 |
-
العراق.. دولة المستشارين!ال83!!!!!!!!!!!!!!!!!
العراق.. دولة المستشارين!
http://www.asharqalawsat.com/leader....26&issue=10466
لا غرو أن وظيفة المستشار، أو المُشاور، من الوظائف الهامة، فمنْ لسانه يؤخذ الرأي في سَوس البلاد والعباد. نقل ابن قتيبة (ت 276هـ) ما يجب فيمَن يُشاوَر: «لا تشاور صاحب حاجة، يريد قضاءها، ولا جائعاً، ولا حاقن بول»(عيون الأخبار). ولم يكن ابن قتيبة، ومن قبله من كُتاب الأدب المتنوع، على حق في النهي عن مشاورة: المعلمين، ورعاة الغنم، والحاكة، لصنف المهنة! بل لهم الحق إذا حملوها على محمل التخصص، فكيف للمشغول بتعليم الصبيان يُشاور بأمر الحرب وإدارة البلاد، وكذلك راعي الغنم، والحائك، وصاحب المطعم، وورشة تصليح السيارات مثلاً؟ لا بد للمستشار السياسي أن يكون جرب فن السياسة وتعمق فيه، ولا يكفيه ليكون مشاوراً الانتماء الحزبي. ولا يكفي أن يكون مشاوراً للإعلام مَنْ كتب مقالاً بجريدة، أو أذاع نشرة أخبار من راديو المعارضة. ولا يكفي للمشاور الثقافي أن يكون خطيباً بمسجد.
أصبحت وظيفة المشاور مكرمة يتكرم بها أهل السلطة على أصدقاء أو رفاق نضال في زمن المعارضة! فاق عدد المستشارين اللازم، أين ما تلفتَّ تتسلم كارتاً يُعرف صاحبه بمستشار في مجلس الوزراء، أو مستشار أقدم، أو المستشار السياسي، أو الاقتصادي. عدد من هؤلاء دبروا شهادات بطرق معروفة، وخلعوا ثياب المهن السابقة لارتداء حلة المشاور. وما هي أيام ويضمن راتب تقاعد الوظيفة الجديدة.
تبدو وظيفة المشاور، إذا كان يصاحبها مزاج صداقة ومودة حميمة مع صاحب الأمر، مغنماً لا يُفرط به، وهذا ما كان عليه المتكلم ثمامة بن أشرس (نحو 213هـ)، يقضي باسم الخليفة الصغيرة والكبيرة، ولما سأله الوزير في حضرة الخليفة عبد الله المأمون (ت 218هـ) عن معنى وجوده في دار الخلافة، وهو بلا وظيفة بائنة، رد عليه بالقول: «إن معناي في الدار والحاجة إليًّ بائنة... أشاوَر في مثلك هل تصلح لموضعك أم لا تصلح» (ابن طيفور، كتاب بغداد). وعندما أراده الخليفة وزيراً فضل الاستشارة، لأنها أدوم من الوزارة.
وليست هناك سلطة أكثر من سلطة المشاورين الإنكليز في أول تأسيس الدولة العراقية، حيث كان من شروط تشكيل الوزارة (1920) أن يعين لكل وزير مشاور، لا يقطع أمراً، ولا يكتب كتاباً من دونه. بل ولا يعرض الوزير أمور وزارته على مجلس الوزراء إلا عن طريقه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث). لذا أنشد الشاعر معروف الرصافي (ت 1945) في قوة المستشار وضعف الوزير: «أراك بحمام الوزارة نورةً.. وأما جناب المستشار فزرنيخُ».
وأكثر من هذا سار على ألسنة العراقيين للشيخ محمد باقر الشبيبي (ت 1960):«المستشار هو الذي شرب الطلا.. فعلام يا هذا الوزير تعربد». كانت المناسبة (1929) الاحتفاء بالثري الأمريكي جارلس كراين، مبعوث لجنة أمريكية لاستطلاع رأي الشعوب في تقرير المصير» (الهلالي، الشاعر الثائر). ويا سبحان مُقلب الأحوال كان العراقيون يشكون للأمريكان أمر احتلال الإنكليز، ويطلبون منهم المساعدة بالتحرر؟ ونقل لي نجل الشاعر، الحقوقي صادق الشبيبي، أن نوري السعيد (قُتل 1958) كان حاضراً الحفل، فأعاد الشاعر عجز البيت بالصيغة: «... فعلام يا نوري الوزير تعربد». إلا أن الرصافي والشبيبي لم يُعرضا لأذىً أو اغتيال! مثلما قُتل اليوم إعلاميون وشعراء أشاروا إلى زعيم حزب أو ميليشيا بمفردة ناقدة.
سكان المشاور، في عهود قديمة، يجمع بين وظيفة التنجيم والمشورة، فهو يشير بما يحسبه في الأبراج، وربما يتحمل المشاور والمنجم سليمان شاه (قُتل 656هـ) جزءا من إبعاد الحل السياسي بين الخليفة وهولاكو. نفهم ذلك من تحقيق الأخير مع سليمان شاه. قال: «لقد كُنت منجماً، ومطلعاً على أحوال السعد والنحس للبلاد. فكيف أنك لم تتنبأ بسوء مصيرك، ولم تنصح مخدومك (الخليفة) لكي يبادر إلينا عن طريق الصلح»؟ (جامع التواريخ). أحاذر من أمثال هذا الصنف من المشاورين، فالاستخارة، وهي ضرب من التنجيم، كانت وراء تعيين رئيس قسم من أقسام جامعة من الجامعات العراقية! فهل يستبعد أن لا يقدم المستشار السياسي أو الاقتصادي أو العسكري مشورته في المصالحة وعقد الاتفاقيات بلا أخذ الرأي من مسبحته؟!
على أي حال، أن من متطلبات الدبلوماسية، لبلد عريق مثل العراق، سجية لا يوطئها التعصب لمذهب أودين أو قومية! وإتقان لغات، وفهامة، وأساليب متحضرة في التعامل، لا يشغلها حجاب الموظفات، ومصافحة النساء، وتصميم المرافق الصحية، غربية أو شرقية كانت!
r_alkhayoun@hotmail.com
-
دولة المستشارين أفضل بكثير من دولة المخابرات.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |