هزيمة السعودية في العراق وعلاوي اخر العنقود! - رياض الحسيني
(صوت العراق) - 24-03-2007
ارسل هذا الموضوع لصديق
محلل سياسي وناشط عراقي مستقل
www.alhusaini.bravehost.com
لايخفى وان كان بعضه خفيا التدخل السعودي في الشؤون العراقية منذ وقت ليس بالقريب وان بدا اكثر وضوحا بعد التاسع من نيسان من عام 2003، اي بعد سقوط النظام البعثي في العراق. فهذا التدخل كان اساسا وحجر الزاوية في اندلاع الحرب العراقية الايرانية لثماني سنوات (1979-1988) دفع فيها الشعبين المسلمين العراقي والايراني فلذات الاكباد وسنين من التطور واللحاق بركب العالم المتطور. خسر هذان الشعبين في هذه الحرب مليون انسان فضلا عن طوابير من المعاقين والارامل واليتامى ناهيك عن الكم الهائل من الثروة التي هُدرت والتي كان من الممكن ان تُستخدم لدفع عجلة التقدم في كلا البلدين. هذه الحرب وان كان يُنظر اليها ومن وجهة النظر السعودية على انها "حرب مقدّسة" ضد "المد الفارسي" الذي يهدد "المد الوهابي" من جهة البوابة الشرقية للوطن العربي وذلك وفقا للاعلام العربي والصدامي انذاك، الا انها اي تلك الحرب قد كانت السبب الرئيس لاحتلال العراق من قبل امريكا لاحقا! فالتقارير المفبركة التي تحدثت عن وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق ودعمه للارهاب العالمي وتحديدا بعد الحادي عشر من ايلول 2001 انما كانت المقدمة الاساسية في احتلال العراق وتدمير الاسلحة التي قدّمتها امريكا لصدام باموال خليجية كان غالبيتها سعودية لا لشئ سوى تحطيم ايران التي بدت في ذلك الوقت العدو الاول في المنطقة العربية لاسرائيل وامريكا ومخططاتهما في المنطقة. ولان المخطط قد فشل ولم يستطع صدام هزيمة ايران بل بالعكس فقد طوّقت القوات الايرانية العراق من كل الجهات ووصلت ايران الى تخوم "ام قصر" وسيطرت على جزيرة الفاو وبذلك اصبح العراق كله تحت مرمى النيران الايرانية ولو شاءت ايران ان تُحدث كارثة بالعراق انذاك لما استطاع احد ان يوقفها لا السعودية ولا امريكا!
انتهت الحرب العراقية الايرانية وظن العراقيون ان الدنيا قد ابتسمت لهم وستتخلى الامهات عن ارتداء الاسود وسيعظ الاباء بنواجذهم على الجراح ويفتحوا صفحة جديدة من الامل والابتسامة والغد المشرق. لكن هيهات فطالما كانت السعودية جارا للعراق فلن يكون هناك استقرار ولا أمن ولا أمان. محاولات السعودية لتصدر العالم العربي والاسلامي له ثمن باهض لايدفعه السعوديون من ارواح ابنائهم بل من عائدات الحج التي يدفعها المسلمون جميعا كل عام والتي توجه لاشعال حروب طائفية نيابية في العراق ولبنان! فمحاولات السعودية المستميتة لاغتصاب "الحق المصري" في الصدارة العربية يتطلب المسك بكل الحبال واللعب بكل الاوراق الشرعية منها وغير الشرعية. وفي الوقت الذي تصنّف فيه الاعمال التي يقوم بها التكفيريون في السعودية بالارهابية فانها اي تلك الاعمال "جهادية" في العراق والقائم بها انما يسقط في حجر الحور العين مباشرة! المفارقة العجيبة انه في الوقت الذي تدافع فيه ايران عن أمنها الاقليمي وسلامة اراضيها من التهديدين الانجلوامريكي المتواصل واليومي من جهة العراق وافغانستان والاسرائيلي القائم المتربص عبر بوابات عربية عديدة، فان السعودية انما تضع التحرك الايراني المشروع هذا في خانة "تصدير الثورة الايرانية" بينما لا تأتي على ذكر الاحتلال الامريكي للعراق ولاتصنّفه في اي خانة الا خانة "محاربة الارهاب" وكأن هذا الارهاب انما مصدره العراق وليس "الوهابية" السعودية التي تكفّر كل المسلمين بمن فيهم السنّة المعتدلين لا لشئ سوى ان اي مخالف لآراء تلك الجماعة انما يوضع في خانة "الكفر" مباشرة ويستحق صاحبه التنكيل والقتل وبكل وحشية!
لقد عوّلت السعودية في حربها الغير معلنة في العراق بعد التاسع من نيسان 2003 على الجماعات التي سهّلت لها دخول العراق مستغلّة بذلك الفلتان الامني وغياب الرقابة على الحدود العراقية مع الجيران فجنّدت كل من هام بالحور العين او سمع بهن من افواه المجانين وزجّت بهم في العراق لقتل المزيد من العراقيين! بيد ان هذا التحرك لم يكن بعيدا عن العين الامريكية بل وبمباركتها وبتنسيق امريكي-سعودي على اعلى المستويات لتسهيل دخول هؤلاء الى العراق! هنا جاء التعاون مثمرا ففي الوقت الذي تبقي فيه امريكا كل البوابات العراقية مفتوحة لدخول هؤلاء، فان الاموال السعودية ووعّاظها يجنّدون هؤلاء من كل البلدان تحت عناوين الجهاد في العراق وان الجنة قد فتحت ابوابها وكأن الله قد اغلق جناته ولم يفتحها الا بعد وصول امريكا الى العراق! فأي منطق هذا وأي غبي يصدّق هكذا أطروحة فاسدة ضالة ومضّلة؟! فأمريكا تقتل العرب بالعرب والمسلمين بالمسلمين تساعدها السعودية لا لشئ الا لاجل المزيد من الامن والامان للامريكيين وسيطرة غالبة للاسرائيليين على المنطقة برمتها.
بعد ان رأت السعودية ان لا مجال لاركاع العراقيين تحت وطأة التفجيرات والمفخخات والاحزمة الناسفة فقد لجأت مؤخرا الى شق الصف الوطني عبر "اليات النخبة" ونقصد بذلك هو تقديم الدعم اللامحدود لبعض السياسيين العراقيين ممن يلتقون في الاجندة السعودية-الامريكية لرسم "خارطة العراق الجديد" والذين لايترددون في تنفيذ ماهو مطلوب منهم دونما حرج! وهنا بدأ المسلسل بدعم رئيس كتلة الحوار والمصالحة الدكتور صالح المطلك ولكن نظرا لمحدودية التأييد لهذا الرجل في صفوف الطائفة السنّية وانعدام اي تأييد له في الاوساط الشيعية فقد ذهبت الاموال التي اودعت في حساباته هدرا سوى بعض الاعمال التي قام بها هنا وهناك والتي لم تسفر الا عن المزيد من الضحايا الابرياء. الدكتور صالح المطلك كان متسرّعا لدرجة انه قد افسد المخطط وبفترة قياسية وجيزة حينما اعلن عن توجهه الجديد محبطا اياه باعلانه من الاردن عن تشكيل "وطني" جديد تشكل القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور اياد علاوي ابرز قياداتها الامر الذي اضطر معه الدكتور اياد علاوي ان ينفي هكذا توجه نفيا قاطعا! نفي علاوي لم يكن من جهة رفض هكذا مشروع وانما جاء على خلفية ان شخصية علاوي لاتسمح له المشي خلف المطلك بل العكس صحيح.
هنا التفتت السعودية الى حركة الدكتور اياد علاوي الملفتة للانتباه وبايعاز امريكي للاعتماد على هذا الرجل مستغلّين الفلتان الامني للتشنيع بأي حكومة يشكّلها الائتلاف العراقي الموحّد صاحب الاغلبية البرلمانية والشعبية. شخصية الدكتور اياد علاوي وكارزميته المعهودة تجعل منه حصانا رابحا يمكن المراهنة عليه من وجهة النظر السعودية خصوصا وان التأييد له من الشارعين الشيعي والسني لابأس بهما وبالاخص بين اوساط البعثيين وبعض العلمانيين مستغلين علاوة على ذلك استماتة الرجل لتلقد رئاسة الوزراء. يمكن للمراقب الحاذق ومن خلال حركة الدكتور اياد علاوي الدؤوبة خلال السنوات الاربعة الماضية ان يستشف ان علاوي يقدم على قطف الثمار وهي غير ناضجة! وهذا ما لم تحسب حسابه السعودية. بعد اعلانه لحركة مرام وبدعم امريكي لا محدود وقفت خلفه السعودية هذه المرة في اعلان "الحركة الوطنية العراقية" والتي تبين انها "ثمرة نيّة" ولم تنضج بعد خصوصا وقد اعلن عنها قبل الاوان ايضا تماما كما حدث في السابق مع مرام ومع حركة الدكتور صالح المطلك! ففي الوقت الذي حشّدت السعودية لهذه الحركة الحشود ووظّفت كل الامكانيات المادية والاعلامية بل وسهّلت الحركة المكوكية التي قام بها الدكتور اياد علاوي مؤخرا الى بعض العواصم العربية، وبعد اعلان رئيس جبهة التوافق السنية الدكتور عدنان الدليمي انظمام الجبهة لهذه الحركة، نفى أمس القيادي البارز في الحزب الاسلامي الدكتور اياد السامرائي في لقاء مع راديو سوا (برنامج في صلب الموضوع) انظمام الجبهة لهذه الحركة ووصف تصريح الدليمي بـ "المتعجّل" بل وشدد بقوله "ان القرار النهائي يصب في خانة دعم حكومة المالكي"! اضف الى ذلك وضمن الحلقة نفسها نفي السيد دلشاد ميران رئيس ممثلية حكومة اقليم كردستان في بغداد انظمام القائمة الكردستانية لهذه الحركة ايضا مضيفا "نحن الاكراد نرفض الانجرار إلى الصراعات الطائفية في العراق والمنطقة"! جاء ذلك رغم اجتماع السيد مسعود البرزاني بالعاهل السعودي في وقت سابق وذلك ضمن الخطة السعودية الجديدة للحشد وراء الدكتور اياد علاوي في حركته الجديدة.
من كل ذلك يتبين لنا بعض حجم الانفاق السعودي والتدخل ان كان خافيا او معلنا بالشأن العراقي سواء في الماضي او في الحاضر. وطالما وجد عراقا مقسّما لايقوى على النهوض ووسط رفرفة العلم الاسرائيلي اعلى من العلم المصري في القاهرة فانه يمكن للسعودية ان تكون كعبة للعرب من جهة وللمسلمين من جهة اخرى وبذلك تكون السعودية قد جمعت المجد من كل أطرافه! فهل يذكر لنا التأريخ تيسّر جمع المجد من كل أطرافه؟!