حقائق : صحوات غراب البين



كتابات - ابن البلد



جميع الذين يباركون قيام الصحوات المغفلة ضمن المناطق المحلية للعراق ، سواء كانوا يباركونها عن بُعد من مكان إقامتهم في الخارج ، أو يباركونها من الداخل ، هم مغفلون حتى العظم ، وهم ليسوا وطنيين بحق ، فمنهم الشخص الانتهازي الذي لا يشعر بقيمة الوطن ولا عظم المسئولية الوطنية ، ومنهم بياع الضمير الذي حظى بالمقت الشعبي والتربح على حساب حصانة البلد وتدمير الأهل ، ومنهم أيضا مَنْ فضَّلَ سحق الشرف مقابل دولارات شحيحة ، وعيّن حريمه في ثكنات الشبهة تحت إمرة الغزاة ، ومنهم الجاسوس الأخرق ، والعميل الرخيص الجاهل ، الذي لم يدخل مدرسة الكرامة طيلةحياته ، ومنهم المستشيخ الجديد المفضوح بعوراته المخزية ، الذي رغب بتغطية ماضيه المتعفن ، بقذارات السمعة السيئة والسلوك الشاذ ، ومنهم الشرذمة الخائنة ، من ذوي العملاء الدنيويين المقبورين ، على أيدي المجاهدين ورجال المقاومة .

فهؤلاء المرضى كلهم دون استثناء ، يشكلون اليوم ما يعرف بأهل الصحوة أو الإسناد أو الإنقاذ ، وهم يمثلون صحوات غراب البين ...! وماذا سيجلب غراب البين .؟ وهؤلاء جميعهم يلحسون بصاق المحتل ، ويعملون جاهدين كمقاولين ناقصين وطبالين محقرين ، على تنظيف قاذورات المحتل ونزح خزاناته الكريهة ، وإمتاعه بالشهوات والمنكرات ، وهم يتسلحون بعتاده الأثيم ، لمقاتلة العراقيين الوطنيين الشرفاء ومحاربة المقاومين الرافضين للاحتلال ، تحت فرية محاربة القاعدة أو ردع الإرهاب ، شأنهم في هذا الانخراط الهجين ، كالمرتزقة والقتلة والسفاحين والمفسدين ومصاصي قوت الفقراء .

وقد سهَّل المحتلون أمر تسيّد هؤلاء الرعاع ، وإعادة تصنيعهم وتخريجهم من بؤسهم الدنيوي ، وتأهيلهم تحت مغريات المال الحرام والسرقة ونهب المال العام ، وسمحوا لهم لكي يتحكموا بالمجتمع ومؤسساته الحكومية والمدنية ، فأركبوهم الهمرات وأحاطوهم بالحِمايّات والمواكب المُضحِكة ، حتى أصبح مديرو الدوائر الحكومية من أبناء الصحوة ، ويتقاسمون مواردها وخيراتها فيما بينهم بالوراثة والعصبية والنذالة ، وغدت المستشفيات ومراكزها الصحية مناطة بالأطباء الفاشلين والإداريين المتسلقين والمقاولين الفاسدين الأتباع ، وأصبحت الجامعات وعماداتها وبقية قياداتها ، مرهونة بقيادة ظل ، تأتمر بعباءة الشيوخ المقاولين الصغار ، وبعض العقول الضعيفة من أقرباء ذيول الصحوة ، وصارت التعيينات للتوظيف في الدوائر الرسمية ، تجري عبر البيوت والمضائف الهزيلة ومساجد الحزب الإسلامي المشبوه ، على طريقة المحاصصة ، بين أتباع هذا الشيخ الحرامي وذاك الشيخ اللص ، من زمرة الصحوة العميلة ، بل وصل الأمر ، أن يكون الحج وعقب اليمين الكاذب ، حجاً ممنوحاً بين محاصصات الصحوة ، وصهاريج النفط والوقود ، تتوزع بنفس الطريقة بين غربان الصحوة للتابعين والمقربين والسوق السوداء ، عملا بقانون البزنس وسحق الأخلاقيات ، وليذهب الوطن والعراقيون إلى الجحيم .

وإذا ما بحثنا في الامتداد التاريخي لمثل هذه التجمعات غير الشريفة ، وتصرفاتها بهذا الشكل التدميري ، لكينونة المجتمع والمؤسسات والموارد الوطنية ، سنكتشف حقيقة واحدة مؤكدة : بأنَّ أبناء صحوة اليوم والأحفاد ، هم أولئك الذين توارثوا عمالة أجدادهم المقبورين ، منذ زمن الاحتلال البريطاني ، فالعِرقُ دساس كما يُقال ، وحليبُ المراضعِ له علّة في المعلول وحجّة في المدلول على الدال .

واسألوا بعض شيوخ عشائر العراق الأصلاء ، عن الذي خان وأفتُتِن ولم ينجح في امتحان البلاء ودعم الوطن ، سيقولون لكم : هم أجداد هؤلاء العراة ، الذين يلهثون اليوم خلف بساطيل الغزاة بكل عهر ونذالة ...!

اسألوا شرفاء الجنوب في الزبير والبصرة والناصرية والديوانية والنجف وكربلاء والعمارة والكوت والحلة ، سيرشدونكم في لمح البصر ، إلى أولئك الذين انكسرت أنوفهم بانخراطهم أجراء أذلاَّء عند أسيادهم المحتلين ، الذين عافوهم لقصاص يستحقونه عن الخيانة ، بعيد الانسحاب ...!

واسألوا رجالات بغداد الأحرار ومحترمي الأعظمية والكاظمية ، عن السياسيين الغشامى - صانعي المزَّات ومُعدّي موائد الخمرة والسهرات للجنرالات البريطانيين ، الذين داستهم أحذية الوطنيين عند اللزوم ...!

واسألوا أيضا مناضلي ثورة العشرين عن خيانات السامريين والعلقميين ، ومن فصيلة أبي رغال وكلّ كذاب أشِر ، سيقولون لكم : بأنَّ خياناتهم مستمرة حتى اليوم ، عبر صحوات أبنائهم العار ، الذين فتحوا بيوتهم الساقطة ، مطاعماً لولائم الداخلين عنوةً فيها ، لينام بها الجنرالات الأمريكيون ويستحموا ويأخذوا قسطاً من التدليك ، ويتناولوا سمومومهم ومشروبهم فيها على الفرش والملاحف ، مشترطين على سماسرة بيع الشرف أكلات : رز العنبر أو الدولمة أو الدليمية ، أو الكباب ، وأشياء أخرى والعياذ بالله ...!

اسألوا البقية الباقية من لابسي عقال العزة وشرف الوطن من عشائر شمًّر وعنّزة وربيعة والدليم في ديالى وكركوك وتكريت والموصل والأنبار ، سيخبرونكم عن هتك الأستار الحاصلة في بيوت الصحوة ، وعن أسماء العوائل التي أقامت العزائم والولائم والحفلات الصاخبة وتوفير المبيت الفاحش لزمر جيش الاحتلال ، وعن جرائم الضباط المزورين ، بحق أبناء المنطقة ، وكيف هم الآن مع أبناء عمومتهم الجدد من المارينز في عناق واشتياق ، وحتى مصاهرة ومشاريع زواج على الطريقة المثلية وغير المثلية...!

فالحقائق كثيرة ، والعراقيون في دوامة الفوضى العنصرية ، التي جلبها المحتلون للعراق ، جعلتهم كل يوم في بلاء جديد ومأساة جديدة ، وسبب ذلك مع الأسف ، بقدر ما يعود إلى الاحتلال السافل ، فإنَّه يعود إلى العراقيين أنفسهم ، الذين ترنحوا في كثرة الانقسامات والفرقة ، وعدم التوحد على محبة الوطن الجريح ، الذي يموت أمام عيونهم ببطيء ، بخناجر الغزاة والعملاء وصحوات غراب البين ، وهم لم يكونوا بعدُ ضمن موقف واحد ، لينهضوا على كنس كل هذه الأورام السرطانية عن عالمهم ومستقبلهم وعراقهم ، بصحوة شرف حقيقية منتظرة ، تعيدُُ للعراق شرف المقاومة الشعبية الشاملة حتى التحرير .