الأمير سعود الفيصل: لا ننصب أنفسنا حماة لأي فئة في العراق ولا صحة للقاء مسؤول سعودي بأولمرت
أكد استقالة الأمير تركي الفيصل لأسباب خاصة وأشار إلى استثمار خارجي للأزمتين الفلسطينية واللبنانية
الرياض: تركي الصهيل
أكد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أمس، استقالة شقيقه الأمير تركي الفيصل من منصبه كسفير لبلاده في الولايات المتحدة الأميركية.
وأوضح الفيصل في مؤتمر صحافي عقده ظهر أمس في وزارة الخارجية السعودية، أن استقالة الأمير تركي من منصبه جاءت لأسباب خاصة به وبقرار شخصي منه، وقال ان الامير تركي فكر بأنه «آن لهذا الفارس أن يترجل».
ولفت الفيصل إلى أن التحليلات التي تكهنت بالأسباب التي دفعت بشقيقه إلى ترك منصبه في واشنطن، لا أساس لها من الصحة. وكان من ضمن تلك التحليلات أن الأمير تركي الفيصل سيخلف شقيقه الأمير سعود في منصب وزارة الخارجية. وهنا قال وزير الخارجية السعودي ممازحا الأمير تركي الفيصل، «إنه إذا أراد أن يأخذ منصبي فالمفروض أن يشمر عن ساعديه ويستعد للصراع». وفي بداية اللقاء، قال الفيصل «الإشاعة في وفاتي كان مبالغا فيها»، في إشارة للأنباء التي ترددت يوم الأحد الماضي، والتي تحدثت عن وفاة الأمير سعود الفيصل. ونفى الفيصل صحة الأنباء التي تحدثت عن لقاء أحد كبار المسؤولين السعوديين برئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، وقال هذا ليس صحيحا من أساسه وليس فيه شيء من الصحة، والدليل على ذلك أنه لم يصدر أي إثبات لهذا اللقاء. مؤكدا في السياق ذاته أن بلاده تعودت أن تتبع سياسة الشفافية ولا تخبئ سياستها، ولا تنهج سياسة غامضة، فهي سياسة صريحة في كل الأحوال. وفي جانب الأزمة الفلسطينية، والتأييد الاميركي للدعوة الى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وما إذا كانت الرياض تدعم هذا الحل، أكد الفيصل حرص بلاده على وحدة الصف الفلسطيني، وقال إن كيفية الوصول إلى توحيد الصف هو شأن فلسطيني صرف، آملا أن تعود الوحدة إلى الصف الفلسطيني وأن يسيروا في طريق الشرعية العربية والدولية. وعن صفقات التسلح بين الرياض ولندن، والتي أثارتها الصحافة البريطانية أخيرا، لفت الامير سعود الفيصل إلى أن تعاطي الصحافة كان مع التحقيقات التي أجريت في هذا الصدد، وقد تصدت الدولة البريطانية للموضوع المثار، وليس لي تعليق عليه. في ذات الجانب، فضل الفيصل أن يلفت الانتباه للموقف الصادر عن سفارة بلاده في لندن، وقال «أعتقد أن ما قالوه صحيح، فعنوان المقال كان تغيرنا نحن، فهل تغيرتم أنتم»، معتبرا أن ما أثارته الصحف البريطانية عبارة عن قصص قديمة تعاد في كل لحظة وأخرى، لتضفي نوعا من الشكوك، ليس فقط على أي صفقة بل على علاقات البلدين بشكل عام، وهذه التعليقات ليس لها أساس من الأهمية. وقال إن الضجة التي أثيرت أعتقد أنها انتهت.
وحول ما إذا كانت هناك مبادرة سعودية لرأب الصدع الحاصل في صفوف الفرقاء اللبنانيين، أوضح الفيصل أن بلاده تؤيد مبادرة الجامعة العربية، مجددا التأكيد على موقف بلاده الداعم للبنان، لافتا إلى أن الرياض وقفت بجانب لبنان في كل المحن التي جابهها في السابق ويجابهها حاليا، وقال «نأمل أن تنتهي هذه الأزمة على أساس من الوفاق الوطني وتحكيم الحوار والرجوع إلى الشرعية»، مضيفا أن لبنان باستطاعته أن يتخطى هذه الأزمات.
وعن تقييمه للعلاقات السعودية السورية في الوقت الراهن، وما إذا كان هناك جمود فعلي في العلاقات بين البلدين، أكد الفيصل أن أي جمود في العلاقات بين الرياض ودمشق، لا يعبر عن رغبة وإرادة بلاده، وأكد في السياق نفسه أن العلاقات بين البلدين تشهد عددا من التقلبات، آملاً أن تزول مسبباتها.
وفي موضوع آخر، رحب الامير سعود الفيصل بمبادرة الرئيس الإيراني حول استعداد طهران لمساعدة الدول الخليجية في برنامجها النووي السلمي، وقال «نحن نقدر هذا العرض، ومجلس التعاون في طور دراسة هذا الموضوع، ولم نحدد مساره بعد»، وأكد أن أي دولة ستساهم في مساعدة الدول الخليجية في امتلاك الطاقة النووية سيكون موضع ترحيب». وقال «ما أعرفه أن إيران نفسها تسعى إلى المؤازرة في هذا المجال»، مؤكدا أن برنامج الطاقة الذي تسعى إليه الدول الخليجية، هو للأغراض السلمية البحتة، مجددا الموقف الخليجي الثابت ضد انتشار الأسلحة النووية.
وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت هناك توقعات خليجية بأن يواجه مشروعها في امتلاك الطاقة النووية السلمية بأي معوقات من قبل المجتمع الدولي، استبعد الفيصل هذا الأمر. وقال إن الجميع يعترف بحق الدول بامتلاك هذه الخبرة، والدول الست لا تسعى إلى امتلاك أسلحة للدمار الشامل، مبديا اعتقاده بأن هناك ثقة في دول المنطقة الخليجية وبسياستها الثابتة التي تؤكد على جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وعن مدى وجود تأثيرات خارجية على الأزمتين اللبنانية والفلسطينية، أكد وزير الخارجية السعودي أن هناك استثمارا خارجيا لهذه الأزمات، وهذا ما تعبر عنه الرياض بشكل دائم.
ونفى الفيصل في الشأن الفلسطيني، أن تكون هناك مبادرة من بلاده لحل الأزمة السياسية العالقة بين حركتي فتح وحماس، غير أنه أكد أن هناك جهودا عربية في هذا الاتجاه، وقال إن ما سيغير الأوضاع هناك هو القرار الداخلي وليست الوساطات الخارجية.
وفي الشأن العراقي، أكد الفيصل أن بلاده تقف على نفس المسافة من كل الفئات العراقية، وقال «إننا لم ننصب أنفسنا حماة لفئة أو طائفة معينة»، مؤكدا أن الرياض تتعاون مع كل من يريد وحدة العراق واستقلاله وسيادته، آملا أن يعامل المواطن العراقي بالتساوي أمام القانون في الحقوق والواجبات هناك.
وكان الفيصل قد أكد في بداية المؤتمر الصحافي أن المنطقة العربية تشهد توترا شديدا في أوضاعها نتيجة للأزمات الداخلية التي تعيشها ثلاث من دولها، وهي: فلسطين، العراق، ولبنان، مشيرا إلى أن التصعيد المتنامي في تلك الأزمات الثلاث، لا يساهم سوى في زيادة حدة التوتر وتدهور أوضاعها، ويهدد بانزلاق الأمور بها وبالمنطقة إلى نتائج لا تحمد عقباها. خاصة في ظل ما تشكله حالة عدم الاستقرار الداخلي الذي تعيشه من بيئة للتدخلات الخارجية تهدف إلى العبث بأمن هذه الدول واستقرارها ومقدرات شعوبها. وقال الفيصل إن بلاده لا تزال تسعى من خلال الاتصالات والمشاورات السياسية المكثفة، التي تجريها على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية، على احتواء الأزمات في الدول الثلاث، ونزع فتيل الانفجار الذي وصفه خادم الحرمين الشريفين بخزان البارود القابل للاشتعال في اية لحظة. وعبَر وزير الخارجية السعودي عن قلق بلاده الشديد إزاء التصعيد الخطير الذي تشهده الساحة الفلسطينية، مؤكدا أهمية وحدة الصف الفلسطيني، داعيا الفلسطينيين إلى الالتفاف في خدمة قضيتهم وقضية العرب الكبرى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووقف معاناة الشعب الفلسطيني وتحقيق تطلعاته المشروعة في قيام دولته المستقلة على أسس الشرعية العربية والدولية وقراراتها، وعدم الانزلاق في نزاعات داخلية من شأنها ضياع حقوقه المشروعة والوطن وتكريس الاحتلال وتعميق مأساة الشعب الفلسطيني.
وفي الشأن اللبناني أكد الفيصل مجددا على جميع الأطراف في لبنان أن تعمل على احتواء الخلافات الداخلية، وضبط النفس وتغليب المصلحة الوطنية، وإحكام الشرعية واللجوء إلى العقل والحكمة وتجنب المواجهات وتبني لغة الحوار لحل المسائل الخلافية وإعمال المؤسسات الدستورية لتجنيب البلد المخاطر التي تحف به، والمحافظة على لبنان ووحدته الوطنية واستقلالية قراره السياسي، وعدم تمكين من يريد بلبنان وشعبه السوء، معتبرا أن الجهود التي تبذلها جامعة الدول العربية، تشكل الحل التوافقي الأمثل لجميع الأطراف اللبنانية. وعراقيا، أكد الفيصل أن نزيف الدم هناك يشكل لبلاده مصدر ألم وقلق شديدين، نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية وتزايد الأعمال الإرهابية والإجرامية التي تحصد عشرات الأرواح البريئة يوميا من أبناء العراق ويحول دون تحقيق الأمن فيه، مما يستلزم توجيه الجهود نحو تحقيق أمنه للتمكن من تعزيز وحدته الوطنية بمنأى عن التدخلات الخارجية التي تهدف إلى تكريس الانقسام والطائفية وزعزعة الاستقرار فيه وفي المنطقة برمتها. متطلعا في السياق ذاته أن يستجيب العراقيون إلى دعوات وجهود الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية والجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الوفاق والمصالحة الوطنية بين مختلف مكونات الشعب العراقي الطائفية والعرقية تحقيقا لأهداف استتاب الأمن والاستقرار في هذا البلد العريق في تاريخه وعروبته، الذي لم يتأت إلا بتعاون جميع أبنائه وتضافر جهودهم وتغليب مصلحة العراق فوق كل اعتبار، حفاظا على سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه وسلامته الإقليمية.