 |
-
السنة العراقيون : بين الخيار الوطني والحلف العربي الاسرائيلي
السنة العراقيون : بين الخيار الوطني والحلف العربي الاسرائيلي
كتابات - عبدالامير الركابي
قبل ان يصل رئيس الوزاء البريطاني الى المنطقة العربيه ، توالت التقاريركاشفة حقيقة مهمته الفعليه ، ، وفهم في الاوساط السياسيه والدبلوماسيه ، ان السيد طوني بلير، سيتصرف تصرفا "مزدوجا" ، فهو سيوحي في العلن ، بان زيارته مكرسة لغرض ايجاد صيغة حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، بينما يكون منشغلا بالفعل ، ببحث مسالة اقامة "الحلف العربي الاسرائيلي" ، بين من يسمون بمعسكر الاعتدال العربي، وبين الكيان الصهيوني ، الزيارة اذن ذات ابعاد ستراتيجيه ، وهي مخصصه لمهمة توفير الاجواء الضرورية ، للهجوم المزمع شنه على ايران ، وربما بعض الدول العربية المحاذية لاسرائيل ، وهو ماتؤكد المصادر ، بان اتفاقا قد تم بشانه بين بلير وبوش الابن .
مسالة "الحلف " الذي يريد بلير رعايته الان ، كانت ملامحه قد ظهرت واضحه ، عند بداية العدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان ، وعاد وظهر ، بعد ان اضطر اقطابه للتراجع مؤقتا ، خلال الزيارة الاخيرة ، التي قامت بها وزيرة الخارجيه الامريكيه ، لكل من المملكة العربية السعودية والاردن والقاهرة وبغداد ، ومع مايلحظ على مسار هذا الحلف ، من تقطع خجول احيانا ، ومحرج مضطر الى المداراة احيانا ، والتحدث بلسانين على طول الخط ، الا انه قائم بحكم الضرورة ، فاتجاهات الصراع في المنطقة ، ومسارات وتعثرات الهجوم الامريكي ، والاحتقانات المتصاعدة على مستوى العالم العربي ، لاتترك مجالا لبعض الحكام العرب ، يتيح لهم التردد ، او التراجع عن الانخراط ، في المعركة الشاملة التي تعم المنطقه ، ومعظم هؤلاء ، يداخلهم شعور اكيد ، بان مايواجهونه هو معركة حياة او موت .
لاتكمن المشكلة في انخراط ، او عدم انخراط اطراف الحلف المعنيين فيه ، فالمهم بالنسبة للولايات المتحده ، هو مقدار "الفائدة" ، او الجدوى التي يمكن ان تتمخض عن مساهمة هؤلاء في مجالهم ، وضمن محيطهم ، وقبل هذا ، امكانية ان يبدوا مجتمعين او منفردين ، القدر اللازم من التناغم ، مع الخطة العامة التي يريد الامريكيون تنفيذها في المستقبل القريب ، وهنا يبرز خلل خطير في بعض الاحيان ـ ربما ستكون مهمة بلير ، مركزة في قسم مهم منها ، على محاولة حله ـ فالمملكة العربيه السعودية بدات منذ فترة ، تنفيذ خطة تحريض وهجوم "طائفي" صريحة في العراق ، فاعلنت عن نيتها تقديم "الدعم " للسنه في العراق ، وقامت قبل ذلك ، بتكليف باحثين بالتعاقد ، وضعوا لها دراسات ذات طابع امني عن "المثلث الشيعي ، " وعن "تفكيك العراق" ، كما انعقد بدعم منها في الاونه الاخيرة 13/14/12/2006 في اسطنبول ، مؤتمر "لنصرة اهل السنة في العراق " ، بينما صدرت قبل ذلك فتاوى ، وقعها جمع غير قليل من رجال الدين السعوديين ، تدعوا الى محاربة "الشيعه" العراقيين .
البعض يعتقد ان هذه الوجهه ، تعكس في العمق تذمرا من الاتجاه الذي تبديه الولايات المتحده للتفاهم ، مع كل من سوريا وايران حول العراق ، مما يعطي الانطباع ، بان تفويضا قد اعتمد امريكيا ، يجعل من ايران سيدة الموقف في العراق ، ومن ثم على المستوى الاقليمي ، والغريب ان تكون المملكة السعوية غير عليمة بحقائق ترافقت مع نشر مقترحات بيكر/هاملتون ، فاللقاء الذي عقده بوش في البيت الابيض مع عبدالعزيز الحكيم ، ومايجري الحديث عنه من نية اقامة حلف ثلاثي (شيعي /الحكيم / سني /الحزب الاسلامي/ كردي البرزاني ومن ثم الطالباني ) ، مع بعض الانباء الواردة من اوساط السيستاني في النجف ، وبالاخص دوائر ابنه "العليم " بالخفايا "محمد " ، لاتوحي ابدا بان وجهة الامريكيين منصبة الان على تسليم العراق لايران ، بقدر ماتميل الى تسليم العراق وايران ل"الشيعة العراقيين ؟؟؟؟" .
ومن الواجب هنا ان نحاول القاء الضوء على مسالة "الخيار الشيعي العراقي " امريكيا ، والذي كنا قد تحدثنا عنه في مناسبات سابقه (يراجع كتابنا "المقاومة العراقية دوي المستقبل وروح الماضي" ) فمن بين الخيارات الستراتيجيه الامريكيه في العراق ، خيار يقول باعتماد "مرجعية النجف" ، على قاعدة اعادة دورها كعاصمة شيعيه وقيادة ، بدل ايران ، وهذا الخيار كان ومايزال حاضرا بقوة ، في خلفية الموقف الامريكي في العراق ، وخطة الهجوم المزمع تنفيذها ـ اذا نفذت ـ ضد ايران ، ستتطلب اولا وقبل اي شيء ، حسم المسالة العراقيه ، وكذلك الخليجيه ، وعموم المسالة الشيعيه ، لصالح "الشيعة العراقيين " ، وبالذات السيد السيستاني ، مع من يواصلون الالتصاق به ، ويقدمون انفسهم كجناح سياسي وعسكري للمرجعيه ، والى هذا يحال ماقد تردد مؤخرا ، من نية امريكيه لمواصلة اسناد موقع "الشيعة" عراقيا ، كما ان هذا مايفسر اليوم ، ظواهر من قبيل تساهل عبدالعزيز الحكيم ، وموافقته للمرة الاولى ، على حضور"بعثيين" مؤتمر المصالحة ، المنوي عقده حاليا ، فعبدالعزيزالحكيم ، الذي كان يعتبر اللقاء مع البعثيين ، خطا احمر ، لم يعد منذ لقائه بوش ، يجد ضيرا في لقاء من هذا النوع .
المخطط المقصود ، يقوم على توجهات مؤداها تحويل ايران الى "بطة عرجاء" ، فالخطط الموضوعه عن حملة القصف الجوي الامريكي ، لمئات ، ان لم يكن لآلاف المواقع الايرانيه ، من شانها كما يتوقع الامريكيون ، ان تترك ايران في حالة فقدان وزن ، ان لم يكن في حالة فوضى ، ومع الخطط المعدة ضد النظام الايراني ، سياسيا و"طائفيا" ، وماهو معروف عن سوء الاوضاع الايرانيه اقتصاديا ، فان مهمة ملء الفراغ ، وتوفير مركز استقطاب مذهبي ، يمتد تاثيرة الى الداخل الايراني ، سيكون من اهم وسائل استيعاب النتائج الناشئه عن الهجوم ، وامتصاص الصدمه ، وردود الفعل المتوقعه شيعيا على الضربة ، لابل واكثر من ذلك ، فمسالة "احتواء الحالة الشيعيه" ، وادراجها عموما ، وليس في العراق وحسب ، ضمن توجهات السياسة الامريكيه في المنطقه ، ستكون متوقفة في المستقبل على "دور السيستاني " وذراعه السياسي العسكري ، ممثلا ب"المجلس الاعلى " ، وسواء تعلق الامر بايران وشيعتها ، او شيعة الخليج العربي ، فان عاصمة التشيع التقليديه ، تحضر على الارجح للعب دور القيادة الستراتيجيه البديله ، الى ان تقوم اسرائيل بالباقي لبنانيا وسوريا .
قد لاتكون المملكة العربية السعودية ، على علم كامل بمثل هذه التوجهات ، وقد نسمع بانها قد بدات تميل لتغيير مواقفها ، بعد الزيارة التي يقوم بها رئيس وزراء بريطانيا للمنطقه ، مع انها لن تكون في اية حال مرتاحة كليا ، وقد لاتصدق حصول مثل هذا الانقلاب ، في مواقف من تعتقد جازمة بانهم ادوات ايرانيه صرفه ، يستحيل تصور انقلابها على ايران ، فمن يصدق ان عبدالعزيز الحكيم ، و"المجلس الاسلامي الاعلى ، " يمكن ان يدخلا هذه اللعبة الخطيرة ، وهل هناك مايمكن ان يؤيد فعلا امكانية انتقالهم نهائيا ، من الحظيرة الايرانيه الى الخيمة الامريكيه ؟
تاتي زيارة طوني بلير ، في اعقاب زيارة عبدالعزيز الحكيم الى البيت الابيض الامريكي ، وفي اثر مابدا يسرب من معلومات ، عن قيام " التحالف الثلاثي " ، وعن قرب اصدار الرئيس الامريكي ، اوامرة القاضية بزيادة اعداد القوات الامريكيه في العراق ، وهو ماسيعني مباشرة ، بدء حملة تصفية تيارالصدر في بغداد ، فهذه العقدة اصبح حلها اليوم غير قابل للتاجيل ، ولابد من ان تعالج جذريا و باسرع وقت ممكن ، اي قبل الموعد المحدد للهجوم المرسوم على ايران ، مطلع الربيع القادم ، وقد اصبح من المحسوم ، ان الرئيس الامريكي ، سيبادر الى ارسال قرابة ثلاثين الف جندي امريكي اضافي ، يتمركزون في بغداد بالذات ، قبل ان تبدا حملة تصفية مواقع التيار الصدري في بغداد ، فالنفوذ المتعاظم للتيارالصدري ، في العاصمة ، هو التحدي الاكبر اليوم ، لموقع وسلطة ال الحكيم و"المجلس الاعلى" وبدر ، فهؤلاء لايملكون وجودا يعتد به في بغداد ، وتعزيز التيار الصدري ، مواقعه في العاصمة على حساب السنه ، اكد احتمالات تعاظم النفوذ السياسي للصدر وتياره ، في الخارطة السياسيه للعراق عموما ، وبما ان خطة تيار الصدر ، تسير باتجاه الذهاب لاحقا الى سامراء ، فان مسارالاحداث يبدو معاكسا كليا ، لمايريده الامريكيون ، ومابداوا يضعون الخطط لتنفيذه على الارض .
وبين هذا وذاك ، لاتبدو التوجهات السعوديه اليوم مفهومة ، الا باعتبارها لحظة تخبط مبنيه على قدر مهول من الحسابات الخاطئة ، وغير المدروسه ، وعموما فان الوضع العراقي ، قد تحول على كما يتاكد كل يوم ، الى معامل اختبار لعلل وقصورالسياسة العربيه والاقليميه بما في ذلك السياسة الايرانيه طبعا ، مثلما اظهر بقوة من قبل والان ، خراقة السياسة الامريكيه ، ومن كانوا يتحدثون عن "مازق " امريكي في العراق ، يحسن بهم ان يتحدثوا ايضا ، عن مازق شامل ، عربي واقليمي ، مبعثه ومحركه حالة الصراع الكوني الدائرة على الساحة العراقيه ، وبما ان طوني بلير قادم لكي يلتقي الحكومتين الاردنيه والمصرية ، اضافة للحكومة السعوديه ، فمن المهم ان ننتبه الى مايتردد عن "خلافات" في التوجه ازاء المسالة العراقيه ، بين مصروالاردن من جهه ، والمملكة العربية السعوديه من جهه ، وقد افصحت جريدة "الاهرام" الرسميه في اليومين الماضيين ، عن جانب من هذا الخلاف علنا ، عندما اتهمت العربية السعوديه ، بالتوجه الى خوض حرب بالواسطه ضد ايران عبر العراق ، اما في الاردن ، فالمعلومات تقول بان الحكومة الاردنيه ، لاتعتقد ان تشجيع حرب بين السنه والشيعة في العراق ، يخدم مصالح السنه هناك ، او يمكن ان يضمن لهم النصر، او حتى يحسن اوضاعهم الحاليه .
مايزال امام الرئيس بوش والجمهوريين ، مايكفي من الوقت لكي يواصلوا سلسلة الخراقات الفظيعه التي لايتوقفون عن ارتكابها ، ومسالة القفز الى الامام ، قد تكون خيارا راجحا الان ، اذا اراد بوش ان ينهي عهده بانتصار ، يتخيله كما تخيل غيره من الانتصارات التي انتهت الى كوارث ، و اذا ترافق الهجوم على ايران ، مع تحريك للجبهة السورية الاسرائيليه ، فان المنطقة كلها ستكون انذاك ، مفتوحة على تطورات يصعب تخيل ماسينتج عنها ، بقدر مايمكن رؤية هذا الجزء المتفجرمن العالم ، وقد اختلطت فيه الاوراق ، وتحول الى معضلة عالميه كبرى ، تستدعي اكثر من مؤتمر عالمي ، قد يامل بوش بنتيجته ، ان يتحول الى منقذ ومجترح حلول ، يحلم بان تقع كلها في اتجاة "الشرق الاوسط الجديد " ، ان لم يكن الكبير .
كل هذا من غير المستبعد ، ان يكون من بين احلام ، او توجهات الرئيس الامريكي "الخطر" على العالم ، وعلى الامن والسلم العالميين ، ولكن هل الوضع العراقي والايراني والعربي اجمالا ، يسمح بتنفيذ مثل تلك السيناريوهات ، وهل يمكن بالفعل للقوات الامريكيه الاضافية ، القادمه قريبا الى العراق ، ان تنفذ المهمة المرسومه ، وهل هنالك مايشجع على الاعتقاد ، بان الحلف الثلاثي ، الجاري تشكيله سوف يقوم بالفعل ؟ القيادات الحاكمه في كردستان العراق ، محبطة ومتخوفه من "الاضطرار" الامريكي لمراعاة "حقائق العراق الوطنيه " ،كما يوصي بذلك تقرير بيكر /هاملتون ، على حساب النزعات الاستئثارية والانفصاليه الظاهرة ، والمراهنة على استعمال "المليشيا الكردية " ، كقوة ردع وتدخل في بغداد ، لن يتحقق ، من دون قدر ما من تنازلات تقدمها الادارة الامريكيه لهؤلاء ، مما سيخلخل مسبقا ، اطار الخطة الموضوعه ، ويحرمها من اهم ركن تطميني على المستوى الوطني ، وايران والتيار الصدري ، لن ينتظرا السيد بوش والحكيم والسيستاني ، الى ان ينفذوا ماربهم ، واذا بدات معركة بغداد ، فان بقية محافظات الجنوب ، لن تكون بمامن من معارك ، تذكر بتلك التي حدثت قبل فترة ليست بعيده في العمارة ، وانتهت بخسارة منكرة لآل الحكيم وحزبهم ومليشياهم .
وبالاتفاق مع تلك الحادثة بالذات ، يمكن الاعتقاد ، بان جماعة "المجلس الاعلى " ، الطامحين الى التحكم بالعاصمه ،بدعم امريكي كردي ، قد يفقدون الجنوب كله ، بما في ذلك النجف الاشرف ، واذا توضحت ابعاد الخطة المذكورة للايرانيين ، وتيقنوا من "خيانة" عبدالعزيز الحكيم ، فان مستقبل هذا الشخص ، وتياره على الارجح ، سيكون مظلما للغاية ، ومن الطبيعي ان يكون للايرانيين من "يعتمدون عليه " داخل بدروالمجلس ، اومن يمكن ان يدفعون به الى الواجهة ، او للقيام باي عمل احترازي مناسب لمثل هذه الحاله ، ويبدو ان الانباء عن تواطؤ الحكيم ، بدات تتسرب ، وماحصل له في لندن ، والتظاهرة التي اعادت على مسامعه شعار "عاش الصدربيت الحكيم اهل الغدر" ، يعكس تحسسات ، خلفيتها تعود الى الجولة الحاليه ، الخطيرة والقاتلة ، من مسلك الغدر التاريخي لهذا التيار، المقطوع الجذور ، والغريب عن سياق تطور الحركة الوطنيه والدينيه العراقيه .
كل هذه التطورات والاجواء ، المتوقع تحولها الى مشاريع منفذه على الارض ، لاتسمح على الاطلاق ، بما يروج له الحكم السعودي الان ، من دعوة صريحه الى الاحتراب الطائفي العلني ، بين السنة والشيعه في العراق ، ولن يغير من الامر شيء ، تحمس البعض لاجواء ما ، ظهرت ضمن ظروف غير محسوبة بدقه ، وينتظر بقوة ، ان تسحب سريعا من التداول ، بينما المتوقع ، لابل الاقرب الى الحقيقة اليوم ، هو قيام حالة شبيهة بانتفاضة نيسان 2004 ، وبايام وحدة المقاومه ، الممتدة من النجف وبغداد الى الفلوجه ، والسنه العراقيون ، كما الشيعه ، يتعلمون في كل يوم درس ، يقول : بان وحدة العراق والعراقيين ، هي وحدها الطريق المضمون نحو التحرير والحرية والمستقبل .
بلير ياتي لغرض ، والعراقيون يتهياون للجولة القادمه ، والاحتلال يتخبط .. فقط المشروع الوطني العراقي من هنا وصاعدا سيظلل سماء العراق .
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |