ولكنهم كانوا منشغلين فيما بينهم يدخنون السومر بشراهة ، أغلق الجنود الباب ومضوا بإبراهيم إلى حيث لا يعلم ، يومها جلس الشاب يبكي وهو ماسكا برأسه واضعا إياه بين ركبتيه ، بكى كثيرا وظل أياما يبكي وكلما تذكر إبراهيم بكى ، وكان يخرج صوتا حزينا حينما كان يبكي ، إلا إن أقدام الحرس وأصوات المفاتيح في الممر وصياح السجانين كان دوما يفضي على ذلك العالم مخاوف شتى من شئنها أن تنسي السجين همومه وبعض الأفكار ، السيد شمران هو الأخر محكوم بعوامل التأريخ فقبل عامين تقريبا أحيل على التقاعد بعد أن تعرض لحادث سير، حيث اصتدمت عجلته بأحدى العجلات التابعة إلى المستشفى الجمهوري حينما كانت تنقل جرحى صاروخ إيراني وقع في أحدا شوارع العاصمة ولم يصب هدفه بدقة وكان موجه إلى وزارة الدفاع وكانت بصحبته زوجته التي لم تتأذى كثيرا من الحادث على خلافه فقد أصيب بشلل نصفي وجاء بعده إلى الصرح عدي خليفة الذي أبدع صورا جديدة في إفراغ الزنزانات التي كانت تمتلئ بسرعة ، فإليه تعود فكرة إرسال السجناء للقيام بإنزال فاشل على الأراضي الملتهبة في حدود البلاد الشرقية حيث في كل ساعة هناك عاتية مليئة بالضحايا الجدد وقد شكره السيد الرئيس على ذلك في اجتماع سري وأعطاه سيارة نوع مرسيدس بيضاء كهدية وقال في حقه ( هكذا علينا أن ننجب الرجال ، هذا الرجل الشجاع ابتكر شيئا سيجنبنا أن نلقي ببعض الجنود في المناطق التي فيها إيرانيون ولكن سنلقي بعض الخونة حتى نتأكد أنهم اقتنعوا إننا لم نبعث إليهم جنودنا حينها سنرسل إليهم الإبطال، هكذا ينبغي أن نفكر) يومها كان التلفاز متخما جدا بأغاني النصر المبين ( سيدي كم أنت رائع سيدي ) ليس التلفزيون وحده بل الجميع كان يصفق بحرارة ويهتف بقوة ، حينما كان السيد الرئيس يزور المناطق المختلفة كانت الهتافات تلتهم كل شيء ، كل شيء ولا تدع أحدا يفكر مليا ( بالروح بالدم نفديك ....) وكان هناك دوما مجموعة من النساء والرجال والأطفال ترقص وتغني وكأنها في عرس لا ينتهي ابدا ( يا يعيش يا يعيش يا يعيش ، عاش القائد عاش الرمز عاش فارس الأمة وباني مجدها يعيش) كما كانت المعارك على طول الحدود الشرقية للبلاد تأكل آلاف الذين كانوا لا يعرفون لماذا هم يحاربون ولماذا هم يموتون ولماذا أتخمت الشوارع بالعمال المصريين لسد حاجة البلاد من العمال على مختلف الأنواع، وكانوا أي الموتى جراء تلك الحرب الخرافية يرسلون إلى أهلهم مقطعين بفعل الشظايا أو محروقين يلفهم علم البلاد الرسمي ، وكان هنالك من تسمح له الحماية الشخصية للسيد الرئيس أن يتكلم ، هذه الحماية فوق عددها فرقة عسكرية وهم متدربون على مختلف الفنون القتالية ، وهي لا تتهيب أن تقتل أي شخص يقترب إلى الحدود الحمراء المحيطة بالسيد الرئيس ، وكان السيد الرئيس وبإشارت معينة كان يسمح للبعض أن يتكلم شيئا والذي يجب أن يكون مدحا وثناء على ما أنجزه السيد الرئيس من معجزات بحق الشعب و أبنائه ( سيدي كلنا فداء لك ، أنت حققت المعجزات وأنت الذي جاء بعد اليأس والقنوط ، بعثك الله ليتحقق النصر على يديك ، أيها الملهم العظيم ، الموت للخونة أعداء السيد الرئيس) و كانت البيانات الإيرانية تؤكد أن ثمة أنزال فاشل كبير على قطاع ديزفول أو المحمرة أو نهر جاسم تكبد فيه العدو ألاف القتلى وكانت المعارضة فرحة لأن ثمة مقاتلين أشاوس قد ماتوا وهم يدافعون عن حياة السيد الرئيس وكانت وزارة الدفاع تنسق تلك التصفية السرية مع مديرية الأمن العام من اجل نجاح ذلك المشروع . هناك شكل أخر للتصفية وإفراغ الزنزانات في عهد السيد عدي خليفة وهو إرسال مئات من السجناء لمعامل التصنيع الكيميائي لإجراء التجارب عليهم ، هذه الأماكن لا يعرف مكانها إلا السيد الرئيس والمقربون منه جدا وذلك لأجراء تجارب عليهم ، وهذا النوع هو الأكثر استهلاكا للسجناء ، حيث يمكن مشاهدة عشرات من الشاحنات ذات اللون الأحمر والموشح بالسواد والمظللة أيضا والمكتوب عليها شركة الظلال للسياحة والسفر و يشاع أن نجل السيد الرئيس الأكبر يمتلك أسهما كثيرة فيها ، تشاهدها وقد دخلت الصرح لتأخذ مئات من السجناء وخاصة الشباب منهم إلى أماكن مخيفة جدا بحيث ( أن الصرح وما يحيطه من غموض وخوف يكون نسبة إلى تلك الأماكن وكأنه مكان استراحة ) ، هكذا كان يقول بعض المعنيين ببرنامج تطوير الأسلحة البايلوجية ، ولكن يبدوا أن هذا الوصف مبالغا فيه نوعا ما فالصرح يحتوي على أماكن لا يستهان بها في الترويع وزهق الأرواح ، هذه الأسلحة الفتاكة يريد بها السيد الرئيس أن يحرر فلسطين ، كان يقول دوما ( أن الحرب القادمة حرب قذرة وعلينا أن نمتلك أدواتها و إلا سنهزم في عقر دارنا ، إن أسرائيل تمتلك السلاح النووي والكيميائي إذا لماذا يحاربوننا على ذلك ويمنعوننا ، إننا سنحطم إرادة الغرب ونهزم الطموحات الفارسية أيضا إنها طموحات مدمرة وذات صلة بالماضي وبما إننا نتمتع بقبول الشعب خلافا لكل الزعماء في المنطقة فأننا لن نسمح للأعداء من تدنيس أراضينا المقدسة ، إذا وعلى ضوء ذلك علينا أن نعمل ليلا ونهار) ومن اجل ذلك وحتى يجسد السيد الرئيس أرادة الشعب ويحرر فلسطين كانت تلك الشاحنات المظللة لا تنفك تزور الصرح صيفا وشتاء تنتقي الأصغر سنا والأكثر حيوية من بين السجناء.
    ـ أنت وأنت اقتربوا إلى الباب اخرجوهم هؤلاء شباب قيدوهم ، كم بقي من العدد؟.
    ــ سيدي ثلاثة وعشرون.
    ــ تعال معي إلى الممر الأخر.
    وهكذا تذهب الشاحنات محملة بالسجناء ممن وقع عليهم اختيار الخبراء البايلوجيين إلى تلك الأماكن الغامضة جدا ليتمكن الرئيس من امتلاك أدوات الحرب القادمة ويحرر فلسطين .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
    أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح21
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 22 ـ
    مرت ثلاثة أيام ، ثلاثة أيام فقط على ورود بريد من الداخلية يحمل عنوان (سري للغاية ويفتح باليد) إلى السيد عدي خليفة الرجل الشديد جدا وذات الملامح الصحراوية القاسية ، كان خليفة أسمر اللون ونحيف الجسم إذا رأيته يسير في اليرموك وهو مكان سكناه تجزم على انه رجل خامل وليس له أي دور في الحياة سوى أن يدخن بشراهة وإذا تأملت في وجهه يمكن لك أن ترى أثار جدري أو ما يشابه ذلك ، دخل في عامه الخامس والأربعين ، وكان يشرف على تعذيب السجناء بنفسه وكان يقول ( أن أجمل لحظات حياتي هي حينما أرى أعداء السيد الرئيس يتألمون ويصرخون ) ، وكان السجناء يقولون انه لا يوجد أقسى من يوسف شمران ويدعون الله تعالى أن يذهب به إلى الجحيم ولكن حينما جاء خليفة شعروا أنهم كانوا مخطئين في تقديراتهم ، وكان عدي خليفة يخرج بين يوم وأخر سجين واحد أو عدة سجناء يضعهم في ممرات القيادة ويشدونهم في شبابيك الممرات الطويلة من أجل أن يطفأ الضباط والجنود سجائرهم بأجسادهم العارية تماما وربما وضعوا ما يواري عوراتهم وكانوا يسمون هذا السجين بالنفاضة البشرية وعلى السجين أن يتحمل يوما كاملا من لسعات المدخنين من الضباط والجنود وهم الأكثر ، هذا البريد أخبر السيد عدي خليفة على ضرورة إطلاق كل من مر على وجوده في الصرح خمسة عشر عاما أوأكثر وأن يعمل في الرسالة فور وصولها وأن ترسل أسماء السجناء الذين يتم إطلاق سراحهم إلى الوزارة للإطلاع عليها ، حينما وصل البريد ذاك وقرأه خليفة ضحك كثيرا وقال في نفسه ( هل يوجد لدينا من مر على وجوده هنا خمسة عشر عاما ، وأين كان ، وإذا أفلت من يوسف شمران رحمه الله فكيف أفلت مني لا أدري ربما ، لنرى كم لدينا من هؤلاء الخونة ) حينها شكل لجنة من ضابطين تبحث في ملفات السجناء القدامى علها تعثر على من مر عليه خمسة عشر عاما في الصرح ، وفعلا عملت اللجنة إلا إنها لم تعثر إلا على ثلاثة ملفات ، قدمها رعد ، الضابط المكلف بذلك بعد أن أدى التحية.
    ــ سيدي هذه هي ملفات المشمولين بعفو السيد الرئيس حفظه الله ورعاه.
    ــ كم؟.
    ــ ثلاثة فقط سيدي.
    ــ ثلاثة فقط؟.
    ــ نعم سيدي .
    ضحك السيد عدي خليفة كثيرا ونهض من خلف مكتبه يرقص بسخرية وهو يرفع الملفات إلى الأعلى.
    ــ ثلاثة ترن ترن ، ثلاثة رابعهم في المقبرة ترن ترن.
    ضحك عدي ضحكة عالية وجامله الضابط الذي جلب الملفات بابتسامة واخذ يقرأ الأسماء .
    ــ سمير سرحان بدر وإبراهيم رشاد ذا النون وأزاد جمال علي.
    خرج من المكتب والذي ليس هو ذاته مكتب شمران القديم ، لقد أحدث غزو الكويت تغييرا جذريا في مكاتب الضباط وأثاث الدوائر الحكومية خاصة التابعة إلى وزارة الداخلية لذا ترى مكتب السيد عدي خليفة مثلا ليس هو ذاته مكتب يوسف شمران ، هذا الجديد أسود اللون وكبير جدا وذات صناعة إيطالية ، خرج ليجلس على الكنبات الخضراء الموردة والتي جلبت إلى الصرح أيضا ويقال أنها جلبت من قصر أميري ، قال.
    ــ هؤلاء فقط ؟.
    ــ نعم سيدي .
    مص شفتيه إلى فمه برفق واخرج سيجارة كنت واتكأ يتأمل في الملفات، قال.
    ــ تصور لو كانوا مئات ماذا اصنع ؟.
    ــ ماذا تصنع سيدي؟.
    ــ اجلس لماذا أنت واقف .
    ــ نعم سيدي .
    جلس الضابط بينما أردف خليفة .
    ــ أبقي ربع منهم هكذا قررت ولكن احمد الله أنني لم أتعرض إلى هذا الإحراج مع المديرية العامة ولا مع الداخلية ، ثلاثة عدد لا بأس به .
    دخل المراسل وكان جندي وسيم جدا ربما لم يبلغ التاسعة عشر ودون أن يؤدي التحية بشكل متقن واكتفى برفع كفه اليمنى ووضعها قرب الجبهة بهدوء قال .
    ــ سيدي مقدم تحسين يريد أن يراك.
    تاما قليلا ، قال.
    ــ ليدخل.
    خرج الجندي الوسيم وليدخل المقدم الذي أدى التحية بشكل متقن ومخيف وكأنه يقف أمام السيد الرئيس .
    ــ تفضل تحسين.
    ــ أشكرك سيدي ، سيدي خمس زنزانات من الكويتيين أضربوا عن الطعام وزنزانة واحدة بها سبعة نساء أيضا أضربت عن الطعام.
    ــ ما هذا التزامن ، منذ متى وهم مضربون ؟.
    ــ أمس سيدي .
    ــ لماذا هل حدث شيء ؟.
    ــ سيدي مات أحدهم من المرض ، كان يعاني من ربو مزمن .
    ــ والنساء ماذا بهن؟.
    ــ سيدي تم أخراج ثلاثة من الزنزانة أمس ليلا.
    ضحك خليفة ، ضحك من كل قلبه ، قال وهو يضحك واضعا فخذه الأيمن على الفخذ الأيسر .
    ــ نعم ، أنا على علم بذلك ، لقد جلبوا واحدة لي ، كانت لا بأس بها؟.
    نهض السيد عدي خليفة يتمشى في الغرفة بينما نهض الضابط الذي جلب الملفات ووقف جنب المقدم الذي تنحى هو الأخرى ليقف قرب الباب ، قال بغضب.
    ــ أليست الكويت عراقية ألم يقل السيد الرئيس ذلك؟ .
    قال الضابط صاحب الملفات.
    ــ نعم سيدي هي عراقية.
    صمت قليلا وقد احمرت أوداجه إلى حد يمكن ملاحظة ذلك ، أردف قائلا.
    ــ لماذا لا يفرحون بأنهم رجعوا إلى وطنهم الأصلي ، اخرجوا كل من أضرب عن الطعام وأرسلوه إلى بيت التحقيق وكذلك النساء ولا أريد أن يعود منهم إلى زنزانته أبدا ولكن أرسلوهم إلى الانفرادي وإذا تكرر هذا اصنعوا ذات الشيء لا تراجعني على أشياء تافهة مثل هذه كل من يضرب عن الطعام أو يخرج عن ضوابط الصرح والتي قرأت عليهم أول ما دخلوا افعلوا به ما يحلوا لكم.
    ــ أمرك سيدي.
    خرج المقدم وهمَّ ضابط الملفات في الخروج أيضا ولكن السيد خليفة قال له بهدوء بعد أن تنهد ثلاثة مرات.
    ــ أنتظر أنت.
    ــ نعم سيدي
    ــ هل انتم متأكدون من هذا العدد ؟.
    ــ نعم سيدي لقد تفحصنا الملفات بدقة.
    ــ إذا ، لأراهم.
    ــ أمرك سيدي.
    يتبع إنشاء الله
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  2. #17
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي روايه- من الحلقه -22 - الى الحلقه -24- ارجو التثبيت

    أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح22
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 23 ـ
    لقد قضى إبراهيم السنوات الثلاث الأخيرة وحيدا في زنزانة صغيرة جدا منعزلة قرب أماكن الطبخ البعيدة ولم تكن انفرادية ولكنه بقى وحيدا فيها وكانت تلك الأيام أسوء ما كان يعانيه إبراهيم إذ شعر بالغربة والوحشة وكان لا يسمع أي شيء سوى الإطلاقات النارية التي كان الجنود يطلقونها بيين لحظة وأخرى وكذلك صياحهم المخيف ، وشعر إن صحته تدهورت كثيرا فقد بدأ يعاني من ألآم المثانة وضيق التنفس والسعال الحاد وقد سقط من أسنانه الكثير ولم يبقى إلا الأسنان الأمامية تستر عليه مظهره وكان أخر ناب قذفه مع مجموعة من الدماء قبل نصف عام حينما ضربه أحد الجنود الفتيان على وجهه دون أن يكون أدنى سبب سوى انه تأخر عن النهوض حينما فتح عليه الجندي البوابة الصغيرة بصورة مفاجئة ، يومها قال له اخرج رأسك من البوابة الصغيرة وكان بالإمكان أن يخرج منها السجين رأسه من تلك البوابة، حينما فعل إبراهيم ذلك لكمه الجندي في وجهه لكمة عظيمة ظل إبراهيم يعاني منها اشهرا عديدة وقد شق جفن عينه اليسرى ، لم يكن يعرف إبراهيم ما يجري خارج زنزانته ، لم يكن يعلم أن الرئيس أمر بغزو دولة الكويت وسقطت بطرفة عين وكان التلفزيون الرسمي يتحدث عن ضم الأصل للفرع فالتسقط الرجعية وسميت المحافظة التاسعة عشر وكان التفلزيون قد اخرج رجل قبلي على انه زعيم التيار الإصلاحي في دولة الكويت ويقال انه من حماية الرئيس ، هذا الرجل كان يطلب النجدة من حكومة الرئيس لإحداث التغيرات السياسية في بلده ، كانت الفكرة ساذجة جدا ولم تنطلي على احد ، ولم يكن يعلم إبراهيم إن الثوار أوشكوا على إخراجهم قبل عام حينما اقترب الأمريكان كثيرا على إسقاط حكومة السيد الرئيس إلا إنهم تريثوا بعد ذلك حينما لاح لهم شبح التغير، يومها سمعت الزنزانات كلها أصوات الطائرات والصواريخ كما وسمعوا اشتباكات الجنود مع بعض الثوار الذين حاولوا اقتحام الصرح حيث وصلوا إلى مشارف الصرح الأولى ولكن دون جدوى حيث تم تأمينه بأحد الفيالق الخاصة المنسحبة من الكويت ولم يعترض الأمريكان على ذلك التكتيك العسكري وكان بإمكانهم أن يصنعوا أي شيء إلا إنهم توقفوا تاركين الجيش يسترد كل الأماكن التي سقطت بأيدي الثوار وهي أماكن كثيرة جدا حيث يمكن القول إن جنوب ووسط وشمال البلاد كله سقط في أيدي الثوار والذين جُلب معظمهم إلى الصرح بينما قتل منهم الكثير في مواجهات الجيش وهرب البعض إلى حدود البلاد باتجاه المملكة العربية السعودية وتحديدا إلى رفحه حيث بني هناك معسكر كبير سمي على اسم المنطقة ، لم يكن يعلم إبراهيم بكل تلك الحروب والتطورات الكبيرة ، لقد كانت هنالك معلومات مشوشة نقلها لإبراهيم أحد السجناء في زمن ما أخبره فيها عن حرب شرسة يقودها الرئيس ضد إيران والتي انتهى بها حكم الشاه وصار الحكم بيد رجال الدين وان مئات الألوف تقتل على طول الحدود مع إيران ولكن إبراهيم لم يثق يومها بكلمات ذلك السجين إلا بعد سنتين حينما التقى بسجين شاب يزعم انه نجى من غابات الأسود الهندية التابعة لنجل الرئيس وهو الذي أكد له تلك التطورات ، وربما التقى بسجين أخر من هذا القبيل ،ومنذ ذلك والوقت إي منذ خروج ذلك السجين لم يدري إبراهيم ماذا يجري خارج نطاق زنزانته ، كان يعلم فقط متى تأتي وجبات الغذاء ومتى يذهب إلى المرحاض ، ويعلم كذلك متى يأتي الجنود أو السجناء الحلاقين للسجناء أصحاب القضايا الخاصة جدا ، كانوا يأتون كل ثلاث اشهر حيث يزيلون كل ما على الرأس والذقن من شعر وكانوا يتأخرون أحيانا ، نعم أحيانا يمر عام ولا يأتون ، كما يعرف إبراهيم إنه مرت أعوام على استثنائه من الأشغال ، فلم يعد يخرج يحفر الشقوق ، وكان يتكلم مع نفسه كثيرا إذ لا يوجد أحدا يتكلم معه وزاد حديثه مع التمثال ، الصديق العزيز له ، وكان يقص عليه القصص التي سمعها من السجناء ويصغي هو كذلك للتمثال الذي كان إبراهيم يتكلم على لسانه من قصص مختلفة وكان ذلك يحدث دوما قبل النوم خاصة في ليالي الشتاء الباردة.
    ــ زاين هل تسمعني ، مالك لا ترد علي هل أنت نائم ، أسمع أيها الجندي أنت تتمتع بخبرة واسعة كونك عشت قبلي وكنت من الحماية الشخصية للملك اوتوـ حيكال وكنت ترى كيف يؤتى بالمعارضين للملك ، هل كانت هنالك معارضة ؟.
    ــ لا ولكن ثمة نفر ضال كان يحاول أن يسلب الملك .
    ــ نفر ضال ... نفر ضال ... لماذا تسمونهم نفر ضال هؤلاء أيضا يسموننا نفر ضال ، لماذا تسمون إرادة الشعوب والثوار دوما بالنفر الضال والخارجين عن القانون، لا بد من ثورة للمستضعفين تجتاح العالم لولا هذا الهدف لكان كل شيء عبارة عن محض خرافة .
    صمت قليلا ثم عاد بلهجة أكثر هدوءا
    ــ وتصديتم لهم بقوة ، لا تكذب علي أنا اعلم أن الجنود يكذبون دائما لأنهم يعتقدون أن أهم شيء هو أن يحقق الجندي الانتصار .
    ــ لا ، كان الملك يحاول أن يتركهم .
    ــ صحيح ، ألم يكن لدى الملك سجن تحت الأرض؟ .
    ــ نعم ، كان هناك سجن ولكن صغير جدا ليس بحجم هذا السجن .
    ــ هل تتصور إنني سأخرج من هنا؟.
    ــ لا اعتقد وحتى إذا خرجت فإلى أين ستذهب؟ .
    ــ إلى خديجة وابنتي سحر، هل نسيت أنا دوما أحدثك عنهم ، بدئت تنسى أيها الجندي الكسول.
    ــ لا لم أنسى أتذكر كلماتك.
    ــ لم تحدثني عن أمك ، كنت دوما تحدثني عن حبيبتك ميروبا التي غرقت في نهر هيمونوثو ولم تستطع إخراجها بالمناسبة ما معنى ميروبا؟.
    ــ المياه الكثيرة ، أنا لم أكن اعلم بها كنت في المعركة وحينما عدت قالوا لي إنها غرقت في نهر هيمونوثو، أما عن أمي فسأحدثك لأنك لم تسألني.
    ــ نعم سأسألك إنني اعتقد إن الأم شيء مقدس ، هي تأتي بعد الله والأنبياء من حيث التقديس.
    ــ الله سمعت عنه ولكن الأنبياء لم اسمع عنهم .
    ــ حقا ، هم الرجال الذين يرسلهم الرب لإنقاذنا من الخطيئة العالقة قي أذهاننا.
    ــ كان ثمة رجال صالحون يأتون الملك يقولون له اعبد الرب الواحد الذي هو فوق أن يرى وكانوا يسمونه مارتو، وكان الملك يضحك لأنه كان يعبد الإله مامناتو وذات مرة غضب اله الشر عليه وأراد أن ينتزع ملكه فاستعان بالرجال الصالحين فقالوا له لماذا لا تدعو الهتك قال دعوتها ولم تشارك في الحرب فقالوا له إذا سنقول للرب أن يهزم اله الشر ، كنت معه حينما سألهم وأجابوه حينها هبت عاصفة اقتلعت المعبد الكبير للإله سورودو ومامناتو والذي كان تحت التلال الخضراء.
    ثم سرعان ما يعلو شخيره وسرعان ما يسقط التمثال من على صدره ، وحتى حينما جاءوا الحرس يركلون الأبواب بأقدامهم بقوة كان إبراهيم يغط في نوم عميق ، حينما فتحوا البوابة الصغيرة كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة بسبع دقائق ، صاح احد الجنود.
    ــ إنهض إنهض أيها القرد النائم.
    فتح إبراهيم عينيه إلى النصف ، كان يتصور أنه ما زال في ذلك الحلم الهادئ الجميل ، كان يحلم انه يعبر بحر عظيم وأنه أوشك أن يصل إلى الشاطئ حيث كانت هناك جزيرة موحشة تهب منها رائحة الموز والذي سرعان ما تطرده رائحة نتنة جدا كأنها رائحة موتى الحروب حينما يتركون أياما وشهور، كانت تصدر من شيء ما وكلما أراد إبراهيم أن يعرفه لم يستطع وقال في نفسه وهو يحلم انه إذا وصلت الشاطئ سأبحث عن مصدر هذه العفونة ، إلا أن صراخ الحرس الكثيف جعله يقفز من مكانه .
    ــ نعم سيدي ، نعم سيدي .
    ــ إنهض ما هذا الشخير ؟ ما اسمك؟ .
    ــ إبراهيم رشاد.
    ــ جيد وجدنا واحد ، إنهض ، افتح الباب ، هيا اخرج .
    لف إبراهيم الدوار اتكأ على الجدار أزاح البطانية بقدمه كان يريد أن يجعلها كلها فوق التمثال حتى إذا داسوه بأقدامهم لم يشعروا به ، فكر أن يدس التمثال في بذلته لكن الدوار لم يدعه ، اسند ظهره إلى الجدار ، حرك البطانية نحو التمثال ببطء لم يشعروا به . قال له أحد الجنود و كانوا يرتدون بدلات ضفدعية وقماصل شتوية أغلقوها بإتقان ولم يكن بأيديهم أي سلاح إلا بعض الأعمدة الحديدية
    ــ هيا أخرج أيها العجوز .
    ــ نعم سيدي.
    قدم إبراهيم يديه ليقيدوه، قال له الجندي الذي ظل واقفا في الخارج ولم يدخل.
    ــ لا حاجة لنا في ذلك .
    نظر إلى الجنود وهم يسحقون على البطانية والتي ركلها احد الجنود بقدمه فقذفها في الزاوية وهو يخرج ، قال إبراهيم في نفسه ( الحمد لله لم يشعروا به ، زاين أعتني بنفسك حتى أعود ).
    يتبع إنشاء الله
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح23
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 24 ـ
    كان السيد عدي خليفة يجلس خلف مكتبه يحرك كرسيه يمينا وشمالا بهدوء وهو ينظر إلى إبراهيم والذي تحولت لحيته الكثيفة جدا وشعره إلى بياض تام فلا توجد شعرة سوداء واحدة ، ولأنه كان طويلا ونحيفا نوعا ما فقد انحنى ظهره إلى الأمام قليلا ، راح السيد خليفة يتأمل فيه كثيرا، لحظات ولحظات مرة كان فيها خليفة يتأمل في إبراهيم وهو يدخن الكنت، كان ينظر في بدلته التي تمزقت كثيرا قرب الركبتين ، والى قدميه العاريتين من أي نعل ، إبراهيم كان ينظر إليه بين لحظة وأخرى وكان يحرص على أن لا يجعل نظراته تحمل الحقد والكراهية خشية أن يقرأها خليفة فتثور ثائرته ، هو لم يره منذ عدة أعوام ، منذ أن قال لهم أعطوه بطانية أخرى إن هذا الشتاء قاسي جدا ، سـأله وهو ينظر إلى بذلته.
    ــ كم بذلة أعطوك منذ مجيئك وحتى الآن؟ .
    قال إبراهيم وهو مرتبك.
    ــ لا اعلم سيدي.
    ــ لماذا لم تمت حتى هذا الوقت ؟.
    أجابه إبراهيم وهو مطرق.
    ــ سيدي اعتقد أن أجلي لم يحن بعد وهذا أمر بيد الله.
    ــ بيد الله أم بيدي؟.
    صمت إبراهيم قليلا قال بصوت مرتبك.
    ــ العقل يقول بيد الله.
    ــ جيد لو قلت غير ذلك لأخطئت ، كم مرة خرجت في الأهداف المتحركة ؟ .
    ــ خمس وتم استثنائي.
    ــ وهل كنت ترى كيف يموت أصحابك وأصدقائك ؟.
    ــ نعم سيدي.
    ــ هل أتفق أن أصابك الحرس ؟.
    ــ نعم سيدي، في قدمي اليسرى.
    ــ أرفع رأسك حين تكلمني لا تخف، ما هو اسمك؟.
    ــ إبراهيم رشاد ذا النــ،
    تلكأ ثم سرعان ما استدرك.
    ــ إبراهيم رشاد محسن ذا النون.
    ــ إبراهيم رشاد ذا النون أو محسن ذا النون؟.
    ــ سيدي محسن ذا النون
    ــ هؤلاء الأغبياء كتبوا على غلاف الإضبارة الشخصية رشاد ذا النون.
    سحب قلما ذهبي اللون من حاملة الأقلام والتي كانت تحمل ثلاثة أقلام مذهبة وهي توسطت المكتب وليكتب بين اسمي رشاد وذا النون بخط غير متقن (محسن) ، قال.
    ــ أين تسكن ؟.
    ــ بغداد سيدي.
    ــ بغداد كبيرة ، أين بالتحديد؟.
    ــ الكاظمية سيدي.
    ــ متى اعتقلت ؟.
    ــ عام 1970.
    ــ لقد جئتنا مبكرا ، من عام 1970 ولم تمت بينما مات أمس سجين خرج من الانفرادي قبل ثلاثة اشهر.
    صمت خليفة قليلا وهو يمص سيجارته بهدوء، قال.
    ــ إذا خيرتك بين الخروج وبين البقاء هنا ماذا تختار ؟.
    ــ سيدي الأمر متروك إليكم.
    ــ لا ... لا... أريد رأيك .
    ــ طبعا الخروج .
    ــ لماذا حتى تعاود نشاطك في محاربة السيد الرئيس حفظه الله ورعاه.
    ــ لا يا سيدي ولكن حتى أرى زوجتي وابنتي.
    ــ زوجتك ما اسمها ؟.
    ــ خديجة صاحب.
    ــ ربما أصبحت الآن عاهرة وكذلك ابنتك ما تقول أيحتمل هذا أم لا ؟.
    ــ الله اعلم بحقائق الأمور سيدي.
    ــ أجلس.
    ــ أنا سيدي.
    ــ نعم ومن غيرك ، أجلس حتى يأتي الآخران.
    ــ نعم سيدي.
    ـ 25 ـ
    فتح المراسل الوسيم جدا والصغير جدا الباب التي تم طلائها حديثا بلون فضي ، قال بعد أن أدى التحية بشكل غير مبالي بها ، قال بتدلل واضح.
    ــ سيدي لقد وصل الملازم كنعان ومعه السجينان.
    ــ ليدخلوا.
    دخل كنعان وأدى التحية العسكرية بإتقان ملفت للانتباه ، قال.
    ــ هذان اللذان أردتهما سيدي.
    ما زال خليفة يجلس خلف المكتب يرقص كرسيه بهدوء ، وما زال يمص سيجارته الكنت بروية ، أخذ ينظر إليهما واضعا يده اليمنى قرب فمه وهو يتأمل فيهما ، قال.
    ــ ما اسمك أنت؟.
    ــ أزاد جمال علي.
    ــ من أين؟.
    ــ سليمانية.
    ــ متى كان اعتقالك؟.
    ــ 1973 سيدي
    ــ وأنت ؟ .
    كان السيد خليفة يحرك يده باستعلاء وهو يؤشر عليهما.
    ــ سمير سرحان بيدر سيدي.
    ما زال إبراهيم جالسا مطرق الرأس ينظر إلى السجادة التي مدة في الغرفة وكانت حمراء موشحة بالسواد ، هي كذلك من الأشياء التي تم جلبها من الكويت قبل عام تقريبا وتحديدا من بيت في العبدلي ، كان يفكر أن يرفع رأسه حينما أدخل السجينان إلا إنه ابعد تلك الفكرة ، كان قد ذهب شوطا في أفكاره السوداوية كان يقول في نفسه ( لقد وصلت إلى النهاية يا إبراهيم ، جيد إبراهيم لقد ختمت أعمالك ولم تهن ، أصبر قليلا ما هي إلا لحظات حتى يأمر هذا الطاغوت جنوده بإعدامنا فيأخذوننا إلى بيت التحقيق وهناك سوف تكون نهاية هذا الفصل المضحك جدا) ، إلا أنه حينما سمع ذلك الاسم الأخير هز رأسه ورفعه قليلا ثم سرعان ما أرجعه وتمنى أن يعيد الشاب الاسم ، تذكر العجوز القديم جدا والذي التقى به قبل أعوام طويلة قال في نفسه ( كان اسمه سرحان بيدر وله ولد اسمه سمير وكان يبكي كلما سمع أسم مقدم سمير ) تنهد مرات عديدة دون أن يشعر به أحد ، ثم أردف قائلا ( ولكن لعجوز كان يقول لي أن سمير أطلقوا سراح وانه الآن ربما تزوج يا الهي ما الذي يحدث أيعقل أن يكون هو سمير أبن ذلك العجوز).
    ــ أين تسكن ؟.
    ــ الناصرية.
    ــ في أي عام اعتقلت ؟.
    ــ عام 1971.
    ــ أخرجوا دعوني وحدي معهم ولا يدخل علينا احد .
    ــ أمرك سيدي .
    خرج الجميع وأغلق كنعان الباب بلطف وتنهد السيد خليفة عدة مرات، قال بعد صمت قليل.
    ــ أنتم تعرفون إن السيد الرئيس حفظه الله ورعاه كم يحب شعبه بل حتى المتآمرين عليه أمثالكم يعطف عليهم انه يحمل قلب كبير وصبور لذلك وحتى يثبت للعالم هذه السجية النادرة جدا أعطى عفوا عاما لكم وسوف يطلق سراحكم في هذا الأسبوع ، إياكم أن ترجعوا إلى عنترياتكم الكاذبة ، ربما لديكم بعض جوانب الاعتراض على سياستنا في السجن وتعرضتم إلى شيء من الضغوط النفسية والجسدية ، هذا كله من اجل مصلحتكم ، نحن مأمورون بذلك ، كل ما رأيتموه هنا لا تحدثوا به أحد حتى أقاربكم لأننا سنرسل لكم أناس يسألونكم عن الأحوال في السجن قولوا لهم كنا في خير و إلا تعودون إلى هنا ، حينها والله أجعلكم تتمنون هذه اللحظات لأنكم حتى هذه اللحظة لم تروا قسوتي وغضبي وخاصة على الخونة أمثالكم ، مفهوم؟.
    ــ نعم سيدي ... نعم سيدي ... نعم سيدي.
    ــ اتركوا عدائكم للسيد الرئيس لأن فكرة المعارضة فكرة ساذجة جدا ، هؤلاء الذين يسكنون إيران آو سوريا أو الذين هم في دول أخرى ومن هناك يحاربون السيد الرئيس هؤلاء تجار كبار ، تجار الثورة الجديدة ، انتم دوما مغضوب عليكم ، لنتفق أن السيد الرئيس لا سامح الله أزيل حكمه بالثورة أو الانقلاب العسكري من يحكمكم ؟ ، تتصورون هؤلاء الأغبياء الذين هم في قبضتي الآن هم من يحكم بغداد ، هؤلاء في كل زمان ومكان هم محكوم عليه سلفا إنهم أغبياء ، أغبياء جدا ، إنكم مجرد أكذوبة ، أو دمية تحرك من بعد وهناك من يقنعها إنها تحرك نفسها بنفسها ليشعرها بحرية ألذات والاختيار السليم ، وهي ليس كذلك أنا مقتنع أنكم تحملون ذات الشعور لكنكم تكابرون ، اعتقد أنكم موجودون في كل زمان ومكان وأنا كذلك موجود في كل زمان ومكان ، حينما تكون أيها العجوز في مكاني هذا لا بد أن يكون تحت رحمتك أمثال عدي خليفة ، أليس ذلك هو الصحيح ، تكلم أيها العجوز .. أنطق.
    قال إبراهيم بلغة الخائف جدا.
    ــ نعم سيدي
    لم يتكلم إبراهيم مباشرة ، كان يحاول أن يفكر بأي شيء يجيبه فهو يدرك أن كل كلمة هنا لها حجمها وينبغي أن تكون في المكان المناسب لأنه لا مجال لأن يخطأ السجين أمام السيد خليفة ، صاح خليفة بصوت مخيف.
    ــ اجبني لماذا أنت صامت كالصنم ؟.
    قال إبراهيم بصوت مبحوح.
    ــ نعم سيدي إذا جرت الأمور وفق ما طرحت لا بد أن تكون تحت رحمتي.
    ــ إذا من هو الصحيح ومن هو الخطاء ، من هنا يجب أن نفهم الأمور ، أنا اعتقد أن السيد الرئيس على حق ، أتدري لماذا ، لأنه من عمومتي وقد أعطاني كل شيء ، لذلك أحس أن العراق ملك أبائي بل أحس أن أرواحكم بيدي ، كلمة واحدة ويموت كل من في الزنزانات الآن ، أليس هذا صحيح ؟.
    ــ نعم سيدي .
    ــ انتم تحاربون السيد الرئيس لكي تتمتعوا بهذا ، تريدون أن تحصلوا على هذه الميزات ، إذا هي حرب لذائذ ومميزات ، اجبني بصراحة أيها العجوز لا تخشى إذا كنت حقا مبدئي تكلم معي ولك الأمان وحياة السيد الرئيس لك الأمان لأنني أنا اليوم جدا مرتاح حتى أعطيت أمر بموجبه أوقفت التحقيق لأسبوع كامل ، تصور أسبوعا كامل لا يموت احد في الصرح فلا تضجرني بعدم جوابك فأرجع عن قراري والله ارجع عن قراري إذا لم تجبني بصراحة ، هل هذه الحرب هي حرب لذائد ومميزات أم ماذا هيا أجبني أيها العجوز وبسرعة؟.
    ــ نعم سيدي سأجيبك.
    تحرك إبراهيم رشاد وحك رأسه وفرك عينيه ونظر إلى عدي خليفة والذي احمرت عيناه ، فكر أن يقول له أي جواب لكنه تذكر ، تذكر لأسبوع الكامل من توقف الموت وهذا يعني الشيء الكثير وأن خليفة قادر على أن يعكس قراره بل وعلى مرأى منهم ، قال بخوف شديد.
    ــ أنا أتفق معك في شيء وأختلف معك سيدي في شيء أخر ،إذا سمحت طبعا.
    ــ تفضل أنا أريدك أن تتكلم أنت الآن لست سجين أنت الآن مواطن حر.
    قال إبراهيم .
    ــ أتفق معك كوننا محكوم علينا سلفا وأننا دمية تحرك من بعد وهناك من يشعرها إنها تمتلك ألذات ، وأختلف معك في كوننا نطمح بالمميزات التي يتمتع بها شخصكم ، ذلك لأننا نختلف ببعض الثوابت ، أنت تشعر أن العراق ملكك وأنا اشعر أنني ملك العراق ومن هنا بدأ الاختلاف ثم اتسع كثيرا ليكون بعد ذلك مسافات شاسعة ويحمل ....
    رفع السيد خليفة يده وكأنه يقول لإبراهيم اسكت ، ثم أردف .
    ــ تكلمت بصدق ، منذ أن أتيت لم أسمع سجين يكلمني بكلمات صادقة ، الآن يمكن أن أقول أنني سمعت كلمات صادقة من سجين ، وهذا يكفي.
    صمت قليلا وهو يخرج سيجارة أخرى ويضعها في فمه ويشعلها ،كان يدخن بشراهة، قال.
    ــ كم قلت حتى تخرجون ؟.
    قال إبراهيم.
    ــ أسبوع سيدي.
    ــ لا أسبوع مدة طويلة اليوم نطلق سراحك أيها العجوز وغدا أزاد وبعد غد نطلق ، ماذا قلت ، أنت ما هو اسمك ؟.
    يتبع إنشاء الله..........
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ــ سمير سيدي .
    ــ نعم نطلق سمير.
    صاح بصوت عال.
    ــ كنعان ، وليد ، ليأتي أحدكم.
    دخل المراسل وليد ومن ورائه كنعان .
    ــ كنعان أريد أن تهيئ هؤلاء إلى الخروج رتبوا لهم ملابس جيدة ، وليسبحوا في حماماتنا ولا ترجعوهم إلى الزنزانة ، هذا العجوز حاولوا أن ترحلوه اليوم مع شاحنة الخضر.
    ــ سيدي السائق على وشك أن يرجع .
    ــ لا ، لا ، قل له لينتظر ساعة حتى تهيئوا إبراهيم .
    نهض السيد خليفة ، أخرج ثلاثة كتب رسمية من المجر السفلي للمكتب بينما نهض إبراهيم هو الأخر قال لإبراهيم.
    ــ خذ كتابك أريد أن تقرأه لي .
    صمت قليلا ثم أردف.
    ــ من فيكم سمير؟.
    ــ نعم سيدي أنا.
    ــ خذ كتباك ، وأنت خذ ، هيا يا إبراهيم اقرأ.
    ــ نعم سيدي.
    قرب إبراهيم الكتاب من عينيه ، قربه جدا ، لقد مر زمن طويل لم يقرأ فيه إبراهيم ورقة ، على مستوى تلك السنين الطويلة كان إبراهيم يقرأ ما كان مكتوب على جدران الزنازين فقط ، اخذ يقرأ.
    ــ وزارة الداخلية، مديرية السجون العامة ، إلى كافة السيطرات ومفارز الطريق ، العدد 545 التأريخ 6/2/1992 ، يرجى عدم التعرض إلى المواطن إبراهيم رشاد محسن ذا النون كونه كان محجوزا لدينا مع التقدير.
    التوقيع مدير السجن الأول اللواء عدي خليفة . وكان التوقيع باللون الأخضر وتحت الاسم الذي كتب على اليمين أسفل الورقة وكان هناك ختم احمر نقش فيه اسم الوزارة واسم المديرية بشكل مصغر.
    صمت إبراهيم بينما راح السيد خليفة يتربت على كتفه الأيمن ، قال مبتسما وهو يرمي دخان سيجارته عليه ، قال .
    ــ هل تريد سيجارة يا إبراهيم ، أنا أحب أن أشرب ألكنت يقولون أنه نسائي هل صحيح ذلك؟.
    ــ لا ادري سيدي .
    ــ هل أعطيك واحدة ؟، من فيكم يدخن؟.
    ــ شكرا سيدي .
    ــ هل هذا الكتاب يكفي ؟.
    ــ نعم سيدي هذا يكفي.
    ــ إذا توكلوا على الله ، أذهبوا إلى أهلكم لقد غبتم عنهم بعض الوقت ، أرجو أن لا نراكم ثانية.
    ـ 26 ـ
    الشاحنة التي أقلت العجوز كانت كبيرة ومخصصة لنقل الخضار إلى الصرح ، كان سائقها شاب يرتدي بذلة مدنية فستقية اللون ، ومع أن إبراهيم استحم في حمامات الضباط وقد استغرب كثيرا حينما رأى تلك الحمامات وقال في نفسه ( هل أنا في حلم ، كيف يحدث هذا وفي زمن عدي خليفة، إلى أين يردون بي هل يمكن أن يكون هذا ترتيب من يعدموه وفق تعليمات الرئيس الجديدة ، ربما ، أنا لم أعدم قبل هذا الوقت حتى أستطيع أن أحكم ) ثم يختم حديثه ذاك بابتسامة ، غسل رأسه بالصابون عشرة مرات كان لا يصدق أن هنالك صابون كثير وفي متناول يده . حلقوا رأسه بعناية فائقة ورتبوا لحيته بعناية فائقة أيضا ، إذ إن السيد خليفة قال لهم ساعة إدخاله إلى الحمام أريدكم أن ترجعوه عشرين عاما إلى الوراء ، حينها تبسم إبراهيم وقال في نفسه ( لا يستطيعون ذلك بل لا يستطيعون أن يمحوا آلام يوم واحد ) ولم يكن إبراهيم يتصور حتى لحظة خروجه من الحمام وارتدائه بذلة جلبت له من احد الضباط أنهم سيخرجونه بل كانت تصوراته أن هذه لا تعدوا أن تكون مسرحية لأجل أن يتمتعوا بها ويضحكوا ويبتعدوا عن قساوة هذا البرد ووحشة الصحراء ، هكذا كان يتصور ولم يقنع نفسه انه على وشك الخروج بل كان يقول في ذاته ( إن هذه مسرحية وعلي أن أستوعب ذلك) ، وحتى حينما وضعوا الحذاء الأسود الجديد في قدميه لم يستوعب فكرة الخروج وكان يبتسم في نفسه بسخرية على تلك الفكرة وحتى حينما يتحسس الكتاب الذي وضعوه في سترة البذلة السوداء كان يقول في نفسه ( سرعان ما يقول لي خليفة اعطني كتابي يا جبان أتريد أن تخرج حتى تقاتل السيد الرئيس ) ، الحذاء ذاك حصلوا عليه بعد اختبارات عديدة على أحذية الضباط والجنود الخاصة بهم وقد استغرق ذلك وقتا ولم يستطع إبراهيم أن يمشي به أول وهلة وكأنه مصاب بجرح كبير في قدمه، حينها قال له خليفة.
    ــ ماذا بك أيها العجوز هل نسيت أن تمشي في حذاء.
    قال إبراهيم وهو يحاول أن يكون أكثر شجاعة في المسير .
    ــ سيدي منذ عشرون عام لم أضع نعلا ولا حذاء في قدمي وهناك جروح كبيرة قي قدمي.
    إلا إنه مشى أخيرا ، راح يصافح الضباط الكبار الذين وقفوا قرب الشاحنة على هيئة الصف ، وكأنه صديق عزيز يودعونه وفي الحقيقة كانوا يتسلون بذلك وليس حبا في إبراهيم أو ربما اعتبرها البعض إنها لحظة تاريخية إذ إن هذا الصرح ومنذ بنائه لم يتم إطلاق سراح أحد منه،قال احد الضباط في نفسه وهو يصافحه ( لقد خرجت بمعجزة من إمبراطورية الرعب) ، كان يتذكرهم إبراهيم جيدا ، لا يوجد أحد منهم من القدماء جدا ، إي من الذين عاصروا يوسف شمران ، قال في نفسه وهو يصافحهم ويبتسم مجاملة ( هذا وضعني نفاضة بشرية ثلاثة مرات دون أدنى سبب وهذه أخرج رأسي من البوابة الصغيرة وعلق برأسي قنينة غاز من الظهر وحتى الصباح وكدت أموت، وهذا قطع ماء الحنفية أسبوعا كاملا وهذا....).
    حينما تحركت الشاحنة وخرجت من باب الصرح بدأت قناعات إبراهيم تتحرك بذلك الاتجاه الذي كان يكذبه قبل لحظات ، نظر إلى وجهه في المرآة الجانبية ، تفاجأ من ذلك العجوز ، حرك رأسه رأى أن هذا الوجه هو وجهه ، أبتسم ، كان وجهه مصفرا وعليه بقع سوداء صغيرة من لسعات سجائر الجنود ولحيته بيضاء مرتبة نوعا ما قال في نفسه ( هذه البقع من سجائر الجنود ) ، كانت هناك مرآة في الحمام ويمكن لإبراهيم أن ينظر إلى وجهه بشكل أحسن ولكن وقبل دخول إبراهيم بلحظات رفعها الحرس تحسبا لكل شيء ، نظر إلى السائق ، كان شابا ذا وجه أسمر و شاحبا في ذات الوقت ، شارباه كبيران نزلا حتى أسفل ذقنه الذي خلا من الشعر وكأنه حالق قبل لحظات ، اخرج قنينة خمر محلي ما إن خرجت الشاحنة من باب الصرح ، نظر إلى إبراهيم ، قال له بهدوء بعد أن مص القنينة الأرجوانية ثلاث مرات .
    ــ هل أنت سجين أيها العجوز أم عندك مواجه لأحد السجناء ؟.
    كان إبراهيم ينظر من خلال النافذة إلى الصحراء الممتدة في الأعماق ، ينظر إلى التلال البعيدة جدا ، إلى أشجار السمر و السلم البرية العارية تماما وهي شجيرة يتراوح طولها 2-6امتار وتبرز أزهارها ونويراتها الكرزية الشكل في فصل الربيع نحو شهر ابريل غير ان السمر يزهر في أوائل الصيف ولنوعين أشواك حادة صلبة ولا تأكل الإبل فروع السمر والسلم وذلك بسب الأشواك ولكن شفتي البعير الحساستين القابضتين تعملان بدقة للتجنب صلابة هذه الأشواك الحادة فتأخذان الأوراق الطرية من بينها بمهارة عجيبة ، هذه في الصيف أما في الشتاء فأنها تبدوا وكأنها لا تحمل أي شيء وهناك أيضا على المرأى البعيد أشجار الغاف العملاقة التي يصل طولها أحيانا إلى عشرة أمتار وهي ذات أزهار لونها أصفر متجمعة في سنابل طولها حوالي 5سم والثمرة على هيئة قرن اسطواني بلون أصفر مخضر وهي صغيرة تميل إلى الحمره عند النضج ، وأشجار القفص الكبير وهذه الشجرة كبيرة عريضة تستلفت أنظار السجناء أيام ما كانوا يمرون على ضفاف الأودية الهابطة من المنحدرات الشمالية للصرح ، والأوراق جلدية خضراء داكنة لامعة بيضاوية ذات حافة كاملة وأزهارها صفراء في نورة عنقودية والثمار مجنحة تساعد على انتشار البذور ، لقد ظل بعضها يقاوم البرد ، كان إبراهيم ينظر إلى كل ما يمكن أن يلمحه في الصحراء والى السماء التي تلبدت بالغيوم وهناك عبر الأفق البعيد ثمة برق يتراقص ، كانت الساعة قد تجاوزة الواحدة ظهرا، وكانت هناك ريحا باردة جدا هبت منذ أن كان إبراهيم في الحمام يغتسل بماء حار ، ذاك الماء الذي لم يره إبراهيم منذ أن دخل الصرح ، أو بالأخرى منذ أن دخل المديرية العامة في بغداد وقال له الضابط.
    ــ هذه بداية رحلتك الطويلة معنا يا إبراهيم اشحذ ذاكرتك إمامك ذكريات مأساوية هائلة ينبغي أن تقصها على أبنائك يوم تخرج.
    ضحك الضابط يومها وأردف قائلا.
    ــ هذا إذا خرجت ، تحتاج إلى معجزة صغيرة حتى تخرج وفي اعتقادي أن عصر المعجزات قد انتهى ، أليس كذلك يا إبراهيم.
    كان إبراهيم يتذكر تلك الكلمات دوما ، تذكرها الآن ، قال في نفسه ( ماعدت اتذكر الأشياء القديمة جدا ، لقد تبخرت من ذاكرتي تماما ، كان في ودي أن تبقى ).
    سمعه إبراهيم ، قال له.
    ــ وهل هناك سجناء يواجهون أهلهم هنا؟.
    ــ لا ولكن في سجن أبو غريب موجود هذا الشيء ، لقد واجهت أحد أقربائي في الثقيلة ، كان سارق وقد سرق من جيرانه بعض الحاجيات.
    أعاد إبراهيم النظر إلى الأفاق ، كان يبحث عن تلك الشقوق اللعينة التي سطرت أصعب اللحظات في الصيف والشتاء كان يريد أن يلمح وجبات السجناء وهي تعمل ، ما يزال الصرح يمكن أن يشاهده إبراهيم في المرآة الجانبية للعجلة وهو يبتعد شيئا فشيئا ، لحظات ليلمح وجبات السجناء على المرأى البعيد وهم يحفرون ، البعض يحمل معولا والبعض الأخر يحمل مسحات ، لم يشاهد ملامح وجوههم المتعبة جدا ، كانوا بعيدين جدا إلا انه لمح بدلاتهم الزرق تتماوج في الريح الباردة ، قال في نفسه ( تماما مثلما كنا نصنع قديما ).
    ــ من أين أنت ؟.
    أجابه إبراهيم وهو ينظر للسجناء وكان يهز رأسه تأسيا عليهم.
    ــ من بغداد.
    قالها دون أن يلتفت إليه ، كان يحاول أن يشخص السلاسل في أقدام السجناء عن بعد حيث ما يزال بإمكانه أن يرى بعضهم فوق الشقوق ،أما الذين يعملون داخل الشقوق فإنه يتعذر عليه رؤيتهم ، مد يده اليمنى بهدوء إلى قدمه حيث مكان السلاسل القديمة ، لم يصدق انه حر ، كانت العجلة دافئة جدا ، منذ أن تحركت شغل السائق التدفئة كما وفتح المسجل كانت أغنية ( تايبين ) ، كان يرى بدلات السجناء وهي تتحرك وكذلك الحرس الذي انتشر بعيدا عنهم تحسبا لكل طارىء ، أمامه عشرون ثانية فقط حتى تستدير العجلة في طريق التلال فيستحيل أن يرى السجناء بعد ذلك ، حاول أن يبتعد عن مناخ الأغنية ، ( غلطة مرت وأنتهت ، وشمعة العشرة انتهت ، والذنب هو ذنبكم ) قال السائق .
    ــ بغداد وكيف تصل إلى بغداد أيها المسكين هل أعطوك كتاب أو أي شيء يثبت انك عراقي ، وأنك كنت سجين هذا إذا كنت سجين طبعا ؟.
    ــ نعم أنا سجين وأعطوني كتاب.
    أخرج إبراهيم الكتاب إلى السائق ولكنه لم يبالي به قال ، بينما راح إبراهيم يطالعه في نفسه.
    ــ أحتفظ به أكثر من نفسك لأنك من غير هذا لا يمكن أن تسير أربع خطوات في أي مدينة.
    قال وهو يضع قنينة الخمر في فمه.
    ــ كم سنة قضيت هنا ؟.
    ــ عشرون سنة تقريبا.
    أندهش السائق إذ إنه لم يتفق أن رأى رجلا قد حبس عشرون عام، قال .
    ــ ماذا هل أنت مجنون أيعقل هذا ؟.
    لم يعلق إبراهيم بشيء، كان ينظر إلى الصحراء.
    ضحك السائق وهو يرجع قنينة الخمر إلى مكانها خلف كرسيه ، قال بصوت خافت جدا.
    ــ عشرون عام يا للجنون ، عشرون عام شيء لا يصدق.
    يتبع إنشاء الله.....


    ..
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  3. #18
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح19الى الحلقه-20- ارجو التثبيت

    أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح19
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 19 ـ
    حينما وصلت مجموعة إبراهيم إلى بوابة الممر كانت الشمس قد توارت قبل لحظات تاركة خلفها حمرة تملأ الأفاق ، بدأ الجندي صاحب السجل ينادي وهناك خمسة حراس في الممر يحملون الهراوات ومن بينهم صاحب المفاتيح وكانت الزنزانات كلها مفتحة كما تركوها أول مرة ، صاح الجندي وهو يحمل سجلا أزرق كتب على غلافه الكارتوني سجل الأشغال الأسبوعي و كان ذلك الجندي يقف في بداية الممر.
    ــ الزنزانة واحد .
    صاح اثنان من السجناء .
    ــ نعم سيدي .
    ــ أدخلا هيا بسرعة.
    وهذان ليس عليهما أن يهرولا حتى يدخلا الزنزانة إذ أن الزنزانة كانت قريبة على بوابة الممر وما عليهم إلا أن يستديرا فقط ، خلع أحد الجنود عنهم السلسلة ويمكن مشاهدة الجروح التي خلفها الاحتكاك ، والحقيقة أن ذلك الجندي كان يخلع السلسلة عن كل مجموعة تصل مع غض النظر عن دخولها ، وهكذا بقية الأرقام وكلما ابتعدت الزنزانة كان على أصحابها الهرولة وإلا تعرضوا للضرب وكان صاحب المفاتيح يغلق الزنزانة ما إن يدخل السجينان إليها ويخلق البوابة المتحركة أيضا ، مسك إبراهيم التمثال موهم الحرس انه يمسك بطنه أو ألبدله ، كان يخشى أن يقع وهذه يعني أن يؤخذ ليرى يوسف شمران وهو أجراء لا يتحمله إبراهيم في الأوضاع التي يعيشها الآن ، أحس أنه ارتكب حماقة في جلب ذلك التمثال ، لكنه أصر على ذلك إذ لا مجال للانسحاب ، هرولا بعد أن سمعا الجندي يصيح برقم زنزانتهم ، قالا بصوت واحد وهما يقفزان.
    ــ نعم سيدي.
    لم يتعرضا للضرب بالهراوات ولكن احد الجنود صفع إبراهيم على قفاه وهو يدخل إلى الزنزانة ، حينما دخلا وجدا إن هنالك بطانيتان وكانتا بلون رمادي ، وضعتا في وسط الزنزانة ، أغلق الجندي صاحب المفاتيح الزنزانة ، لم يصدق الشاب ما كان يرى، قال بعد أن رفع أحداهما وشمها وهو يبتسم.
    ــ انظر إبراهيم إنها بطانية لقد ذكرونا أخيرا ، هؤلاء الأوغاد ما كنت أتصور أنهم سيجلبون لنا بطانيات ، ولكنها ليست جديدة ، علينا أن نفرشها حتى نصلي ، آه ، علينا كذلك أن نصلي الظهر والعصر.
    قال إبراهيم .
    ــ يا الهي انظر إلى أقدامنا كيف صنعت السلسة بها .
    قال الشاب وما زال يمسك البطانية التي راح يفرشها .
    ــ هذه ليست الأولى الذي يسمعك يظنك أول مرة تخرج للأشغال ، أعتقد أن الجندي هذا مستجد هو لا يعرف كيف يقيدنا لقد شدها كثيرا سوف نقول للضابط الذي جاء ، ماذا قال اسمه.
    قال إبراهيم .
    ــ أي ضابط تعني.
    ــ الضابط ذات الأخلاق الجيدة الذي مر علينا واخبرنا بالتأريخ .
    ــ نعم فهمت ، أعتقد انه سليم أو سالم ، لا يخرج عن هذه الأسماء.
    جلس إبراهيم وقد مد رجليه بحيث أصبحت أقدامه على البطانية المرمية في وسط الزنزانة ، نظر إلى إصبعه لا زالت هنالك آلاما خفيفة حاول أن يحرك الإصبع المجروح كأن يدفعه إلى الأمام أو يسحبه إليه لم يستطع وكأنه فصل عن جسده ، ترك هذه الفكرة ، أغمض عينيه واتكأ على الجدار، ما زال الشاب يتكلم عن البطانية التي فرشها قرب الباب تاركا نصف الزنزانة لإبراهيم الذي مد رجليه ، حرك يده اليمنى ببطء إلى حيث يرقد التمثال ، ما زال مغمض العينين وما زال الشاب يتكلم ولم يلتفت إلى إبراهيم قال إبراهيم.
    ــ لقد جلبت لك صديقا من عمق التأريخ وسيحدثنا عن أسراره وعلاقاته الشخصية.
    أنتبه الشاب إذ لم يكن يصغي جيدا وكان إبراهيم يتكلم بصوت خافت جدا ، قال .
    ــ ماذا قلت؟.
    ــ أقول لقد جلبت لك صديقا من عمق التأريخ وسيحدثنا عن أسراره وعلاقاته الشخصية.
    ــ هل هذه مزحة؟.
    ــ لا.
    فتح عينيه ونظر إلى الشاب الذي اقترب من إبراهيم ، كان إبراهيم ما يزال متكأ ولا زالت قدماه ممدودتين على البطانية.
    ــ إنها حقيقة ، صديق لا يتجسس ، ولا يبلغ شمران عن أصحابه ماذا تكلموا قبل سنتين.
    أخرج إبراهيم التمثال بينما صعق الشاب وقفر إلى البوابة المتحركة ليضع إذنه اليمنى عليها ليتأكد من خلوا الممر من الجنود ، قال .
    ــ حسبتك تمزح ، دعني أنظر إليه ، إنه ليس جندي ، ماذا لو رأوه عندنا.
    ــ وما أدراك إنه ليس جندي؟.
    ــ لا ادري ولكن أتصوره ملكا.
    ــ سواء كان جنديا أو ملكا أو خادما لا يفرق عندنا بشيء ، سنتكلم عن هذا فيما بعد أنه حديث طويل مع صديقنا الجديد ، والأن أعني على النهوض أريد أن اغتسل.
    ــ أراك متعب على غير عادتك .
    ــ لا ادري هذه الليلة حزينة جدا ، تصور كنت كلما أتذكر خديجة ثمة إحساس بالقوة يأتيني ولكن حينما ذكرتها اليوم لا ادري ما شعرت ، انه شعور لا اعرفه ولكنه حزين ومخيب للآمال.
    ــ أتعلم لماذا؟.
    ــ لماذا ؟.
    ــ لأنك متعب ومرهق وهذا الشعور شعور المتعبين العائدين من الأشغال ، هيا يا صديقي العجوز انهض لتغتسل حتى اغتسل بعدك ، هات يدك ، واعطني هذا الملك المبجل، لأمرح معه قبل الصلاة.
    نهض إبراهيم ، قال وهو يسير إلى المرحاض .
    ــ لا اعتقد أن هذا ملك.
    ثم ادلف للمرحاض مصطحبا معه القدح الأحمر الجديد، بينما راح الشاب يحدثه عن العمل وانه لم يلتقي الجندي سامي لأنه كان بعيدا .
    قال وهو في المرحاض.
    ــ نعم ... نعم... رأيت سامي بعيدا عنك وفكرت بك قلت إنه لن يستطع أن يتكلم مع سامي، كان في غير مجموعتنا ، لقد كان حسابي دقيق نحتاج بعض الوقت حتى يقترب علينا هذا إذا لم يتلاعبوا بمراقبي الوجبات .
    ثم حدثه الشاب من أن الحرس ضربوه لأنهم كانوا يزعمون أنه لم يضرب الأرض بقوة، كما واخبره أن العجوز رحيم الذي يسكن في الزنزانة الواحدة والعشرون سقط قدحه ولم يستطع احد أن يرفعه بقدمه ، قال وهو يرمي أخر قدح ماء على رأسه ، كان يغتسل ويزيل الدم من قدميه.
    ــ أنا لم أشاهدك كنت بعيدا عني ، لماذا ابتعدت ، ألم نخرج من الزنزانة سوية ، عليك أن لا تكرر ذلك ، لا مجال للأخطاء يا صديقي العزيز.
    ـ 20 ـ
    مرت ثلاثة أيام ولم يستطع إبراهيم ولا الشاب من حل رموز تلك الأحرف التي كتبت على المنصة الصغيرة التي يجلس عليها التمثال ، كان أسود اللون ومصنوع من الكرافت وهو يتمتع بصحة جيدة إي أنه لم يصب بخدش ، إلا إنهم وبعد تفكير عميق توصلوا إلى أن يطلقوا عليه زاين ، لا أدري من أين حصلوا على هذا الاسم ، قال إبراهيم وهو يحلل شخصية هذا التمثال.
    ــ إنه جندي شجاع من حماية الملك (اوتو ـ حيكال) ، لا نعرف اسمه إلا إننا أطلقنا علية اسم زاين تيمنا بهذا السلاح الذي يحمله بيده اليمنى ، أما ما وضعه زاين في يده اليسرى فهو لوح طيني لا نعرف ماذا يصنع فيه.
    وكان إبراهيم يضحك كثيرا وكذلك الشاب حينما كانا يقومان بتلك التمثيلية ، وكان إبراهيم يستشعر إن ذلك ليس سلاحا ولكنه كان يريد الجندي هذا أن يحمل سلاحا وقد تأمل ذات مرة في ذلك الشيء الذي يحمله ذلك الشاب ذو اللحية الطويلة وقال في نفسه حينها ( اعتقد أن هذه قصبة كتابة ، ولكن يا ترى ماذا كتب في هذا اللوح الذي يحمله) ، لم يكن هذا التمثال لملك من أور ولم يكن هو الأول الذي يعثر عليه السجناء فهنالك بعض الحالات القليلة المشابهة والتي يمكن لك أن تلمسها حينما تبحث في زوايا بعض الزنزانات ، كما لم يكن جندي من عصر اوتوـ حيكال، بل كان شاعر يحمل قصبة في يده اليمنى والتي قربها إلى صدره ويبدو أن القصبة تلك كانت ذلك القلم الذي كان يكتب به قصائده ولم يكن سلاحا ، بينما ترك اليسرى ممدودة قرب ساقه النحيفة تمسك لوحا طينيا كتب فيه أخر قصائده والتي أطلق عليها العروس المبتهجة وكانت عبارة عن أغنية.
    أيها العريس الحبيب إلى قلبي.
    جمالك باهر .
    حلو ، كالشهد.
    أيها الأسد الحبيب إلى قلبي.
    جمالك باهر ، حلو .
    كالشهد .
    لقد أسرت قلبي فدعني أقف بحضرتك .
    وأنا خائفة مرتعشة .
    أيها العريس سيأخذونني أليك إلى غرفة النوم .
    لقد أسرت قلبي فدعني أقف بحضرتك .
    وأنا خائفة مرتعشة .
    أيها العريس دعني أدللك.
    فان تدليلي أطعم وأشهى من الشهد .
    وفي حجرة النوم ، الملأى بالشهد .
    دعنا نستمتع بجمالك الفاتن .
    أيها الأسد ، دعني أدللك .
    فان تدليلي أطعم وأشهى من الشهد .
    أيها العريس قد قضيت وطر لذتك مني .
    فابلغ أمي وستعطيك الأطايب .
    أما أبي فسيغدق عليك الهبات .
    وكان أسم الشاعر ذاك كيفو وهو من المقربين للملك شوـ سين وكان يغني له دوما وخاصة في أليالي المقمرة ، إذ أن شو ـ سين كان يحب ذلك كثيرا.
    أخذ الشاب يتجول في الزنزانة ، كان يتقدم ثلاث خطوات ليقف ، ثلاث خطوات فقط ثم عليه أن يدير وجهه وهكذا ، كان إبراهيم يلاحظ ذلك ، كان ينظر إلى خطواته يحسبها في قلبه وهو يهز رأسه ، توقف الشاب قرأ ( أذكرونا في صلاة الليل ) وهناك مجموعة من الأسماء كتبت تحتها ، تبسم أدار وجهه إلى الجدار الذي كان خلفه ، أخذ يقرأ كانت كلمات كثيرة ممسوحة تماما (الجماهير دائما أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة وقد تضعف لكنها لا تستسلم)، قال في نفسه ، ( رائع شيء رائع )، لمح قصة كان قد كتبها أحد السجناء في زمن ما ، قال.
    ــ هل قرأت هذه القصة ؟.
    ــ لا لم اقرأ أي شيء حتى الآن ، أن الكتابة هنا مبعثرة وناعمة جدا بحيث لا يتسنى لي أن اقرأ معظمها ، إلا إنني كنت قد لاحظت أن بعض السجناء قد كتبوا أشياء جميلة ولكنني وللأسف لا أستطيع أن اقرأها ، وقد فكرت أن أقول لك إذا قرأت شيئا أن تقرأه لي.
    يتبع إنشاء الله.....
    H_K_h_2000@yahoo.com
    تنويه...
    في الحلقة (17) سقطت سهوا الكلمات الأخيرة من الحلقة وهي.
    (، أصبح الشق قريب ، حينما نصل افعل ما يحلوا لك) ولم يكن الشق قريب ، بل ما زال في العمق ، وحينما أعاد عليه السجين ذلك الطلب لم يجبه وابتعد عنه وهو يضحك مما اضطر ذلك السجين أن يتبول وهو يسير وهذا الأمر مألوف لدى السجناء، مألوف جدا وليس فيه أدنى خجل.
    .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح20

    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ــ لا بأس لقد أخبرتك بذلك قلت لك لا تتعب نفسك في القراءة أنا أساعدك في ذلك، أنا سوف اقرأ لك.
    يكتب السجناء أحيانا كلماتهم على الجدار بأزرار البذلة والتي إذا تحركت على الجدار تترك أثرا اسود باهت يمكن أن يقرأ فيما بعد ولكن كلما تقادم الزمن عليه يضمحل شيئا فشيئا حتى لا يرى ، البعض يقتلع شيئا من عروة القدح فيكتب بها وتبدوا هذه الأكثر شيوعا وكلماتها أكثر عمرا ووضوحا ، أخذ الشاب يقرأ شيئا من ذلك الكم الهائل من الكلمات والتي حولت لون الجدار وعلى مستوى ما يستطيع السجين أن يمد يده ارتفاعا من الأحمر إلى الأسود فبقى اللون الأحمر مسيطرا على ما هو مرتفع جدا ، وربما كان في بعض الزنزانات من يطلب في حمله ليكتب شيئا في الأعلى وهذا نادر جدا ، في زنزانة إبراهيم لا توجد كتابة مثل ذلك اللون ، كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحا بدقائق حيث مرت السوبر فرليون وهو موعدها اليومي ، وتبعتها مي8 ، قال الشاب.
    ــ ثورة الدخان.
    قال إبراهيم.
    ــ ماذا أنا لم اسمع .
    ــ أنتظر حتى تمر الطائرة.
    قال الشاب حينما خفت صوت الطائرة وصار بالكاد أن يسمع.
    ــ ثورة الدخان ، وهذا على ما يبدو هو اسم القصة ويبدو أنها قصة قصيرة .
    ــ نعم .. نعم فهمت أكمل.
    ــ ولكن على اتفاقنا وهو أن نقرأ شيئا منها فقط وان كان بعضها لا يقرأ ولكن سنحاول به ، عادتي إذا رأيت كلمة مفقودة من السطر أحاول آن أجد التكملة وأبقى على ذلك أياما وربما اجتهد في وضع ما يناسبها ولكن نزولا لرغبتك سأتجاوز عن هذا .
    قال الشاب ذلك وهو يبتسم ، بينما هز إبراهيم رأسه معلنا بذلك تأييده وهو يجلس متكأ على جدار الذي يقابل الجدار الذي يقف أمامه الشاب الآن وقد مد رجليه وهو يلهو بلحيته في يده اليمنى وهي عادته حينما يتأمل أو يفكر بعمق وكان ينظر إلى الباب وقال في نفسه على نحوا السرعة ( لماذا اللون الأحمر بالذات ) وتكلم الشاب فانقطعت أحاديث إبراهيم مع نفسه.
    ـ 21 ـ
    الأيام هنا دوما قاسية وقاسية جدا وتمضي ببطء شديد وكأنها اللحظات التي تقضيها مع شخص تبغضه أشد البغض ، لقد أنقضى الصيف ، ذلك الصيف الذي عثر به إبراهيم على التمثال ، وعاد الشتاء ثم ولى هو الأخر بعد أن أخذ مأخذه من السجناء ، وهكذا ، الزنزانات التي فرغت في يوم ما وتم دفن أصحابها في الشقوق ملئت مرة أخرى كما وتم طلاء كل جدرانها بلون احمر أيضا وطمست كل الكلمات التي كان السجناء قد سطروها في يوم ما .
    السيد شمران شدد على أن الزنزانة التي يرى فيها شيء من الكتابة ولو حرف واحد ستعاقب في بيت التحقيق الأعظم وهو مكان تم استحداثه مؤخرا وفيه ما لا يحصى من أدوات التعذيب ، وكان يكثر من القول في أخر أيامه في الصرح ( لا بد من توسيع الصرح هناك ضخ غير طبيعي ، اشعر أن الشعب كله هنا ) وحدَّث نفسه كثيرا في ذلك وفكر في استحداث مواقع جديدة وكتب مذكرة للداخلية بذلك يخبرهم فيها عن ضيق ذلك المكان الذي كان في يوم ما واسع جدا .
    ذكريات جديدة بدأت تنساب بين الزنزانات والمحاجر وقصص هي الأخرى جديدة ، السجناء الجدد كانوا يحدثون القدامى هذا في حالة اللقاء بهم عن كل ما حدث في تلك السنين ، السنين الموحشة جدا والمرعبة جدا ، أما القدامى فليس لديهم شي يقولونه إلا بعض التوصيات ونبذ الاندفاع الشبابي الذي قد يجر عليهم بالويلات ، كانوا يقولون لهم.
    ــ إياكم والأخطاء إن الأخطاء هنا لا تغتفر ، لست في بيت صديق لك حتى يغضي عنك إنك في مكان جل تفكير الذين هم فيه هو كيف يقتلوك فعليك أن تحافظ على نفسك قدر الإمكان.
    هذه الحالة أي السجناء الجدد في زنزانات القدامى نادرة الحدوث ، نادرة جدا ، فالسيد شمران يرفض وبشدة إدخال السجناء الجدد مع القدامى ولكن أحيانا ونتيجة الضخ الغير طبيعي على حد تسميات يوسف شمران يحدث هذا وبشكل محدود ومدروس أيضا ، فإبراهيم مثلا لم يتسنى له أن يلتقي بسجين شهد عقد الثمانينات وهو خارج الصرح إلا مرة أو مرتين وربما ثلاثة، منهم ذلك السجين لذي نجى من غابة الأسود والتي يشرف عليها نجل السيد الرئيس ليطيح في غابة الصرح وقد حدث إبراهيم بذلك في يوم ما والأخر تكلم مع إبراهيم عن حرب السيد الرئيس مع إيران والتي انطلقت فيها ثورة كبرى تعد الفريدة في المنطقة وذلك في نهاية عقد السبعينيات وقد أسقطت تلك الثورة التي فجرها بعض رجال الدين حكم الشاه ، ولكن ذلك السجين لم يستفهم منه إبراهيم كثيرا إذ شك في توجهاته وتوقع أن شمران أرسله ليعرف تطلعات السجناء ، ومع ذلك فهو لم يبقى سوى أربعة أيام ثم أُخرج وظل إبراهيم يفكر في تلك الكلمات طويلا ولكنه في ذات الوقت كان يشكك ويستخف بها ولم ينقلها لأي سجين إلا بعد عامين حين أكد له أحد السجناء ممن التقوا بسجناء عاشوا في الثمانينات تلك المعلومات ، ولكم تمنى أن يرى سجينا يحمل بعض المعلومات الجديدة والمهمة ،كانت أصوات الطائرات الحربية والتي عادة تأتي مع الفجر تقلق السجناء ، لقد كثرة في السنوات الأخيرة ، إبراهيم انتقل إلى عدة زنزانات وترك الشاب منذ سنوات ولكنه ما زال يحتفظ بذلك التمثال ، كان يضعه في بذلته حينما كانوا ينقلونه من زنزانة إلى أخرى وكان يشده على خصره حينما يأخذونهم إلى العمل خشية أن يفتش الجنود الزنزانة في غيابهم وكان يتألم من ذلك ويخشى من عواقبه ولكنه تعلق بالتمثال كثيرا واعتبره الصديق الوحيد الذي لم ولن يستطيع يوسف شمران أن يفرق بينهما ، وأستعد إلى أن يعدم دون أن يفرط في التمثال بسهولة ، ولما بلغ الخمسة عشر عاما في السجن تم استثنائه من الأشغال ووضع في ممر كانوا يطلقون عليه بزنزانات العجزة حيث التقى هناك بشيبه وتحدث معهم طويلا ، ولم يصدق إنهم استثنوه إلا بعد مرور أشهر على ذلك ، قال للشاب ، الشاب الذي كان معه يوم عثر على التمثال في الشقوق ، قال له يوم صرخ به الجنود ( أنت أيها العجوز سنخرجك إلى مكان أخر انهض) ، قال له بلغة حزينة.
    ــ سأذكرك كثيرا وسأفتقدك .
    وأراد أن يعانقه إلا انه خاف من الحرس لأنهم كانوا يتابعون حركاته ، حينها خرجت من عينيه وهو يجتاز باب الزنزانة بعض الدموع وظل متأسفا على ذلك اشهرا عديدة ، لقد مضى عليهما ثلاثة سنوات في تلك الزنزانة ، ولكن حينما تعرف على آخرين تلاشت نوعا ما تلك الذكريات . يومها (أي حينما أخرجوه) لم يكن التمثال في بذلته وكان تحت البطانية وقبل أن يفتح الجنود الباب دسه في البذلة بسرعة ولو انتبه الجنود لذلك لعلموا انه كان يخفي شيئا ما ولكنهم كانوا منشغلين فيما بينهم يدخنون السومر بشراهة ، أغلق الجنود الباب ومضوا بإبراهيم إلى حيث لا يعلم ، يومها جلس الشاب يبكي وهو ماسكا برأسه واضعا إياه بين ركبتيه ، بكى كثيرا وظل أياما يبكي وكلما تذكر إبراهيم بكى ، وكان يخرج صوتا حزينا حينما كان يبكي ، إلا إن أقدام الحرس وأصوات المفاتيح في الممر وصياح السجانين كان دوما يفضي على ذلك العالم مخاوف شتى من شئنها أن تنسي السجين همومه وبعض الأفكار ، السيد شمران هو الأخر محكوم بعوامل التأريخ فقبل عامين تقريبا أحيل على التقاعد بعد أن تعرض لحادث سير، حيث اصتدمت عجلته بأحدى العجلات التابعة إلى المستشفى الجمهوري حينما كانت تنقل جرحى صاروخ إيراني وقع في أحدا شوارع العاصمة ولم يصب هدفه بدقة وكان موجه إلى وزارة الدفاع وكانت بصحبته زوجته التي لم تتأذى كثيرا من الحادث على خلافه فقد أصيب بشلل نصفي وجاء بعده إلى الصرح عدي خليفة الذي أبدع صورا جديدة في إفراغ الزنزانات التي كانت تمتلئ بسرعة ، فإليه تعود فكرة إرسال السجناء للقيام بإنزال فاشل على الأراضي الملتهبة في حدود البلاد الشرقية حيث في كل ساعة هناك عاتية مليئة بالضحايا الجدد وقد شكره السيد الرئيس على ذلك في اجتماع سري وأعطاه سيارة نوع مرسيدس بيضاء كهدية وقال في حقه ( هكذا علينا أن ننجب الرجال ، هذا الرجل الشجاع ابتكر شيئا سيجنبنا أن نلقي ببعض الجنود في المناطق التي فيها إيرانيون ولكن سنلقي بعض الخونة حتى نتأكد أنهم اقتنعوا إننا لم نبعث إليهم جنودنا حينها سنرسل إليهم الإبطال، هكذا ينبغي أن نفكر) يومها كان التلفاز متخما جدا بأغاني النصر المبين ( سيدي كم أنت رائع سيدي ) ليس التلفزيون وحده بل الجميع كان يصفق بحرارة ويهتف بقوة ، حينما كان السيد الرئيس يزور المناطق المختلفة كانت الهتافات تلتهم كل شيء ، كل شيء ولا تدع أحدا يفكر مليا ( بالروح بالدم نفديك ....) وكان هناك دوما مجموعة من النساء والرجال والأطفال ترقص وتغني وكأنها في عرس لا ينتهي ابدا ( يا يعيش يا يعيش يا يعيش ، عاش القائد عاش الرمز عاش فارس الأمة وباني مجدها يعيش) كما كانت المعارك على طول الحدود الشرقية للبلاد تأكل آلاف الذين كانوا لا يعرفون لماذا هم يحاربون ولماذا هم يموتون ولماذا أتخمت الشوارع بالعمال المصريين لسد حاجة البلاد من العمال على مختلف الأنواع، وكانوا أي الموتى جراء تلك الحرب الخرافية يرسلون إلى أهلهم مقطعين بفعل الشظايا أو محروقين يلفهم علم البلاد الرسمي ، وكان هنالك من تسمح له الحماية الشخصية للسيد الرئيس أن يتكلم ، هذه الحماية فوق عددها فرقة عسكرية وهم متدربون على مختلف الفنون القتالية ، وهي لا تتهيب أن تقتل أي شخص يقترب إلى الحدود الحمراء المحيطة بالسيد الرئيس ، وكان السيد الرئيس وبإشارت معينة كان يسمح للبعض أن يتكلم شيئا والذي يجب أن يكون مدحا وثناء على ما أنجزه السيد الرئيس من معجزات بحق الشعب و أبنائه ( سيدي كلنا فداء لك ، أنت حققت المعجزات وأنت الذي جاء بعد اليأس والقنوط ، بعثك الله ليتحقق النصر على يديك ، أيها الملهم العظيم ، الموت للخونة أعداء السيد الرئيس) و كانت البيانات الإيرانية تؤكد أن ثمة أنزال فاشل كبير على قطاع ديزفول أو المحمرة أو نهر جاسم تكبد فيه العدو ألاف القتلى وكانت المعارضة فرحة لأن ثمة مقاتلين أشاوس قد ماتوا وهم يدافعون عن حياة السيد الرئيس وكانت وزارة الدفاع تنسق تلك التصفية السرية مع مديرية الأمن العام من اجل نجاح ذلك المشروع . هناك شكل أخر للتصفية وإفراغ الزنزانات في عهد السيد عدي خليفة وهو إرسال مئات من السجناء لمعامل التصنيع الكيميائي لإجراء التجارب عليهم ، هذه الأماكن لا يعرف مكانها إلا السيد الرئيس والمقربون منه جدا وذلك لأجراء تجارب عليهم ، وهذا النوع هو الأكثر استهلاكا للسجناء ، حيث يمكن مشاهدة عشرات من الشاحنات ذات اللون الأحمر والموشح بالسواد والمظللة أيضا والمكتوب عليها شركة الظلال للسياحة والسفر و يشاع أن نجل السيد الرئيس الأكبر يمتلك أسهما كثيرة فيها ، تشاهدها وقد دخلت الصرح لتأخذ مئات من السجناء وخاصة الشباب منهم إلى أماكن مخيفة جدا بحيث ( أن الصرح وما يحيطه من غموض وخوف يكون نسبة إلى تلك الأماكن وكأنه مكان استراحة ) ، هكذا كان يقول بعض المعنيين ببرنامج تطوير الأسلحة البايلوجية ، ولكن يبدوا أن هذا الوصف مبالغا فيه نوعا ما فالصرح يحتوي على أماكن لا يستهان بها في الترويع وزهق الأرواح ، هذه الأسلحة الفتاكة يريد بها السيد الرئيس أن يحرر فلسطين ، كان يقول دوما ( أن الحرب القادمة حرب قذرة وعلينا أن نمتلك أدواتها و إلا سنهزم في عقر دارنا ، إن أسرائيل تمتلك السلاح النووي والكيميائي إذا لماذا يحاربوننا على ذلك ويمنعوننا ، إننا سنحطم إرادة الغرب ونهزم الطموحات الفارسية أيضا إنها طموحات مدمرة وذات صلة بالماضي وبما إننا نتمتع بقبول الشعب خلافا لكل الزعماء في المنطقة فأننا لن نسمح للأعداء من تدنيس أراضينا المقدسة ، إذا وعلى ضوء ذلك علينا أن نعمل ليلا ونهار) ومن اجل ذلك وحتى يجسد السيد الرئيس أرادة الشعب ويحرر فلسطين كانت تلك الشاحنات المظللة لا تنفك تزور الصرح صيفا وشتاء تنتقي الأصغر سنا والأكثر حيوية من بين السجناء.
    ـ أنت وأنت اقتربوا إلى الباب اخرجوهم هؤلاء شباب قيدوهم ، كم بقي من العدد؟.
    ــ سيدي ثلاثة وعشرون.
    ــ تعال معي إلى الممر الأخر.
    وهكذا تذهب الشاحنات محملة بالسجناء ممن وقع عليهم اختيار الخبراء البايلوجيين إلى تلك الأماكن الغامضة جدا ليتمكن الرئيس من امتلاك أدوات الحرب القادمة ويحرر فلسطين
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  4. #19
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي / رواية -21- حالى الحلقه-22- ارجو التثبيت

    أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح21
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 22 ـ
    مرت ثلاثة أيام ، ثلاثة أيام فقط على ورود بريد من الداخلية يحمل عنوان (سري للغاية ويفتح باليد) إلى السيد عدي خليفة الرجل الشديد جدا وذات الملامح الصحراوية القاسية ، كان خليفة أسمر اللون ونحيف الجسم إذا رأيته يسير في اليرموك وهو مكان سكناه تجزم على انه رجل خامل وليس له أي دور في الحياة سوى أن يدخن بشراهة وإذا تأملت في وجهه يمكن لك أن ترى أثار جدري أو ما يشابه ذلك ، دخل في عامه الخامس والأربعين ، وكان يشرف على تعذيب السجناء بنفسه وكان يقول ( أن أجمل لحظات حياتي هي حينما أرى أعداء السيد الرئيس يتألمون ويصرخون ) ، وكان السجناء يقولون انه لا يوجد أقسى من يوسف شمران ويدعون الله تعالى أن يذهب به إلى الجحيم ولكن حينما جاء خليفة شعروا أنهم كانوا مخطئين في تقديراتهم ، وكان عدي خليفة يخرج بين يوم وأخر سجين واحد أو عدة سجناء يضعهم في ممرات القيادة ويشدونهم في شبابيك الممرات الطويلة من أجل أن يطفأ الضباط والجنود سجائرهم بأجسادهم العارية تماما وربما وضعوا ما يواري عوراتهم وكانوا يسمون هذا السجين بالنفاضة البشرية وعلى السجين أن يتحمل يوما كاملا من لسعات المدخنين من الضباط والجنود وهم الأكثر ، هذا البريد أخبر السيد عدي خليفة على ضرورة إطلاق كل من مر على وجوده في الصرح خمسة عشر عاما أوأكثر وأن يعمل في الرسالة فور وصولها وأن ترسل أسماء السجناء الذين يتم إطلاق سراحهم إلى الوزارة للإطلاع عليها ، حينما وصل البريد ذاك وقرأه خليفة ضحك كثيرا وقال في نفسه ( هل يوجد لدينا من مر على وجوده هنا خمسة عشر عاما ، وأين كان ، وإذا أفلت من يوسف شمران رحمه الله فكيف أفلت مني لا أدري ربما ، لنرى كم لدينا من هؤلاء الخونة ) حينها شكل لجنة من ضابطين تبحث في ملفات السجناء القدامى علها تعثر على من مر عليه خمسة عشر عاما في الصرح ، وفعلا عملت اللجنة إلا إنها لم تعثر إلا على ثلاثة ملفات ، قدمها رعد ، الضابط المكلف بذلك بعد أن أدى التحية.
    ــ سيدي هذه هي ملفات المشمولين بعفو السيد الرئيس حفظه الله ورعاه.
    ــ كم؟.
    ــ ثلاثة فقط سيدي.
    ــ ثلاثة فقط؟.
    ــ نعم سيدي .
    ضحك السيد عدي خليفة كثيرا ونهض من خلف مكتبه يرقص بسخرية وهو يرفع الملفات إلى الأعلى.
    ــ ثلاثة ترن ترن ، ثلاثة رابعهم في المقبرة ترن ترن.
    ضحك عدي ضحكة عالية وجامله الضابط الذي جلب الملفات بابتسامة واخذ يقرأ الأسماء .
    ــ سمير سرحان بدر وإبراهيم رشاد ذا النون وأزاد جمال علي.
    خرج من المكتب والذي ليس هو ذاته مكتب شمران القديم ، لقد أحدث غزو الكويت تغييرا جذريا في مكاتب الضباط وأثاث الدوائر الحكومية خاصة التابعة إلى وزارة الداخلية لذا ترى مكتب السيد عدي خليفة مثلا ليس هو ذاته مكتب يوسف شمران ، هذا الجديد أسود اللون وكبير جدا وذات صناعة إيطالية ، خرج ليجلس على الكنبات الخضراء الموردة والتي جلبت إلى الصرح أيضا ويقال أنها جلبت من قصر أميري ، قال.
    ــ هؤلاء فقط ؟.
    ــ نعم سيدي .
    مص شفتيه إلى فمه برفق واخرج سيجارة كنت واتكأ يتأمل في الملفات، قال.
    ــ تصور لو كانوا مئات ماذا اصنع ؟.
    ــ ماذا تصنع سيدي؟.
    ــ اجلس لماذا أنت واقف .
    ــ نعم سيدي .
    جلس الضابط بينما أردف خليفة .
    ــ أبقي ربع منهم هكذا قررت ولكن احمد الله أنني لم أتعرض إلى هذا الإحراج مع المديرية العامة ولا مع الداخلية ، ثلاثة عدد لا بأس به .
    دخل المراسل وكان جندي وسيم جدا ربما لم يبلغ التاسعة عشر ودون أن يؤدي التحية بشكل متقن واكتفى برفع كفه اليمنى ووضعها قرب الجبهة بهدوء قال .
    ــ سيدي مقدم تحسين يريد أن يراك.
    تاما قليلا ، قال.
    ــ ليدخل.
    خرج الجندي الوسيم وليدخل المقدم الذي أدى التحية بشكل متقن ومخيف وكأنه يقف أمام السيد الرئيس .
    ــ تفضل تحسين.
    ــ أشكرك سيدي ، سيدي خمس زنزانات من الكويتيين أضربوا عن الطعام وزنزانة واحدة بها سبعة نساء أيضا أضربت عن الطعام.
    ــ ما هذا التزامن ، منذ متى وهم مضربون ؟.
    ــ أمس سيدي .
    ــ لماذا هل حدث شيء ؟.
    ــ سيدي مات أحدهم من المرض ، كان يعاني من ربو مزمن .
    ــ والنساء ماذا بهن؟.
    ــ سيدي تم أخراج ثلاثة من الزنزانة أمس ليلا.
    ضحك خليفة ، ضحك من كل قلبه ، قال وهو يضحك واضعا فخذه الأيمن على الفخذ الأيسر .
    ــ نعم ، أنا على علم بذلك ، لقد جلبوا واحدة لي ، كانت لا بأس بها؟.
    نهض السيد عدي خليفة يتمشى في الغرفة بينما نهض الضابط الذي جلب الملفات ووقف جنب المقدم الذي تنحى هو الأخرى ليقف قرب الباب ، قال بغضب.
    ــ أليست الكويت عراقية ألم يقل السيد الرئيس ذلك؟ .
    قال الضابط صاحب الملفات.
    ــ نعم سيدي هي عراقية.
    صمت قليلا وقد احمرت أوداجه إلى حد يمكن ملاحظة ذلك ، أردف قائلا.
    ــ لماذا لا يفرحون بأنهم رجعوا إلى وطنهم الأصلي ، اخرجوا كل من أضرب عن الطعام وأرسلوه إلى بيت التحقيق وكذلك النساء ولا أريد أن يعود منهم إلى زنزانته أبدا ولكن أرسلوهم إلى الانفرادي وإذا تكرر هذا اصنعوا ذات الشيء لا تراجعني على أشياء تافهة مثل هذه كل من يضرب عن الطعام أو يخرج عن ضوابط الصرح والتي قرأت عليهم أول ما دخلوا افعلوا به ما يحلوا لكم.
    ــ أمرك سيدي.
    خرج المقدم وهمَّ ضابط الملفات في الخروج أيضا ولكن السيد خليفة قال له بهدوء بعد أن تنهد ثلاثة مرات.
    ــ أنتظر أنت.
    ــ نعم سيدي
    ــ هل انتم متأكدون من هذا العدد ؟.
    ــ نعم سيدي لقد تفحصنا الملفات بدقة.
    ــ إذا ، لأراهم.
    ــ أمرك سيدي.
    يتبع إنشاء الله.....
    .ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
    أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح22
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 23 ـ
    لقد قضى إبراهيم السنوات الثلاث الأخيرة وحيدا في زنزانة صغيرة جدا منعزلة قرب أماكن الطبخ البعيدة ولم تكن انفرادية ولكنه بقى وحيدا فيها وكانت تلك الأيام أسوء ما كان يعانيه إبراهيم إذ شعر بالغربة والوحشة وكان لا يسمع أي شيء سوى الإطلاقات النارية التي كان الجنود يطلقونها بيين لحظة وأخرى وكذلك صياحهم المخيف ، وشعر إن صحته تدهورت كثيرا فقد بدأ يعاني من ألآم المثانة وضيق التنفس والسعال الحاد وقد سقط من أسنانه الكثير ولم يبقى إلا الأسنان الأمامية تستر عليه مظهره وكان أخر ناب قذفه مع مجموعة من الدماء قبل نصف عام حينما ضربه أحد الجنود الفتيان على وجهه دون أن يكون أدنى سبب سوى انه تأخر عن النهوض حينما فتح عليه الجندي البوابة الصغيرة بصورة مفاجئة ، يومها قال له اخرج رأسك من البوابة الصغيرة وكان بالإمكان أن يخرج منها السجين رأسه من تلك البوابة، حينما فعل إبراهيم ذلك لكمه الجندي في وجهه لكمة عظيمة ظل إبراهيم يعاني منها اشهرا عديدة وقد شق جفن عينه اليسرى ، لم يكن يعرف إبراهيم ما يجري خارج زنزانته ، لم يكن يعلم أن الرئيس أمر بغزو دولة الكويت وسقطت بطرفة عين وكان التلفزيون الرسمي يتحدث عن ضم الأصل للفرع فالتسقط الرجعية وسميت المحافظة التاسعة عشر وكان التفلزيون قد اخرج رجل قبلي على انه زعيم التيار الإصلاحي في دولة الكويت ويقال انه من حماية الرئيس ، هذا الرجل كان يطلب النجدة من حكومة الرئيس لإحداث التغيرات السياسية في بلده ، كانت الفكرة ساذجة جدا ولم تنطلي على احد ، ولم يكن يعلم إبراهيم إن الثوار أوشكوا على إخراجهم قبل عام حينما اقترب الأمريكان كثيرا على إسقاط حكومة السيد الرئيس إلا إنهم تريثوا بعد ذلك حينما لاح لهم شبح التغير، يومها سمعت الزنزانات كلها أصوات الطائرات والصواريخ كما وسمعوا اشتباكات الجنود مع بعض الثوار الذين حاولوا اقتحام الصرح حيث وصلوا إلى مشارف الصرح الأولى ولكن دون جدوى حيث تم تأمينه بأحد الفيالق الخاصة المنسحبة من الكويت ولم يعترض الأمريكان على ذلك التكتيك العسكري وكان بإمكانهم أن يصنعوا أي شيء إلا إنهم توقفوا تاركين الجيش يسترد كل الأماكن التي سقطت بأيدي الثوار وهي أماكن كثيرة جدا حيث يمكن القول إن جنوب ووسط وشمال البلاد كله سقط في أيدي الثوار والذين جُلب معظمهم إلى الصرح بينما قتل منهم الكثير في مواجهات الجيش وهرب البعض إلى حدود البلاد باتجاه المملكة العربية السعودية وتحديدا إلى رفحه حيث بني هناك معسكر كبير سمي على اسم المنطقة ، لم يكن يعلم إبراهيم بكل تلك الحروب والتطورات الكبيرة ، لقد كانت هنالك معلومات مشوشة نقلها لإبراهيم أحد السجناء في زمن ما أخبره فيها عن حرب شرسة يقودها الرئيس ضد إيران والتي انتهى بها حكم الشاه وصار الحكم بيد رجال الدين وان مئات الألوف تقتل على طول الحدود مع إيران ولكن إبراهيم لم يثق يومها بكلمات ذلك السجين إلا بعد سنتين حينما التقى بسجين شاب يزعم انه نجى من غابات الأسود الهندية التابعة لنجل الرئيس وهو الذي أكد له تلك التطورات ، وربما التقى بسجين أخر من هذا القبيل ،ومنذ ذلك والوقت إي منذ خروج ذلك السجين لم يدري إبراهيم ماذا يجري خارج نطاق زنزانته ، كان يعلم فقط متى تأتي وجبات الغذاء ومتى يذهب إلى المرحاض ، ويعلم كذلك متى يأتي الجنود أو السجناء الحلاقين للسجناء أصحاب القضايا الخاصة جدا ، كانوا يأتون كل ثلاث اشهر حيث يزيلون كل ما على الرأس والذقن من شعر وكانوا يتأخرون أحيانا ، نعم أحيانا يمر عام ولا يأتون ، كما يعرف إبراهيم إنه مرت أعوام على استثنائه من الأشغال ، فلم يعد يخرج يحفر الشقوق ، وكان يتكلم مع نفسه كثيرا إذ لا يوجد أحدا يتكلم معه وزاد حديثه مع التمثال ، الصديق العزيز له ، وكان يقص عليه القصص التي سمعها من السجناء ويصغي هو كذلك للتمثال الذي كان إبراهيم يتكلم على لسانه من قصص مختلفة وكان ذلك يحدث دوما قبل النوم خاصة في ليالي الشتاء الباردة.
    ــ زاين هل تسمعني ، مالك لا ترد علي هل أنت نائم ، أسمع أيها الجندي أنت تتمتع بخبرة واسعة كونك عشت قبلي وكنت من الحماية الشخصية للملك اوتوـ حيكال وكنت ترى كيف يؤتى بالمعارضين للملك ، هل كانت هنالك معارضة ؟.
    ــ لا ولكن ثمة نفر ضال كان يحاول أن يسلب الملك .
    ــ نفر ضال ... نفر ضال ... لماذا تسمونهم نفر ضال هؤلاء أيضا يسموننا نفر ضال ، لماذا تسمون إرادة الشعوب والثوار دوما بالنفر الضال والخارجين عن القانون، لا بد من ثورة للمستضعفين تجتاح العالم لولا هذا الهدف لكان كل شيء عبارة عن محض خرافة .
    صمت قليلا ثم عاد بلهجة أكثر هدوءا
    ــ وتصديتم لهم بقوة ، لا تكذب علي أنا اعلم أن الجنود يكذبون دائما لأنهم يعتقدون أن أهم شيء هو أن يحقق الجندي الانتصار .
    ــ لا ، كان الملك يحاول أن يتركهم .
    ــ صحيح ، ألم يكن لدى الملك سجن تحت الأرض؟ .
    ــ نعم ، كان هناك سجن ولكن صغير جدا ليس بحجم هذا السجن .
    ــ هل تتصور إنني سأخرج من هنا؟.
    ــ لا اعتقد وحتى إذا خرجت فإلى أين ستذهب؟ .
    ــ إلى خديجة وابنتي سحر، هل نسيت أنا دوما أحدثك عنهم ، بدئت تنسى أيها الجندي الكسول.
    ــ لا لم أنسى أتذكر كلماتك.
    ــ لم تحدثني عن أمك ، كنت دوما تحدثني عن حبيبتك ميروبا التي غرقت في نهر هيمونوثو ولم تستطع إخراجها بالمناسبة ما معنى ميروبا؟.
    ــ المياه الكثيرة ، أنا لم أكن اعلم بها كنت في المعركة وحينما عدت قالوا لي إنها غرقت في نهر هيمونوثو، أما عن أمي فسأحدثك لأنك لم تسألني.
    ــ نعم سأسألك إنني اعتقد إن الأم شيء مقدس ، هي تأتي بعد الله والأنبياء من حيث التقديس.
    ــ الله سمعت عنه ولكن الأنبياء لم اسمع عنهم .
    ــ حقا ، هم الرجال الذين يرسلهم الرب لإنقاذنا من الخطيئة العالقة قي أذهاننا.
    ــ كان ثمة رجال صالحون يأتون الملك يقولون له اعبد الرب الواحد الذي هو فوق أن يرى وكانوا يسمونه مارتو، وكان الملك يضحك لأنه كان يعبد الإله مامناتو وذات مرة غضب اله الشر عليه وأراد أن ينتزع ملكه فاستعان بالرجال الصالحين فقالوا له لماذا لا تدعو الهتك قال دعوتها ولم تشارك في الحرب فقالوا له إذا سنقول للرب أن يهزم اله الشر ، كنت معه حينما سألهم وأجابوه حينها هبت عاصفة اقتلعت المعبد الكبير للإله سورودو ومامناتو والذي كان تحت التلال الخضراء.
    ثم سرعان ما يعلو شخيره وسرعان ما يسقط التمثال من على صدره ، وحتى حينما جاءوا الحرس يركلون الأبواب بأقدامهم بقوة كان إبراهيم يغط في نوم عميق ، حينما فتحوا البوابة الصغيرة كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة بسبع دقائق ، صاح احد الجنود.
    ــ إنهض إنهض أيها القرد النائم.
    فتح إبراهيم عينيه إلى النصف ، كان يتصور أنه ما زال في ذلك الحلم الهادئ الجميل ، كان يحلم انه يعبر بحر عظيم وأنه أوشك أن يصل إلى الشاطئ حيث كانت هناك جزيرة موحشة تهب منها رائحة الموز والذي سرعان ما تطرده رائحة نتنة جدا كأنها رائحة موتى الحروب حينما يتركون أياما وشهور، كانت تصدر من شيء ما وكلما أراد إبراهيم أن يعرفه لم يستطع وقال في نفسه وهو يحلم انه إذا وصلت الشاطئ سأبحث عن مصدر هذه العفونة ، إلا أن صراخ الحرس الكثيف جعله يقفز من مكانه .
    ــ نعم سيدي ، نعم سيدي .
    ــ إنهض ما هذا الشخير ؟ ما اسمك؟ .
    ــ إبراهيم رشاد.
    ــ جيد وجدنا واحد ، إنهض ، افتح الباب ، هيا اخرج .
    لف إبراهيم الدوار اتكأ على الجدار أزاح البطانية بقدمه كان يريد أن يجعلها كلها فوق التمثال حتى إذا داسوه بأقدامهم لم يشعروا به ، فكر أن يدس التمثال في بذلته لكن الدوار لم يدعه ، اسند ظهره إلى الجدار ، حرك البطانية نحو التمثال ببطء لم يشعروا به . قال له أحد الجنود و كانوا يرتدون بدلات ضفدعية وقماصل شتوية أغلقوها بإتقان ولم يكن بأيديهم أي سلاح إلا بعض الأعمدة الحديدية
    ــ هيا أخرج أيها العجوز .
    ــ نعم سيدي.
    قدم إبراهيم يديه ليقيدوه، قال له الجندي الذي ظل واقفا في الخارج ولم يدخل.
    ــ لا حاجة لنا في ذلك .
    نظر إلى الجنود وهم يسحقون على البطانية والتي ركلها احد الجنود بقدمه فقذفها في الزاوية وهو يخرج ، قال إبراهيم في نفسه ( الحمد لله لم يشعروا به ، زاين أعتني بنفسك حتى أعود ).
    يتبع إنشاء الله
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  5. #20
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح23-الى الحلقه-24- ويتبع ...

    أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح23
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 24 ـ
    كان السيد عدي خليفة يجلس خلف مكتبه يحرك كرسيه يمينا وشمالا بهدوء وهو ينظر إلى إبراهيم والذي تحولت لحيته الكثيفة جدا وشعره إلى بياض تام فلا توجد شعرة سوداء واحدة ، ولأنه كان طويلا ونحيفا نوعا ما فقد انحنى ظهره إلى الأمام قليلا ، راح السيد خليفة يتأمل فيه كثيرا، لحظات ولحظات مرة كان فيها خليفة يتأمل في إبراهيم وهو يدخن الكنت، كان ينظر في بدلته التي تمزقت كثيرا قرب الركبتين ، والى قدميه العاريتين من أي نعل ، إبراهيم كان ينظر إليه بين لحظة وأخرى وكان يحرص على أن لا يجعل نظراته تحمل الحقد والكراهية خشية أن يقرأها خليفة فتثور ثائرته ، هو لم يره منذ عدة أعوام ، منذ أن قال لهم أعطوه بطانية أخرى إن هذا الشتاء قاسي جدا ، سـأله وهو ينظر إلى بذلته.
    ــ كم بذلة أعطوك منذ مجيئك وحتى الآن؟ .
    قال إبراهيم وهو مرتبك.
    ــ لا اعلم سيدي.
    ــ لماذا لم تمت حتى هذا الوقت ؟.
    أجابه إبراهيم وهو مطرق.
    ــ سيدي اعتقد أن أجلي لم يحن بعد وهذا أمر بيد الله.
    ــ بيد الله أم بيدي؟.
    صمت إبراهيم قليلا قال بصوت مرتبك.
    ــ العقل يقول بيد الله.
    ــ جيد لو قلت غير ذلك لأخطئت ، كم مرة خرجت في الأهداف المتحركة ؟ .
    ــ خمس وتم استثنائي.
    ــ وهل كنت ترى كيف يموت أصحابك وأصدقائك ؟.
    ــ نعم سيدي.
    ــ هل أتفق أن أصابك الحرس ؟.
    ــ نعم سيدي، في قدمي اليسرى.
    ــ أرفع رأسك حين تكلمني لا تخف، ما هو اسمك؟.
    ــ إبراهيم رشاد ذا النــ،
    تلكأ ثم سرعان ما استدرك.
    ــ إبراهيم رشاد محسن ذا النون.
    ــ إبراهيم رشاد ذا النون أو محسن ذا النون؟.
    ــ سيدي محسن ذا النون
    ــ هؤلاء الأغبياء كتبوا على غلاف الإضبارة الشخصية رشاد ذا النون.
    سحب قلما ذهبي اللون من حاملة الأقلام والتي كانت تحمل ثلاثة أقلام مذهبة وهي توسطت المكتب وليكتب بين اسمي رشاد وذا النون بخط غير متقن (محسن) ، قال.
    ــ أين تسكن ؟.
    ــ بغداد سيدي.
    ــ بغداد كبيرة ، أين بالتحديد؟.
    ــ الكاظمية سيدي.
    ــ متى اعتقلت ؟.
    ــ عام 1970.
    ــ لقد جئتنا مبكرا ، من عام 1970 ولم تمت بينما مات أمس سجين خرج من الانفرادي قبل ثلاثة اشهر.
    صمت خليفة قليلا وهو يمص سيجارته بهدوء، قال.
    ــ إذا خيرتك بين الخروج وبين البقاء هنا ماذا تختار ؟.
    ــ سيدي الأمر متروك إليكم.
    ــ لا ... لا... أريد رأيك .
    ــ طبعا الخروج .
    ــ لماذا حتى تعاود نشاطك في محاربة السيد الرئيس حفظه الله ورعاه.
    ــ لا يا سيدي ولكن حتى أرى زوجتي وابنتي.
    ــ زوجتك ما اسمها ؟.
    ــ خديجة صاحب.
    ــ ربما أصبحت الآن عاهرة وكذلك ابنتك ما تقول أيحتمل هذا أم لا ؟.
    ــ الله اعلم بحقائق الأمور سيدي.
    ــ أجلس.
    ــ أنا سيدي.
    ــ نعم ومن غيرك ، أجلس حتى يأتي الآخران.
    ــ نعم سيدي.
    ـ 25 ـ
    فتح المراسل الوسيم جدا والصغير جدا الباب التي تم طلائها حديثا بلون فضي ، قال بعد أن أدى التحية بشكل غير مبالي بها ، قال بتدلل واضح.
    ــ سيدي لقد وصل الملازم كنعان ومعه السجينان.
    ــ ليدخلوا.
    دخل كنعان وأدى التحية العسكرية بإتقان ملفت للانتباه ، قال.
    ــ هذان اللذان أردتهما سيدي.
    ما زال خليفة يجلس خلف المكتب يرقص كرسيه بهدوء ، وما زال يمص سيجارته الكنت بروية ، أخذ ينظر إليهما واضعا يده اليمنى قرب فمه وهو يتأمل فيهما ، قال.
    ــ ما اسمك أنت؟.
    ــ أزاد جمال علي.
    ــ من أين؟.
    ــ سليمانية.
    ــ متى كان اعتقالك؟.
    ــ 1973 سيدي
    ــ وأنت ؟ .
    كان السيد خليفة يحرك يده باستعلاء وهو يؤشر عليهما.
    ــ سمير سرحان بيدر سيدي.
    ما زال إبراهيم جالسا مطرق الرأس ينظر إلى السجادة التي مدة في الغرفة وكانت حمراء موشحة بالسواد ، هي كذلك من الأشياء التي تم جلبها من الكويت قبل عام تقريبا وتحديدا من بيت في العبدلي ، كان يفكر أن يرفع رأسه حينما أدخل السجينان إلا إنه ابعد تلك الفكرة ، كان قد ذهب شوطا في أفكاره السوداوية كان يقول في نفسه ( لقد وصلت إلى النهاية يا إبراهيم ، جيد إبراهيم لقد ختمت أعمالك ولم تهن ، أصبر قليلا ما هي إلا لحظات حتى يأمر هذا الطاغوت جنوده بإعدامنا فيأخذوننا إلى بيت التحقيق وهناك سوف تكون نهاية هذا الفصل المضحك جدا) ، إلا أنه حينما سمع ذلك الاسم الأخير هز رأسه ورفعه قليلا ثم سرعان ما أرجعه وتمنى أن يعيد الشاب الاسم ، تذكر العجوز القديم جدا والذي التقى به قبل أعوام طويلة قال في نفسه ( كان اسمه سرحان بيدر وله ولد اسمه سمير وكان يبكي كلما سمع أسم مقدم سمير ) تنهد مرات عديدة دون أن يشعر به أحد ، ثم أردف قائلا ( ولكن لعجوز كان يقول لي أن سمير أطلقوا سراح وانه الآن ربما تزوج يا الهي ما الذي يحدث أيعقل أن يكون هو سمير أبن ذلك العجوز).
    ــ أين تسكن ؟.
    ــ الناصرية.
    ــ في أي عام اعتقلت ؟.
    ــ عام 1971.
    ــ أخرجوا دعوني وحدي معهم ولا يدخل علينا احد .
    ــ أمرك سيدي .
    خرج الجميع وأغلق كنعان الباب بلطف وتنهد السيد خليفة عدة مرات، قال بعد صمت قليل.
    ــ أنتم تعرفون إن السيد الرئيس حفظه الله ورعاه كم يحب شعبه بل حتى المتآمرين عليه أمثالكم يعطف عليهم انه يحمل قلب كبير وصبور لذلك وحتى يثبت للعالم هذه السجية النادرة جدا أعطى عفوا عاما لكم وسوف يطلق سراحكم في هذا الأسبوع ، إياكم أن ترجعوا إلى عنترياتكم الكاذبة ، ربما لديكم بعض جوانب الاعتراض على سياستنا في السجن وتعرضتم إلى شيء من الضغوط النفسية والجسدية ، هذا كله من اجل مصلحتكم ، نحن مأمورون بذلك ، كل ما رأيتموه هنا لا تحدثوا به أحد حتى أقاربكم لأننا سنرسل لكم أناس يسألونكم عن الأحوال في السجن قولوا لهم كنا في خير و إلا تعودون إلى هنا ، حينها والله أجعلكم تتمنون هذه اللحظات لأنكم حتى هذه اللحظة لم تروا قسوتي وغضبي وخاصة على الخونة أمثالكم ، مفهوم؟.
    ــ نعم سيدي ... نعم سيدي ... نعم سيدي.
    ــ اتركوا عدائكم للسيد الرئيس لأن فكرة المعارضة فكرة ساذجة جدا ، هؤلاء الذين يسكنون إيران آو سوريا أو الذين هم في دول أخرى ومن هناك يحاربون السيد الرئيس هؤلاء تجار كبار ، تجار الثورة الجديدة ، انتم دوما مغضوب عليكم ، لنتفق أن السيد الرئيس لا سامح الله أزيل حكمه بالثورة أو الانقلاب العسكري من يحكمكم ؟ ، تتصورون هؤلاء الأغبياء الذين هم في قبضتي الآن هم من يحكم بغداد ، هؤلاء في كل زمان ومكان هم محكوم عليه سلفا إنهم أغبياء ، أغبياء جدا ، إنكم مجرد أكذوبة ، أو دمية تحرك من بعد وهناك من يقنعها إنها تحرك نفسها بنفسها ليشعرها بحرية ألذات والاختيار السليم ، وهي ليس كذلك أنا مقتنع أنكم تحملون ذات الشعور لكنكم تكابرون ، اعتقد أنكم موجودون في كل زمان ومكان وأنا كذلك موجود في كل زمان ومكان ، حينما تكون أيها العجوز في مكاني هذا لا بد أن يكون تحت رحمتك أمثال عدي خليفة ، أليس ذلك هو الصحيح ، تكلم أيها العجوز .. أنطق.
    قال إبراهيم بلغة الخائف جدا.
    ــ نعم سيدي
    لم يتكلم إبراهيم مباشرة ، كان يحاول أن يفكر بأي شيء يجيبه فهو يدرك أن كل كلمة هنا لها حجمها وينبغي أن تكون في المكان المناسب لأنه لا مجال لأن يخطأ السجين أمام السيد خليفة ، صاح خليفة بصوت مخيف.
    ــ اجبني لماذا أنت صامت كالصنم ؟.
    قال إبراهيم بصوت مبحوح.
    ــ نعم سيدي إذا جرت الأمور وفق ما طرحت لا بد أن تكون تحت رحمتي.
    ــ إذا من هو الصحيح ومن هو الخطاء ، من هنا يجب أن نفهم الأمور ، أنا اعتقد أن السيد الرئيس على حق ، أتدري لماذا ، لأنه من عمومتي وقد أعطاني كل شيء ، لذلك أحس أن العراق ملك أبائي بل أحس أن أرواحكم بيدي ، كلمة واحدة ويموت كل من في الزنزانات الآن ، أليس هذا صحيح ؟.
    ــ نعم سيدي .
    ــ انتم تحاربون السيد الرئيس لكي تتمتعوا بهذا ، تريدون أن تحصلوا على هذه الميزات ، إذا هي حرب لذائذ ومميزات ، اجبني بصراحة أيها العجوز لا تخشى إذا كنت حقا مبدئي تكلم معي ولك الأمان وحياة السيد الرئيس لك الأمان لأنني أنا اليوم جدا مرتاح حتى أعطيت أمر بموجبه أوقفت التحقيق لأسبوع كامل ، تصور أسبوعا كامل لا يموت احد في الصرح فلا تضجرني بعدم جوابك فأرجع عن قراري والله ارجع عن قراري إذا لم تجبني بصراحة ، هل هذه الحرب هي حرب لذائد ومميزات أم ماذا هيا أجبني أيها العجوز وبسرعة؟.
    ــ نعم سيدي سأجيبك.
    تحرك إبراهيم رشاد وحك رأسه وفرك عينيه ونظر إلى عدي خليفة والذي احمرت عيناه ، فكر أن يقول له أي جواب لكنه تذكر ، تذكر لأسبوع الكامل من توقف الموت وهذا يعني الشيء الكثير وأن خليفة قادر على أن يعكس قراره بل وعلى مرأى منهم ، قال بخوف شديد.
    ــ أنا أتفق معك في شيء وأختلف معك سيدي في شيء أخر ،إذا سمحت طبعا.
    ــ تفضل أنا أريدك أن تتكلم أنت الآن لست سجين أنت الآن مواطن حر.
    قال إبراهيم .
    ــ أتفق معك كوننا محكوم علينا سلفا وأننا دمية تحرك من بعد وهناك من يشعرها إنها تمتلك ألذات ، وأختلف معك في كوننا نطمح بالمميزات التي يتمتع بها شخصكم ، ذلك لأننا نختلف ببعض الثوابت ، أنت تشعر أن العراق ملكك وأنا اشعر أنني ملك العراق ومن هنا بدأ الاختلاف ثم اتسع كثيرا ليكون بعد ذلك مسافات شاسعة ويحمل ....
    رفع السيد خليفة يده وكأنه يقول لإبراهيم اسكت ، ثم أردف .
    ــ تكلمت بصدق ، منذ أن أتيت لم أسمع سجين يكلمني بكلمات صادقة ، الآن يمكن أن أقول أنني سمعت كلمات صادقة من سجين ، وهذا يكفي.
    صمت قليلا وهو يخرج سيجارة أخرى ويضعها في فمه ويشعلها ،كان يدخن بشراهة، قال.
    ــ كم قلت حتى تخرجون ؟.
    قال إبراهيم.
    ــ أسبوع سيدي.
    ــ لا أسبوع مدة طويلة اليوم نطلق سراحك أيها العجوز وغدا أزاد وبعد غد نطلق ، ماذا قلت ، أنت ما هو اسمك ؟.
    يتبع إنشاء الله..........
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ــ سمير سيدي .
    ــ نعم نطلق سمير.
    صاح بصوت عال.
    ــ كنعان ، وليد ، ليأتي أحدكم.
    دخل المراسل وليد ومن ورائه كنعان .
    ــ كنعان أريد أن تهيئ هؤلاء إلى الخروج رتبوا لهم ملابس جيدة ، وليسبحوا في حماماتنا ولا ترجعوهم إلى الزنزانة ، هذا العجوز حاولوا أن ترحلوه اليوم مع شاحنة الخضر.
    ــ سيدي السائق على وشك أن يرجع .
    ــ لا ، لا ، قل له لينتظر ساعة حتى تهيئوا إبراهيم .
    نهض السيد خليفة ، أخرج ثلاثة كتب رسمية من المجر السفلي للمكتب بينما نهض إبراهيم هو الأخر قال لإبراهيم.
    ــ خذ كتابك أريد أن تقرأه لي .
    صمت قليلا ثم أردف.
    ــ من فيكم سمير؟.
    ــ نعم سيدي أنا.
    ــ خذ كتباك ، وأنت خذ ، هيا يا إبراهيم اقرأ.
    ــ نعم سيدي.
    قرب إبراهيم الكتاب من عينيه ، قربه جدا ، لقد مر زمن طويل لم يقرأ فيه إبراهيم ورقة ، على مستوى تلك السنين الطويلة كان إبراهيم يقرأ ما كان مكتوب على جدران الزنازين فقط ، اخذ يقرأ.
    ــ وزارة الداخلية، مديرية السجون العامة ، إلى كافة السيطرات ومفارز الطريق ، العدد 545 التأريخ 6/2/1992 ، يرجى عدم التعرض إلى المواطن إبراهيم رشاد محسن ذا النون كونه كان محجوزا لدينا مع التقدير.
    التوقيع مدير السجن الأول اللواء عدي خليفة . وكان التوقيع باللون الأخضر وتحت الاسم الذي كتب على اليمين أسفل الورقة وكان هناك ختم احمر نقش فيه اسم الوزارة واسم المديرية بشكل مصغر.
    صمت إبراهيم بينما راح السيد خليفة يتربت على كتفه الأيمن ، قال مبتسما وهو يرمي دخان سيجارته عليه ، قال .
    ــ هل تريد سيجارة يا إبراهيم ، أنا أحب أن أشرب ألكنت يقولون أنه نسائي هل صحيح ذلك؟.
    ــ لا ادري سيدي .
    ــ هل أعطيك واحدة ؟، من فيكم يدخن؟.
    ــ شكرا سيدي .
    ــ هل هذا الكتاب يكفي ؟.
    ــ نعم سيدي هذا يكفي.
    ــ إذا توكلوا على الله ، أذهبوا إلى أهلكم لقد غبتم عنهم بعض الوقت ، أرجو أن لا نراكم ثانية.
    ـ 26 ـ
    الشاحنة التي أقلت العجوز كانت كبيرة ومخصصة لنقل الخضار إلى الصرح ، كان سائقها شاب يرتدي بذلة مدنية فستقية اللون ، ومع أن إبراهيم استحم في حمامات الضباط وقد استغرب كثيرا حينما رأى تلك الحمامات وقال في نفسه ( هل أنا في حلم ، كيف يحدث هذا وفي زمن عدي خليفة، إلى أين يردون بي هل يمكن أن يكون هذا ترتيب من يعدموه وفق تعليمات الرئيس الجديدة ، ربما ، أنا لم أعدم قبل هذا الوقت حتى أستطيع أن أحكم ) ثم يختم حديثه ذاك بابتسامة ، غسل رأسه بالصابون عشرة مرات كان لا يصدق أن هنالك صابون كثير وفي متناول يده . حلقوا رأسه بعناية فائقة ورتبوا لحيته بعناية فائقة أيضا ، إذ إن السيد خليفة قال لهم ساعة إدخاله إلى الحمام أريدكم أن ترجعوه عشرين عاما إلى الوراء ، حينها تبسم إبراهيم وقال في نفسه ( لا يستطيعون ذلك بل لا يستطيعون أن يمحوا آلام يوم واحد ) ولم يكن إبراهيم يتصور حتى لحظة خروجه من الحمام وارتدائه بذلة جلبت له من احد الضباط أنهم سيخرجونه بل كانت تصوراته أن هذه لا تعدوا أن تكون مسرحية لأجل أن يتمتعوا بها ويضحكوا ويبتعدوا عن قساوة هذا البرد ووحشة الصحراء ، هكذا كان يتصور ولم يقنع نفسه انه على وشك الخروج بل كان يقول في ذاته ( إن هذه مسرحية وعلي أن أستوعب ذلك) ، وحتى حينما وضعوا الحذاء الأسود الجديد في قدميه لم يستوعب فكرة الخروج وكان يبتسم في نفسه بسخرية على تلك الفكرة وحتى حينما يتحسس الكتاب الذي وضعوه في سترة البذلة السوداء كان يقول في نفسه ( سرعان ما يقول لي خليفة اعطني كتابي يا جبان أتريد أن تخرج حتى تقاتل السيد الرئيس ) ، الحذاء ذاك حصلوا عليه بعد اختبارات عديدة على أحذية الضباط والجنود الخاصة بهم وقد استغرق ذلك وقتا ولم يستطع إبراهيم أن يمشي به أول وهلة وكأنه مصاب بجرح كبير في قدمه، حينها قال له خليفة.
    ــ ماذا بك أيها العجوز هل نسيت أن تمشي في حذاء.
    قال إبراهيم وهو يحاول أن يكون أكثر شجاعة في المسير .
    ــ سيدي منذ عشرون عام لم أضع نعلا ولا حذاء في قدمي وهناك جروح كبيرة قي قدمي.
    إلا إنه مشى أخيرا ، راح يصافح الضباط الكبار الذين وقفوا قرب الشاحنة على هيئة الصف ، وكأنه صديق عزيز يودعونه وفي الحقيقة كانوا يتسلون بذلك وليس حبا في إبراهيم أو ربما اعتبرها البعض إنها لحظة تاريخية إذ إن هذا الصرح ومنذ بنائه لم يتم إطلاق سراح أحد منه،قال احد الضباط في نفسه وهو يصافحه ( لقد خرجت بمعجزة من إمبراطورية الرعب) ، كان يتذكرهم إبراهيم جيدا ، لا يوجد أحد منهم من القدماء جدا ، إي من الذين عاصروا يوسف شمران ، قال في نفسه وهو يصافحهم ويبتسم مجاملة ( هذا وضعني نفاضة بشرية ثلاثة مرات دون أدنى سبب وهذه أخرج رأسي من البوابة الصغيرة وعلق برأسي قنينة غاز من الظهر وحتى الصباح وكدت أموت، وهذا قطع ماء الحنفية أسبوعا كاملا وهذا....).
    حينما تحركت الشاحنة وخرجت من باب الصرح بدأت قناعات إبراهيم تتحرك بذلك الاتجاه الذي كان يكذبه قبل لحظات ، نظر إلى وجهه في المرآة الجانبية ، تفاجأ من ذلك العجوز ، حرك رأسه رأى أن هذا الوجه هو وجهه ، أبتسم ، كان وجهه مصفرا وعليه بقع سوداء صغيرة من لسعات سجائر الجنود ولحيته بيضاء مرتبة نوعا ما قال في نفسه ( هذه البقع من سجائر الجنود ) ، كانت هناك مرآة في الحمام ويمكن لإبراهيم أن ينظر إلى وجهه بشكل أحسن ولكن وقبل دخول إبراهيم بلحظات رفعها الحرس تحسبا لكل شيء ، نظر إلى السائق ، كان شابا ذا وجه أسمر و شاحبا في ذات الوقت ، شارباه كبيران نزلا حتى أسفل ذقنه الذي خلا من الشعر وكأنه حالق قبل لحظات ، اخرج قنينة خمر محلي ما إن خرجت الشاحنة من باب الصرح ، نظر إلى إبراهيم ، قال له بهدوء بعد أن مص القنينة الأرجوانية ثلاث مرات .
    ــ هل أنت سجين أيها العجوز أم عندك مواجه لأحد السجناء ؟.
    كان إبراهيم ينظر من خلال النافذة إلى الصحراء الممتدة في الأعماق ، ينظر إلى التلال البعيدة جدا ، إلى أشجار السمر و السلم البرية العارية تماما وهي شجيرة يتراوح طولها 2-6امتار وتبرز أزهارها ونويراتها الكرزية الشكل في فصل الربيع نحو شهر ابريل غير ان السمر يزهر في أوائل الصيف ولنوعين أشواك حادة صلبة ولا تأكل الإبل فروع السمر والسلم وذلك بسب الأشواك ولكن شفتي البعير الحساستين القابضتين تعملان بدقة للتجنب صلابة هذه الأشواك الحادة فتأخذان الأوراق الطرية من بينها بمهارة عجيبة ، هذه في الصيف أما في الشتاء فأنها تبدوا وكأنها لا تحمل أي شيء وهناك أيضا على المرأى البعيد أشجار الغاف العملاقة التي يصل طولها أحيانا إلى عشرة أمتار وهي ذات أزهار لونها أصفر متجمعة في سنابل طولها حوالي 5سم والثمرة على هيئة قرن اسطواني بلون أصفر مخضر وهي صغيرة تميل إلى الحمره عند النضج ، وأشجار القفص الكبير وهذه الشجرة كبيرة عريضة تستلفت أنظار السجناء أيام ما كانوا يمرون على ضفاف الأودية الهابطة من المنحدرات الشمالية للصرح ، والأوراق جلدية خضراء داكنة لامعة بيضاوية ذات حافة كاملة وأزهارها صفراء في نورة عنقودية والثمار مجنحة تساعد على انتشار البذور ، لقد ظل بعضها يقاوم البرد ، كان إبراهيم ينظر إلى كل ما يمكن أن يلمحه في الصحراء والى السماء التي تلبدت بالغيوم وهناك عبر الأفق البعيد ثمة برق يتراقص ، كانت الساعة قد تجاوزة الواحدة ظهرا، وكانت هناك ريحا باردة جدا هبت منذ أن كان إبراهيم في الحمام يغتسل بماء حار ، ذاك الماء الذي لم يره إبراهيم منذ أن دخل الصرح ، أو بالأخرى منذ أن دخل المديرية العامة في بغداد وقال له الضابط.
    ــ هذه بداية رحلتك الطويلة معنا يا إبراهيم اشحذ ذاكرتك إمامك ذكريات مأساوية هائلة ينبغي أن تقصها على أبنائك يوم تخرج.
    ضحك الضابط يومها وأردف قائلا.
    ــ هذا إذا خرجت ، تحتاج إلى معجزة صغيرة حتى تخرج وفي اعتقادي أن عصر المعجزات قد انتهى ، أليس كذلك يا إبراهيم.
    كان إبراهيم يتذكر تلك الكلمات دوما ، تذكرها الآن ، قال في نفسه ( ماعدت اتذكر الأشياء القديمة جدا ، لقد تبخرت من ذاكرتي تماما ، كان في ودي أن تبقى ).
    سمعه إبراهيم ، قال له.
    ــ وهل هناك سجناء يواجهون أهلهم هنا؟.
    ــ لا ولكن في سجن أبو غريب موجود هذا الشيء ، لقد واجهت أحد أقربائي في الثقيلة ، كان سارق وقد سرق من جيرانه بعض الحاجيات.
    أعاد إبراهيم النظر إلى الأفاق ، كان يبحث عن تلك الشقوق اللعينة التي سطرت أصعب اللحظات في الصيف والشتاء كان يريد أن يلمح وجبات السجناء وهي تعمل ، ما يزال الصرح يمكن أن يشاهده إبراهيم في المرآة الجانبية للعجلة وهو يبتعد شيئا فشيئا ، لحظات ليلمح وجبات السجناء على المرأى البعيد وهم يحفرون ، البعض يحمل معولا والبعض الأخر يحمل مسحات ، لم يشاهد ملامح وجوههم المتعبة جدا ، كانوا بعيدين جدا إلا انه لمح بدلاتهم الزرق تتماوج في الريح الباردة ، قال في نفسه ( تماما مثلما كنا نصنع قديما ).
    ــ من أين أنت ؟.
    أجابه إبراهيم وهو ينظر للسجناء وكان يهز رأسه تأسيا عليهم.
    ــ من بغداد.
    قالها دون أن يلتفت إليه ، كان يحاول أن يشخص السلاسل في أقدام السجناء عن بعد حيث ما يزال بإمكانه أن يرى بعضهم فوق الشقوق ،أما الذين يعملون داخل الشقوق فإنه يتعذر عليه رؤيتهم ، مد يده اليمنى بهدوء إلى قدمه حيث مكان السلاسل القديمة ، لم يصدق انه حر ، كانت العجلة دافئة جدا ، منذ أن تحركت شغل السائق التدفئة كما وفتح المسجل كانت أغنية ( تايبين ) ، كان يرى بدلات السجناء وهي تتحرك وكذلك الحرس الذي انتشر بعيدا عنهم تحسبا لكل طارىء ، أمامه عشرون ثانية فقط حتى تستدير العجلة في طريق التلال فيستحيل أن يرى السجناء بعد ذلك ، حاول أن يبتعد عن مناخ الأغنية ، ( غلطة مرت وأنتهت ، وشمعة العشرة انتهت ، والذنب هو ذنبكم ) قال السائق .
    ــ بغداد وكيف تصل إلى بغداد أيها المسكين هل أعطوك كتاب أو أي شيء يثبت انك عراقي ، وأنك كنت سجين هذا إذا كنت سجين طبعا ؟.
    ــ نعم أنا سجين وأعطوني كتاب.
    أخرج إبراهيم الكتاب إلى السائق ولكنه لم يبالي به قال ، بينما راح إبراهيم يطالعه في نفسه.
    ــ أحتفظ به أكثر من نفسك لأنك من غير هذا لا يمكن أن تسير أربع خطوات في أي مدينة.
    قال وهو يضع قنينة الخمر في فمه.
    ــ كم سنة قضيت هنا ؟.
    ــ عشرون سنة تقريبا.
    أندهش السائق إذ إنه لم يتفق أن رأى رجلا قد حبس عشرون عام، قال .
    ــ ماذا هل أنت مجنون أيعقل هذا ؟.
    لم يعلق إبراهيم بشيء، كان ينظر إلى الصحراء.
    ضحك السائق وهو يرجع قنينة الخمر إلى مكانها خلف كرسيه ، قال بصوت خافت جدا.
    ــ عشرون عام يا للجنون ، عشرون عام شيء لا يصدق.
    يتبع إنشاء الله.....
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  6. #21
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    اخي الكريم لما لا تضع الاجزاء في موضوع واحد ؟؟ تحت هذا الرابط الذي تم دمج الأجزاء السابقة به http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=28889

    جزيت خيرا
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  7. #22
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي اضافة حلقات متبقيه

    الاخت العزيزه منازار مع التحيه

    ارجو منك دمج الحلقات المتبقيه الى الحلقه 24 لاني والله مشغول في نشر الروايه في مواقع اخرى

    علما قد انزلت الحلقات من 18 الى ال 24 في قسم الحوار العام تستطيعين جلبها ودمجها وانا اخولك بهذا

    مع الشكر والاحترام

    اخوكم بـــــــــــــــــــــــــلادي
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  8. #23
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    الدولة
    000
    المشاركات
    1,930

    افتراضي

    الاخ بلادي تحية وإحترام

    إسمح لي أن أستفسر عن العنوان الذي إخترته لكل هذه القضية

    إضحوكة العالم المثالي ؟ !!!!!!!

    العالم ؟ أي عالم ؟

    من هو المثالي ؟

    هل البعثية كانت مثالية؟

    قد يكون إستخدموا كل الالقاب ولكن لم اسمعها من قبل بأن البعث كان مثالي بماذا بسواد وجوهم وعارهم وجرائمهم

    ليتك إخترت عنوان أكثر وصفا وجذبأ للقراء خصوصأ إنها مطولة جدا تحتاج الى مقدمة تعكس صورة مختصرة وتكون دعوة لجذب القارئ

    إتمنى لك الموفقية وأوعدك بقراءتها بالوقت المناسب

    أرجوا إرسالها إلى الدكتور صاحب الحكيم موقعه موجود على الكيكول، وشكرا

  9. #24
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي اضحوكة العالم المثالي

    الاخ حسان المحترم
    اشكرك على انتباهك لموضوع
    ان كلمة المثالي ليست بالضروره انت تكون كلمه تنفع صاحبها
    بل المثاليه .... انه الانسان مثل الانسان وليست بالضروره ان تعرفها بالرقي
    اي بمعنى اخر البعت كالحزب القواد ونيرون الذي احرق روما اشرف من صدام
    ولكن هنا تأتي المثاليه ..... شخص اعتبر كل الذين من حوله والموالين الى صدام انهم اوفياء
    لذلك اعتبرهم في وقت ما بالمثاليين حالهم حال صدام ............ هذه تعريف المثاليه في نظر صاحب الروايه
    مع الشكر ...... سلامي
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  10. #25
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي/ رواية - ح25 و 26

    أضحوكة العالم المثالي/ رواية - ح25
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    الفصل الثاني .....
    ـ 26 ـ
    صاح العجوز بعد تأكد أن ديكه سينتصر.
    ــ ألم اقل لكم سأفوز ، انظروا إلى هذا الديك المسكين الذي أوشك على أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
    ورد عليه ذو السن المكسور، رد عليه بصوت فظ ، كان يرتدي دشداشة رصاصية متسخة جدا وسترة زرقاء هي الأخرى كانت متسخة وممزقة أيضا.
    ــ هو مريض ألم اقل لكم انه مريض.
    وضحكت المجموعة التي تحيط النزال وكان ديك العجوز قد قطع شوطا في الانتصار ولم يبقى أمامه إلا لحظات لكي يهرب ديك ذو السن المكسور أو يموت وهو في الحالتين يعد خاسرا، صرخ للمرة السابعة.
    ــ هو مريض والله لو لم يكن مريض لقطع هذا الديك الجبان إربا إربا.
    وارتعشت يداه واهتز رأسه ورقص جسمه غاضبا وكأنه مهرج لا يجيد التهريج ، صاح مرة أخرى.
    ــ سأنهي النزال إنه مريض.
    قال متعهد نزالات الديكة اللارية ، وكان رجل عجوز منتفخ الأوداج قصير القامة وله بطن واسعة جدا ، عيناه بارزتان ويدخن بشراهة وكان يجري النزال قرب دكانه ويبع فيه مواد منزلية ، قال.
    ــ لا، إذا أردت انسحب وعندها أنت محكوم عليك في الرهان لأنك خسرت.
    ــ إنا لم أخسر الديك مريض إنه يرتعش، انظر إليه إنه مريض.
    ــ لا أنت خسران.
    ومد يده التي ترتعش ، لم تكن ترتعش من البرد وإنما من الحبوب المنومة ، صاحوا به ، لم يصغي ، اعترف إنه خاسرا ، كان لا بد عليه أن يصنع ذلك ، لو بقى لحظات كان ديكه في إعداد الموتى ، ضحكوا ، كل الواقفين المتيبسين على ذلك النزال ومنتظرين الذي يليه راحوا يضحكون على ذو السن المكسور والذي مضى مسرعا يحمل الديك المحتضر ليتوارى خلف البائعين.
    في هذه الأثناء راح احد الأطفال يقترب بدقة من بائع الخبز ، الخبز الذي يصنع في البيوت وعادة ما تصنعه الأرامل وليس الخبز الذي يصنع في الأفران ، كان يمشي على أطراف أصابعه كي يسرق رغيف خبز أو رغيفين وكان البائع قد وضع الخبز في سلة صنعت من غصون أشجار العنب ، وضعها أول مرة على يمينه إذ أن المكان كان لا يسمح أن يضعها أمامه ، كان مكتظا جدا ، وحتى حينما وضعها على يمينه لم يدم ذلك طويلا إذ ركلها احد الذين جاءوا للنظر مما اضطره أن يرفعها ويضعها على رأسه ، كان بائع الخبز صبيا أيضا ولم يكن شابا ولو كان شابا لما سمح لذلك العجوز والذي كانت تفوح منه رائحة سجائر اللف ، لما سمح له أن يركل السلة بقدمه ، قال له الصبي.
    ــ حجي ...حجي هذا مكاني أنا قبلك هنا.
    ــ أخرس ، لا تتكلم اذهب ، هيا أذهب لكي تبيع.
    ودفعة بقوة ليخرجه من ذلك الزحام ، الذي يخرج لا يستطيع أن يعود ، أبدا لا يستطيع أن يعود ، ربما يستطيع أن ينظر من بعيد إلى الزحمة إلا انه لا يستطيع أن يعود أو يرى الديكة وهي تقطع بعضها ، أحس الصبي إي بائع الخبز بخيبة أمل كبيرة إذ أن مكانه أخذه احدهم وقال في نفسه وهو يبتعد ( لو سكتُ لكان ذلك أفضل ) ، سار إلى الخلف عدة خطوات كان ينظر بها إلى الزحمة وهو يبتعد ، كان يرغب أن يظل أطول مدة ، ألتفت إلى الوراء كان يريد أن يرى الزحمة فرأى ذلك الطفل ذو الثياب الممزقة يقترب على أطراف أصابعه كان قريبا منه ولكن لم يلاحظه أو ربما لاحظه وشعر إنه لم يكن يقترب نحوه ، كان جل تفكيره في ذلك العجوز الذي سلبه مكانه والنظر إلى الصراع الجديد ، قال في نفسه ( الله كم أكره ذلك العجوز الجبان) ، جلس تحت الصورة الكبيرة للسيد الرئيس ، الصورة التي تتوسط السوق وليست الصورة التي تتوسط الميدان القديم ، لم يسرق منه ذلك الطفل أي شيء إذ إن رجلا لمحه وهو يهم بمد يده إلى السلة فصفعه على رقبته من ورائه فولى هاربا ولم يشعر بائع الخبز بما فعله ذلك الرجل ولو شعر لقال له ( أشكرك كثيرا ) ،إلا أن ذلك الرجل قال له بصوت خافت جدا ( انتبه لحاجياتك ) وبالكاد سمعه الصبي ولم يعلق على شيء ، جلس إلى جنب الصبيان الذين جلسوا على المدرج الصغير الأصفر اللون والذي تربعت عليه الصورة الكبيرة للرئيس والتي كان بها يلبس زي جنوبي ويمسك فنجان قهوة متكأ على وسادة بدوية حمراء موشحة بالسواد وضعها في حضنه ، صاح به وبالجالسين احد الشرطة المنتشرين هناك.
    ــ أنتم أيها الأطفال لا تتبولوا هنا ولا تتغوطوا ، مفهوم.
    ــ لا يا سيدي نريد أن نسترح فقط.
    كان منهم بائع الكعك ومنهم بائع الكرزات ومنهم الشحاذ ، لم يكن شحاذا واحدا جالسا بل كانوا أربعة ، كلهم لم يتجاوز أعمارهم التسعة أعوام وكان منهم بائع الصور ، صور بعض الممثلات والممثلين وبعض المغنين وبعض الرياضيين العالميين ، إضافة إلى بائع الخبز.
    ــ إذا اعطني رغيف أيها الصغير ، بكم تبيع الرغيف ؟،
    ــ خمسون فلس .
    ــ لا يوجد فيه نخالة أو معجون بالتراب؟ ، كل المخابز تغش اليوم.
    ــ لا هذا نحن نطحنه ونخبزه في البيت.
    ــ جيد اعطني واحدة .. بكم قلت ؟.
    ــ خمسون فلسا.
    إلا أن الشرطي لم يدفع له ولم يطلب منه الصبي النقود لأنه يعرف عواقب ذلك فلو طلب منه الخمسون فلس (على اقل تقدير) سوف لن يجعله يستريح على مدرجات صورة الرئيس الستة لأنه هو من يحرسها بل على العكس قال له مجاملة ، هل تريد أخرى ، وكان في قلبه لا يتمنى ذلك.
    ــ شكرا ولكن تذكر أن لو وجدت غائطا سأمنعكم تجلسون تحت صورة السيد الرئيس وسوف أخذكم إلى المركز .
    ذهب الشرطي يأكل في الرغيف ، بينما راح الأطفال يتغامزون بينهم وهم يضحكون عليه إذ إنهم كانوا يرون كيف أن بنطلونه قد انفتح قليلا من الخلف وبان سرواله الأبيض ، قال احدهم.
    ــ ما أغباه انظر إلى سرواله كيف متسخ.
    وقال بائع الخبز.
    ــ وما أكبر كرشه.
    واخذ يقلد صوته الأخر وكان صوت الشرطي ضخم أبح.
    ــ كل المخابز تغش اليوم.
    وضحكوا ، ضحكوا بصوت عال ، ولم يسمعهم الشرطي لأنه ذهب إلى بائع الدهين كي يأخذ قطعة ويأكلها مع ما تبقى من الرغيف والذي راح يتناوله وهو يسير ، وهبت ريح شديدة ، شديدة جدا وباردة جدا حملت معها أغصان وأوراق الكالبتوز من الشارع المقابل ، أوراق صفراء وخضراء باهته ، وبقايا كارتون وأوراق ، وأكياس نفايات ، حمراء ،سوداء ، بيضاء، وبقايا صحف قديمة ، وأرتعش الصبي من تلك الريح ، صك أسنانه واهتز كتفيه وفخذية دون أرادته وكأنه عصفور صغير يرتعش ، فكر أن يكون في الجهة الأخرى للصورة حيث يمنع جدار الصورة الريح ، مد رقبته لم يرى أي شيء ، ولو نهض لوجد بعض الشيبة قد جلسوا وهم يطردون كل من يضايقهم في الجلوس ، قال له احدهم وكان من الشحاذين .
    ــ لماذا لا تشتري قمصلة؟ ، ستمرض إذا بقيت هكذا.
    قال الصبي ببرود.
    ــ أمي قالت لي سأشتري لك قمصلة ، أنا أحب اللون الأسود سأشتري قمصلة سوداء .
    وأخذه السعال ، كان صوته يشبه إلى حد بعيد الشيبة حينما يأخذهم السعال وهم في الجانب الأخر من الصورة، كان يحاول أن يتكلم وهو في تلك الحالة ، كان لا يعرف أن ذلك مضرا وعليه أن يهدأ قليلا ، قال الصبي الذي كلمه أول مرة.
    ــ أنا ألبس هذه القمصلة العسكرية ، إنها دافئة جدا .
    قال له بعد أن هدأ من السعال وقد تقيء قليلا.
    ــ رأيت أحد الشرطة يأخذ قمصلة عسكرية من بائع البرتقال ويقول له إن هذه ممنوعة ، هذه ملابس جيشنا الباسل.
    ضحك الصبي وجامله بائع الخبز قال وهو لا يزال يضحك.
    ــ لا.. سأمر على ذلك الشرطي الذي يتحرش ببائعة المكانس تلك وسوف لا يتكلم معي ،انظر إلي.
    نهض الصبي بينما جلس إبراهيم رشاد في مكانه ، نظر إليه وكان الصبي لا يزال يرتعش إذ لا زالت الرياح شديدة ولازالت باردة جدا ، وكان إبراهيم قد نزل قبل قليل من الشاحنة في الجانب الأخر من الطريق والذي خصص للعربات وقد منعوا أي بائع يقف فيه ، قال له السائق وهو ينزل .
    ــ هذه النجف ، النجف الأشرف ، مأوى رجال الدين ومحط أنظار الحكومة نم هنا وتمتع بالزيارة وغدا عليك أن تذهب مع الصباح إلى بغداد وإياك أن تضيع الكتاب الرسمي ، أنا سأذهب إلى أهلي في بابل .
    وأعطاه بعض النقود ولم يمانع إبراهيم كثيرا في أخذها ، راح الصبي يقترب من الشرطي أكثر فأكثر حتى وصل إليه وأصبح جنبه وقد رفع يده يولوح بها إلى بائع الخبز والذي رفع هو الأخر يده اليمنى تماما كما يفعل الجنود المنتصرون ، والشرطي لم ينتبه إلى ذلك كله ، كان منشغل يغازل بائعة المكانس والتي فرشت عباءة سوداء ممزقة وضعت عليها مجموعة من المكانس المنزلية المصنوعة من سعف النخيل والجريد وكانت الفتاة ذات العشرين ربيعا سمراء اللون وقد ارتدت عباءة سوداء وكانت تمتعض من ذلك الشرطي لكنها كانت تخشى أن يطردها من المكان فتجامله بابتسامة فقط وهو يريد غير ذلك ، نعم يريد غير ذلك ، قال له إبراهيم.
    ــ تشعر بالبرد أليس كذلك؟.
    التفت الصبي إلى إبراهيم ، وتفاجأ من جلوسه إذ إنه لم يشعر به إلا حينما كلمه ، تبسم ، لم يعلق بشيء ، قال في نفسه ( ينبغي على الشيبة ان يجلسوا في الجانب الأخر وليس هنا إنه مكاننا ).
    ــ لماذا لا ترتدي ملابس أكثر ، قمصلة أو سترة مثلا؟.
    لا يزال الصبي يرتعش ويظهر حركات بريئة وكأنه يريد أن يقول أنه لا يهمه البرد ، قال بعد أن كرر علي إبراهيم كلماته.
    ــ سوف اشتري ، احتاج إلى شهريين من العمل المتواصل ، أمي قالت ذلك ، قالت عليك أن تعمل لشهريين حتى تشتري قمصلة وهي ستعينني على ذلك.
    ــ ماذا يعمل والدك ؟.
    صمت الصبي ، حرك رأسه وفرك كفيه وأخذ يرتب الرغيف ، كان يريد أن يبتعد عن الجواب ، قال له إبراهيم .
    ــ بكم الرغيف؟.
    ــ خمسون فلسا.
    تبسم إبراهيم، قال له.
    ــ جيد أنا أريد واحدا ولكن بشرط أن تقلي ماذا يعمل والدك؟.
    ــ وماذا يهمك ؟.
    ــ أريد أن اعرف لماذا لا يشتري لك قمصلة ولماذا يدعك تعمل ، أنت صغير على العمل ، ثم في أي صف أنت؟.
    ــ الثالث ابتدائي ، كنت في مدرسة فارس الأمة وتركت المدرسة .
    ــ لماذا ؟.
    ــ لكي أعين أمي على الحياة.
    ــ أنت.. وبهذا العمر ووالدك ماذا يعمل ؟.
    ألتفت الصبي مرة أخرى ، نظر في وجه إبراهيم ، أحس أنه ليس من رجال الحكومة ، إذ أن الصبيان هنا يعرفون رجال الحكومة من سيماهم ، كانت عيني إبراهيم غائرتان جدا ووجه مصفر وعلى خديه أثار لبقع صغيرة سوداء ، ولحيته قصيرة لكنها كانت بيضاء تماما ، ومع إنه يرتدي بذلة سوداء إلا أن الصبي شعر انه ليس من رجال الحكومة، قال.
    ــ أخذه الجيش وهو وأعمامي الثلاثة.
    قال إبراهيم مستغربا.
    ــ الجيش ولماذا ؟.
    ــ يقولون إنهم شاركوا في الغوغاء.
    راح ينظر إبراهيم إلى الباعة ، كانوا يجمعون حاجياتهم بعد أن لاحت لهم غيوم كثيفة وسوداء من الشمال وقد سبقتها ريح باردة جدا ، قال.
    ــ ومتى كان ذلك ؟.
    أجابه الصبي بحرقة.
    ــ أقول لك الغوغاء وتقول متى كان ذلك ، أخذوهم في الغوغاء، الغوغاء يا سيدي.
    يتبع إنشاء الله.....
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أضحوكة العالم المثالي/ رواية - ح26
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    أحس إبراهيم إنه لا يستوعب هذه المفردات ولاسيما أن هذا الصبي هو أول شخص يتكلم معه بعد السائق ، قال في نفسه ( ينبغي أن أدرك أنني كنت في إعداد الموتى وأن الله أحياني الآن ، علي أن استوعب هذا ولا أتعجل الكلمات) تبسم وقال.
    ــ اعطني رغيف.
    ثم سأله بعد أن أعطاه النقود.
    ــ إذا أردت الزيارة فأي الطرق اسلك ؟.
    ــ من هناك تعال معي ، هل أنت غريب ؟.
    نهض الاثنان بينما هدأت الريح قليلا ، أما السماء فراحت ترسل قطراتها الأولى، قال له إبراهيم.
    ــ نعم أنا غريب أريد الزيارة ثم غدا سأذهب إلى أهلي إنني من بغداد كنت في مكان بعيد مدة طويلة والآن جئت وقد تغيرت المدينة كثيرا كنت أخر مرة زرتها قي عام سبعين.
    ــ إذا عليك أن تسرع قبل الظلام.
    ــ ولماذا ؟.
    ــ في الليل ممنوع التجول ، لا يسير في الليل إلا الجيش من يجدوه يأخذوه إلى الأمن .
    هز إبراهيم رأسه، قال له الصبي .
    ــ هذا الطريق سيرميك على الميدان حينها سترى صورة للرئيس كبيرة جدا ، اكبر من هذه بكثير ، لكن لا أحد يجلس تحتها لأنه لا توجد مدرجات بها ، على يسارها يقع السوق الكبير ومن خلال السوق الكبير سترى مرقد الإمام علي ولكن عليك أن تسرع.
    ــ نعم اعرف إن المرقد بهذا الاتجاه ، لقد شاهدت القبة من بعيد.
    ـ 27 ـ
    حينما يأتي أليل تغرق المدينة ، كل المدينة بظلام دامس ، وصمت موحش ، لا يوجد هنالك احد يمكن له أن يسير إلا الجنود موزعين على شكل مجاميع وهم يجوبون المدينة طولا وعرضا حاملين مصابيح يدوية إضافة إلى أسلحتهم الشخصية ، قبل نصف ساعة أي قبل المغيب بدقائق كان أخر محل قد غلق أبوابه بعد أن حسب ما له وما عليه ، إبراهيم كان قد دخل إلى فندق قريب من الروضة الحيدرية المطهرة، قال له صاحب الفندق الرجل العجوز والذي يتكأ على عصا حينما يسير ، كان ذلك قبل المغيب بنصف ساعة، قال له.
    ــ أنا سأجعلك تبات على ضوء هذا الكتاب فإذا جاء أمن الفنادق وطلبوا رؤيتك هل تمانع؟.
    قال له إبراهيم.
    ــ لا طبعا لا توجد ممانعة أنا خرجت بعفو ولم أهرب.
    كانت الغرفة لنفرين وكان فيها سريرين صنعا من الخشب المحلي من دون إتقان وكان السرير يتراقص كلما حرك إبراهيم جسده وتصور إن السرير الأخر أحسن حالا فتحول بسرعة خشية أن يأتي أحد فينام عليه ولكن وجده أسوء حالاً من السرير الأول ، تبسم ورجع إلى سريره الذي إستلقى عليه أول مرة وكان عليه شرشف برتقالي اللون يغطي الفراش الذي لم تره الشمس منذ أول الصيف المنصرم ، فكر كثيرا في خديجة ، راح يحسب كم بقى من الساعات حتى يلتقي بخديجة وأبنته سحر ، أخذ يحسب إلا أنه تذكر سحر ، هز رأسه بحزن وتقلب على السرير فأصدر السرير صوتا ، هذه المرة الرابعة التي يحسب بها الساعات فيضيع حسابه ، حاول أن يتصور شكل سحر وهي في عقد العشرينات لم يستطع لقد نسى شكلها تماما بل حتى خديجة ما عاد يذكر من ملامحها إلا القليل ، ضحك قال في نفسه ( لقد مر على ذلك واحد وعشرون عام ) ، صمت ثم سرعان ما أردف ولكن ليس في نفسه ، تكلم بصوت يمكن أن يسمع ولكن لا أحد هناك ليسمعه، قال ( لو رأيت خديجة تمشي الآن في الشارع لما عرفتها ، أه ، لقد نسيت كل شيء) رجع يتقلب والسرير يصدر ذلك الصوت وما زال يحسب كم بقى من الساعات قال في نفسه ( طريق بغداد ثلاث ساعات سأجلس مبكرا وما إن تشرق الشمس حتى اذهب ، يا ترى كم بقى على الصباح ، ليس لدي ساعة ، وحتى لو كانت هناك ساعة كيف لي أن أراها لماذا لا يضع صاحب الفندق فانوس على اقل تقدير، هل هو ممنوع أيضا ) حرك البطانية على رأسه كانت تفوح منها رائحة العفونة ، رائحة لشيء ما ، لم ينتبه إليه إبراهيم ، ما زال يحسب كم بقى من الساعات ، قال في نفسه ( في الساعة العاشرة سأصل بغداد وعند الحادية عشر صباحا سألتقي بزوجتي وابنتي سحر ، كيف سأتحمل تلك اللحظة) أحس انه يريد أن يتبول قال ( لأترك ذلك إلى الصباح ، لم يبقى على الصباح شيء ) تذكر سائق الشاحنة ، ضحك ، ومع إن الغرفة كانت مظلمة تماما إلا إن إبراهيم كان يغمض عينيه بشدة ، ثمة ضوء كان يبرق في نفسه ، كان يريد أن يتخلص منه ، جلس على السرير كان لا يستطع أن ينام ، لا يستطع أبدا ، تمشى ، خطوتان ، خطوتان فقط ، وقد مد يديه إلى الأمام مثلما يصنع الضرير حينما لا يجد من يعينه وليس لديه عصى ، أراد أن يصل إلى الشباك كان يعرف أين يقع ، كان ينبعث منه نسيم بارد ذلك بسبب أن أحد نوافذه كانت من غير زجاج ، وصل إليه أخيرا ولم يعثر بأي شيء لأنه لا يوجد شيء يتعثر به ، لم تكن هنالك ستارة لكي يزيحها ، كما وان أرضية الغرفة عارية تماما وكأنها زنزانات الصرح حينما يدخلها السجين أول مرة أي قبل أن يؤتى إليه ببطانية تفوح منها رائحة الموت ، رائحة الأقدار المخيفة جدا ، فتح الشباك ، لا يوجد أي ضوء لا من قريب ولا من بعيد وكأنه لا توجد مدينة هناك إلا الحرس حينما يمرون تحت الفندق يمكن أن تراهم من خلال ما يحملون من مصابيح يدوية لا بأس بها فهي تنير لعدة أمتار ، أصوات الكلاب البعيدة أي التي في المقبرة يمكن أن تسمع وكذلك صيحات الحرس على بعضهم أيضا يمكن أن تسمع وهناك إطلاقات نار بين لحظة وأخرى ، هذا كل ما يمكن أن يسمع أو يرى في المدينة ليلاً ، تنفس بعمق أربع مرات ، كان النسيم باردا ، أحس به ، أحس أنه يدخل إلى أشلائه ، كانت السماء تمطر ولم يشعر إبراهيم بذلك حينما كان جالسا على السرير ، إذ كان المطر ضعيف جدا ولكنه حينما وقف أمام الشباك أحس بذلك ، مد يده اليمنى ، ثم اليسرى ، كان يريد أن تفيض من المطر ، شرب بعض القطرات التي تجمعت فيهما ، ومررها على وجهه ولحيته ، حينما كانوا في الصرح كانوا يسمعون صوت المطر ، يسمعونه فقط ، وهو يصطدم في الأرض ، يسمعونه من خلال الكوة ذات الشرك ، كانوا يتمنون أن يخرجوا ليروا المطر، ليروا السماء ليلا لقد كانوا في شوق لرؤية النجوم وبعض الشهب وهي تخر ساقطة ، رجع إلى فراشه ، حاول أن ينام ، ذكريات الصرح تنتزع منه الهجوع ، كان لا يعرف كيف يطرد الأفكار والذكريات قال ( يا ترى هل ستعرفني خديجة ) تبسم وأغمض عينيه ، وقبل أن يصدر شخيره طرق صاحب الفندق باب الغرفة الخشبية ، لم يكن مقفلا ، وكان ينوي أن يدخل دون استئذان إلا أن الرجلين الأمنيين هما اللذان قالا له اطرق الباب ، كان إبراهيم يرى من خلال الثقوب الصغيرة المتشرة في الباب الخشبي ثمة ضوء قرب الباب ، طرقه صاحب الفندق بقوة ليكسب رضا الرجلين ، هكذا كان يظن في نفسه ذلك الشاب ، جلس إبراهيم ، قال.
    ــ تفضل.
    دخل الرجلان ومن ورائهم حارس الفندق والذي لم يره إبراهيم إلا الآن ، قال له حارس الفندق ألليلي.
    ــ هؤلاء من امن الفنادق يريدون أن يستفسروا منك ، قلت لهم انك كنت سجين في الأمن فأرادوا رؤيتك.
    كان حارس الفندق شابا وكان يحمل فانوسا أما الرجلان فكان يحملان مصباحين يدويين إضافة إلى سجل حمله احدهم ، قال الرجل الذي يحمل السجل وكان يرتدي بذلة وقمصلة عسكرية وأكبر سنا من الأخر والذي كانت بذلته مدنية ذات لون رصاصي.
    ــ أين أوراقك الثبوتية ؟.
    ــ نعم سيدي.
    مد إبراهيم يده إلى السترة والتي علقها في بسمار كان موضوعا لهذا الغرض في الجدار ، الجدار الذي ألصقوا عليه أنواع من الصحف المحلية والأجنبية وليس الجدار العاري من كل شيء ، كانت كل الصحف الملصقة لا تحمل أي صورة للرئيس ولكن معظمها كان يحمل صور لممثلات ورياضيين ، ويبدو أن الذي فرشها على الجداران بشكل أو بأخر رجل لا يجيد ذلك العمل وليس لديه ذوق فني إذ علقها بشكل اعتباطي ، أخرج الكتاب ، دفعه إليهم وراحا يطالعانه راح احدهم يوجه المصباح على الكتاب بينما راح الأخر يوجه مصباحه على إبراهيم الذي كان لا يستطع أن ينظر إليهما بسبب نور المصباح ، تبسما ، قال احدهم بينما سكنت نفس إبراهيم حينما لمح أحدهم يبتسم بعد أن تحرك صاحب البذلة الرصاصية عنه قليلا.
    ــ جيد هذا شيء رسمي ، أول مرة اقتنع بشيء يقدمه رجل يبات في فندق ، سنأخذه معنا وأنت بت ليلتك ولا تخف في الصباح ستجده عند صاحب الفندق ، نأسف على الإزعاج ، في أمان الله.
    ذهبا وكان قد خرج معهما الحارس الليلي إلا إنه سرعان ما رجع قال لإبراهيم.
    ــ هل تريد الذهاب إلى المرافق قبل أن نقفل الغرف ؟.
    ــ وهل تقفلون الغرف ؟.
    ـــ نعم كل يوم ، هذه تعليمات الأمن.
    والحقيقة ليست هذه تعليمات صاحب الفندق ، لم يكن صاحب الفندق يقفل الأبواب ليلا كل يوم ولكن الرجل الأمني المسن هو الذي همس في أذن صاحب الفندق ، قال له.
    ــ أقفل الباب عليه حتى الصباح لنتأكد منه.
    قال إبراهيم.
    ــ طيب دعني اذهب إلى المرحاض مادام عندك فانوس.
    خرج متوجها إلى المرحاض، كان يسير خلف صاحب الفندق ، أراد أن يسأله عن الساعة بعد أن نظر إلى ساعة في يده بينما ذهبا الرجلان الأمنيان إلى الخارج و كانت أقدامهم تصدر صوتا وهما ينزلان على السلم وكان الصوت يدل على أنهما كانا مسرعان جدا هكذا شعر إبراهيم، إلا إنه تذكر الكتاب قال .
    ــ أرجو أن تحتفظ بالكتاب إذا دفعوه لك إنه مهم بالنسبة لي.
    ثم سأله عن الساعة.
    ــ العاشرة.
    سمع وهو بالمرحاض جعير عجلة وكأنها كانت واقفة تحت الفندق ثم سرعان ما راحت تبتعد شيئا فشيئا ، أحس بشيء من الخوف والبرد ، قال في نفسه ( لماذا الخوف لست هاربا كما وإن ذلك الرجل قال جيد هذا شيء رسمي ، أول مرة اقتنع بشيء يقدمه رجل يبات في فندق ) لم يرى إبراهيم وجهيهما بوضوح أي إنه لو التقى بهما بعد لحظات في الشارع لما عرفهم ذلك لأن أحدهم كان يضع المصباح في وجه إبراهيم ماداموا هم في الغرفة.
    يتبع إنشاء الله.....
    .....
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  11. #26
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي/ رواية - ح27

    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    جلس إبراهيم مبكرا ، لم ينم طويلا ، ظل طوال الليل يفكر في صباح غد ، حتى انه تخيل نوع العجلة التي ستأخذه إلى بغداد ، وتصور كيف أن سحر سوف لا تعرفه فتستحي أن تجلس قربه ثم حول تفكيره إلى شهادة سحر الجامعية ، وكان دوما يفكر في هذا الأمر يوم كان في الصرح وكان يتمنى أن تكون طبيبة ، كان يدعوا الله تعالى أن يوفقها لذلك وان تحصل على زوج ليس من رجال الحكومة لأنه كان يقول في نفسه حينما كان هناك ( كل من لم يكن مع هذه الحكومة فهو جيد وينبغي أن نحسن الظن به ) كما وفكر مليا في حديث سائق الشاحنة حول حروب الرئيس الكثيرة والطويلة مع إيران وغزوه الكويت بشكل لم يسبق له مثيل منذ بشاعة الحرب العالمية الأولى ، وجره تفكيره وهو يتقلب على ذلك السرير وتحت وطأة ذلك الصوت الذي لم يؤثر بأي شكل من الأشكال على تفكير ، جره إلى موت خديجة وضياع سحر في زحمة الصواريخ التي رميت على بغداد سواء التي ألقاها الإيرانيون أو التي ألقاها الحلفاء يوم جاءوا لتحرير الكويت بمئة ألف مقاتل من مختلف الجنسيات من قبضة السيد الرئيس حيث ضربوا البلاد بقسوة ومن غير تركيز حسبما كان يصف سائق الشاحنة الذي بدا متعاطف جدا مع السيد الرئيس حيث كان يقول ( إن الله هو الذي سلم السيد الرئيس من أيادي الأعداء والأمريكان الذين لا شغل لهم غير خيرات العراق ) والحقيقة أن الحلفاء لم يأتوا بمئة ألف بل جاءوا بنصف مليون جندي أمريكي وبريطاني وفرنسي وعربي وكان إبراهيم يجامله في ذلك وكان يقول له ( هذا هو ديدن الاستعمار ، إنه يكره الشعوب التي تلتف حول قائدها ) وكان قد أتقن هذا الحديث من تلك التمثيليات الكثيرة والتي كانوا يفعلونها يوم كانوا في الصرح حيث يمثل سجينا دور الرئيس وأخر دور النائب الذي يشاع هنا وهناك انه لا وجود له سوى كونه دمية نحيفة جدا تتوجه دوما إلى المناطق التي لا يرغب السيد الرئيس في زيارتها وكانوا يتسلون بذلك ويضحكون ، وكان إبراهيم إذا وقع عليه دور السيد الرئيس يتكلم بتلك الكلمات ويزيد عليها قليلا كأن يقول ( إننا مكلفون في صناعة التأريخ إذا فلنصنعه ولكن ليس وفق أهواءنا ورغباتنا الذاتية بل وفق طموحات شعبنا ، لا تنسوا أيها الرفاق الأعزاء إن لديكم شعب حر وأبي ويمكنكم أن تصنعوا التاريخ من خلاله ) وهنا يصفق الرفاق الذين هم السجناء طبعا ليهتفوا للسيد الرئيس يا يعيش يا يعيش والذي يحي الشعب بيده ، ثم تذكر شمران ، هز رأسه محاولة منه ليبعد ذلك ، لكنه وجد نفسه يغرق في وحل السيد خليفة ، تذكر نفاضة السجائر البشرية وكيف كانوا يخرجونه دون أي سبب ، نعم دون أي سبب فقط لأن الحرس يريد ذلك، يريد أن يتسلى بتلك الأجساد التي لا يوجد أحد يسأل عنها ، تذكر أيضا كيف أن ذلك الجندي أصر على أن يطفأ سيجارته في عينه وكان مقيدا من يديه ومن قدميه ومربوطا على شباك في الممر المؤدي إلى القيادة لولا ممانعة صاحبه الذي رفض أن يطفأ السيجار في عينيه ، وكان يومها عاري ، عاري تماما ، تقلب ، وظل يتقلب ، جلس ثم سرعان ما رمى نفسه على السرير فكر في تلك الأفواج الكثيرة من الجند و التي غطت الصحراء طولا وعرضا وفي تلك الدبابات والمدافع المحترقة وعجلات نقل الجنود المتفحمة والتي وظلت تساير إبراهيم حتى اختفت في الأفق البعيد ، قال في نفسه ( ربما هي بسبب تلك الحرب التي أرجع الحلفاء بها الكويت ، كنت أخشى من سائق الشاحنة ، أنا متأكد أنه رجل يعمل في الأجهزة السرية ولولا ذلك الظن لسألته عن كثير من الأشياء ) ثم أعاد إلى ذهنه تلك الصور الكثيرة للسيد الرئيس ، كانت تتوسط كل مكان ، نعم كل مكان ، كل مدخل ومخرج لأي مدينة هناك صورة جدارية عظيمة للسيد الرئيس ، اقتربت عيناه من النوم وقبل أن يصدر شخيره تسللت إليه كلمات الصبي بائع الخبز وحاول أن يجد أي معنى للغوغاء ، الغوغاء التي شارك فيها أبوه وأعمامه الثلاثة فأخذهم الجيش ، وتسأل في نفسه وهو يتقلب تحت البطانية المتخمة برائح الأسابيع الماضية ( أي من الجيوش يا ترى) ، هكذا كان يتسأل مع نفسه لكنه لم يستطع أن يتوصل إلى جواب مقنع ذلك لأن سائق الشاحنة لم يقل له إن الشعب في الجنوب والوسط والشمال خرج منتفضا على السيد الرئيس بعد أن قال الرئيس الأمريكي بوش ( على الشعب العراقي أن يثور ليتخلص من قيادته وإنني سأبدي المساعدة لتلك الثورة لو حدثت وأمد يد العون لها ) وكان بعض الجنود ممن رجع من الكويت منسحبا بشكل مخزي وهم بكامل عدتهم الحربية وقد افلتوا بمعجز من تلك الصواريخ والإطلاقات التي كانت لا تفرق بين من يحمل قماشة بيضاء دلالة على الاستسلام وبين من يقاتل بجد ، حينما رجعوا ودخلوا البصرة ورمقوا صورة الرئيس وهم في حالة مزرية إذ إن أصدقائهم قتلوا جميعا ففي الأسابيع الأولى من المعركة الجوية سقط ما يقارب على مأتي ألف قتيل وفي الأسبوع الأول من عاصفة الصحراء وقع أربعة وعشرون ألف قتيل وسبعون ألف أسير هكذا كانت تتحدث وثائق الحكومة السرية ، عموما فحينما لاحت لهم صورة الرئيس المنهزم وجهوا إليها مدفع الدبابة وضربوها وكانت هذه الشرارة الأولى لاندلاع ثورة شعبان ضد حكومة السيد الرئيس ، لم يقل له ذلك أبدا ، كان يحدثه عن منجزات السيد الرئيس وكان يقول له أنه رحمة أرسلها الله للعراقيين، وإبراهيم يهز برأسه ، لقد أتقن كيف يقنع رجال الحكومة انه مقتنع بكلامهم ، لقد تعلم ذلك ، لم يكن هنالك معلم يعلمه لم يكن أي شيء هذا بل هي محنة الأعوام المنصرمة وتجربة الوقوف ساعات كاملة أمام رجال الكبار للصرح والذين كانوا يتسلون بإنهاء حياة العشرات من السجناء بإيماءة ، نعم بإيماءة وليست كلمة ، تصور إيماءة واحدة ، واحدة فقط تكون أرواح عشرة أو عشرين بل وحتى مئة وقد ودعت الدنيا ، إذن على الذين هناك أن يتقنوا ذلك ، يتقنوا كيف أنهم يتظاهرون بأنهم مقتنعين بكلام السادة الضباط عن منجزات السيد الرئيس ، هذا إذا أرادوا أن يعودوا إلى زنزاناتهم وهكذا حتى تأتي اللحظة التي لا ينفع معها تدليس في النظرات أو إظهار الانكسار أمام شمران أو خليفة.
    حينما أراد أن يفتح الباب وجده مقفلا ، هذه المرة الثالثة التي يحرك بها الباب فيجده مقفلا ، أول مرة حينما سمع الأذان ، أذان الفجر كان يصدر من الروضة الحيدرية المطهرة إذ يرقد فيها الأمام علي بن أبي طالب وصي الرسول والنبي أدم والنبي نوح ، ويقال إن مرقد النبي هود وصالح قريبا جدا عن تلك الروضة التي يؤمها ملايين من الناس للتبرك والتوسل لله ، نهض ليتوضأ وكان الظلام لا يزال مهيمنا على كل شيء ، طرق الباب ثلاث مرات كان يريد أن يتوضأ لكنه أستيأس من الجواب ، كان الشاب الذي جاء مع الرجلين الأمنيين يغط في نوم عميق ، تيمم وصلى ثم عاد إلى سريره يفكر ومثلما بدأ أمس في العجلة التي سوف تنقله إلى بغداد وأنه سيجلس في الجهة التي لا تكون بها شمس وقال ( إنها جهة السائق ذلك لأن بغداد تكون من هنا ) وأخذ يؤشر بيده نحو الشمال وهو لا يرى يده في الظلام ، اتكأ على الجدار فتحركت الصحيفة الملتصقة بالجدار من ورائه كانت تحمل صورا لرياضيين محليين ، وضع رأسه بين ركبتيه حتى الشروق ، حينها فتح الشباك لا زالت الباب مقفلة ، نظر إلى الشارع مبتلا تماما والنفايات تسبح بالماء وهناك بعض الرجال أخذوا ينسابون بهدوء في الشوارع يذهبون إلى أعمالهم ولا يوجد أي اثر للجنود ، لقد اختفوا مثلما تختفي الخفافيش حينما يدركها الصباح ، أحس بأن هناك من يدخل مفتاحا في الباب ، نهض إذ أنه كان جالسا على السرير ، ليس السرير الذي نام عليه بل الأخر، كان يطالع في صحيفة قديمة اقتلعت من الجدار فسقطت قرب السرير فتناولها وهو جالس ، رماها من يده وراح يفكر في أثار القصف الذي أثر بشكل كبير على القبة الذهبية للروضة المطهرة حيث يمكن مشاهدة الهدم الذي لحق بها بوضوح وكانت هذه المرة العاشرة التي يفكر فيها إبراهيم في القبة الذهبية وأثار قصفها من قبل الجيش بعد انتفاضة عام 1991 ، كانت الغرفة باردة ، باردة جدا ، إلا انه لم يشعر بذلك البرد الذي يشعر به الباعة في أول المدينة الآن ، فُتح الباب ، كان الذي فتحه شابا وسيما ، قال بلغة مؤدبة.
    ــ صباح الخير أستاذ.
    ــ صباح الخير إبني.
    ــ هل ارتحت سيدي في المبيت ؟ ونأسف إذا كانت هناك بعض المضايقة .
    ــ لا.. أشكركم.
    ــ الآن براحتك إذا أرت الحمام فمن هذه الجهة.
    يتبع إنشاء الله.....
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  12. #27
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي - رحلة الضحايا والمظلومين في عهد الطاغيه صدام - ح28

    أضحوكة العالم المثالي/ رواية - ح28
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    - الآن براحتك إذا أردت الحمام فمن هذه الجهة.
    كان الحمام متسخا جدا ، وكانت حاوية النفايات ممتلئة وهناك ما حولها من النفايات ما يملئها ثلاث مرات ، نظر إلى وجهه كانت المرآة متسخة أيضا ، بلل يديه مرة أخرى ومسحها ، لم يمسحها كلها ، بل على مقدار وجهه .
    حينما صعد في الشاحنة كان همه الأول أن يرى وجهه ، حينما رآه أول مرة تفاجأ كثيرا إذ لم يتصور أن وجهه سيكون هكذا ، كان متعب جدا ، نظر إلى أسنانه لم يبقى منها شيء يذكر إلا الأسنان الأمامية وهي على وشك أن تذهب كذلك وكانت عيناه غائرتان وكأنهما في واد سحيق ، تبسم ، كانت ابتسامة ساخرة ، ساخرة جدا ، نظر إلى البقع السوداء ، أثار سجائر الجنود وهي منتشرة كما ينتشر الزرع في الأرض الخصبة ، قال في نفسه ( إنها تداعيات الرحلة ، رحلة السنين الطويلة ) قال ذلك وهو يهز رأسه مستخفا بكل ما هو حوله ، بحث عن مشط يرتب فيه شعره ، أي مشط ، لكنه لم يجد فرتبه بيده ، كان شعر رأسه قصيرا جدا ولا يحتاج إلى أي مشط ، ولم يكن الشاب الوسيم الذي فتح باب الغرفة وقال صباح الخير موجودا ليطلب منه ذلك ، ولم يكن أحدا في الفندق سوى ثلاث رجال وامرأتين كانوا قد جلبوا ابنا لهم مات في حادث سير ودفنوه عصرا ولما لم يستطيعوا العودة لأنهم من البصرة باتوا في هذا الفندق وكان إبراهيم يسمع أنين أمه طوال الليل وتذكر فصلى له الوحشة ،في الصباح سمع أنين أمه أيضا ورآها وهي تمشي وتأن قالت لما رأت إبراهيم ( إنه الوحيد ولم يتزوج بعد أدعو له أيها الشيخ) ، كانت بدينة جدا وفكر إبراهيم وهو يخرج من الحمام كيف صعدت السلم العمودي.
    دخل إلى غرفة صاحب الفندق ، كانت الغرفة على اليسار حينما تصعد على السلم وهي لا تشبه غرف النوم بل كانت صغيرة وفيها وضع العجوز مكتبا حديديا صغيرا جدا وعليه وضع قماشة بيضاء وهو في ذلك يشبه إلى حد بعيد مكاتب أصحاب العرائض أمام المحكمة ، وكان العجوز ذاته يجلس عليه ، العجوز الذي التقاه أمس وقال له ستبات عندنا ولكن بشرط انه إذا جاء امن الفندق وطلبوا رؤيتك لا تمانع ، وكان العجوز لا يرضى أن يجلس غيره خلف المكتب ولو وجد أحدا كأن يكون ابنه الذي يعمل معه في الفندق ينتفض ويزمجر وكأنه سلب الفندق منه، وكان قد وضع عصاه وهي متكأه على مسند كرسي كان فارغا ، وجلس جنبه عجوز أخر لحيته بيضاء تماما ووضع على رأسه عمة بيضاء وعنده عصى وضعها بين فخذيه ومسبحة صفراء بيده اليمنى يحركها وهو يتكلم ، قال إبراهيم وهو يدخل.
    ــ السلام عليكم.
    ــ وعليكم السلام أهلا بالأستاذ تفضل.
    وتكلم العجوز صاحب الفندق.
    ــ أرجو أن تكون قد ارتحت عندنا.
    ــ الحمد لله على كل حال.
    ــ استرح لماذا لا تجلس.
    ــ أشكرك أنا على عجلة من أمري.
    قال العجوز الذي يضع العمامة على رأسه وهو مبتسم.
    ــ خلق الإنسان عجولا.
    لم يعلق إبراهيم على كلمات الشيخ ، نظر إلى العجوز صاحب الفندق ، قال .
    ــ سيدي جئت لأخذ الكتاب.
    ــ أي كتاب؟.
    ــ الكتاب الذي رأيته أمس.
    ــ الم أرجعه أليك ؟.
    ــ نعم ولكن جاء الأمن ليلا بصحبة الشاب الذي يعمل في الليل.
    ــ نعم ..نعم كرار ، أسمه كرار هو أبني ، ماذا به؟.
    ــ هو جاء معهم .
    ــ لم افهم ، أسترح .
    جلس إبراهيم على كرسي خشبي جنب العجوز صاحب العمة، قال.
    ــ سيدي أمس في الليل وأنا نائم صحوت على طرق الباب....
    وراح إبراهيم يقص عليه كل شيء ، وكيف أنهم اخذوا الكتاب منه.
    ــ الآن فهمت.. الآن فهمت ..ولكنهم لم يرجعوه إلى هنا.
    صمت قليلا وهو ينظر في وجه إبراهيم، ثم أردف.
    ــ دعني أتأكد .
    أخرج سجلا احمر وراح يتأمل فيه وهو يقلب بعض الأوراق.
    ــ لا يوجد ، أذهب إليهم قبل أن ينسوه فيضيعوه.
    ــ أين ؟.
    ــ إلى مديرية الأمن.
    ارتعشت قدما إبراهيم حينما سمع ذلك ، إلا ان العجوز صاحب الفندق لم يشعر أن ذلك الارتجاف من تلك الكلمات كان يتصور إن إبراهيم مصاب بمرض في قدميه ، كان الأرتعاش واضح جدا ولم يستطع إبراهيم أن يخفيه ، قال.
    ــ إلا يمكن أن تتصل بهم أو أي شيء لأنني...
    تكلم العجوز صاحب العمة.
    ــ قال لك أذهب إليهم لا تؤخرنا ، اذهب هناك ستجده عند الاستعلامات.
    ــ ولكنني..
    ــ لا تكثر في الإلحاح ماذا يصنعون به ، هل هو صك الغفران.
    وراح يتبسم وهو يلهو في سبحته الصفراء بينما قال له صاحب الفندق وهو يراه ينهض.
    ــ ستجده صدقني ستجده خذ تكسي من تحت الفندق وهناك اخبرهم وأنا سوف لن ابخل عليك بالمساعدة.
    أدار إبراهيم وجهه ثم خرج بخطوات ثقيلة جدا بينما رجعا يتكلمان عن موضوع عرس إذ يبدو أن ابن العجوز صاحب العمة على وشك أن يتزوج بنت ذلك الشيخ وهما يتداولان الحديث حول ذلك.
    ـ 29 ـ
    أخيرا استطاع أن يحصل على عجلة أجرة ، لقد وقفت ثماني عجلات منها ما هو مطلي بلون برتقالي وابيض وهو لون عجلات الأجرة ومنها ما هو غير ذلك ، معظم العجلات المدنية تعمل تكسي أيضا ، ولكنهم سرعان ما يعتذرون بمجرد أن يقول لهم إبراهيم إلى مديرية الأمن ، إلا هذا الشاب ، ضحك وقال لإبراهيم اصعد ، فتح المذياع ، كانت إذاعة صوت الجماهير تعيد حديث السيد الرئيس الذي بثه التلفزيون ليلة أمس وكان ساعتين متواصلتين التقى بها السيد الرئيس بأهالي قرية من قرى الانبار، كان يقول لهم ( الآن بحق عرفنا أهلنا من أعدائنا وعلينا أن نعمل على ضوء ذلك ) ، كان إبراهيم يصغي وكان ينظر عبر الشارع إلى الأطفال وهم يشقون الطرق ذاهبين إلى المدارس وكانت السماء صافية وهناك نسيم بارد لم يشعر به إبراهيم لأن زجاجات العجلة كانت مغلقة بأحكام ، تذكر ابنته سحر حينما لاحت له الأطفال ، قال الشاب وهو يجتاز عجلة عسكرية محملة بالجنود وهم يفشرون بصياح على فتيات كن يردن أن يعبرن الشارع .
    ــ أنا من عادتي إذا تكلم السيد الرئيس لا أتحدث أبدأ حتى في البيت أقول لأطفالي ذلك ، هذا الحديث جدا رائع ، ولو كل كلمات السيد الرئيس رائعة ، أمس رأيته كله على قناة الشباب ، هل شاهدته أنت؟
    قال إبراهيم .
    ــ لا للأسف لم احظ بذلك.
    ــ هل أنت جديد على المديرية؟.
    نظر إليه إبراهيم مبتسما ، قال.
    ــ لديه عمل هناك ، ولكن أريد أن أسألك ؟.
    ــ تفضل أنا رهن الخدمة.
    ــ لماذا السواق يتخوفون من الأمن ؟، أنت العجلة الثامنة التي تقف ، بمجرد أن يسمع مديرية الأمن يعتذر، لماذا ؟.
    ــ هؤلاء ليسوا عراقيين أن معظمهم يحبون إيران ويحقدون على رجال الأمن ، لماذا نخاف من رجال الأمن وهم جاءوا لخدمتنا والمثل يقول المفلس في القافلة أمين.
    تبسم إبراهيم قال .
    ــ دعنا نستفيد من السيد الرئيس ، فحديثه شيق جدا.
    توقفت العجلة ، كانت هنالك زحمة وعجلات تقف بفوضوية متناهية ، وبعض الجنود منتشرين على المرأى البعيد بكامل عدتهم العسكرية ، سأله إبراهيم.
    ــ ماذا هناك.
    ــ إنها سيطرة الجيش ، هذه أهم سيطرة في المدينة ، هم يبحثون على أولئك الأوغاد الخونة الغوغاء ، بالأمس قتلوا لواء صبحي ضابط امن المنطقة الغربية ومثلوا بجثته ، وجدوها محترقة في المقبرة ، أين يذهبون ستصل إليهم يد العدالة.
    كانت السيطرة كبيرة حيث انتشر عشرات من الجنود وهم بكامل عدتهم وكأنهم ذاهبون إلى معركة مصيرية ، وفقت عجلة ذلك الشاب الذي يعلم أولاده أن لا يتكلموا حينما يتكلم السيد الرئيس احتراما وإجلالا ، كان عليها أن تقف لحظات حتى يأمر الجندي بتقدمها وذلك بأن يومئ لها أن تتقدم ، كان إبراهيم ينظر إليهم كيف يفتشون وكيف يدخلون رؤوسهم من النوافذ ، تسارعت دقات قلبه لأنه تذكر كلام سائق الشاحنة ( أحتفظ به أكثر من نفسك لأنك من غير هذا لا يمكن أن تسير أربع خطوات في أي مدينة ) قال في نفسه ( ولكن الأمن هم الذين أخذوا الكتاب لا بد أن أطمأن تماما ، وحتى إذا شكوا فعندهم الصرح يمكن أن يتصلوا به ، أعتقد أن موقفي جيد ) أومأ الجندي إلى العجلة لم ينتبه السائق ، كان ينظر إلى شاب قد انزلوه ووضعوه في عجلة لاندجروز عسكرية ، قال له إبراهيم.
    ــ إن الجندي يصيح عليك.
    سارت العجلة ببطء تام وهناك ضباط جيش وأمن وهم بزيهم المدني المخيف ينظرون إلى العجلة يتفحصونها، يتفحصون من فيها ، توقفت في الدائرة التي كونها سبعة من الجنود ، نظروا إلى السائق والى إبراهيم الذي راح يبتسم لهم كان يريد أن يقول إن الأمر لا يعنيني ولكن كان لا يجيد ذلك ، قال احد الضباط وهو ينظر إلى السائق.
    ــ عينك وين.
    أجابه الضابط الأخر وهو يضحك .
    ــ على الصبورة.
    صمت ثم أردف بلغة فضة تماما.
    ــ أيها الجرذ انتبه ، عندما يؤشر لك الجندي تتقدم بسرعة وألا سحقت رأسك بالحذاء.
    أخذ الضابط الأمني ينظر إلى إبراهيم ، تبسم الضابط الأخر في وجهه قال وهو يضرب بيده اليمنى على مقدمة العجلة.
    ــ معلم متقاعد أكاد اقسم على ذلك ، هيا اطلع .
    تحركت العجلة ، تنهد إبراهيم ، ثم تبسم، قال .
    ــ الآن عرفت لماذا يتمنعون سواق الأجرة من الوصول إلى هنا ، لو كنت مكانهم لما أتيت أي والله لما أتيت.
    يتبع إنشاء الله.....

    ....
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  13. #28
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي/ رواية / ح29

    أضحوكة العالم المثالي/ رواية / ح29
    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    كتابات - حسين كاظم الزاملي
    ـ 30 ـ
    صرخ به الجندي الذي يقف في البوابة الرئيسية لمديرية الأمن.
    ــ قف إلى أين تريد أيها العجوز السكير؟ .
    وقف إبراهيم ما زال أمامه خمسون متر حتى يصل إلى الباب الكبيرة جدا والتي وضعت على جانبها الأيسر صورة كبيرة للرئيس وتحتها مقولة يبدو أن السيد الرئيس قالها في يوم ما ( رجال الأمن عيون ساهرة لحماية شعبنا العزيز من مكائد الأعداء ) قال إبراهيم.
    ــ لدي كتاب هنا أخذوه مني في الفندق .
    صاح الجندي.
    ــ تكلم بصوت عال أنا لا أسمعك أيها الغبي.
    صاح إبراهيم.
    ــ عندي مراجعة لأمن الفنادق.
    ــ تقدم ولكن ارفع يديك إلى الأعلى.
    تقدم إبراهيم رافعا يديه ، قال له الجندي حينما وصل.
    ــ ضع يديك على الجدار.
    فعل إبراهيم ذلك، حينها جاء احد الجنود وفتشه بدقة قال له .
    ــ الآن تكلم ، ما هي مشكلتك ؟.
    كان الجندي طويلا جدا ولديه شاربان عظيمان ، ضخم البنية ، يقلب في البندقية بانسيابية رائعة كأنما يقلب في قلم رصاص ، قال له بعد أن أسهب إبراهيم في شرح قصة الفندق.
    ــ إذا العجوز كان عندنا ، يا للروعة ، احمد الله انه أبقاني حيا حتى أشاهد سجينا يدخل عندنا فيخرج حي ، أسمع إذا أردت نصيحتي ارجع إلى صاحب الفندق ليقدم طلب إلى مدير امن الفنادق يقول فيه هذا الكلام ، هذا هو الحل ، هيا اذهب الوقوف هنا ممنوع قطعيا.
    ــ لماذا لا تدعني أقابل مد...
    ــ أذهب خير لك قبل أن يراك احد الضباط وأنت تعرف ، أمي دائما تقول أسئل مجرب ولا تسأل حكيم ، هيا اذهب يا مجرب.
    أكتأب إبراهيم وشعر أن هناك أشياء سيئة تحدث ، قال في نفسه ( ربما لو طلبت منه مرة أخرى سيقبل ) قال ذلك وهو ينسحب باتجاه الشارع الذي جاء منه ، كانت خطواته مرتبكة ، ألتفت إلى الوراء كان الجندي ما يزال يلعب في البندقية وكأنه أول مرة يراها ، رآه إبراهيم وهو يشعل سيجارته ، أردف يكلم نفسه ( ولكنه فض وبذيء لا اعتقد أنه سيرضى وربما يضربني لو رجعت إليه، من الحكمة أن ارجع لذلك العجوز) ثم تذكر صاحب العمة البيضاء قال ( أتمنى أن لا أجده ، هو ليس لديه أي شعور ، أنهم يجهلون ما تعني هذه الدقائق بالنسبة لي ، إذا وجدته سوف لن أتكلم حتى يخرج ) صمت ثم قال (أي قدر هذا ، لولا هذا التأخير لكنت قد اجتزت المحاويل الآن ).
    ـ 31 ـ
    رجع إبراهيم يفكر في أمر الكتاب وهو ينظر من خلال عجلة التاكسي كانت نوع تويوتا تم استيرادها من اليابان على ان موديلها 82 وهي بالأصل 79 أهداها الرئيس لمن يموت أبنه في جبهات القتال مع عرصة عقار بمساحة مائتين متر ومبلغ مالي وهذه الميزة فقط لمن مات في السنوات الأولى للحرب الطويلة مع إيران إما السنوات الأخيرة فاكتفى الرئيس بملغ مالي فقط لأن القتلى بلغوا حدا لا يمكن تصوره أبدا ، حينما أوقفها اشترط على سائقها أن لا يسير على جهة السيطرة وكان قد عرف من السائق أنه توجد طرق غير ذلك الطريق الذي تقف عليه سيطرة الجيش ، لأنه على عجلة من أمره ، وقبل السائق وسارة العجلة ، قال وهو يفكر( لنفترض أنني لم أعثر على الكتاب ماذا أصنع ، لا.. لابد أن أجده لأن الطرقات كلها مفارز وجيوش ) ، تبسم في نفسه أردف قائلا ، ( نعم مفارز وجيوش وصور كبيرة للرئيس وشحاذين من الأطفال يملئون الطرقات نعم لا يوجد غير هذا ) قال السائق.
    ــ سآخذك على طريق المقبرة هو الأقرب وبعيدا عن الازدحام.
    ــ المهم لا يوجد ازدحام .
    وكان يعني إبراهيم أن لا يوجد جيش يفتش الناس ، تذكر والديه والحقيقة أن إبراهيم كان دوما يتذكرهما خاصة والدته إذ إن والده توفي وهو ما يزال صغيرا جدا ، إذ كان يبلغ عشرة أعوام، وأخر مرة تذكر والدته هي أمس ليلا ، تذكرها كيف كانت تجمع القش وترتب بيت الدجاج وكان هو يحمل عصى بعد أن عاد من المرعى يرتدي دشداشة صفراء ، وهو يركض من غير نعل ويمرح مع الأطفال ويذهبون للسباحة في نهر صغير يسمونه الريان ، حينما سمع تلك الكلمات فكر أن ينزل من العجلة عند القبر لأنه يتذكر أن القبر لم يكن بعيدا عن الشارع العام ، قال للساق ، أنزلني قرب الاستعلامات ، واستدارت العجلة نحو القبور ، لم يكن يعرف إبراهيم أن المقبرة تغيرت تماما لا بسبب التطور الذي اجتاح العالم فوقع عليها شيئا منه بل بسبب المواجهات العسكرية التي جرت هنا بين الثوار وبين الجيش ، لقد جرت هنا أشرس المعارك وقاتل الثوار الجيش ثلاثة أيام ولكن حينما ما دخل الجيش أحدث تغيرات نوعية في المقبرة حيث هدم كل الطرق القديمة ، حتى ذلك الطريق الضيق جدا والذي كان معبد بالإسفلت وهو الطريق الوحيد الذي عبد بالإسفلت على مستوى المقبرة ألغي أيضا وتم فتح شارع عريض على ركام القبور المتهدمة وهو يشق المقبرة باتجاه الاستعلامات الجديدة ، كما وفتحت طرق فرعية كثيرة فما عاد هناك صعود على القبور أو القفز من قبر إلى أخر وأنت تبحث عن قبر حبيب لك أو صديق في القابر القديمة جدا ، فالجيش فتح لك ما يمكن من خلاله أن تبحث دون أي مضايقة وذلك عبر الشوارع الفرعية الكثيرة والتي جعلت المقبرة على شكل قطاعات يمكن السيطرة عليها في حالة حدوث أي تمرد ، كان ينظر إبراهيم إلى القبور أحس أن هناك تغيرات كبيرة حدثت ، قال السائق.
    ــ الاستعلامات الجديدة أو القديمة .
    قال إبراهيم على نحو السرعة .
    ــ التي كانت قبل واحد وعشرون عاما.
    ضحك السائق ، قال وهو يضحك .
    ــ إذن القديمة.
    توقفت العجلة ، قال السائق .
    ــ هذه الاستعلامات القديمة
    قال إبراهيم.
    ــ ولكنها مهجورة؟.
    ـــ نعم ، هجرت الآن ، الحكومة أعطت كل دفان قطعة ارض هناك على أن يبنيها مكتب لدفن الموتى.
    وأشار السائق بيمينه إلى جهة الشمال ، قال.
    ــ من هذه الجهة الاستعلامات الجديدة ، هل تريد أن أوصلك إليها.
    ــ لا شكرا.
    ذهب السائق وبقى إبراهيم ينظر حوله بشكل مستدير ، كان يمكن أن يرى من ذلك المكان القبة الذهبية للروضة الحيدرية المطهرة ، كانت هناك قبب كثيرة منتشرة بين القبور ، زرقاء وبيضاء وخضراء لكنها ليست مذهبة ، ما يزال إبراهيم يستذكر جهة القبر قال وهو مبتسم.
    ــ لأحاول ، أعتقد أنه في هذه الجهة .
    حينما وصل إلى المكان الذي يتذكره وجده متنزها قائما بذاته وهناك ألعاب أطفال أمثال المراجيح وملعب تصادم العجلات والأحصنة التي يركب عليها الأطفال وهي ملونة وجميلة ودولاب كبير، كان كبير جدا ، وهناك قطار يمر ثم سرعان ما ينعطف ليتحاشى أحد القبور ، يقال أن رئيس المدينة حاول هدمه ولكنه لم يستطع ، هناك من يقول أن القبر اظهر كرامات وتعطلت كل الجرافات حينما وصلت إليه لذلك تركته الحكومة ورتبته بشكل ينسجم مع جمالية المتنزه ، وهكذا يستمر القطار في دورته حول المتنزه وكان يفصل المتنزه عن الشارع سياج حديدي أخضر اللون ، تبسم إبراهيم ، قال في نفسه ، ( ماذا يجري ، هل يعقل إنني توهمت في المكان) ، مر بجنيه أحد الشيبة ، كان عجوزا مثله وكانت دشداشته رثة تماما ، وضع على كتفيه عباءة سوداء ممزقة إلى حد بعيد وكان يحمل مجموعة من البخور والشموع وماء الطيب ، قال له إبراهيم.
    ــ حاج لدي سؤال.
    وقف العجوز.
    تفضل ولكن بسرعة.
    ــ أردت ان أسألك عن القبور التي كانت هنا ، ألم تكن هنا قبور ؟ .
    قال العجوز بصوت خافت جدا.
    ــ نعم كانت هنا ولكن الحكومة بنت هذا المتنزه بدلاً عنها.
    ــ ومتى كان هذا؟.
    ــ لا ادري المهم إن القبور تهدمت .
    صمت العجوز لحظات كان ينظر إلى سرية عسكرية بدأت تتوغل في المقبرة ، رآها إبراهيم فارتعدت فرائصه أردف العجوز قائلا.
    ــ منذ ثمانية أعوام تقريبا.
    قال إبراهيم وعينيه صوب الجنود حيث مروا قريبا منه.
    ــ ألم يجدوا مكانا غير هذا لينشئوا عليه متنزه؟.
    لم يعلق العجوز وذهب ليجلس بعيدا عن إبراهيم ، وضع البخور وماء الطيب على الأرض وهو يستقبل العجلات التي تأتي لغرض زيارة الموتى لعلهم يشترون منه وهو ليس الوحيد في ذلك الطريق بل هناك العشرات وقد وضعوا البخور والماء وبعض الشموع على الأرض وهم يستقبلون العجلات التي تمر عبر ذلك الطريق الذي يشق المقبرة عرضا وكان الصبيان أكثر مبيعا من الشيبة لأنهم كانوا يلاحقون العجلات بينما يظل الشيبة في أماكنهم ، قرأ إبراهيم صورة الفاتحة من خلف السياج الحديدي ثم قال في نفسه ( لأرجع إلى الفندق ، لا أعتقد إنني سأعثر عليهما ثم إن الجيش بدأ بالانتشار).
    ـ 32 ـ
    حينما وصل إلى باب الفندق رأى مجموعة من الفدائيين أصحاب الملابس السوداء والقناع الأسود منتشرين في الشارع يسألون كل من يمر بهم عن هويته الشخصية ، كان إبراهيم أول مرة يرى فيها جندي يلبس ملابس سوداء ، أندهش كثيرا ، ومع كونهم قد غطوا وجوههم تماما بقناع اسود وتركوا للعينين والأنف فتحات صغيرة ، مع ذلك كله ، شعر إبراهيم إنهم كانوا شبابا ولا يوجد فيهم من تجاوز الثلاثين ، هكذا شعر إبراهيم وهو يراهم يتقافزون هنا وهناك وبيدهم بنادق كلاشنكوف روسي ، أراد أن يدخل إلى الفندق صاح به احدهم.
    ــ أنت أيها العجوز الم ترانا ؟.
    ــ عفوا ولكن حسبت الأمر لا يعنيني .
    ــ لا يعنيك ومن تكون حتى لا يعنيك الموقف الأمني ، هويتك بسرعة؟.
    دنى من ذلك الجندي الذي نادى عليه ، قال.
    ــ لدي كتاب أطلاق سراح آخذه الأمن أمس ليلا حينما كنت باءتا في هذا الفندق.
    ركض الجندي إلى الضابط وهو ممسكا بيد إبراهيم ، صاح وهو يركض .
    ــ سيدي وجدنا واحد منهم.
    قفز بعض الجنود وهم يركضون ليروا إبراهيم ، قال الضابط.
    ــ هويتك أيها العجوز شكلك لا يعجبني يذكرني بالمجرمين.
    ــ سيدي كنت هنا في هذا الفندق ليلا وجاء.....
    لم يكن الضابط واضعا نقابا على وجهه ، كان شابا أشقر البشرة ورشيق البنية لم يحمل بندقية خلافا للعشرات أصحاب البدلات السود الذين غطوا المنطقة بأكملها ، ولكنه كان يحمل مسدسا بيده قال.
    ــ أنا سألتك عن هويتك ولم اطلب منك أن تحكي لي حكاية .
    أرتبك إبراهيم بعد أن صفعه جندي من قفاه وهو يقول له .
    ــ تكلم ..هذا غير مريح سيدي.
    ــ سيدي أدخل معي إلى صاحب الفندق واسأله عن أل...
    ــ خذوه إلى العجلة سأريك هناك وأعلمك فروع دينك أيها الجبان.
    خرج العجوز ذو العمة البيضاء من باب الفندق كانت الباب صغيرة جدا ولمح الجنود وهم يأخذون إبراهيم إلى العجلة وكانوا يضربونه وشاهد إبراهيم يتكلم معهم وكان يؤشر بيده التي راحت ترتجف ، قدماه كانت ترتجف أيضا، كان يؤشر على صاحب العمة كان يقول لهم ( أسئلوا ذاك الشيخ فهو يعلم ببعض جوانب القصة )، لكن صاحب العمة ما إن رأى ذلك المشهد حتى رجع إلى الفندق مسرعا وظن إبراهيم وهو في العجلة السوداء إنه ذهب ليخبر صاحب الفندق بذلك المشهد من اجل أن يأتي ليخبر الضابط أنه كان نائما في الفندق وقد أخذ كتابه الرسمي أمن الفندق ، هكذا كان يظن إبراهيم والحقيقة خلاف ذلك خلافها تماما ، وكان إبراهيم لا يشاهد أي شيء وهو يجلس في العجلة كانت عبارة عن قفص حديدي مظلم ، سارت العجلة ولم يخرج صاحب الفندق والذي ظل إبراهيم ينتظره مادامت العجلة واقفة .
    يتبع إنشاء الله
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  14. #29
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي/ رواية / ح30

    أضحوكة العالم المثالي/ رواية / ح30



    كتابات - حسين كاظم الزاملي



    رحلة السجين السياسي في عهد صدام

    نبارك لكل مضطهد ومظلوم من أبناء شعبنا إعدام طاغية العصر.



    ـ 32 ـ



    مضت ساعة ونصف على وجود إبراهيم في غرفة الانتظار ، كانت الغرفة واسعة وذات شباكين كبيرين ، نوافذ الشباكين غطاها زجاج مشجر مصفر كما وطليت الجدران بلون نحاسي باهت ويبدو إنها رممت حديثا وكانت الأرض عارية من أي فراش ويظهر أنها لم تكن مخصصة للاعتقال ، جلس إبراهيم في احد أركانها ، قال في نفسه( لو أنهم صبغوا جدران زنزانات الصرح بهذا اللون لكان ذلك أفضل ) كان هنالك ثلاثة شباب ، كانوا جالسين في الجانب الأخر من الغرفة ، أحدهم جلبوه بعد إبراهيم وكان ينزف دما من فمه ، لم يتكلم إبراهيم معهم ، كان يجلس في الزاوية البعيدة عنهم ، كان يفكر في هذه التطورات المفاجئة ، لم يكن حتى هذه اللحظة متشائما كان يقول في نفسه ( على أسوء حالات الموضوع سوف يتصلون بقيادة الصرح أنا حفظت رقم الكتاب ، ولكن لا أعتقد أن هناك ما يستوجب ، هؤلاء الأوغاد إلى أين ذهبوا بالكتاب ) ، حاول أحدهم أن يتكلم معه، قال له.

    ــ أين ألقوا القبض عليك؟.

    رد عليه إبراهيم وهو في مكانه ،

    ــ أنا لست مجرما حتى يلقون القبض علي ، هناك التباس في الموضوع ، نعم هناك التباس فضيع.

    الكلمات الأخيرة قالها وهو يهز رأسه ،كانت الأرض باردة لذلك كان يتحرك في جلسته لم يكن مستقرا ، ضحكوا ، حتى ذلك الشاب الذي ينزف دما تبسم حينما سمع كلمات العجوز ، قال أحدهم.

    ــ سيرحلوننا إلى المديرية ، هناك يجب أن تثبت انك بريء ، نعم هناك وليس هنا.

    ما زال منزويا واضعا رأسه بين ركبتيه ، لاحت له أشياء من الماضي ، ترنح أمامها ، رفع رأسه إذ سمع صوتا خارج الغرفة ، لم يشاهد أي شيء ، أحد السجناء كان منهمكا في فم ذلك السجين ، نظر إبراهيم إلى الباب الحديدية وكان لونها رصاصي ، فكر أن يسأل السجناء عن هذا المكان ، قال.

    ــ أين نحن هل تعرفون أين نحن ؟.

    أجابه احدهم .

    ــ في مركز الفدائيين ، سوف يرحلوننا إلى الأمن قريبا ، لا تخف هنا لا يوجد ضرب يكسر الظهر إنهم يتسلون بنا فحسب ولكن هناك عليك أن تجد من ينقذك و إلا إلى الرضوانية.

    فتح الباب بصورة مفاجئة وصاح الجندي الذي فتح الباب ووقف في وسط الغرفة.

    ــ أسماؤكم بسرعة.

    كان إبراهيم قد نهض أول ما سمع الباب تفتح ، على خلاف السجناء الثلاثة قال .

    ــ إبراهيم رشاد.

    كتب أسماء الثلاثة الآخرين ومضى بعد أن قفل الباب، لحظات ليرجع أحد الجنود ينادي بصوت غاضب بعد أن فتح الباب.

    ــ من فيكم إبراهيم رشاد.

    ــ نعم أنا هو.

    ــ تعال معي أيها العجوز لنرى من تكون.



    ـ 33 ـ



    صاح إبراهيم وأصدر أنينا ثم صاح وهو معلق من يديه في السقف وكان ثلاثة من الجنود يضربونه بسلك كهربائي ، كلما تعب أحدهم أعطى السلك إلى الجندي الأخر وهكذا ، وكانوا قد جردوه من ملابسه قبل أن يعلقوه في السقف بذلك القيد الحديدي والذي وضعوه من الخلف وليس من الأمام ، لم يبق غير السروال وكان أحد الجنود يخلع ذلك السروال بين لحظة وأخرى ثم يرجعه ، مرت عشر دقائق ، كانوا يضربونه بقوة ، لم يتركوا شيئا في جسده إلا ومرروا عليه ذلك السلك ، حينما أنزلوه كان جسده قطعة من الدماء لم يستطع أن ينهض كان يئن وكانوا يضحكون ، يضحكون بصوت عال وكانوا يغنون أيضا ( الذي تلدغه الحية بيده يخاف من جرت الحبل ) صاح أحدهم.

    ــ إنهض هيا إنهض .

    لم يكن يستطيع النهوض ، راح يزحف على الأرض كأنه طفل صغير وجد لعبة فهرع إليها ، ضربه أحدهم بذلك السلك على ظهره ما زال عاري من الملابس إلا السروال المحمر، صاح الأخر.

    ــ إنهض إنهض هذا لا ينفع.

    حاول أن ينهض وقع ، حاول مرة أخرى وقع أيضا ، اتكأ على الجدار .

    قال .

    ــ لا أستطيع صدقني لا أستطيع النهوض.

    إلا إنه لم يسمعه أحد ، وضع ظهره على جدار الغرفة كانت الغرفة شبيهة بتلك الغرفة التي كان قبل قليل فيها ، ما زال يئن بصوت خفيف ، قال بصوت بالكاد سمعه احدهم.

    ــ إنكم ترتكبون خطأ جسيماً.

    لكمه الذي سمع الصوت ، لم يعد يتذكر أي شيء كان في وده لو يرجعونه إلى الغرفة العارية من أي فراش لكي يغفوا ، رمى أحدهم علية قدر من الماء البارد ، راحت أسنانه تصطك من البرد ، أخذ جسمه بالارتعاش .قال أحدهم.

    ــ الضابط يقول أجلبوه.

    أطفئوا في جسمه سجائرهم ثم أخذوه إلى غرفة الضابط ، ليس الضابط الذي جلبه من أمام الفندق بل ضابط الموقع وكان برتبة رائد ، أحد الجنود كان يصطحبه وإبراهيم يجر بأقدامه لم يكن باستطاعته أن يرفع قدمه إلى مستوى الشبر، دخل الغرفة. ضحك الضابط ، قال.

    ــ ما هذا أيها العجوز ما زلنا في البداية.. أجلس .. أجلس ، ضعوه هنا ، على الأرض وليس على الكرسي.

    كان إبراهيم يريد أن يقول له إنها ليست البداية ولكن اصطكاك أسنانه وارتجاف جسمه لم يسمح له بذلك ، لا زال يئن بصوت خفيف ، قال الضابط وهو يجلس وراء مكتبه .

    ــ حقيقة نحن لسنا خبراء بالتحقيق ولكن نتعلم والتجربة مفيدة جدا ، هذه بمثابة الله بالخير والبقية أنت تعرفها ، سأسألك بعض ألأسئلة وأي تأخير سيأخذونك هؤلاء الشباب وسوف أراك غدا لأسألك ما سوف أسألك به الآن فأعتقد من المصلحة لك ولنا أن تجب بدون لف ودوران.

    رفع إبراهيم رأسه كان يسمع تلك الكلمات بوضوح تكلم بصوت منخفض تماما.

    ــ سيدي هناك التباس والله هناك التباس فضيع.

    صاح الضابط وهو يقفز من كرسيه.

    ــ أنا اغضب بسرعة وحينما اغضب لا أرى احد أمامي والله أقتلك الآن .. تكلم بصوت عال ..لم أسمعك.

    ما زال إبراهيم مقيد من الوراء والقيد قد نزل في يديه احتكاكا حتى بلغ عظم الكف واخذ يحك به مما سبب الآم جسيمة لإبراهيم بسبب إنهم علقوه من القيد ، وكان إبراهيم ينظر إلى مكتب الضابط كان كبيرا جدا وكان من الصاج وخلفه هناك صورة للسيد الرئيس ، صورة قديمة انتشرت أيام كان السيد الرئيس نائبا والحقيقة أنه لم يكن نائبا ، كانت مقدرات الحكومة كلها بيده ، ولكن الصورة تلك ظلت منتشرة ، منتشرة جدا ، راح يشعر أن يديه ليست من جسده ، كان يحس بثقل كفيه وكأنهما متورمتان جدا ، رفع صوته وهو ينظر للمدفأة الزيتية والتي كانت قرب المكتبة الصغيرة والفارغة من أي كتاب ، كان يخشى من ذلك الضابط الذي لا يتجاوز عمره الثلاثون عام .

    ــ قلت أن هناك التباس حصل عندكم أنا لست مجرما.

    ــ طيب هذا كلام جميل على هذا الصوت سأسألك واجبني.

    ــ نعم سيدي.

    ــ أسمك ؟.

    ــ إبراهيم رشاد محسن ذا النون.

    كان هناك جندي قد جلس قرب المكتب يدون الأسئلة والأجوبة وهو ساكت لا يتكلم وكان يكتب فقط.

    ــ عنوانك ؟.

    ــ بغداد.

    ــ وأين في بغداد ، بغداد كبيرة.

    ــ الكاظمية.

    ـ عملك ؟.

    ــ أستاذ في الجامعة المستنصرية.

    ــ وجدناك من دون مستمسكات لماذا وأنت أستاذ جامعي حسب قولك ؟.

    أخذته نوبة من السعال ، تركه الضابط حتى ينتهي ، تقيء قليلا وكان ثمة دم خرج مع السائل الذي قذفه ، قال الضابط وهو يحرك كرسيه يمينا وشمالا.

    ــ أمسحوا هذا .

    كان جندي يقف قرب الباب منذ أن ادخلوا إبراهيم وبدأ الضابط يحقق معه ، حينما سمع كلمات الضابط خرج وليرجع بقماشة سوداء ، راح يمسح بها قيء إبراهيم ، أردف الضابط .

    ــ هل نرجع يا إبراهيم ؟.

    ــ نعم سيدي.

    ــ سألتك عن المستمسكات الرسمية لماذا لم تحملها ؟، أيعقل بشر يسير من دون هوية شخصية.

    ــ سيدي قلت لك هناك التباس ، فأنا سجين تم أطلاق سراحي أمس ، وكان لدي كتاب إطلاق سراح ، ولما بت في الفندق جاء أمن الفنادق وأخذوا الكتاب معهم وقالوا لي في الصباح ستجده عند صاحب الفندق ولما سألته في الصباح قال لم يرجعوه فذهبت إلى مديرية الأمن ولم يسمحوا لي بمقابلة الضابط الأمني ، هذا كل ما في الموضوع.

    ـــ قلت إنك كنت سجينا ؟.

    ــ نعم سيدي.

    ــ أين ؟.

    ــ في الصرح الكبير.



    يتبع إنشاء الله.....[/
    SIZE]
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  15. #30
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي أضحوكة العالم المثالي/ رواية / ح30

    رحلة السجين السياسي في عهد صدام
    نبارك لكل مضطهد ومظلوم من أبناء شعبنا إعدام طاغية العصر.
    ـ 32 ـ
    مضت ساعة ونصف على وجود إبراهيم في غرفة الانتظار ، كانت الغرفة واسعة وذات شباكين كبيرين ، نوافذ الشباكين غطاها زجاج مشجر مصفر كما وطليت الجدران بلون نحاسي باهت ويبدو إنها رممت حديثا وكانت الأرض عارية من أي فراش ويظهر أنها لم تكن مخصصة للاعتقال ، جلس إبراهيم في احد أركانها ، قال في نفسه( لو أنهم صبغوا جدران زنزانات الصرح بهذا اللون لكان ذلك أفضل ) كان هنالك ثلاثة شباب ، كانوا جالسين في الجانب الأخر من الغرفة ، أحدهم جلبوه بعد إبراهيم وكان ينزف دما من فمه ، لم يتكلم إبراهيم معهم ، كان يجلس في الزاوية البعيدة عنهم ، كان يفكر في هذه التطورات المفاجئة ، لم يكن حتى هذه اللحظة متشائما كان يقول في نفسه ( على أسوء حالات الموضوع سوف يتصلون بقيادة الصرح أنا حفظت رقم الكتاب ، ولكن لا أعتقد أن هناك ما يستوجب ، هؤلاء الأوغاد إلى أين ذهبوا بالكتاب ) ، حاول أحدهم أن يتكلم معه، قال له.
    ــ أين ألقوا القبض عليك؟.
    رد عليه إبراهيم وهو في مكانه ،
    ــ أنا لست مجرما حتى يلقون القبض علي ، هناك التباس في الموضوع ، نعم هناك التباس فضيع.
    الكلمات الأخيرة قالها وهو يهز رأسه ،كانت الأرض باردة لذلك كان يتحرك في جلسته لم يكن مستقرا ، ضحكوا ، حتى ذلك الشاب الذي ينزف دما تبسم حينما سمع كلمات العجوز ، قال أحدهم.
    ــ سيرحلوننا إلى المديرية ، هناك يجب أن تثبت انك بريء ، نعم هناك وليس هنا.
    ما زال منزويا واضعا رأسه بين ركبتيه ، لاحت له أشياء من الماضي ، ترنح أمامها ، رفع رأسه إذ سمع صوتا خارج الغرفة ، لم يشاهد أي شيء ، أحد السجناء كان منهمكا في فم ذلك السجين ، نظر إبراهيم إلى الباب الحديدية وكان لونها رصاصي ، فكر أن يسأل السجناء عن هذا المكان ، قال.
    ــ أين نحن هل تعرفون أين نحن ؟.
    أجابه احدهم .
    ــ في مركز الفدائيين ، سوف يرحلوننا إلى الأمن قريبا ، لا تخف هنا لا يوجد ضرب يكسر الظهر إنهم يتسلون بنا فحسب ولكن هناك عليك أن تجد من ينقذك و إلا إلى الرضوانية.
    فتح الباب بصورة مفاجئة وصاح الجندي الذي فتح الباب ووقف في وسط الغرفة.
    ــ أسماؤكم بسرعة.
    كان إبراهيم قد نهض أول ما سمع الباب تفتح ، على خلاف السجناء الثلاثة قال .
    ــ إبراهيم رشاد.
    كتب أسماء الثلاثة الآخرين ومضى بعد أن قفل الباب، لحظات ليرجع أحد الجنود ينادي بصوت غاضب بعد أن فتح الباب.
    ــ من فيكم إبراهيم رشاد.
    ــ نعم أنا هو.
    ــ تعال معي أيها العجوز لنرى من تكون.
    ـ 33 ـ
    صاح إبراهيم وأصدر أنينا ثم صاح وهو معلق من يديه في السقف وكان ثلاثة من الجنود يضربونه بسلك كهربائي ، كلما تعب أحدهم أعطى السلك إلى الجندي الأخر وهكذا ، وكانوا قد جردوه من ملابسه قبل أن يعلقوه في السقف بذلك القيد الحديدي والذي وضعوه من الخلف وليس من الأمام ، لم يبق غير السروال وكان أحد الجنود يخلع ذلك السروال بين لحظة وأخرى ثم يرجعه ، مرت عشر دقائق ، كانوا يضربونه بقوة ، لم يتركوا شيئا في جسده إلا ومرروا عليه ذلك السلك ، حينما أنزلوه كان جسده قطعة من الدماء لم يستطع أن ينهض كان يئن وكانوا يضحكون ، يضحكون بصوت عال وكانوا يغنون أيضا ( الذي تلدغه الحية بيده يخاف من جرت الحبل ) صاح أحدهم.
    ــ إنهض هيا إنهض .
    لم يكن يستطيع النهوض ، راح يزحف على الأرض كأنه طفل صغير وجد لعبة فهرع إليها ، ضربه أحدهم بذلك السلك على ظهره ما زال عاري من الملابس إلا السروال المحمر، صاح الأخر.
    ــ إنهض إنهض هذا لا ينفع.
    حاول أن ينهض وقع ، حاول مرة أخرى وقع أيضا ، اتكأ على الجدار .
    قال .
    ــ لا أستطيع صدقني لا أستطيع النهوض.
    إلا إنه لم يسمعه أحد ، وضع ظهره على جدار الغرفة كانت الغرفة شبيهة بتلك الغرفة التي كان قبل قليل فيها ، ما زال يئن بصوت خفيف ، قال بصوت بالكاد سمعه احدهم.
    ــ إنكم ترتكبون خطأ جسيماً.
    لكمه الذي سمع الصوت ، لم يعد يتذكر أي شيء كان في وده لو يرجعونه إلى الغرفة العارية من أي فراش لكي يغفوا ، رمى أحدهم علية قدر من الماء البارد ، راحت أسنانه تصطك من البرد ، أخذ جسمه بالارتعاش .قال أحدهم.
    ــ الضابط يقول أجلبوه.
    أطفئوا في جسمه سجائرهم ثم أخذوه إلى غرفة الضابط ، ليس الضابط الذي جلبه من أمام الفندق بل ضابط الموقع وكان برتبة رائد ، أحد الجنود كان يصطحبه وإبراهيم يجر بأقدامه لم يكن باستطاعته أن يرفع قدمه إلى مستوى الشبر، دخل الغرفة. ضحك الضابط ، قال.
    ــ ما هذا أيها العجوز ما زلنا في البداية.. أجلس .. أجلس ، ضعوه هنا ، على الأرض وليس على الكرسي.
    كان إبراهيم يريد أن يقول له إنها ليست البداية ولكن اصطكاك أسنانه وارتجاف جسمه لم يسمح له بذلك ، لا زال يئن بصوت خفيف ، قال الضابط وهو يجلس وراء مكتبه .
    ــ حقيقة نحن لسنا خبراء بالتحقيق ولكن نتعلم والتجربة مفيدة جدا ، هذه بمثابة الله بالخير والبقية أنت تعرفها ، سأسألك بعض ألأسئلة وأي تأخير سيأخذونك هؤلاء الشباب وسوف أراك غدا لأسألك ما سوف أسألك به الآن فأعتقد من المصلحة لك ولنا أن تجب بدون لف ودوران.
    رفع إبراهيم رأسه كان يسمع تلك الكلمات بوضوح تكلم بصوت منخفض تماما.
    ــ سيدي هناك التباس والله هناك التباس فضيع.
    صاح الضابط وهو يقفز من كرسيه.
    ــ أنا اغضب بسرعة وحينما اغضب لا أرى احد أمامي والله أقتلك الآن .. تكلم بصوت عال ..لم أسمعك.
    ما زال إبراهيم مقيد من الوراء والقيد قد نزل في يديه احتكاكا حتى بلغ عظم الكف واخذ يحك به مما سبب الآم جسيمة لإبراهيم بسبب إنهم علقوه من القيد ، وكان إبراهيم ينظر إلى مكتب الضابط كان كبيرا جدا وكان من الصاج وخلفه هناك صورة للسيد الرئيس ، صورة قديمة انتشرت أيام كان السيد الرئيس نائبا والحقيقة أنه لم يكن نائبا ، كانت مقدرات الحكومة كلها بيده ، ولكن الصورة تلك ظلت منتشرة ، منتشرة جدا ، راح يشعر أن يديه ليست من جسده ، كان يحس بثقل كفيه وكأنهما متورمتان جدا ، رفع صوته وهو ينظر للمدفأة الزيتية والتي كانت قرب المكتبة الصغيرة والفارغة من أي كتاب ، كان يخشى من ذلك الضابط الذي لا يتجاوز عمره الثلاثون عام .
    ــ قلت أن هناك التباس حصل عندكم أنا لست مجرما.
    ــ طيب هذا كلام جميل على هذا الصوت سأسألك واجبني.
    ــ نعم سيدي.
    ــ أسمك ؟.
    ــ إبراهيم رشاد محسن ذا النون.
    كان هناك جندي قد جلس قرب المكتب يدون الأسئلة والأجوبة وهو ساكت لا يتكلم وكان يكتب فقط.
    ــ عنوانك ؟.
    ــ بغداد.
    ــ وأين في بغداد ، بغداد كبيرة.
    ــ الكاظمية.
    ـ عملك ؟.
    ــ أستاذ في الجامعة المستنصرية.
    ــ وجدناك من دون مستمسكات لماذا وأنت أستاذ جامعي حسب قولك ؟.
    أخذته نوبة من السعال ، تركه الضابط حتى ينتهي ، تقيء قليلا وكان ثمة دم خرج مع السائل الذي قذفه ، قال الضابط وهو يحرك كرسيه يمينا وشمالا.
    ــ أمسحوا هذا .
    كان جندي يقف قرب الباب منذ أن ادخلوا إبراهيم وبدأ الضابط يحقق معه ، حينما سمع كلمات الضابط خرج وليرجع بقماشة سوداء ، راح يمسح بها قيء إبراهيم ، أردف الضابط .
    ــ هل نرجع يا إبراهيم ؟.
    ــ نعم سيدي.
    ــ سألتك عن المستمسكات الرسمية لماذا لم تحملها ؟، أيعقل بشر يسير من دون هوية شخصية.
    ــ سيدي قلت لك هناك التباس ، فأنا سجين تم أطلاق سراحي أمس ، وكان لدي كتاب إطلاق سراح ، ولما بت في الفندق جاء أمن الفنادق وأخذوا الكتاب معهم وقالوا لي في الصباح ستجده عند صاحب الفندق ولما سألته في الصباح قال لم يرجعوه فذهبت إلى مديرية الأمن ولم يسمحوا لي بمقابلة الضابط الأمني ، هذا كل ما في الموضوع.
    ـــ قلت إنك كنت سجينا ؟.
    ــ نعم سيدي.
    ــ أين ؟.
    ــ في الصرح الكبير.
    يتبع إنشاء الله.....
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني