بيان القائمة العراقية الوطنية
نحو تجميع الجهود الوطنية لإنقاذ البلاد وحل أزمة الحكم
يا ابناء شعبنا الكريم
يشهد الوضع العام في العراق تدهوراً خطيراً ومتسارعاً في جميع مستويات الحياة، وينعكس ذلك باتساع ظاهرة الاستنزاف المادي والإنساني بمقاييس كبيرة مقرونة بتعمق وتعقد أزمة الحكم ووصول العملية السياسية إلى طريق قد يكون مسدوداً. فإلى جانب غياب الأمن الفردي والجماعي بفعل تصاعد موجة العنف والإرهاب وحملات التهجير القسري والتناحر الطائفي والتدخل الخارجي، تفاقمت الأحوال الاقتصادية وتدهورت الخدمات الأساسية واشتدت الضائقة المعيشية وارتفعت نسبة البطالة والتضخم والركود الاقتصادي، كما برز الفساد المالي والإداري بجميع أشكاله كسمة بارزة من سمات الوضع الاقتصادي والسياسي السائد في البلاد، الأمر الذي أدى ويؤدي الى هدر الثروة الوطنية على نحو لم يسبق له مثيل خلال السنوات الأخيرة.
لاشك أن عوامل عديدة داخلية وخارجية قد تضافرت لخلق هذه الحالة وإيصال البلاد إلى هذا الدرك السحيق، بحيث أصبحت الحياة شديدة الوطأة ومصير المواطنين يتأرجح في مجاهيل الفوضى والعنف والحرمان من أبسط الضمانات الكفيلة باستمرار الحياة الطبيعية بالنسبة لغالبية السكان في معظم مناطق العراق. مما يستدعي بصورة عاجلة العمل على إنقاذ البلاد واستعادة الحياة الطبيعية عبر مؤسسات حاكمة حقيقية وحازمة وتجسد الإرادة الحرة للمواطنين وتطلعهم المشروع للأمن والاستقرار والتآلف الوطني والسلام.
والواقع أن أخطاءا" كثيرة قد أرتكبت في السنوات الأخيرة في اطار بناء الدولة وتصفية تركة الماضي، بفعل السياسات العقيمة والممارسات الخاطئة التي تبنتها ومارستها سلطات التحالف ثم الاحتلال وبعض الأطراف السياسية الحاكمة في فترات مختلفة. وقد انعكس ذلك في تصدع النسيج الاجتماعي وزعزعة وحدة البلاد وتشجيع التناحر الطائفي والفئوي واعتماد صيغة المحاصصة الطائفية والتوازن المفتعل بين الفئات الاجتماعية والابتعاد عن المحيط العربي، وغيرها من السياسات السقيمة.
إلا أن الحصيلة الرئيسية التي نجمت عن هذه الأخطاء والمفاهيم الضارة قد تبلورت مؤخرا" في تلكؤ وشلل العملية السياسية في تحقيق أهدافها المعلنة لحد الان. وترتب على ذلك بروز أزمة الحكم على نحو أصبح يهدد مقومات الدولة واقتصادها الوطني ومصالحها الوطنية الأساسية ونسيجها الاجتماعي بأخطار مريعة. وهي تتخذ مظاهر عديدة أهمها عجز الدولة عن القيام بوظائفها ومسؤولياتها الأساسية في حماية المواطنين والأمن الوطني العام وادارة شؤون المجتمع في جميع المجالات. فلم يعد خافيا" ان البلد لا يمتلك سلطة موحدة، وان هيئات الحكم الرئيسية لا تعمل بصورة منسجمة ووفق ضوابط سليمة، بل تميزت ببروز ظاهرة تعدد مراكز السلطة واشتداد التنافس فيما بينها على حساب المصالح العليا للمجتمع والدولة وبدوافع طائفية عنصرية ونفعية ضيقة. والأخطر من ذلك كله تبخرت آمال الناس باقامة سلطة القانون والمؤسسات الحقيقية وحكم القضاء واحترام حقوق الانسان التي بشرت به العملية السياسية، وانتهت الى انتشار الجريمة والقتل والعنف وتخريب الوحدة الوطنية وتبديد موارد الدولة.
ان مراكز السلطة هذه تتجسد اليوم في ممارسات وأداء المسؤولين الرئيسيين في السلطة التنفيذية الخاضعين الى تنظيمات سياسية وميليشيات مسلحة التي تمارس الوانا" مختلفة من النفوذ والعنف والهيمنة تحت غطاء رسمي أو طائفي او حزبي. أي أن الخصوصيات العرقية والطائفية الضيقة والمتصارعة، باتت اليوم تشكل الملامح الرئيسية للوحة القوى الحاكمة في العراق. وهي حالة لا يجمعها جامع مع الدوافع والأهداف النبيلة لصيغة حكومة الوحدة الوطنية التي يزعم البعض بوجودها الآن في السلطة. فمنذ الأيام الأولى لتشكيل هذه الحكومة حذرت القائمة العراقية الوطنية من مخاطر الانحراف عن المنهج الوطني الشامل والوقوع بشرك المحاصصات الطائفية. وكنا نتوقع أن يقع ذلك وتنتعش أجواء المنافسة غير البناءة على نحو يتعارض كليا" مع أهداف العملية السياسية وضوابط ومتطلبات حكومة حقيقية للوحدة الوطنية. وما كان لنا الا أن نشترك هامشيا" في الحكومة الحالية، بفعل ضغوط كثيرة لجهات تتوخى المصلحة الوطنية والحرص على وحدة الصف الوطني. الا أن تجربة الحكم خلال الشهور الأخيرة قد أثبتت العكس واقترنت بممارسات منكرة ضد الكثير من المواطنين الذين يؤمنون ويتبنون التوجهه الوطني، وأرتكبت مظالم ومخالفات في مجالات عديدة تحت عنوان اجتثاث البعث ومكافحة الفساد واحترام حقوق الإنسان وقانون الارهاب، ولعل اشد ما نخشاه ان تتعرض الخطط الامنية المعلنة من قبل الحكومة الى انتكاسات بسبب التناقضات القائمة وتضارب الصلاحيات بين مراكز السلطة المختلفه.
لذا فأن انقاذ البلاد من مأزقها الراهن وتخليص الشعب من محنة العنف والعذاب الذي يعيشه منذ مدة، تتركز أساسا" في الاقرار بتلكؤ وشلل العملية السياسية والمؤسسات والهيئات المتولدة عنها من ناحية، والعمل على حل ازمة الحكم من ناحية ثانية وذلك بالعمل على تجميع الجهود لبناء جبهة وطنية واسعة تضم جميع الحريصين على إنقاذ البلاد ومعالجة معضلاتها العسيرة، وفق برنامج وطني ديمقراطي يلتزم بنبذ المحاصصة الطائفية ويحترم استحقاقات المواطنة ويرفض التدخل الأجنبي ويعزز الوحدة الوطنية والروابط العربية ويلتزم بنزاهة القضاء واستقلاله، ويعيد الحياة للاقتصاد الوطني ويوفر المعالجات الصائبة لمشكلة الخدمات الأساسية والبطالة والضائقة المعيشية، ويوفر أساسا" صلدا" للتنمية الشاملة. كذلك الاستفادة من دعم ومساعدة الدول الصديقة والشقيقة ( ولاسيما الأمم المتحدة) وفي اطار مؤتمر دولي- اقليمي يعقد لهذه الغاية. وتتولى هذه الصيغة من اجل النهوض بمهمات أساسية عاجلة أهمها اعادة الاعتبار للدولة وأجهزتها الأمنية المخلصة واستعادة سلطتها الكاملة وسيادة القانون والنظام على كامل التراب الوطني، ومواجهة العنف والمنظمات الارهابية ووقف التناحر الطائفي والتهجير واعادة من هجروا من بيوتهم ومناطقهم وردع المجرمين والتدخل الخارجي واعادة ملايين المهاجرين والمهجرين واللاجئين والمغتربين الى العراق واستعادة الوحدة الوطنية وحماية الاقتصاد الوطني وتوفير المناخ اللازم للاستثمار والنمو الاقتصادي. كل ذلك بهدف، تهيأة البيئة اللازمة لاعادة الأحوال الى وضعها الطبيعي وتمكين الشعب من بناء مؤسسات دستورية وحاكمة سليمة، وفق القواعد الديمقراطية وبالاستناد الى الارادة الحرة للمواطنين.
وفي هذا السياق، بات من المتعذر على القائمة العراقية الاستمرار طويلا" في تحمل المسؤولية في الحكومة الحالية والسلطة التنفيذيه والعمل بسبب الهيمنة الطائفية والممارسات ذات المصالح والمنطلقات الضيقة.
رئيس القائمة العراقية الوطنية