[align=center]لماذا يقتتل العراقيون؟؟

بقلم خالص جلبي#

مع الحرب الأهلية في العراق، مع مطلع عام 2007م، يتكامل خسوف المجتمع العراقي، وانتقاله من الاستبداد البعثي، إلى الاحتلال الأمريكي، إلى الفوضى والتفسخ في الحرب الأهلية؛ فيقتل الكل الكل، وينحر الجميع الجميع، كما حدث في الصومال ولبنان وأفغانستان والجزائر.

وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا.

ولأن ما يحدث في العراق زلزال، كما وصفته في كتابي (الزلزال العراقي)، الذي أصدرته (دار الراية)؛ والزلزال يشقق الأرض، ويقذف اللافا من الحمم، كذلك سيفعل العراق في المنطقة، فلن يبقى ما يحدث في العراق في العراق، بل هو وباء طام، وجائحة عارمة، مثل طواعين العصور الوسطى، طالما لم تتوفر اللقاحات النوعية، من الأغذية الفكرية لمنعه، والحيلولة دون انتشاره.

وإذا انفجرت حرب أقليمية في المنطقة؛ فهو تحصيل حاصل...

لأن الحروب هي من إنتاج المتخلفين، أو لتأديب المتخلفين، يشنها في العادة متخلفون... سواء الصومال والحبشة، أو بوش وديك شيني.

فالحرب في أربع كلمات: قصور عقلي وجريمة وجنون وإفلاس أخلاقي..

كان ذلك في الكتاب مسطورا...

وحاليا لبنان يقترب من حفلة حمام الدم، بعد أن نبت ديناصور لاحم بينهم، صادر اسم الله لذاته، فدخل في العباءة والقفطان، وأصبح صاحب العمامة شكله بشري ولسانه إلهي، ينطق رسميا باسم الله، وأنه الممثل الشرعي الوحيد له على وجه الأرض..

ونحن نعرف في الطب أن الجسم حينما يموت يمر في ثلاث مراحل:

أولا الصمل الجيفي، فيصبح البدن مثل قطعة الخشب، ويشبه في هذا جمود المجتمع، في ظل الاستبداد الداخلي.

ويكون هذا بدوره مهيئاً للاحتلال الخارجي؛ فيزحف إلى الجسم 500 صنف من الحشرات تفترس، كما تفعل القوات الأمريكية والخارجية ومخابرات الدول المجاورة في الجسم العراقي اليوم.

وبعد الاحتلال الخارجي يمشي التفسخ في الجثة جزوا فجزوا؛ فلا يبقى منها شيء سوى العظام وهي رميم.

ودرس العراق كبير أن يفتح عيوننا على قانون موت المجتمعات، وأن (الانهيار الداخلي) هو الذي يمهد (للاحتلال الخارجي)، وحين أخذ صدام المصدوم المشنوق في الانتخابات الأخيرة مائة بالمائة؛ كان معناه أن الأمة أصبحت صفرا بالمائة، وهو نذير شؤم أنه لم يبق أمة؛ بل شقي وعصابة، وأن الاكتمال ليس أمامه إلا الأفول، وأن القمر أصبح كالعرجون القديم؛ فاجتمع على العراقيين الشقاء والغلاء والوباء والغباء والبلاء والعزاء والفناء.

وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون....

وليس أفضل من العراقيين، في تحليل المجتمع العراقي، ومنهم عالم الاجتماع العراقي (علي الوردي) الذي كتب موسوعة بعنوان (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)، وهذا الكتاب موسوعة ضخمة من 6 أجزاء، ينصح بقراءتها في ظل الأوضاع الحالية، من فوضى العراق، حتى نفهم العراق والعراقيين أكثر.

وما يحدث في العراق وما سيحدث في المستقبل سيؤثر سلبا أو إيجابا على كل المنطقة.

والوردي رحمه الله مات، ولم يخرج في جنازته سوى نفر قليل، على خوف من فرعون وملئه ان يفتنهم، وكان أعداؤه أكثر من أصدقائه، فالرجل لم يربط نفسه مع حكومة وعصابة، أو يتزلف ود حاكم، كما لم يخطب ود المجرمين، ولم يتودد للمتشددين، بل انكب على العلم فعاش له ومات في أحضانه، وهذا ديدن ودأب الكتاب المستقلين.

وعندما يقوم الوردي بتحليل المجتمع العراقي يقول إن ما يحكمه ثلاث قوانين من علم النفس الاجتماعي:

(ازدواج الشخصية) و(صراع البداوة والحضارة) و(التناشز الاجتماعي).

ويعترف الرجل إن كل واحدة من هذه الأفكار استفادها من مفكر آخر"فالأولى اقتبستها من مكايفر، والثانية من ابن خلدون، والثالثة من أوكبرن.

غير أنه حوّر وبدل في كل واحدة قليلا، كي يجعلها أكثر انطباقا وانسجاما مع ظروف المجتمع العراقي وطبيعة تكوينه.

وعندما يشرح الرجل هذه الأفكار الثلاثة يقول:

"وأود أن ألفت نظر القارئ أن هذه الفرضيات الثلاث مترابطة فيما بينها ترابطا وثيقا، وقد يصح اعتبارها أوجها مختلفة، لموضوع واحد، هو موضوع المجتمع العراقي في المرحلة الراهنة التي يمر بها".

ومن الملفت للنظر أنه يستشهد بمذكرات (المس بيل) وهي سيدة بريطانية، شاركت في توجيه الحكم في العراق في الثلاثينات، وصدر لها منذ فترة قريبة كتاب مذكراتها، ومراسلاتها لأبويها في بريطانيا، تشرح أوضاع العراق بعفوية وصراحة، وهو يمدنا بمصدر هام لكشف طبيعة المجتمع العراقي، ولماذا يقتتلون دوما ويسحل بعضهم بعضا؟ ويتنقل من يد إلى يد، فلا يعرف كيف يحكم نفسه، ولا يستسلم لقوة خارجية؟

والأفكار الثلاث التي يوردها (الوردي) واضحة في الأولى والثانية، وغامضة بعض الشيء، في الفكرة الثالثة حول (التناشز الاجتماعي). والمقصود بها صراع القديم والجديد والتراث والمعاصرة أو الأصالة والحداثة..

ويقول الوردي أن العراق هو بلد هابيل وقابيل،وبعد انهيار الدولة العباسية سيطر المد البدوي على الحياة،لأكثر من ست قرون؛ فانهارت سلطة الدولة، واختل نظام الأمن، وظهرت حكومات عاجزة ضعيفة منقسمة على نفسها، في فوضى من أمة تذوي أخلاقيا وفكريا، وتتابعت الفيضانات والأوبئة.

ويتعجب الإنسان من القصص التي يرويها الوردي في الموسوعة، عن جوائح تعمم، وجثث تملأ الطرقات الضيقة القذرة، وإعدامات وحمامات دم لاتنتهي، مما جعل الحضارة تذوي في العراق، وتستفحل القيم البدوية؛ فتصبح نزعة الغزو أقوى عنده من نزعة الإنتاج.

وأما التناشز الاجتماعي فهو ذلك التصادم بين قيم الحداثة من: المساواة والعدالة والديموقراطية والحرية؛ مقابل قيم العصبية والنخوة والوساطة والثأر والدخالة، وحق الزاد والملح وما شابه.

وهذا التصادم يشق الشخصية العراقية شقا فلا تكاد تفهم.

وقصة الحروب التي شنها صدام على الجوار تعني أكثر من نفسية صدام، وهي في عمقها دموية العراقيين في عمومهم، وكيفية حل مشاكلهم، وأنا شخصيا لي أخ هرب إلى العراق وعاش وتزوج هناك، فلما اجتمعت به أنكرته، من شدة حدته وارتفاع صوته ومزاجه العنيف، وكان ناعما لطيفا هادئا؛ ففهمت أثر الوسط في مزاج الإنسان.

وأما (ازدواج الشخصية) فهي الورع والتقوى في الفرد بقوة، فإذا شهد معركة محلية أو دخل في مفاخرة ومنابزة؛ انقلب على عقبيه فأصبح مخيفا على شكل (عباس السبع) و(حسن كبريت) و (أبو الجماجم) ؟؟ يتباهى بالغلبة والاعتداء والنهب والخديعة واحتقار المعتدى عليه أنه مخنث لا خير فيه، على حد تعبير الوردي...

وهو يفسر دموية الرشيد مع بكائه للمواعظ..

وأنا شخصيا كنت يوما في العراق نعقد لشخص قد وردنا له عروسا بالبريد؟! وأخطأ الرجل العريس في بعض معلوماته أمام (المأذون) العراقي، فرأيت من شدة عنفه وتأنيبه وحدة ثورته ما لم أستوعب، ولم نستطع إيقاف البركان، إلا بوساطة وشفاعة وتوسل، وهي لحظات لا أنساها قط وأنا أضحك متعجبا..

وهذه القيم تنشط وتتوغل بقوة في اللاشعور، وهي برمجة ثقافية، أكبر من حجم الوعي الخارجي، الذي نسمعه من المنظرين، من السياسيين الكذابين في القنوات الفضائية، الذين يروجون للضلال أكثر من نشر الوعي الصحي..

ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون.
[/align]


# كاتب سوري سني..دكتور جراح ...داعيه لللا عنف