 |
-
عاشوراء تبقى أمثولة دائمة .....رؤية للكاتب المسيحي ميشال سبع
عاشوراء تبقى أمثولة دائمة
ميشال سبع
عندما انطلق المهاجرون الانكليز والاسبان والبرتغال الى الاراضي الجديدة والتي سميت لاحقا اميركا، كانوا شبانا مغامرين خارجين عن العائلة التي ينتمون اليها ولا يملكون وظائف او مناصب تذكر، لذا فإن رحيلهم للبحث عن الذهب والثروة ولو على حساب حياتهم كان اختيارهم. وقد استطاعوا التأقلم مع الوسط الجديد حيث وضعوا ايديهم على الاراضي الشاسعة بعدما قتلوا اهلها واستباحوا ممتلكاتهم، ومن ثم راحوا يتصارعون مع بعضهم البعض بحيث اشتهرت صورة الكاوبوي الاميركي الذي يقتل بفخر الآخر بمجرد انه سحب مسدسه اولا، وراحت السينما الاميركية تظهر عدم قيمة الانسان بحيث لا يتعدى اكثر من رصاصة. وان لا عدالة الا عدالة الاقوى والأشرس والاسرع. ممارسة اخلاقية جديدة هي اقرب للتوحش منها للتأنسن وقد أثرت هذه على مفهوم الانتماء بحيث صار البطل لا ينتمي الا لذاته فهو آت من الشمال او الجنوب انما ليس من بيت معين وهو قد شهد مقتل ابيه او امه على الأرجح، وان لا يبحث عن هدف معين سوى المغامرة والمال، وهو في آخر الفيلم يذهب على فرسه الى اللامكان.
عندما قامت الثورة الفرنسية في اوروبا في نهاية القرن الثامن عشر كان من مبادئها الاساسية تفتيت العائلة من خلال تسهيل معاملات الزواج والطلاق وقد كانت المواقف العدائية للكنيسة وطرح العلمانية التي لم تكن تعرف اذا كانت مؤمنة او ملحدة ذات ابعاد اخلاقية وعلائقية كرست الاولاد غير الشرعيين ورمت الاحادية كبديل عن العائلة مما تزامن وترادف وتوافق مع المفهوم الاميركي وصارت الشخصية الفردية هي الأساس وحدث انقلاب في الانتماء مما حدا بالمفكرين الى ايجاد البدائل عن العائلة والعشيرة والامارة فكانت افكار حول القومية والأمة والدولة.
ان قيام الدولة القومية ارسى قواعد الانتماء الى المؤسسات العامة وإلى الارض والتاريخ وهذا ما قلص فكرة الانتماء او الحفاظ على الانتماء للعائلة ورغم سقوط النظريات القومية في القرن الحادي والعشرين الا ان الفردية ما زالت هي حال الغرب عموما وقد تسلحت بإيديولوجيا اخلاقية جديدة مفادها الحرية الفردية والمصلحة الخاصة والابداع المشخصن.
هذا كله لم يكن في الشرق يوما، فالانتماء دوما هو للعائلة والعشيرة او الحي او القرية وهذا يتواكب مع الانتماء للإثنية او الطائفة، لذا فالفرد لا قيمة له ولا وجود له الا من خلال هذا الانتماء وحتى عندما قام الفكر القومي عند سعادة فإنه شدد على عدم قيمة الفرد الا من حيث كونه امكانية قوة اجتماعية وأنه لا يتحقق بوجوده الا من خلال المتحد الاجتماعي والصيرورة القومية. ورغم ان الاديان هي بشكل او بآخر شمولية تتجاوز الزمان والمكان الا أنها ترسم صورتها خلال انتشارها وتؤكد هويتها من خلال ممارساتها، ففي الوقت الذي أغلقت اليهودية باب الانتساب اليها الا من خلال الرحم اليهودي فإن المسيحية سعت بكثير من الصور والخطط الى (التبشير) واستيعاب كل الذين لهم ايمانيات مختلفة عنها تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب مشددة على امرين الاول ان الخلاص شخصي وفردي بحيث ان المسيح أتى ليخلص الانسان وهذا التعبير يحمل المفهومين العام والخاص، أي كل انسان فرد وأيضا النوع البشري اما الأمر الثاني فهو ضرورة انتماء هذا الانسان للكنيسة لأنها بيت الله وعروس المسيح وحامية الايمان وغافرة الخطايا ومقيمة الاقداس وان الحياة مستحيلة بدونها اذ لا زواج ولا معمودية ولا حتى امكانية دفن. إذاً، من ناحية ركزت على الفرد في الخلاص، ومن ناحية ربطت تحقيق هذا الخلاص بمرجعية مؤسساتية هي الكنيسة. وقد تجاوز الارتباط بالكنيسة الارتباط بأية ارض او اية رئاسات مدنية، لذا كانت الافكار القومية متعارضة مع الكنيسة مما جعل البعض يطرح الكنيسة القومية لانهاء سيطرة المركزية في الكنيسة. اما في الاسلام فقد انطلق من عشيرة وقبلية وحافظ على هذا الانتماء من خلال الانتماء التواصلي مع بيت آل النبي بحيث ان الخليفة او القائد الديني المسلم يجب ان يكون له تواصل مع هذا الانتماء لذا فالمسلم لا ينتمي الى مؤسسة بل ينتمي الى بيت نبوي لذا فالاسلام بهذا لا يمكنه ان يخرج من انتمائه لأنه كياني واذا كانت هناك من صراعات بين المسلمين فهي صراعات بين الاخوة من اجل تثبيت حق النبوة اكثر. او اعتبار المنطق الانتمائي هو الأساس في المرجعية فإن يكون النبي هو جد الحسين يعني ان للحسين الحق الاولي في الولاية على من هو في النسب ابعد منه أي نسب عثمان. ان حق البكورية قد حكم العهد القديم وحق النبوة حكم كل العلاقات الاميرية والملوكية في كل السلالات التي حكمت شعوب العالم وقد سجل التاريخ صراعات دموية حادة بين الابناء والعموم او بين الاخوة انفسهم ومن هذا المنطلق فان الشعور بالاستيلاء على حق اولوية النسب ليس مجرد شعور عابر بل يطال جوهر الشعور بالحق وخصوصا اذا كان هذا الحق يطال قيادة الأمة في مفهومها العام الشعبي والتاريخي.
عند الاستذكار في وقعة عاشوراء تظهر الطقوسية كاستعادة في هدر حق والاستكانة في الانتصار له لا من منطلق المتفرج العام بل من منطلق الانتماء والنبوة واعتبار ان خطأ أساسيا قد حصل في خطين الاول في تصحيح مسار الاولوية في حق النبوة والانتماء والثاني ضعف وتلكؤ في الانتصار لهذا الحق. ولهذا فالطقوسية تصحيح واصرار على ان التاريخ ليس ما يكتب بل ما يعاش في الذاكرة والصدور وما يتناقله الابناء على الآباء وهي في ذات الوقت اعتبار ان الانتصار للحق هو ضرورة يعادل معنى الحياة والكرامة. ومن هنا لا تعود المقاومة مجرد لباس عسكري لموقف سياسي بل هي تندرج ضمن الايديولوجيا الشيعية لأنها طلب لانتصار الحق وحيث الحق لا ينفصل في مفصليات مختلفة بل هو عام فليس حق الشعب الفلسطيني في ان يكون صاحب ارضه وتراثه منفصلا عن حق الحسين في ولاية أهل البيت ولا يعود حق الشعوب المقهورة في بلدان العالم منفصلا عن حق الانسانية في تحقيق انسانيتها.
عاشوراء طرح دائم في قاموس البشرية ومدماك في الاخلاقيات العامة وليست مجرد ماض نستحضــره بل امثــولة كي نعيــشها في ادبياتها وتصرفاتنا حتى في زمن العولمة. يبقى ان يقدم بمفردات تمكن الغرب من استيعابه ويبقى في ضــرورة الحفاظ على سموه وعدم تعرضـه لتعرجات السياسة الضيقة.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |