كتاب محمد محمد صادق الصدر "مرجعية الميدان"
كتابات - قراءة وتقويم / عبدالله سعيد .. تقديم / منقذ سليم
تمهيد:
مرت الذكرى الثامنة لاستشهاد المرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) ولم تسلط الأضواء على هذه الشخصية العظيمة الفريدة الفذة بما تستحق من أتباعه الذين يحسبون أنفسهم عليه ولا من غيرهم مع شديد الأسف، بل لم نقرأ أو نسمع خلال هذه الذكرى التي أقيمت له فيها الاحتفالات من قبل محبيه ومبغضيه على حدٍ سواء، لم نقرأ أو نسمع مقالاً أو حديثاً يليق بهذه الشخصية الكبيرة في وسائل الإعلام المرئية والمقرؤه والمسموعة مع شديد الأسف، والعجيب أننا نرى أهتماماً ملفاًً للنظر من كتاب الانترنت ـ وخصوصاً العراقيين منهم ـ ببعض الشخصيات التافهة في ذكريات وفاتها ورحيلها ولا نرى لهم أهتماماً مماثلاً للكتابة عن الشخصيات العظيمة الفذة كالمرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) وأتسال في سري وعلني هل لا يوجد لهذا الرجل تاريخ جهادي ناصع البياض يستحق ان يكتب فيه؟ وهل لا يوجد لهذا الرجل آثر فكري وثقافي ثر يمكن ان يكون مادةً دسمة للكتابة ومطمحاً وصيداً ثميناً للباحثين؟ وهل، وهل، وهل، لعل الأسئلة تكثر اذا تسلسلنا بها وعلينا ان نكسر سنان القلم كما كان يقول (قدس سره)
العجيب والغريب في الأمر عزوف المحسوبين عليه أو المحسوب هو عليهم بالكتابة عنه، مع العلم ان أفكار هذا الرجل ما زالت بكراً لم يفتضها أحد كما يقولون.
ولكن ما سبب هذا العزوف يا ترى؟
هل يمكن ان يكون ما كتبه الأستاذ عادل رؤوف في كتابة (محمد محمد صادق الصدر ـ مرجعية الميدان ـ مشروعه التغييري ووقائع الأغتيال) قد تكفل بالاحاطة بحياة وجهاد هذا المرجع العظيم أم ان في الأمر سراً لا نعرفه؟؟؟؟؟؟
وانا في غمرة الذكرى الثامنة لشهادة هذا المرجع الفذ وفي غمره ما أراه ممن يحسبون عليه من تصرفات وافعال واقوال لا تمت إلى هذا الرجل بصلة، رأيت ان خير ما أنبه به هؤلاء الغافلين وكلنا غافلين بحمد لله، هو إعادة نشر المقال الذي كتبه الأستاذ عبد الله سعيد في صحيفة (المنتدى/العدد36/16 ـ31 كانون الأول1999) الصادرة في ايران يومذاك، قراءة وتقويماً لكتاب الأستاذ عادل رؤوف (محمد محمد صادق الصدر ـ مرجعية الميدان ـ مشروعه التغييري ووقائع الأغتيال) بعد فترة من صدوره في دمشق سنة 1999م، ففي هذا المقال نقاط مهمة ومهمة جداً مستقبلية (استشرافية) ينبغي ان نعيد قراءتها بعد مرور ثمان سنوات من كتابتها، وخصوصاً لأولئك الذين أنبروا للرد عليها يومذاك، ليروا صحة أو خطأ تصوراتهم التي كتبوها يوم ذاك بعد مرور كل هذه المدة من السنين.
نص المقال:
صدر في دمشق للأخ الأستاذ عادل رؤوف مؤخراً كتاب(محمد محمد صادق الصدر: مرجعية الميدان: مشروعه التغييري ووقائع الاغتيال) ويقع الكتاب في 448 صفحة من القطع المتوسط.. والكتاب ملاحقة واسعة لمرجعية السيد الشهيد محمد الصدر (رض) منذ بدايات مرجعيته ذات العمر القصير حتى استشهاده المفجع 19/شباط 1999.
وقد أمتاز الأخ الأستاذ رؤوف بأسلوبٍ رائعٍ في العرض وطريقة أكاديمية عالية في التحليل، واستفاد من الأرقام والأحداث، والوقائع بشكلٍ مناسب وقام بعملٍ أرشيفي واسع لدراسة هذه الظاهرة التي حظيت بجدلٍ واسع في أوساط العراقيين في المهجر، وبدرجةٍ معينةٍ في داخل العراق.
ومع أهمية الدراسة التي قام بها الأخ رؤوف إلاّ انها لا تزال مبكرة جداً بسبب الحالة العاطفية التي ترافق الحديث أو الدراسة لهذه القضية وامثالها، اضافةً إلى وجود عقدة مزمنة في مثل هذه الدراسات ترافق الكاتب الشيعي عند دراسته لبعض التجارب ذات الأبعاد الدينية حيث يربط الباحث من هذا القبيل بين الحالة الدينية والحالة السياسية في بحثه حتى اننا لم نألف بعد نقد الشخصيات الدينية الذين مارسوا العمل السياسي، فحتى اليوم لم تجرِ دراسات معمقة تنتهي بتقييم اخلاقي مناسب للموقف السياسي لقادة ثورة العشرين الذين لم يضعوا أهدافاً مرحلية لحركتهم، ثم انتهوا إلى القبول بالملك فيصل الأول ملكاً على العراق عام 1921م، وبايعه بعضهم، وكذا الحال بالنسبة للصراع السياسي الذي رافق حركة المشروطة والمستبدة التي توجت بمذابح وصراعات مؤلمة بين الفريقين في ايران والعراق...
اننا في الوقت الذي نسجل تقييمات اخلاقية دقيقة عن مواقف الصحابة في الصدر الأول من تاريخنا لم نجرأ لحد الآن لمحاكمة المواقف السياسية لبعض العلماء كما لو كانوا معصومين، رغم الملاحظات السلبية التي سجلت عليهم سياسياً.
وفي هذا الضوء فأن أول ملاحظة تقال بالنسبة لكتاب الأخ رؤوف انه سابق لأوانه لأنه محكوم بالأجواء العاطفية المرافقة لقتل السيد الصدر (رض) ظلماً بدرجة عالية إضافة إلى الظروف التي ذكرناها، التي لم نعتد اختراقها لحد الآن، أو لا يشعر بعضنا بضرورتها في الظروف الحالية، ورغم أهمية ما خاض فيه الأستاذ من تجربة إلاّ ان بحثه سيكون وثيقة تسيء للسيد الشهيد السعيد محمد الصدر (رض) بدرجة كبيرة قطعاً، خصوصاً بعد ذهاب السكرة ومجيء الفكرة فمن هذه الأفكار التي وردت في الكتاب وستكون مضرة بالسيد الشهيد (رض) وحركته تاريخياً ما يلي :
1ـ يدعي المؤلف ان السيد الشهيد (رض) كان يؤكد انه (أعلم الأموات والأحياء) ص54، ورغم ان المؤلف لم يذكر مصدراً لما وضعه على لسان السيد الشهيد (رض) إلاّ ان هذه العبارة لها خطورتها في عرف العقلاء، خصوصاً في حوزاتنا العلمية، فالحوزات العلمية، وتاريخ التقليد لدى الشيعة الامامية لم يألف قةلاً لأحد علماء الطائفة انه يعتقد بأنه أعلم الأحياء والأموات، نعم آلف العلماء والحوزة القول بالإعلمية بالنسبة للأحياء من العلماء، والقائلون بوجوب الأعلمية في التقليد من العلماء الذين يطرحون أنفسهم للتقليد بعد شعورهم انهم الأقدر من أقرانهم على استنباط الأحكام الشرعية من مدراكها المقررة ولذا ينصبون أنفسهم للتقليد، ويسمحون بالدعوة للرجوع إليهم من خلال التلاميذ، والرسالة العملية التي تصدر عادةً إنما هي أداة شاخصة لهذا الأعلان..
أما ان يدعي أحد انه أعلم من الأموات والأحياء معاً فلا وجود له في عرف الطائفة الشيعية، فما تقول الأجيال القادمة اذا قرأت هذا القول المنسوب للسيد الشهيد المظلوم (رض) يا ترى؟
2ـ يؤكد الكاتب في بحثه (أزمة الفقه السياسي) من الكتاب ص12 ان السيد الشهيد الصدر الثاني (رض) لم يترك نصاً سياسياً مدوناً، وإنما ترك (تجربة ميدانية، وبعض النصوص ذات المدلول السياسي)ص12، ويقول الكاتب في ص15 ما يلي :
((اننا عندما نقول : ان الصدر الثاني لم يترك نصوصاً سياسية كافية، فإننا نعني النصوص السياسية بمعناها المباشر، والمرتبطة بمجالين من المجالات: مجال النص المرتبط بفكر الدولة والسلطة ومجال النص السياسي المواجه لسلطة صدام حسين))..
فإذا كان السيد الشهيد (رض) لم يكتب شيئاً عن الدولة والسلطة، ولم يترك نصوصاً تتحدث عن صدام واجرامه، وبعده عن الحق، وضرورة اسقاطه، وامثال ذلك، فلماذا يدعي انه اراد أسقاط صدام، فدافع صدام عن نفسه وعن حكومته، فأسقط السيد الشهيد (رض) قتيلاً بعد شعوره بخطورته على وجوده!!
ان هذا المنطق لو عرض على محكمة عادية لحكمت لصالح المجرم القاتل صدام حسين ضد السيد الشهيد (رض) وجميع وكلائه الذي يطاردهم النظام المجرم اليوم، ولم نقدم لهم عوناً.. لماذا نسجل الوثائق على أنفسنا ووجودنا؟
اذا كان السيد المظلوم (رض) لم يترك وثيقة سياسية واحدة مباشرة ـ كما يقول المؤلف ـ فلماذا هذا التحكم والأدعاء؟ لماذا لا نفترض: ان السيد الصدر الثاني (رض) رأى الحرب على الاسلام والأنحطاط الأخلاقي المخطط بلغ الذروة في البلاد، فأراد السيد الشهيد (رض) ان ينبه إلى خطورة هذه الظاهرة، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ولذا تجد 90% من خطاباته ذات اهتمام أخلاقي، وروحي، وديني يدعو الناس إلى الله تعالى، ويرشدهم لقول الحق، والدعوة إلى الخير والتعاون، والحب وعلى مستوى الحوزة كان يدعو للأصلاح وتنمية الحوزة العلمية ورفع مستوى الطلبة ولكن هذه الدعوة الدينية الأخيرة بغض النظر عن أهدافها البعيدة، أخافت الطاغية، وارعبت نظامه واجهزته، فقتل هذا الداعية الكبير مظلوماً لأن النظام المجرم لا يحتمل الدعوة إلى الدين والأخلاق والمعروف، وهذا التحليل لمشروعه أهم بكثير من القول انه خطط لأسقاط النظام المجرم، فأسقطه النظام قتيلاً...
أما نحن في قم وطهران، وغيرهما من بلاد المهجر، فقد كنا طوال فترة مرجعية السيد الشهيد الصدر (رض) نفسر الأمور كما نشاء، ونقدم التبريرات لقتل الداعية الأكبر إلى الله عز وجل، كنا في المهجر لا نتحفظ على الأسرار ونفسر الكلمات كما نشاء، ونقدم الأدلة تلو الأدلة لأستعجال الطاغية لقتل السيد الصدر، دون ان نحفظ سراً، هب ان السيد الشهيد (رض) كان يملك خطةً لأسقاط الطاغية، وقد تسربت لنا بعض معالمها، فهل كان من العقل ان نفشيها في الشارع، لنعطي المبررات الكافية للنظام لكي يئد المشروع والخطة المفترضة؟ ان كثيراً من الأصوات غير المنضبطة في المهجر هي التي عجلت بقتل السيد الشهيد الصدر الثاني (رض) وشاركت في دمه، كما ان عدم الأنضباط يلي على بعض أخواننا ان يكتب ان السيد الشهيد (رض) صحيح انه لم يكن يملك مشروعاً سياسياً مكتوباً لكنه كان ذا مشروع سياسي تتضح معالمه من بين كلماته التي ألقاها، ومن مواقف العملية..
حيث أحس النظام بها كما شعر الكاتب! وتوسمها كما توسمها الجالسون في قم وطهران ويفسرون الكلمات كما شاؤوا، ويحملونها ما لم تحتمل حتى قتل الشهيد الصدر (رض)، وقُتل الكثيرون من أتباعه مظلومين، ولم نقدم لهم عوناً..
وبرر بعضنا هذه الجريمة الكبرى بان السيد الشهيد (رض) واتباعه أرادوا قلب نظام الحكم العراقي، فكُشِف أمرهم، فقتلهم الطاغية دفاعاً عن نفسه!!
ان هذه الفكرة هي التي عرضها الأخ عادل رؤوف في كتابه دون أن يجد نصاً واحداً مباشراً عللا مشروع سياسي لدى السيد الشهيد لتغيير النظام ـ كما ذكر ـ في كتابه..
3ـ وفي كتاب الأخ عادل رؤوف يسهب في عدة صفحات منه حول الخلاف المرجعي بين السيد الشهيد (رض) والمراجع الآخرين، ويصفهم بالتخلف، والسكوتية، وترك الأمة، والأنشغال بالذات عن عموم الأمة وهكذا يتحدث عن مرجعية ناطقة ومرجعية ساكتة، وهذا الحديث حول مشاكل المرجعية قديم جداً، يوم وجدت المرجعية في عصر الغيبة، فمواقف المراجع يحددها الحكم الشرعي المستنبط من قبلهم، فمنهم من يرى التقية المكثفة ـ كما يعبر عنها السيد الشهيد الصدر الثاني (رض) ـ ومنهم من يرى الاكتفاء بالبحث والتدريس، والدعوة إلى الإصلاح في الحدود الممكنة ..وهكذا...
والذي يراجع أحاديث السيد الشهيد الصدر الثاني (رض) يجد ان أحاديثه حول المرجعية كانت خاصة يحدث بها جماعة خاصة محدودة، ما عدا حديث في صلاة الجمعة دعا فيه إلى المصالحة بين المراجع الذين خالفوه وكان ذلك قبل استشهاده ببضعة شهور.
أما ان تكون هذه القضية: (الخلافات مع المراجع) مشروعاً من مشاريع الشهيد الصدر (رض) المهمة بحيث تستدعي ان يخصص لها الكاتب حفظة الله تعالى عشرات الصفحات ـ بين بحثه والملاحق ـ فهذه من الإساءات الكبيرة للسيد الشهيد (رض)، فأي عاقل يعرض عليه ان عالماً من علماء الإسلام، كان يعيش ظروفاً كظروف السيد الشهيد (رض) حيث حكم السلطة المجرمة، واذا به يفجر الخلاف مع المراجع علناً وبهذه الطريقة التي يعرضها صاحب الكتاب، ان هذه العاقل سوف يشمئز من هذه الطريقة وتذهب به المذاهب حول منهج هذا العالم..!
فما هي المصلحة يا ترى ان تعرض المشاكل الخاصة بين العلماء أو الجهات العليا للطائفة بين سواد الناس ودهمائهم، حتى يطلع عليها العدو والصديق؟
وهل يا ترى سيقبل السيد الشهيد (رض) ان تستغل كلماته بهذه الطريقة التي ربما كان يفشيها للخواص؟ ثم هل من مصلحة الإسلام، والتشيع ان تعرض هذه المسائل ذات الأبعاد الخاصة بهذا الأسلوب؟ هذا ما أردنا إيضاحه حول كتاب الأخ عادل رؤوف نرجو أن يستفيد منها القراء والكاتب.