هل نستطيع الثقة بمرجعيات تصدر فتاوى تحت الضغط
عرفنا السيد سيستاني أول مرة بعد وفاة السيد الخوئي. والذي رفع اسهم السيد سيستاني بين الجماهير الشيعية هو ذلك التحرك الذي يمكن وصفه بأستراتيجية تسويق ناجحة، أستخدمت بها كافة أنواع أسلحة التسويق الجائزة وغير الجائزة، والأخلاقية والغير أخلاقية. والذي بدأ التحرك بالطبع وبتنسيق رائع مع السيد سيستاني ووكلائه وأتباعه مؤسسة الخوئي الخيرية والتي مقرها لندن ويديرها مجيد خوئي. البداية كانت عندما بدأ أسم السيد سبزواري يسطع كمرجع له مواقف جهادية فاقت مواقف الآخرين في فترة الأنتفاضة. حيث بدأ معممون ممن يبحث عن وكالات، الدعوة اليه ومنهم حسين الصدر نزيل لندن أيضا.
بدأت مجلة النور والتي كانت توزع مجانا حينها بالدعوة وبكل صراحة بأن سيستاني هو خليفة الخوئي الشرعي، وبنفس الوقت بدأت حملة أعلامية قاسية جدا على السيد سبزواري وكانت اهم سمات هذه الحملة أتهام السيد سبزواري بالجنون. وأستخدام مبدأ الأعلمية كأساس لأتهام من بدأ يقلد السيد سببزواري بأن عمله باطل. هذا التحرك تزامن أيضا مع ترتيب أوضاع سلسلة الوكلاء والأتباع الذين فقدوا وكالاتهم بموت السيد خوئي ومحاولتهم الألتصاق بمرجع جديد يحفظ لهم مكانتهم الأجتماعية والشرعية والأموال التي بحوزتهم. مسألة الهجوم الذي تعرض له السيد سبزواري من قبل مؤسسة مجيد خوئي كان أحد أسبابها هي عدم موافقة السيد سبزواري للمؤسسة بأن تتصرف بالأموال التي بحوزتها وأشتراطه أن يتم الأشراف عليها من قبله. وهذا ما حدا بالمؤسسة أن تتصل بالسيد سيستاني لتحصل منه على موافقة بالتصرف في مقابل تحريك الواقع الشيعي بأتجاه تقليده. وكان ان تم تعيين الشيخ شمس الدين كممثل للسيد سيستاني في المؤسسة كأجراء شكلي لخلق انطباع بأن الأمور تسير على ما يرام .وفي حينها كان يتم تحرك مقصود آخر في أتجاه آخر الا وهو أتهام السيد محمد صادق الصدر بالعمالة للنظام العراقي. وكان موت السيد سبزواري المفاجئ أحد الأسباب المباشرة لأستقواء المرجعية الجديدة للسيد سيستاني. ومرت فترة التسعينات بحدثين مهمين على المستوى المرجعي الشيعي أولهما أعلان مرجعية السيد فضل الله وانتشار مرجعية السيد محمد صادق الصدر بين صفوف المجتمع العراقي. وهذا ما جعل المرجعيات الأخرى ومن خلفها من شبكات وكلاء ودول ومؤسسات سياسية تتحرك لتلافي هذ الوضع. فالسيستاني لديه ذراعان طويلتان هما حسن كشميري في اوربا صهره الأول وجواد شهرستاني في أيران صهره الثاني. وهما بما يمتلكان من لباقة سياسية حوزوية ومواقع مالية مهمة من الحقوق الشرعية التي تجمع بأسم مرجعية السيد سيستاني وشبكة علاقات واسعة جعلت منهما يحددان ما يقوله السيستاني وما يفتي به وما يقره من نشاطات-اعلاميا على الأقل-. حتى أن الكثيرين من المراقبين المهتمين بهذا الوضع بدأ يطرح تساؤلات عن وضع السيد سيستاني نفسه فيما أن كان حقا هو الذي يصدر الفتاوى او يتخذ القرارات ام ان صهريه هما اللذان يصدرانها باسمه. كما ان هنالك تعاونا لاحظه المراقبون بين شبكة غير متجانسة من الوكلاء والأحزاب السياسية والهيئات والمؤسسات. حيث كان تحرك المجلس الأعلى، واجهزة المخابرات الأيرانية، ومؤسسة مجيد خوئي ووكلاء شخصيات علمائية اخرى أقل شأنا في مسالة التحرك المضاد للسيد فضل الله أو التحرك المضاد للسيد محمد صادق الصدر. ومن الشواهد أصدار أحد السادة من بيت الحكيم كتيبات سميت بالحواريات. وهو مجهود كان يبعث على الضحك لأن المرجعية التقليدية كانت تعرض الكتاب الفقهي بأعقد ما يكون في فترة التخلف والأمية في الأربعنيات والخمسينيات والسيتينيات وما بعدها. واذا بنا نفاجأ بتبسيط مج للكتاب الفقهي على شكل حواريات تثير الضحك في فترة بدأ الوعي والتفقه ينتشر بين شباب الأمة. وحملات التأليف والتوزيع المجاني لكتب تتحامل على السيد فضل الله وتستخدم اسلوبا هو اقرب منه الى السباب الرخيص منه الى اللغة العلمية. وهو اسلوب يذكرنا بالكتب التي كانت تنشرها المخابرات الأميركية والبعثية في فترة الثمانينات ككتاب "وجاء دور الفرس المجوس" الذي كان يطبع بكثرة ويوزع مجانا في كافة الأنحاء.
وجاء الدور الأن واذا بنا نسمع فتاوى تصدر من قبل السيد سيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم تحرم التعامل مع الأميركان. وفيما تصدر الفتاوى محرمة نرى الوكلاء والمقصود طبعا حسن كشميري وجواد شهرستاني وشبكتهما يلتزمان الصمت المؤيد للتحرك الأميركي. وفي خضم هذا الصمت نسمع تصريحا يصدر من محمد باقر حكيم بأن هذه الفتاوى صدرت تحت الضغط والأكراه. وهو كلام ان صدق فأنه يحمل في طياته حالة خطيرة يجب الأنتباه اليها. أذ ان مرجعية مثل مرجعية السيد سيستاني تتعرض للضغط فتصدر فتوى ومرجعية مثل مرجعية السيد محمد سعيد الحكيم تتعرض للضغط فتصدر فتوى أيضا. وللقارئ ان يحكم اية مرجعية تلك التي يتعبد الشيعة الى الله بفتاواها، تصدر فتاوى تحت الضغط والأكراه. وأنه امر يعني كمحصلة نهائية ان من يستسهل اصدار فتاوى تحت الضغط لا تستطيع الطائفة الشيعية ان تقيم وزنا لكل فتاواه. ونعود الى تصريح محمد باقر حكيم ونقول ان لم يصدق هذا الكلام فانه يحمل اهانة وتحاملا على المرجعين وبالتالي وجب عليه الأعتذار منهما على اقل تقدير ان لم يلتزم بحكمهما.
المسألة تطبخ على نار هادئة، وفيما يقبع السيد سيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم في أحد زوايا النجف التي لا تستطيع حتى الأقمار الأصطناعية الأميركية اكتشافها، ولا ندري على وجه التحديد ان كانا على قيد الحياة ام لا. وفيما نتجادل في صحة او عدم صحة الأحكام والفتاوى الصادرة من هناك. يبقى الوجود الشيعي يدفع ثمن كم متراكم من الأخطاء تتحمل الجزء الأكبر منها المرجعية الشيعية.