سفرة الحسين
اذا شئت ان تعرف مدى تأثير المعصوم في مواليه و انصاره فانظر الى الشعارات و المبادئ التي يرفعها اولئك الموالون و الانصار, و ستعرف كم مرة يحيى المعصوم و كم يموت على ايدي اشياعه و محبيه , اليس من العار ان يرفع الشيعة شعار " السفرة الحسينية " كمنتج ثوري خلفته مجزرة كربلاء لتوفير القوت و الجاه و الاموال الوفيرة التي تجبى بأسم كربلاء , ساحة الفداء و ملحمة الدماء .. كيف حولها المحبون لفرط الحب و التوله الى سفرة جياع نوكى .
في واحدة من عودات الشيخ البعثي فاضل المالكي تعرض للمسائلة من قبل الامن الايراني .. سألوه من اين اشترى بيته الجديد في حي سالاريه الراقي في مدينة قم .. فقال انه من سفرة الحسين !!! هذا المفهوم الممجوج التافه الصفيق !! و يعلق احد الفضلاء في الحوزة و هل تظن ان سفرة الحسين هي لك فقط ؟ لتشتري بها بيتا ذا بابين يطل كل باب على شارع رئيسي !! ثم لا ترضى بالقصر و ما فيه حتى تستدعي مهندسا معماريا ليحور القصر حسب رغبات المستحوذ على سفرة الحسين , و نحن سمعنا المقتل الحسيني بكامله .. و قرأنا عن الحوادث التي سبقت الملحمة الكربلائية و لحقتها و لم يطرق سمعنا اي كلام عن سفرة الحسين , التي تعني الغنيمة ولولاها لما رأيت هذا العدد الهائل من "الجوعية" الذين يترقبون موسم هذه السفرة بفارغ الصبر , سفرة الحسين تختلف من مكان الى اخر , و المبلغ الذي يجد نفسه على ابواب دولة خليجية سيكون اسعد حالا من ذاك الذي يلقى الى دولة اقل غنى !! مما يعني ان صاحبها سوف لن يحصل الا على القليل من اموال السفرة الحسينية .. و لا تتعجبوا فأمامنا الحسين عنده سفرة من المال الزلال الحلال خصص لأهل المهنة الافاكين , فأخترعوا " السفرة " و لم يجدوا مرجعا يلجمهم عن هذا الجموح السافر العلني والمشين , تصوروا كيف تتحول الثورة الى سفرة , والمرجعية تسكت !! بل العجيب ان بعض المراجع المعدودين من رواد الاصلاح الديني يوافقون على هذا المبدأ التعيس , بشكل او بأخر: فنقرأ في اضواء على ثورة الحسين للشهيد الصدر قدس سره ما نصه : (ان لا نفهم من سعة شفاعة الحسين عليه السلام سعتها دنيوياً، بل سعتها آخروياً. ولكن وجد العديد ممن يقول : أن سفرة الحسين (ع) اوسع .ويريد به الأرباح المادية المجلوبة بسبب ذكره سلام الله عليه اكثر من الارباح المجلوبة بسبب ذكره غيره.
وهذا وان كان صحيحاً عملياً وادخلا ضمن النعم الالهية على الحسين ومحبي الحسين عليه السلام، الا ان المطلوب اخلاقياً هو عدم النظر إلى حطام الدنيا مهما كان مهمّا. وقصر النظرعلى ثواب الآخرة.ومن الواضح اخلاقياً ودينياً ان من قصد الدنيا وحدها او من قصد الدنيا والآخرة معا، فليس له الثواب في الآخرة اطلاقاً، وانما يأخذ الثواب من خص قصده في الآخرة تماماً ).و لعل من التمحل الفج ان يحاول بعض تلامذة الشهيد ان يعطي معنى موجها و نافعا لسفرة الحسين مع اقراره بأن الكلمة عامية , و اعتبر ان سفرة الحسين معناها ان الحسين سفر حياة يتسع يعين كل من ينشد الكمال الى اخره تمحله حفظه الله !! و فيه انه اجرى تخريجا لكلمة نعرف المراد منها , مسبقا , و نعرف من يستخدمها عادة , و نحن نفترض في الفقيه المخلص الجرئ ان يقلب المائدة هذه على الجميع , و يمحو العامي و المشهور مما لا اصل له , لا ان يوجهه و يخرجه بكلمات جميلة , وقد روى الشيخ التستري في الخصائص الحسينية عن الصادق عليه السلام (بلغني ان قوما اذا زاروا الحسين حملوا معهم السفرة فيها الحلاوة و الاخبصة و اشباهه و لو زاروا قبور احبائهم ما حملوا معهم هذا) ...و في رواية اخرى قال لهم :(تتخذون لذلك سفرة ؟ قالوا نعم قال لو اتيتم قبور ابائكم و امهاتكم لم تفعلوا ذلك .. قالت اي شيء نأكل ؟الخبز باللبن )
و نحن نقول لو احب هؤلاء الحسين لما حولوا ثورته الى سفرة , و ان صدق الود فهؤلاء يحسبون ان الحسين لهم ميزة يثرون بها في الدنيا و ينالون بها حسن الجزاء في الاخرة ,و هيهات لهم ذلك .. هيهات ان تتحول الملحمة الخالدة الى وسيلة للعيش روى التستري ايضا (( تزورون خير من ان لا تزوروا , و لا تزورون خير من تزوروا ! قال : قلت : قطعت ظهري . قال عليه السلام : تالله ان احدكم ليذهب الى قبر ابيه كئيبا حزينا و تأتونه انتم بالسفر , كلا حتى يأتونه شعثا غبرا !!
اذا كان مفهوم الكسبة الذين يكسبون قوتهم بالنواعي و النواح المفتعل عن سفرة الحسين لا يتعدى حدود المال و النفع المادي فكيف سيمكن التأسي بالروايات الواردة الداعية للحزن الحقيقي على الحسين , ا ن الصادق عليه السلام حسب مضمون الروايات يعترض على ان يجلب الزوار القوت معهم, على نحو يظن بهم انهم خارجون للتنزه و السياحة الترفيه عن النفس , و يريد منهم ان تبدو عليهم اثار الحزن , و ان يحترموا من يزورون,بان تكون علامات التأثر حقيقية لا افتعالا و تظاهرا , لأننا لا نريد ان نصدق ان الحسين خرج من المدينة الى مكة و منها الى العراق .. لتتحول رحلته الطويلة هذه المختومة بالاستشهاد الى مأدبة ليأكل منها اهل الطمع من ذوي اللسان اللبق ,تتحول ثورته الى ميدان يصول فيه الحمقى و يجولون بأن يضربوا رؤوسهم بشكل فني احترافي مدروس يجيده الفتوات و الشقاوات في المناطق الشعبية المتخلفة دينيا و ثقافيا , و ان وجد فيهم من لم يكن ذا تجربة في مجال البشاعة سيلجأ الى خبير في علم التطبير ليشق له هامته .. و لحدة السيف فأن الجرح الخفيف في الرأس لا ينزف , و المراهق جاء لأن يسيل دمه على وجهه , فتراه و امام اعين المشفقين و الحاقدين _ من امثالي _ يغلق فمه و ينفخ في اوداجه ليصعد الدم الى الرأس ومنه الى الجرح , و بذلك ترتاح نفسه و يطمئن الى انه سيكون قادرا على ان يحكي حكاية التطبير لنظرائه و اشباهه في انعدام العقل و فراغ الروح و سخافة المعتقد , و الجميع سيأخذ نصيبه من مائدة الحسين !! بالتأكيد الا نحن المشككون البعيدون عن الرحمة الالهية و الشفاعة الحسينية , فكل من يطالب بسحق و قمع العادات الشاذة و الشوائب الدخيلة على المذهب الشيعي و اعادته الى ما كان عليه ايام الائمة المعصومين خارج عن الملة و من اعداء الولاية , و هذه تهمة تساق على السن المتعصبين ليثيروا بها الحمقى , فاتهموا شريعتي بانه عدو للولاية و تهم سخيفة اخرى كتركه للصلاة , و الشيخ محمد جواد مغنية بأنه الشيخ الاحمر , و غيره من مهيني البدع و المتحاملين على الامة بسبب نكوصها عن المهمات و نشاطها فيما لا طائل منه و لا نفع فيه .
و يذكر السيد الصدر الثاني ((وهذا لا يعني عدم جواز الاجرة على ذكره عليه السلام، وخاصة ممن كان عمله ذلك ورزقه متوقفاًُ عليه. وانما يعني ان يسقط هذا عن نظر الاعتبار في نيته ، و يجعله بمنزلة الرزق صدفة او تفضلاً من الله عزوجل، وليس بأزاء ما تم الحسين عليه السلام، بأي حال من الأحوال))
و الصحيح ان اخذ الاجرة يعد من المخالفات الشرعية الواضحة ,و خلافا لمفهوم الاسوة و الاقتداء بالنبي و اهل البيت و قد تكرر في الامر القرأني (( قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى )) اذ ان وظيفة المبلغ الرسالي تتمثل في البلاغ من دون ان يسأل اجرا على ذلك , و قد ورد عن اهل البيت مكررا المنع عن الاستئكال بالدين و بأمرهم عليهم الصلاة و السلام !! , ان نهضة الحسين ليست مهنة يتعاطاها الكسالى من الناس لاستجلاب الارباح و المنافع و يسمونها سفرة . و ما هكذا تصنع الامم بقضايا ثوارها و ائمتها و قادتها !!
حيث يتحول محرم الى موسم للربح و الاثراء , و ربما وجد في بعض الخطباء من يحدد سعة و حجم السفرة التي تفرش لرجل يحمل صوتا شجيا عذبا كصوته !! فقد يساوم المستعدين للبذل على مبلغ محدد لا ينعقد المجلس بدونه . هل هذا داخل ضمن النعم الالهية ام النقمة التي حلت علينا بهذا التحريف و الانحراف عن قضية الحسين عليه السلام . يقتل الحسين فداء للعقيدة و الدين و العدالة الانسانية , و يقوم الخطباء بانتظار الموسم ليجنوا الارباح من واقعة كربلاء , و ذلك قد يكون بدافع الفقر الشديد الذي يعاني منه الخطيب في الحوزة . او لأنه اعتاد ان يحصل على الاموال الجزيلة المبذولة بسخاء في كل عام و في كل موسم .
كنت اشاهد بعض المراجع و هم يضعون شيئا من المال في يد القارئ الحسيني حين فراغه من قراءة التعزية , مرة شاهدت الشيخ العرفاني محمد تقي بهجب حفظه الله يفعل ذلك , و اتعجب كيف اصبح اعطاء الاجرة على مثل هذه الاعمال الدينية امرا مستساغا و مقبولا , نحن نعرف ان الشيخ بهجت و السيد الصدر الثاني و كل مراجعنا يوافقون على هذا لاعتبارات اصولية و فقهية !! لكننا نعود و نسأل اين يذهب ذوق الشرع الاسلامي و روحه و اخلاقياته !! و مراجعنا لو التفتوا الى حجم المهزلة لحرموا الاستعطاء و الاستئكال بقضية الحسين من بالحكم الثانوي حفظا لماء وجه الشريعة من ان تتحول الى سفرة يهفو اليها اهل الجشع و الطمع و ينأى عنها من يجد في نفسه كرامة و تنزها من ان يستأكل بالكلمات و بدين الله سبحانه و بذكر اهل بيته .و هذا ما لمسناه هناك بين اخواننا و فيهم من يترفع عن ان يعرض نفسه لاختبار صوتي من قبل الهمج الرعاع الذين لا يهمهم من الخطيب سوى صوته !! لقد نهى السيد الصدر الاول طلبته والوكلاء حين يرسلهم الى مناطقهم ان يأخذوا مقابلا ماليا على ما يقدمونه من مواعظ و احياء لشعائر الله , و كان يعطيهم بلغتهم في ذلك حتى لا يضطروا لاستعطاء الناس و استغلال عواطفهم للكسب المالي و هذا ما نظن ان الصدر الثاني سار عليه و كل مرجع ملتفت الى عظمة المذهب الشيعي و اهتمام ائمته بمكارم الاخلاق , لا شك انه سينهج هذا النهج الطيب المبارك , الذي يحيي ايام الرسول الاعظم الذي امره الله سبحانه بقوله : قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى !! فكيف اقتدي المتشيعون الموالون بنبيهم و ائمتهم !!
اخترعوا لأهل البيت سفرة و زعموا ان سفرة الحسين اوسع !! و في ذلك ما فيه من الطعن بهذا الدين !! نسأل الله الهداية .