[align=center][/align]
وإلى جانب أبحاثها العلمية المتعددة، قدَّمت مي يماني في مؤلفها الأول (هويات متغيَّرة.. تحديات الجيل الجديد)، قراءات مُبكرة في آفاق أنه أضاف الكثير من الاضاءات الغائبة عن أذهان الباحثين والمتخصصين، وأسهم في تفسيرات التحوّلات وردود الأفعال التي صدرت في العالم العربي. وتنحدر مي يماني من أسرة عريقة، على رأسها والدها الشيخ أحمد زكي يماني، الذي يُعد أحد أهم وزراء النفط والمعادن في تاريخ أسواق النفط في العالم. فقد أمضى والدها أكثر من ثلاثة عقود في منصبه. ويُعرف عن مي يماني دقّتها العلمية وبُعد نظرها، الأمر الذي جعل ٢٦ قناة تلفزيونية إخبارية عالمية تستقي رأيها بعد ساعات من الاعلان عن وفاة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حول مستقبل المملكة ومصير آل سعود بعد فهد. وتشكّل مي يماني وزميلتها السعودية د. مضاوي الرشيد الأستاذة في جامعة كنغز كوليج اللندنية العريقة، ثنائياً نسائياً عربياً لافتاً ومثيراً للاهتمام والدراسة. فمن خلال عشرات الدراسات والأبحاث ومجموعة من المقالات الصحفية التي نشرت في صوتبعات التباعد في الفكر والعادات والتطلّعات بين الحكم في السعودية وبين شرائح المجتمع. وأثار كتابها، الذي شكّل قاعدة لقياس مؤثرات سلطة آل سعود على البيت السعودي، الكثير من الجدل داخل المملكة وفي مراكز البحث والدراسة خارجها. وقدَّمت الباحثة خلال العام الماضي مؤلفها الجديد (مهد الإسلام.. الحجاز والبحث عن الهوية) الذي قال عنه أصحاب الاختصاص حف دولية وعربية ذات شأن، طرحت الباحثتان أفكاراً تستحق الدراسة، فضلاً عن كونها شواهد على الامكانية العالية، التي تتمتّع بها المرأة العربية عموماً في مجال صناعة الاتصال والتخاطب العلمي مع العالم. مي يماني، تحدثت في يوم لندني ممطر عن السعودية وآل سعود ومستقبل المملكة:
[align=center]
[/align][align=center]
د. مي يماني:
المملكة بعد فهد تتجه إلى ما يشبه الطريق المغلق[/align]
> خلال ثمان أو تسع سنوات، كان هناك عاهلان في المملكة أحدهما مريض تماماً عاجز عن الحكم، والثاني صاحب دور حقيقي في الحكم، لكن بدون مسمى رسمي، ما الذي تغير الآن بعد وفاة فهد وتنصيب عبدالله ملكاً؟
< لا تزال المملكة أمام مفترق طرق. فمن ناحية كان عبدالله الملك الفعلي لمدة عشر سنوات، ابتدأت بالعارض الصحي للملك فهد وحتى وفاته قبل نحو ثلاثة شهور. لكن نحن والعالم يعرف، أن عبدالله لم يكن يومها يمتلك كامل السلطة أي أنه لم يكن يتمتّع بسلطات حقيقية مباشرة، كالتي كانت بيد فهد قبل مرضه. إذ سمح بقاء الملك فهد على قيد الحياة، رغم عجزه عن الحكم، لعدد من أخوانه السديريين بمشاركة عبدالله في اختصاصات الملك والحكم، لكن ذلك لا يمنع من القول، بأن عبدالله عندما كان ولياً للعهد أظهر حرصاً أراد أن يُعرِّف به الآخرين في الداخل والخارج، على أنه سيكون رائداً للاصلاحات عندما سيصبح ملكاً. إلاّ أن الجناح السديري، وهو الطرف القوي في الحكم، وعلى رأسه الامير نايف وزير الداخلية ظل يلعب دور الحريص على زعامة جناح المتشددين في الدولة وفي الحكم. وقد أتاح له ذلك أن يستغل مكانته وسلطته لاظهار معارضته للاصلاحات التي نادى بها الملك عبدالله، لذلك فإن الناس تتساءل: هل سيستمر هذا الوضع الآن؟ أم أنه سيكون بمقدور عبدالله بعد أن بات ملكاً بشكل رسمي، أن يدير عجلة الاصلاح بدون تدخل أو معارضة من أحد. ففي وقت كان فيه الملك عبدالله يتخذ خطوة ما في مجال الاصلاح، كان يقابل بخطوات معارضة من قبل نايف وآخرين من مجموعة الفهد. ووفقاً لمعادلة من هذا النوع، فإنه يصح القول أن الأمور في المملكة بعد فهد تتجه إلى ما يشبه الطريق المغلق. وفي الوقت الحالي، يعرف الكثير من المواطنين ومن المحللين السياسيين أن هناك انقساماً داخل الحكم، وداخل آل سعود تحديداً، ويعرف الناس أيضاً معهم، أن هذا الخلاف انتقل الآن إلى القمة. وعلى هذا الأساس أعتقد أن موت الملك فهد سوف لن يغير من الأمر شيئاً. صحيح أن عبدالله قد أصبح ملكاً رسمياً، وأن سلطان أصبح ولياً للعهد، وأنه بموجب الوضع الحالي يتوجب أن يُمسك عبدالله بكامل السلطات المطلقة التي كانت بيد الملك فهد قبل مرضه ووفاته. لكن هل سيفعل ذلك؟ هل سيكون بإمكانه أن يخطو هذه الخطوة إن أراد؟ وهل سيسمح له السديريون بذلك؟
> هل يعلم المواطنون بحقيقة نوايا عبدالله، ولو لانقاذ الحكم والمصاعب التي تواجهه وما هو موقفهم من ذلك؟
< اعتقد أن المواطنين في الداخل من فئة المتعلمين والخريجين والمثقفين والطبقة الوسطى، ينتظرون من الملك عبدالله بعد أن اصبح ملكاً أن يتحرر من القيود التي مورست عليه من قبل، وأن يشرع بالاصلاحات، وهو وإن اتخذ خطوة أو خطوتين في هذا المجال حتى الآن، لكن ذلك غير كاف، لأنه لم يُعد لديه أي عذر الآن يحول دون وفائه بالتزاماته. ربما قبل السعوديون من قبل عذره، على اعتبار أنه لم يكن ملكاً رسمياً. وأن فهد كان ما زال على قيد الحياة، والناس تعرف أن القرارات المهمة والايجابية، كانت تصدر باسم الملك فهد، مع أن عبدالله هو الذي كان يقود البلاد، لكن الأمر اختلف الآن ولن يكون مقبولاً أن لا يتجاوب مع دعوات الاصلاحيين، لأنها مطالب المواطنين وهي أمور مستحقة ومؤجلة، وقد انتظر السعوديون، أن يصبح عبدالله ملكاً ليحققها لهم، فماذا سيقول لهم الآن؟ يريدون إصلاحات شاملة ووقف مطاردة ومضايقة وزارة الداخلية للاصلاحيين، كما فعلت من قبل مع الفالح والدميني والحامد ومحاميهم اللاحن.
[align=center]ميزان الحكم [/align]
> هل تعنين ان قضية الاصلاحات باتت مسألة لابديل عنها بالنسبة للسعوديين، وأنها أيضاً ميزان الحكم على أهلية الملك الجديد للحكم من عدمه؟
< نعم، وإلاّ فلا فرق بين ملك وملك، وبين عبدالله وغير عبدالله. مسألة الاصلاحات الشاملة والأساسية هي المسألة الملحة الآن، على الرغم من أن هناك قضايا كثيرة أخرى تحتاج إلى إعادة نظر ومعالجة حقيقية. فالاصلاحات التجميلية لم تعد ذات قيمة، ولا عاد الناس يقبلون بها كحلول صحيحة.
> ماذا تعنين بالاصلاحات التجميلية والحلول الجزئية؟
الانتخابات البلدية ومجلس الشورى، هذه الأمور باتت مفضوحة وغير مقبولة وهي موضع تندُّر مبرر.
> هناك الكثير من الترف في الحياة العامة للسعوديين، فلماذا ينظر البعض للاصلاح الشامل على أنه مربط الفرس؟
< انها ليست إرادة الأقلية أو البعض كما تقول، وإنما هو مطلب ملح للأغلبية السعودية بما فيها اللصيقة بالحكم. هذه المطالب مشروعة وتخص الشعب السعودي برمته، وليس الاصلاحيين الثلاثة الذين أفرج عنهم الملك عبدالله بعد أيام من التردد بعدما أصبح ملكاً. ما زال هناك عدد كبير من المفكرين وأصحاب الرأي، الذين يجلسون في بيوتهم غير مسموح لهم بمغادرة البلاد أو بالحديث مع وسائل الاعلام، وهي فئة محرومة من كل أنواع الحقوق. أما باقي الشعب، فإنه يعيش في حالة خوف من احتمال مواجهة نفس العقوبات القمعية الصارمة التي قادت الاصلاحيين الثلاثة ومحاميهم وآخرين سواهم إلى السجن، في حال مشاركتهم في الحوار أو عند إبداء الرأي.
[align=center]بقاء [/align]
> فهل هي قضية حياة أو موت للدولة السعودية، أم هي محاولة بقاء في الحكم بأي ثمن بالنسبة لأسرة آل سعود، مع أن العالم يتطوّر وحتى دول الخليج بدأت تتغير نحو الأحسن؟
< مهما يُقال، ليس بإمكان المملكة العربية السعودية أن تظل تحت هذا الحكم أكثر من ثلاث سنوات أخرى أو خمس على أبعد تقدير، ما لم تحدث تغييرات وإصلاحات جوهرية. والبقاء على قيد الحياة لأي سبب آخر، سوف لن يغير من حقيقة أن الحكم سوف لن يكون بحالة صحية مقبولة، وإنما في حالة مرض تعرّضه للموت في أية لحظة. وكما تم إبقاء الملك فهد على قيد الحياة لبعض الوقت، بفعل الأدوية وأجهزة إطالة أمد الحياة، أي أنها حياة صناعية لاعلاقة لها بالصحة الطبيعية، ذلك أن البدن السياسي للدولة أو جهاز الحكم هو الآخر مريض. وبالتالي، ليس نظام الحكم وحده الآيل للسقوط والمهدّد بالانهيار، وإنما الدولة ومؤسساتها والحياة العامة للمجتمع كلها مهدّدة بالتعطّل. إنها مسألة أمن واستقرار، والاثنان مهدّدان.
> ما هو الحد الأقصى المتوقّع للأضرار التي يمكن أن تلحق بالدولة والمجتمع ما لم تصطلح الامور؟
< الحديث عن احتمال حدوث إصلاح حقيقي يفتقر للواقعية. لقد استفحلت بعض الأعراض المرضية، إلى درجة تهدّد بوقوع ثورة ضد نظام الحكم تقود إلى سقوط الدولة برمتها. هناك تسوّس ونخر في بدن الحكم سبَّب وقوع ثلاث هزات خلال فترة قصيرة لم تتعدّ سبع سنوات. ليس بإمكان أحد التغطية على المرض، والحيلولة دون انهيار النظام إلا من خلال أموال النفط والحماية الأميركية، وإلى أن يتغيّر الحكم ستظل الحالة متردية في البلاد. وقد نُشرت دراسات وتحاليل كثيرة في فترة مرض الملك فهد، غير أن الذي أدهشني بالفعل هو ما ورد على لسان أحد الأعضاء البارزين في مجلس الشيوخ الاميركي وهو من الحزب الديمقراطي، عندما علق على ملاحظة لي بأن الدواء الأميركي هو الذي يبقي الحكام السعوديين المسنّين على قيد الحياة، وأن هذا الدواء الذي يطيل أعمارهم يتسبّب في زيادة معاناة الشعب ويحول دون وصول أجيال من الشباب المؤهل إلى الحكم، حتى ولو من داخل الأسرة الحاكمة. وقتها قال عضو الكونغرس أن بلاده تطبّق برنامج النفط مقابل الدواء مع كل القادة العرب الذين يعنيهم أمرها، وليس في العراق فقط وهو ما فعلته الأمم المتحدة مع بغداد من عام ١٩٩٦ وحتى سقوط نظام صدام حسين في نيسان (ابريل) ٢٠٠٣.
[align=center]طلاق [/align]
> تقولين أن أميركا تحمي آل سعود بينما المناوشات السياسية والاعلامية تشير إلى حدوث طلاق بائن بين الولايات المتحدة والحكم في السعودية، وهناك من أبناء الحكم من يخشى أن لا تغيِّر أميركا موقفها قبل تغيّر النظام في الرياض، ما رأيك؟
< خلافاً لما هو معلن، نعرف أن الأميركيين ما زالوا يحمون عرش آل سعود، ليس حباً بهم وإنما حماية لمصالحهم وأن هذا الموقف لا علاقة له بما إذا كان آل سعود سيستجيبون لمطالب الاصلاح أم لا، لكن سيكون من الصعب على واشنطن أن تغض النظر عما يجري في السعودية من انتهاكات وممارسات غير مقبولة لأنها ستظل تهدّد المجتمع الدولي، غير أن الذي يجري التركيز عليه الآن، أو حتى هذه اللحظة من قبل الادارة الأميركية، هو العمل على ضمان استمرار تدفّق النفط السعودي، والعمل على حماية المنابع والخطوط حتى يصل هذا النفط إلى الأسواق الدولية. ثم هناك حقيقة قد لا يدركها الكثيرون، وهي أن أميركا لا تستطيع الجمع بين النفط وبين الديمقراطية في آن واحد. لقد أصبحت السياسة الأميركية تُعرف بالنفاق المفضوح. فهي تغض النظر عن التصرفات الاستبدادية في المملكة، مقابل الحصول على النفط. بينما مثل هذه التصرّفات إن حصلت في سوريا أو في العراق قبل سقوط صدام، فإن الولايات المتحدة تسارع إلى رفع عقيرتها ضد النظام، سواء في دمشق أو بغداد، ولا تكتفي بتوجيه انتقادات حادة بحجة وقوع انتهاكات خطيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، وإنما قد تسعى إلى فرض الديمقراطية بالقوة، بعد أن تهدد بإسقاط الحكم بنفس الطريقة. واشنطن تقبل الآن بتأويلات الحكم السعودي بشأن سوء استخدام السلطة والظلم والاضطهاد والتعسّف، وتقبل قول الرياض بأن ذلك نوعاً من الخصوصية في العادات والتقاليد، وأن على الأميركيين أو سواهم عدم التدخّل في الشأن الداخلي السعودي حفاظاً على مصالحهم.
[align=center]إنقلاب [/align]
> ما الذي يمكن أن يحصل خلال هذه الفترة، وإلى أن يقع المحظور ويسقط النظام أو يقع انقلاب ضده؟
< بعد وفاة فهد وتنصيب عبدالله ملكاً وبسبب شيخوخة النظام، إذ أن أعمار الملك الجديد وولي عهده ما بين الثمانين واثنين وثمانين، فإن طبيعة الأداء العام للحكم ستتميز بالبطء والمرض والضعف فضلاً عن ضعف الحصانة الذاتية. أعتقد أن هذه الحقائق ستثير حفيظة شريحة الشباب في المجتمع. هذه الفئة ووفقاً لأرقام واحصاءات رسمية صحيحة تشكّل الفئة الأعم بين المواطنين. فالذين يقلون عن الخامسة عشرة من العمر، يشكلون نصف المجتمع السعودي. وهؤلاء يتطلعون من الآن إلى الوظائف وإلى السفر وإلى الحرية وإلى الانفتاح على العالم، ويطالبون بالرفاهية والاستفادة من عائدات النفط ومن ارتفاع أسعاره في السوق العالمية. هذا الجيل لن يقبل باقتصار الفائدة والمنفعة على ابناء آل سعود أو على شريحة مقرّبة منهم من المرضي عنهم.
> تمتع الملك فهد بسلطات مطلقة وخطابه كان واحداً وغالباً والآن هناك خطابين مختلفين إلى حد ما وسلطات غير واضحة تتقاسمها عدة أطراف، لمن ستكتب الغلبة في النهاية؟
< نعم كان هناك خطاب واحد وقوة واحدة طوال الفترة التي سبقت مرض الملك فهد، لكني اختلف معك في الجزء الآخر من فترة بقاء الملك فهد على قيد الحياة وليس حكمه، لأنه لم يكن ملكاً بمعنى ما كان عليه قبل ذلك. فبالامكان تقسيم فترة حكم فهد إلى ما قبل وما بعد عام ٩٥. في الفترة الأولى كان هو وحده الملك المطلق، كل شيء بيده، صلاحيات مطلقة، لكن بعد مرضه اختلف الأمر فقد تقاسم هذه السلطات كل من عبدالله وسلطان ومعهما نايف وأمراء آخرون. صحيح أن السلطة الأكبر كانت بيد عبدالله، لكن ذلك لا يعني على الاطلاق أنه كان الأقوى، لذلك بالامكان القول أن السعودية طوال الفترة التي أعقبت مرض فهد كانت مملكة بدون ملك.
[align=center]تفاؤل [/align]
> الآن هناك ملك رسمي لديه تصوّر وخطط، ألا يدعو ذلك إلى التفاؤل؟
< بصراحة لا. المملكة لا تزال بدون ملك حقيقي حتى بعد تنصيب عبدالله ملكاً. عبدالله كان قبل ذلك ملكاً بحكم الأمر الواقع، والعالم في الخارج كان يتعامل معه على أنه الملك أو القائم بأعمال الملك. لكن السعوديين والخليجيين يعرفون أن نايف وأمراء آخرون كانوا ولا زالوا يُمسكون بسلطات حقيقية تزعزع إرادة وحكم وسلطة عبدالله في الداخل. نحن نخشى أن تستمر هذه الحالة. عبدالله ملك في الخارج، لكن هناك أكثر من ملك غيره في الداخل. على كل حال هناك الآن السياسة النفطية والوضع في العراق، والموقف منه ومصير مبادرة عبدالله للسلام في الشرق الأوسط التي طرحها قبل عدة أعوام في قمة بيروت، وهناك الوضع الداخلي وهي كلها تحديات معقدة تواجه الملك الجديد وسنرى ما سيفعل.
> لكن هناك مبادرات اتخذت بعد تولي عبدالله الحكم، أليس من المفروض الانتظار للحكم عليها؟
< الانقسام والتمايز في السياسات والمواقف والسلطات والذي بلغ حد التناقض احياناً، هو الذي طغى على السطح على مدى السنوات العشر الاخيرة. مثل هذا الأمر قد لا يكون مقبولاً لا في السابق ولا حالياً، لكن لا نريد أن نطلق الأحكام جزافاً ولا نريد أن نستعجل الامور. نعم قد يتطلّب الأمر الانتظار لبعض الوقت. فقد يتمكّن عبدالله من إعادة الأمور إلى نصابها أي استعادة زمام الأمور بيده وحده بالطريقة التي حكم بها فهد إلى ما قبل مرضه وأيضاً الملوك السابقين ، فإذا نجح عبدالله فإن التفاهم معه قد يكون ممكناً وكذلك حال الاصلاحات إلى أن تتضح صورة المستقبل. أي أن كل الممكن يعتمد على عبدالله.
[align=center]الصف [/align]
> ما هي نسب إمكانية نجاح الملك عبدالله في توحيد صف الحكم ووقف الانقسامات والمنافسة على السلطة؟
< عبدالله لا يجهل أن المواقف والسياسات التي يُنادي بها ولي عهده الامير سلطان، بعد أن ضمن المنصب رسمياً، وهي توجهات بالامكان الحكم عليها على أنها تتناقض كلياً مع ما ينادي به هو الملك وما يسعى اليه، لكن الملك يعرف جيداً أن ما يطرحه سلطان لا يمثل سلطان وحده، وإنما يترجم مصالح ومواقف التيار السديري، وبالتالي يمكن القول أن سلطان يمثّل مدرسة مختلفة في الرؤساء والمصالح وطريقة التعاطي مع الحكم، ومع الناس في الداخل، ومع العالم ككل. وكلنا يتذكر ما قاله سلطان قبل عام من الآن وعندما كان يجيب على تساؤلات مطروحة بشأن مجلس الشورى، وما إذا كان يتوجّب تعيين الأعضاء أو اختيارهم عن طريق الانتخاب الحر المباشر، قال سلطان يومها أن أعضاء مجلس الشورى لا يجب أن يتم انتخابهم عن طريق المواطنين، وإنما يجب أن يتم تشكيل مجلس الشورى بالتعيين، لأن الانتخاب يعني أن يأتي المجلس بإدارة شعبية، وهو ما يعني أن الناس قد ينتخبون أميين، لذلك من الأفضل أن نتولّى نحن تعيين أعضاء المجلس. وهذا هو نفس موقف نايف الذي أودع من قبل الاصلاحيين الثلاثة السجن. والذي جاهر أيضاً بعدم قبول آل سعود بكلمة إصلاح، لأنها تعني الاقرار بوجود أخطاء في طريقة الحكم، وطالما أن الحكم في المملكة يستند إلى الشريعة الاسلامية، فأنه لا يجوز القول بأن هناك أخطاء في الحكم. لذلك وما زال الكلام على لسان نايف: لا يسمح باستخدام إصلاح وإنما تطوير أو تنمية بدلاً منها.
> الناس خارج المملكة لا تعرف حقيقة ما يجري، لكن هل الوضع معقّد إلى هذه الدرجة؟ وهل طرق الاصلاح مغلقة في وجه عبدالله تحديداً إن اراد الاصلاح، حتى وهو ملك؟
< نعم، الأمر معقّد للغاية وهناك انقسامات خطيرة في المواقف والتطلعات. وبسبب قوة أحد طرفي المعادلة فإن في ذلك خطراً على الطرف الآخر. نعم الوضع مقلق لأن الكل يعرف الآن، أن المطالب بالتوافق مع المستقبل مطالب حقيقية ولن تتحقق بدون الاصلاح الفعلي. ستكون المرحلة القريبة المقبلة بمثابة المحك والمجس الحقيقي لطبيعة الحكم في عهد الملك عبدالله. نعرف أنهم سيقبلون بتطوير النظام الأمني على الأقل لحماية أنفسهم، وللحفاظ على الحكم وهذا أولاً وثانياً لحماية آبار النفط ووسائل النقل ومصادر الشحن، بغية تحاشي خسارة دعم الغرب للعرش، حتى لا تصبح ضمانات بقاء آل سعود في الحكم فترة أخرى، بحكم المعدومة.
[align=center]دعم [/align]
> هل تقصدين أن الولايات المتحدة قد تتقاعس عن تقديم الدعم اللازم للملك عبدالله لتمكينه من إجراء الاصلاحات اللازمة وترجيح كفته على الفريق المحافظ الآخر؟ هل يمكن أن تتخذ واشنطن موقفاً محايداً بانتظار أن يحسم الفريقان الصراع على الحكم ومن ثم تتعامل بعد ذلك مع الطرف المنتصر؟
< الادارة الأميركية الحالية مهتمة فقط بالنفط وبالأمن الذي يحيط بالحقول والآبار والنشاط النفطي بشكله العام من الاستخراج إلى التصدير. أنا لا اعتقد أنهم جادين في جعل الديمقراطية حقيقة واقعة في السعودية بالطريقة التي يتحدثون بها عن الديمقراطية التي يريدونها في دول أخرى.
> هل لهذا الأمر علاقة بسياسة الكيل بمكيالين التي تمليها المصالح وتجعلها قبل المبادئ؟
< نعم، بكل أسف، السعودية معفية إلى درجة ما من الاشتراطات والمطالب الأميركية التي تفرض على الدول الأخرى، لكنهم ما زالوا مطالبين أمام الآخرين وخصوصاً المواطنين الأميركيين بإظهار الحرص على دمقرطة نظام الحكم في السعودية. وكلنا يتذكّر أن الملك عبدالله، قد استبق آخر زيارة قام بها إلى الولايات المتحدة وهو ولي للعهد قبل وفاة فهد، وكان ذلك في شهر نيسان (إبريل) الماضي، بالزعم بأنه أي عبدالله قد أدخل متغيّرات مهمة وتحقيق نجاحات أساسية في إطار الديمقراطية على الساحة السعودية. عبدالله استبق الزيارة الرسمية التي تمت تلبية لدعوة من الرئيس الاميركي، بالاعلان عن نجاح أول انتخابات بلدية جزئية في المملكة، بالاضافة إلى قرار اتخذه بتوسعة نصاب مجلس الشورى من ١٢٠ إلى ١٥٠ عضواً.
[align=center]حقيقة [/align]
> لكنها نجاحات يرى فيها البعض أنها حقيقية وعبدالله هو الذي حقّقها وبقرار منه، أليس ذلك صحيحاً؟
< لا، ليس صحيحاً. فهي وإن كانت خطوات قد تمت بالفعل سواء المتعلقة بالانتخابات أو توسعة الشورى، لكنها لا تزال خارج تطلّعات المثقّفين والمتعلّمين المتطلعين إلى قدر ولو محدود من الديمقراطية الحقيقية. ذلك أن الانتخابات البلدية الجزئية ظلت عملية منقوصة، ولا تلبي مطالب الاصلاح وإن كانت تحسب في هذا الاطار، في حين إن إضافة المزيد من الأعضاء إلى مجلس الشورى، وهو مجلس معيَّن ومجرَّد من الاختصاصات الحقيقية لا يعني سوى إضافة متحدثين آخرين في غرفة مغلقة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد حمل عبدالله معه يومها رسالة بالخط العريض للادارة الأميركية (لقد حققنا نجاحات كبيرة ومهمة في الحرب ضد الارهاب قادت إلى تفتيت تنظيم القاعدة في المملكة) وهو ما تمّ بالفعل.
> بعيداً عن الحكم أو إبداء الرأي بصحة أو عدم جدوى الانتخابات الناقصة أو حقيقة دور المجالس البلدية، وما يمكن أن تقوم به، وفي ظل ظروف إجرائها وما أحاط بها، ألاّ تعدّ مثل هذه الأمور إنجازات باسم عبدالله مع أنها جرت في عهد فهد؟ هل كان بمقدور الأول، وهو كان ما زال ولياً للعهد، والثاني كان ما زال على قيد الحياة، أن يفعل أكثر من ذلك؟
< بغض النظر عن صحة استنتاج من هذا النوع، لأن كل شيء يمكن أن ينسب إلى عهد فهد، حتى وإن كان عبدالله قائماً بأعمال الملك وهو الذي أقدم على هذه الخطوات المهمة في نظر البعض، لكن المهم في هذا، هو أنه وفّر الفرصة للادارة الأميركية لتقول لشعبها أن إدارة بوش نشرت الديمقراطية في كل مكان في العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تُعد من أكثر الدول محافظة وتشدداً وتطرفاً في الشرق الأوسط، وهي الدولة التي صدَّرت لهم الارهاب في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١.
[align=center][align=center]تخويف [/align][/align]
> هل تقصدين القول أن هذا الأمر قد ينطلي على المواطن الأميركي العادي لكنه لن ينطلي على الادارة الأميركية نفسها؟
< الحكم في السعودية أخاف الأميركيين عندما بدأ يلوّح لهم بما يشبه الانذار، بأن البديل المتاح في المملكة عنهم، هو وصول الاسلاميين المتطرّفين إلى الحكم في أية انتخابات ديمقراطية حقيقية وشفافة. نعم قالوا لهم لقد فعلنا المستحيل للسيطرة على الانتخابات لإبقاء التوازن قائما والحيلولة دون هيمنة المتشددين على المجالس البلدية، لأنهم قادرين بنفوذهم على اجتياحها بالكامل.
> ما شأن الاميركيين، وهم في دولة تمتلك كل أدوات القوة، بمن يحكم السعودية إذا ما جاء بانتخابات ديمقراطية، لأن من يأتي عن طريق الانتخاب لا بد وأن يكون مؤمناً بالديمقراطية ولو بقدر محدود بخلاف آل سعود؟
< مثل هذا التحذير أو الانذار باحتمال فوز الاسلاميين بالانتخابات أمر يؤرق ويخيف الأميركيين. هذه حقيقة لا يمكن التغافل عنها، لذلك يفضّل الأميركيون حتى هذه اللحظة تأمين متطلبات بقاء آل سعود في الحكم بدلاً من وصول متشدّدين يصعب أو يستحيل التفاهم والتعاون معهم. الأميركيون ينظرون إلى الأمر من زاوية أنهم يعرفون كل شيء عن آل سعود، بعد أن تعاملوا معهم على مدى عدة عقود. ويعرفون أن آل سعود سوف لن يوقفوا عنهم إمدادات النفط أبداً. لذلك كيف يمكن أن يفوز الاسلاميون في أي انتخابات؟ في النهاية آل سعود أرضوا الأميركيين بمثل هذه الادعاءات، في نفس الوقت الذي صمتت فيه أميركا عن تهميش الليبراليين السعوديين في الداخل على أيدي النظام.
[align=center]حرب[/align]
> لماذا يُتهم آل سعود بدعم الاسلاميين والتوجّه الوهابي تحديداً، بينما هناك حرب معلنة بين الطرفين حالياً؟ وما صحة المزاعم من أن أحدهما جزء متمم للآخر؟
< مثل هذا القول ليس دقيقاً، لا بالشطر الأول، ولا في الثاني منه. لقد نجح النظام في المملكة بتحجيم القاعدة. هذا الأمر صحيح. والتحجيم شمل قوة القاعدة وانتشارها ونفوذها وسطوتها على الشارع السعودي. لكن الوجه الآخر للأمر أكثر بشاعة وسلبية، فقد فرض آل سعود واقعاً جديداً جعلوا فيه كل شيء يدين بالولاء لهم وحدهم وليس للدولة والمجتمع. لقد سحبوا البساط إلى حد ما من تحت أرجل الاسلامييبن الراديكاليين ومن يسمونهم بالفئة الضالة غير أنهم استثنوا النساء وهم نصف السكان من الانتخابات! والنساء قوة لا يستهان بها في المجتمع ولا يمكن التقليل لا من دورها ولا من أهمية فاعليتها في الحياة العامة وفي البيت. وقد أستبعد النظام الاصلاحيين والليبراليين، فيما عزفت الأغلبية الصامتة وهي فئة ثالثة مهمة لا تؤمن بجدوى الانتخابات، في مثل هذه الظروف والمؤثرات وغياب عامل العدالة وحرية الرأي والحق في التجمع والتنظيم. ويترافق مع كل هذا عدم وجود أي نوع من تساوي الفرص بين المرشحين وهذا يشمل حتى الاسلاميين العصريين المعتدلين المؤمنين بأهمية التطور والاصلاح والتعايش مع الغير والتأقلم مع التطوّر الذي يسود العالم. حتى هؤلاء لم يشاركوا في الانتخابات وإن شارك عدد محدود منهم فيها. وقابل ذلك تركيز الدعم الحكومي على قوة واحدة في المجتمع قد لا تشكل اكثر من ربع السكان . وهؤلاء هم السلفيون الذين حصلوا على كل أنواع التسهيلات لأنهم جزء من أدوات السلطة. أعتقد أن هذه الحقائق يجهلها الكثير من الناس لا سيما الغرب وبقية المسلمين خارج المملكة.
> لا يُعرف ماذا تحديداً هل يمكن الايضاح أكثر؟
< الحقائق المهمة التي لا يعرفها الناس في الخارج، هي أن الانتخابات لو جرت بشكل صحيح وفي ظروف موضوعية، وبمشاركة كل المستحقين من الجنسين وبشكل منظم، وباشراف داخلي صحيح ورقابة دولية، لاندهش العالم من عدد المتعلمين والمثقفين والمفكرين الذين سيشاركون فيها ونسبة الذين سيفوزون منهم من الجنسين.
[align=center]المرأة [/align]
> أيضاً دعيني اسألك: ما الذي تريدين قوله بالضبط؟
< لا بديل عن تمتع كافة المواطنين السعوديين ومن ضمنهم المرأة، بكامل حقوقهم السياسية، وفي مقدمة هذه الحقوق المشاركة في الانتخابات، والتنافس على المقاعد بدون قيود وبدون ضغوط وبدون مؤثرات أو توجيه. لا بد أن يدرك آل سعود ككل والملك عبدالله تحديداً والحكومة، حقيقة حتمية مشاركة الشعب معهم في الحكم، وأهمية تقاسم السلطات ورسم القرار وبحتمية إشراك المواطن في إدارة أمور الدولة. أنهم يدركون ذلك لكنهم لا يؤمنون بها. لذلك فإن لا تغيير يرجى في الموقف الشعبي المطالب بالتغيير والاصلاح ما لم يتبن آل سعود أو البعض منهم مطالب المواطنين هذه وهي مطالب مشروعة. الأمور لا يمكن أن تتغير للأحسن بدون إصلاحات حقيقية. هناك تسوّس ونخر في البناء العام للدولة والمجتمع، وفي داخل آل سعود أنفسهم والتسوّس قد يُعالج ويقل ضرره وخطره، وأثره لكن بالاصلاح الحقيقي. وقتها سيتراجع العنف وتتضاءل مبرراته.
[align=center]كابوس [/align]
> لماذا يفترض أن يشكّل احتمال وصول الاسلاميين إلى الحكم كابوساً لأميركا؟ هل أن الأميركيين ساذجون إلى هذا الحد؟
< الموقف الأميركي بدأ يتطوّر نحو الاحسن. تجربة أميركا في العراق طوّرت هذا الموقف. المصاعب و التحديات التي واجهتهم في العراق جعلتهم أقرب إلى الواقع، لذلك فقد تيقّنوا الآن أن بالامكان التعامل مع الاسلاميين، لكن الانفتاحيين منهم ومن هم من ابناء أو جيل الاسلام العصري. لقد فوجئ الأميركيون بوجود طوائف عصرية أخرى في الاسلام لا تعارض ولا تحارب ولا تحرم التعايش والتعامل مع الغير، ومن هذه الطوائف الشيعة وبعض المذاهب السنيّة الأخرى. وهكذا وسواء في مصر أو في أي مكان أو دولة أخرى في العالم العربي أو الاسلامي، هناك إسلاميون عصريون متحضرون وواقعيون ويمكن التعامل معهم. وأنا افترض أن آل سعود والمؤسسة الدينية، حتى وإن تطوّروا ولبسوا ثوب الاسلام العصري، إلاّ أن الرهان عليهم خاسر وغير مجدٍ. لكن الادارة الأميركية لا تتفق معنا في هذا الرأي، وترى في بعض الأمراء الذين يتعاملون مع الطبقة الوسطى من الناس حلاً وخروجاً من الأزمة. إذ أن التصعيد الارهابي الذي يُنسب إلى المتطرفين والجماعات الاسلامية، والشعارات والفلسفة الفكرية المتطرّفة التي يطرحها أسامة بن لادن، ولجوء أبنائه العقائديين إلى العنف ووجود مخاوف حقيقية باحتمال تهديدهم لمنابع النفط، كلها أمور ربما تستخدم سلاحا لإخافة العالم. وهذا الأمر ربما يدفع الاميركيين وبقية الغرب لعمل كل شيء من اجل حماية آل سعود من السقوط لانهم على قناعة بأن وجود الاسلاميين في الحكم في دولة مثل السعودية ليس له أكثر من معنى واحد، ألاّ وهو امتلاك الارهابيين لوسائل القوة للسيطرة على المنطقة. بينما مساعدة آل سعود للبقاء في الحكم تعني تقليص فرص وصول الاسلاميين إلى الحكم سواء في المملكة أو في دول أخرى.
[align=center]لا أمل [/align]
> ما هي فرص وصول جيل الشباب المتعلم المثقف المؤهل سواء من آل سعود أو من العامة إلى الحكم في الرياض؟
< جيل الشباب! إذا كان الأمراء الصغار من آل سعود نفسهم يائسين من هذا الأمر، فماذا يُقال عن السعوديين من العامة؟ الترتيب الحالي للحكم يحرم الأمراء المتعلمين وبعضهم مثقف ومؤهل، يحرمهم من فرص الحكم والوصول إلى السلطة. الواجهة أو الحكم الآن محصور بفئة، أفرادها أعمارهم بحدود الثمانين فما فوق أو أقل بقليل. عدد الأمراء الكبار الذين هم بهذا العمر كبير وكلهم من أبناء عبد العزيز. ولكل منهم دوره الذي يسبق سواه. هؤلاء الكبار بالعمر والمكانة داخل الأسرة الحاكمة، لم يعطوا ولا يرغبون بإعطاء جيل الشباب أي فرص في الوصول إلى السلطة، ولا التمتع بأي نوع من القوة والنفوذ. وأعتقد أن هذه المعضلة تشكّل إحدى أهم التحديات التي تواجه الملك عبدالله. فهو مطالب من جهة بالحفاظ على السلطة، ومطالب بأن يتعامل مع مصاعب متزايدة ناشئة من مطالب آلاف الأمراء الصغار الجدد بالمرتبات والامتيازات، وبالحصول على مواقع في الحكم والسلطة أسوة بما يحصل عليه الكبار وبعض من هم أهم منهم في الترتيب الأسري. ربما يكون عبدالله قد فعل كل ما بوسعه من إصلاحات قبل أن يتولى الحكم رسمياً، لكنه أي عبدالله يعلم بحقيقة المشكلة في المملكة. ويعلم بمواطن الخراب والخلل في آل سعود وفي الحكم بشكل عام ويعلم باحتياجات المجتمع، ويعلم بما يمكن أن يشكّله تجاهل الاصلاح من تحديات له بالمملكة ككل، ويعلم ايضاً بخطورة الاستجابة أو عدم الاستجابة لمطالب الامراء الشباب في حال عدم توافر العدد الكافي من الوظائف لبقية السعوديين.
> هل يشكّل عدد أبناء آل سعود مشكلة للملك الجديد، خاصة وان المطالب والامتيازات التي يتمتّع بها الأمراء الكبار الحاليين تشكل مبالغ تفوق ميزانيات دول بأكملها؟
< هل تعلم أن الأسرة الحاكمة في السعودية هي أكبر أسرة حاكمة في العالم! وأن كل واحد من آل سعود يتطلع إلى دور في الحكم وإلى حصة من عائدات النفط. وقد حاول عبدالله عندما كان ولياً للعهد وفي آخر سنتين تحديداً التقليل من أبعاد هذه المشكلة، والعمل على تغيير نظام الامتيازات. الآن عليه أن يواصل العمل في هذا الاتجاه، مستفيداً من منصبه الجديد، الذي يفترض ان يعطيه القدرة والسلطة على وقف الهدر في المال العام والبذخ المبالغ فيه، واصلاح الخلل في سلوك الكثير من أمراء آل سعود. وايضا العمل على معالجة الفساد في النظام القضائي.
> هل سيقبل الأمراء الجدد بامتيازات ناقصة او وظائف عامة؟
< أغلب الأمراء الشباب ينتظرون الحصول على مناصب قيادية وأخرى مرموقة في الدولة، سواء كحكام للمناطق أو وزراء أو وكلاء أو سفراء أو مدراء عامين، بعضهم بل عدد كبير منهم قد تعلّم وتخرّج من جامعات ومعاهد معروفة، وبعضهم يحمل شهادات علياً ومعه تخصصات. إلا أنهم جميعاً لا يريدون إلاّ وظائف في إطار دائرة السلطة وصنع القرار. أي ليست وظائف كالتي يطالب بها بقية المواطنين. ماذا بقي إذن للمواطن السعودي؟ ماذا عن حقوق ومطالب المواطنين غير الامراء، ماذا عن المتعلمين وحملة الشهادات العليا من غير آل سعود؟ هل يتوجّب على هؤلاء الاستمرار في الاعتماد على الواسطة للحصول على حقوقهم أو بعضها؟ كيف سيكون بإمكانهم تخطي العوائق والحواجز للحصول على حق الخدمة في بلادهم؟ هذا الأمر ينطبق على السعوديين غير الأمراء من الجنسين أي الرجال والنساء معاً. لذلك أعتقد أن الملك عبدالله مطالب بالتخلّص من موروث سيَّئ يفرق بين الرجال والنساء في الوظائف ومواقع العمل وفي الامتيازات وفي الحقوق العامة.
[align=center]في لقاء مع مجلة المشاهد السياسي (المملوكة والممولة من الحكومة القطرية)
2005-12-18 [/align]