 |
-
العراق: لا مصالحة بدون فضاء لها - جابر حبيب جابر
العراق: لا مصالحة بدون فضاء لها - جابر حبيب جابر
(صوت العراق) - 11-02-2007
ارسل هذا الموضوع لصديق
عندما تتقاطع وتتناقض الرؤى، لا بد من إيجاد مساحات بديله خارج هذا الاختلاف، والحلول لا تكون بالضرورة كلية أو كبيرة، إذ لا ضير أن تبدأ صغيرة، وربما ستكون بذلك للنجاح أقرب، خصوصا إذا بدأت من القاعدة صعوداَ لا من القمة نزولا، فالعملية السياسية في العراق يتجاذبها فريقان (مع اختلاف حجميهما). فريق انخرط فيها يرتكز على مشروعيتها ويدعو الآخر للالتحاق بها، في حين أن الآخر يريد ويشترط تصفير عداد العملية السياسية، والعودة بها إلى نقطة البدء. لكن إذا اعتبرنا أن دعوات الاندماج هي الأقرب للمنطق ولإرادة الشعب ولضرورة التراكم الديمقراطي، فلا بد لها أن توفر فضاءات جديدة للملتحقين، وبذلك نحل جزءا من المشكلة العراقية المزمنة والتي تستبطنها كل الإطراف وهي «مشكلة السلطة».
الفضاء الجديد الذي ندعو إليه، يرتكز إلى الدستور والى الممارسات الديمقراطية المعروفة، والى إجماع الأطراف على أن تعددية العراق تستوجب الإدارة اللامركزية، يمر عبر انتخابات مجالس المحافظات ومجالس البلديات بقانونها الذي هو قيد التشريع، والذي سيحدد مدة إجرائها بمضي شهرين على إقراره.
والغريب أن أهمية هذا المستوى من ممارسة الحكم عندنا، تعطى قيمة متدنية من الأهمية، وهذا يعود لطبيعة ثقافة إنساننا التي تجعله منشغلا بالقضايا الكبرى فقط. فهو ينشغل بالعلاقات الدولية وبصراعات القوى الكبرى، ويعرف بما يجري في نيكاراغوا ويهتم بصحة كاسترو، ولا ينشغل بنظام عائلته الصحي، أو بنظام تعليم أبنائه، أو سياسة إدارة مدينته أو بيئتها....الخ، وهذا يعود في جزء منه للإرث الشمولي ولمركزية الدولة وللأهداف الطوباوية التي جعلتنا الحكومات معها نقضي العمر نحلق في أوهامها، في حين في الدول الأرسخ في الديمقراطية يحرص الناخب على الاشتراك في الانتخابات المحلية ويعزف أو تقل مشاركته في الانتخابات القومية، كون الأولى تختار من يقررون وينفذون السياسات التي تمس حياته اليومية، بينما الثانية تسفر عن اختيار صناع ومنفذي القرار على المستوى القومي والسياسات الدفاعية والخارجية والأمور السيادية. فالناخب الغربي يرى أن عمل مجالس بلدياته ومدنه مرئي وملموس له، وهذا ما ينمي لديه حس المحاسبة والمساءلة، فيقول أنا أعرف المسؤولين وأين يقيمون وعناوين مساكنهم، فالحكومة المحلية تنشأ أمامه وعملها بيّن له، ولأهمية دورها بات يطلق عليها تسمية الحكومات المحلية، وأصبحت دراستها متنامية في علمي السياسة والإدارة.
الأهمية والتعويل الذي نراه على انتخابات مجالس المحافظات والبلديات ينبع من كونها ستحقق عددا من الغايات، في مقدمتها انها ستسهم في حل مشكلة السلطة والتي تأخذ عندنا شقين، لجهة الصراع الضاري عليها وأنها الغاية المستبطنة من كل الأطراف وأن أخفيت وراء أهداف وطنية أو مقاومة محتل أو لرفع المظالم عن الطائفة، أو لجهة فهمنا الخاص للديمقراطية، وهي أن لا يحكمك الآخر المغاير؛ فالكردي يرضى بأن يحكمه كردي مستبد على عربي عادل، وكذا السني وأيضا الشيعي، والدليل الاختلاف البين في الموقف أو حتى في توصيف النظام السابق. كما ان الحديث عن المصالحة وجدوى مؤتمراتها يظل محدودا إذا لم يعقبه إيجاد أطر لممارسة السلطة، وإلا لماذا هم مختصمون؟
والى ذلك وبالحديث عنها لجهة السلوك الانتخابي، فإنها ستتخلص من عيوب التصويت التي جرت في الانتخابات البرلمانية والتي كان دافع الناخب فيها الخوف من الآخر فاتجه للاصطفافات الطائفية والقومية، فنظراً لكون أغلب المحافظات متجانسة، فان ذلك سيسقط التصويت للهوية لمصلحة التصويت للبرامج والمصالح، كما لن يكون هناك محل للخطاب التهييجي والتضليلي والذي صعد في الانتخابات البرلمانية بهدف استقطاب شارع مأزوم، بل حتى السياسة لن يكون لها محل، إذ ان انصباب عمل ومهام مجالس المحافظات والأقضية والنواحي هو على الخدمات والتنمية والإعمار..الخ
والأهم انها ستفرز القوى الحقيقية الممثلة على الأرض، وستوجد طرفا مقابلا للحكومة تتعاطى معه، وهو المرتكز على مشروعية وعلى إرادة أبناء مدينته، بدل أزمتها الحالية في إيجاد الحليف أو الطرف الذي تفاوضه، إذ ان الذين التحقوا بالعملية السياسية على مستوى الحكومة والبرلمان لم يتقدموا بوصة واحدة باتجاه تهدئة مناطقهم المضطربة، بل ظل واقع ما بعد المشاركة لا يختلف عن واقع ما قبلها، بل أنهم لا يستطيعون حتى زيارة لا الإقامة في المناطق التي يحتكرون تمثيلها، ناهيك عن فتح مقرات لقواهم السياسية فيها، في حين فاز البعض الآخر بعضوية البرلمان وانتقلوا لإدارة أمور ناخبيهم عن بعد من عواصم الجوار الآمنة أو عواصم الدعم المالي وعبر الفضائيات.
وأخيراً فالمجالس البلدية والحكومات المحلية تمثل تدريبا جيداً على الممارسة الديمقراطية، وعلى إدارة الحكم وتحقق غاية المشاركة والإدارة الحديثة التي تنحو باتجاه اللامركزية، كما ستكون مرحلة انتقالية وممهدة للفدراليات، أو بديلا عنها لدى البعض الآخر، وستأتي بقادة مرتكزين على منجز الأداء والكفاءة والقبول المجتمعي، بل انها تمثل مختبرا للقيادات اللاحقة التي عادة ما تأتي من المحليات، فشيراك (مثلا) جاء من بلدية باريس، وأحمدي نجاد من بلدية طهران، وأردوغان من بلدية اسطنبول.
الشرق الاوسط
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |