بقلم ليونيد الكسندروفتش - جامعة سيبريا 28/10/2007
هل كانت المعلومات حول احتمال تعرض الرئيس بوتين لمحاولة اغتيال في طهران تمثيلية ابتدعتها موسكو أو طهران أو اتفقا عليها معا؟

سؤال مطروح على الساحة، ولكن في موسكو و في طهران كان التعامل مع هذه المعلومات على أعلى مستوى من الجدية والاهتمام، فقد أعلنت حالة الطوارئ القصوى قبل وصول بوتين لإيران سواء في موسكو أو في طهران، وتم حشد كتائب من قوات الأمن الإيرانية في المناطق التي سيتواجد فيها بوتين.

وتم نشر المئات من القناصة على أسطح المباني التي سيتواجد فيها بما فيها مقر المرشد العام خامنئي الذي التقى به بوتين فى لقاء مغلق لم تعلن تفاصيله، أما في الفندق الذي نزل فيه بوتين فقد اتخذت إجراءات غير عادية من الفحص الدقيق والتفتيش لكل متر في الفندق ووصل الأمر لدرجة تغيير بلاط أرض الجناح الذي نزل فيه بوتين.

أما في موسكو فكانت حالة الطوارئ معلنة في الحكومة وكافة أجهزة الدولة العليا و مؤسسة الرئاسة في الكريملين وأيضا في الأجهزة العليا للأمن والاستخبارات والجيش تحسبا لأية مفاجأة كارثية ممكن أن تحدث في حالة وقوع الخطر المحتمل وتعرض بوتين للاغتيال، إذ كيف لروسيا أن تصبح فجأة بدون قائدها الوطني الذي تتعلق به الملايين ويضعوا عليه كل الأمال ويطالبونه بالبقاء في الحكم رغم عدم سماح الدستور له بفترة رئاسة ثالثة.

لقد كشفت هذه التجربة عن أشياء كثيرة لم تكن معروفة من قبل سواء على الساحة الداخلية في روسيا أو في قضية النووي الإيراني. لقد قال بوتين للصحفيين في ألمانيا عندما سألوه عن تصميمه على السفر لإيران رغم احتمال تعرضه للاغتيال، فأجاب بوتين بأنه لو استمع لتعليمات الأمن دائما لما خرج من بيته، و هذا يعني أن حياة الرئيس بوتين كانت دائما معرضة للخطر.

وأنه هو في حد ذاته هدفا رئيسيا لجهات معينة ترى فيه مشكلة كبيرة وعقبة رئيسية أمام مصالحها، وليس من المستبعد أن تكون قد بذلت من قبل محاولات لاغتيال بوتين أحبطتها أجهزة الاستخبارات والأمن الروسية، ولقد سمعنا من قبل عن تهديدات مباشرة من جهات معينة تريد إزاحة بوتين عن الساحة السياسية بأية وسيلة.

ومنها تصريحات لرجل الأعمال الروسي اليهودي الهارب في لندن بوريس بيرزوفسكي والمطلوب أمام القضاء الروسي في قضايا اغتيالات سياسية وتهرب من الضرائب وأنشطة مشبوهة لعصابات مافيا، و مازال بيرزوفسكي وأمثاله الكثيرون من قادة عصابات المافيا في روسيا يخططون للتخلص من بوتين الذي حطم أحلامهم هم و من ورائهم في الغرب في السيطرة على الاقتصاد الروسي والتحكم في صناعة القرار السياسي في الكريملين وهو الوضع الذي كان متاحا لهم بشكل كبير في عهد يلتسين.

أما على الساحة الخارجية، وبالتحديد في الشأن الإيراني، فقد لاحظ الجميع تصميم الرئيس بوتين على السفر لطهران، واتضح فيما بعد أن الهدف لم يكن حضور قمة بحر قزوين بقدر ما كان الهدف تقديم الدعم السياسي الكبير لإيران بلقاء قادتها وإرسال رسالة واضحة لواشنطن ولإدارة الرئيس بوش تعني أن إيران ليست وحدها وأن على هذه الإدارة الهائجة المتعطشة للمزيد من الحروب أن تتراجع عن مخططاتها التي ستؤدي لكوارث إقليمية وعالمية لا طاقة لأحد على تحملها.

كما كان واضحا أيضا أن الهدف من قمة قزوين في إيران ليس مناقشة القضايا والمشاكل القائمة بين دول البحر الخمسة حول تقسيم ثرواته بقدر ما كان الهدف هو توجه رؤساء الدول وعلى رأسهم بوتين إلى إيران في هذا التوقيت بالتحديد.

ومن الواضح أن الرئيس بوتين نجح في إقناع الرؤساء الثلاثة الأذربيجاني والكازاخستاني والتركماني على السفر لإيران رغم اعتراضهم أو على الأقل اعتراض بعضهم مثل الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف الذي يوجد بين نظامه ونظام إيران الإسلامي خلافات عميقة بسبب دعم طهران لأرمينيا المسيحية في نزاعها مع أذربيجان حول إقليم «ناجورنا كاراباخ ».

في الوقت الذي توجد فيه علاقات قوية ووطيدة بين نظام عالييف وواشنطن التي تسعى لتوطيد وجودها العسكري في أذربيجان.

لقد اتضح من البيان الختامي للقمة في طهران أن القادة الخمسة اجتمعوا فقط لدعم موقف إيران في ظل تصاعد أزمتها مع الغرب وواشنطن حول برنامجها النووي، وانعكس هذا في البيان الختامي للقمة الذي رفض القادة فيه أي تدخل عسكري أجنبي في منطقة بحر قزوين وأعلنوا جميعا رفضهم القاطع لاستخدام أراضي بلادهم لشن أي هجوم على أي دولة منهم.

لقد كشفت هذه القمة بوضوح عن مدى الدعم الروسي القوي لإيران، وهو الأمر الذي حامت حوله بعض الشكوك في الآونة ألأخيرة بعد ظهور مشاكل بين موسكو وطهران حول إتمام تنفيذ محطة بوشهر الكهروذرية، وقيل أن موسكو خضعت لضغوط وربما لإغراءات من واشنطن والأوربيين للعدول عن تعاونها مع إيران.

ولكن الرئيس بوتين دحض كل هذه الشائعات والأخبار وصرح في طهران علنا بأنه لم يأت لينقل رسائل من واشنطن أو غيرها لطهران وأنه على يقين من سلمية البرنامج النووي الإيراني وعدم سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية.

دعم روسيا لإيران وتصميم الرئيس بوتين ومجازفته بالسفر لطهران رغم احتمال تعرض حياته للخطر يعني بوضوح أن مصالح روسيا نفسها وليس إيران بالتحديد أصبحت معرضة للخطر من جراء تصاعد أزمة النووي الإيراني، و هذا ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في انفعاله الشديد في لقاء وزراء الدول الخمس الكبرى وألمانيا والذي طرحت فيه واشنطن تشديد العقوبات على إيران.

عندئذ جرت مشادة كلامية بين لافروف ونظيرته الأميركية رايس حيث اتضح أن تشديد العقوبات لا يستهدف فقط إيران بل سيضرب مصالح روسيا وأيضا الصين مع إيران وسيحدد من تعامل دول آسيا الوسطى مع إيران وهذا يعني تمهيد لتنفيذ خطط واشنطن والأوربيين في نقل خطوط أنابيب النفط والغاز من بحر قزوين خارج الأراضي الروسية.

كما ان تشديد العقوبات سيمهد بالقطع لتوجيه ضربة عسكرية لإيران مما سيتبعه في المستقبل القريب تواجد عسكري أميركي في وسط آسيا وفي بحر قزوين بالتحديد وسيكون في هذا بالغ الضرر لمصالح روسيا الأمنية والاقتصادية في المنطقة، ناهيك عن أن ضرب إيران أو تشديد العقوبات عليها سيكون بمثابة تحذير لباقي دول العالم كله إذا ما فكرت في التعامل النووي مع روسيا.

وهذا في حد ذاته ضرب مبكر لتواجد روسيا في هذه السوق الواعدة التي تأمل أن تحتل فيها مكانة متميزة، من أجل هذا وغيره كان تصميم بوتين على التوجه لإيران رغم احتمال تعرض حياته للخطر هناك، إنها في النهاية مصالح روسيا نفسها.

وليس من أجل إيران أو غيرها ولا من أجل صناعة بطولات واستعراضات سياسية موسكو في غنى عنها تماما الآن في ظل سياستها الجديدة المنفتحة على العالم كله بعيدا عن الأيديولوجيات والاستراتيجيات التوسعية والطموحات الإمبراطورية التي يتهمها بها الغرب وواشنطن.