دولة " الفضل " المستقلة لا تعترف بسلطة المالكي
(عدد الاصوات 0) 04/02/2008
لم يكن الحديث "عن الحارات-الدول" يمكن أن يخطر في بال أحد من العراقيين قبل اليوم. فرضته ظروف الغزو
والتناحر الطائفي والصراعات السياسية على السلطة وعملية "اغتراف المال العام" بأيد لا تبحث إلا عن مصالحها ومنافعها مستظلة بجبل من جماجم الضحايا يكبر يومياً ليجسد مأساة شعب مزقته الحرب والنزاعات وبدت دولته "العراق" أضعف دول العالم وأقلها شأنا بحسب تعبير أحد محللي الأخبار في الملف برس.
يقول (خالد جمال القيسي) نائب زعيم "المقاومة الشعبية" كما يسمي نفسه أو الحراسة الأهلية المدعومة من قبل الأميركان في حي الفضل القديم ببغداد الذي تسكنه غالبية عربية سنية: "نحن في دولة الفضل المستقلة.. لا أحد من الشرطة أو الجيش يسمح له بالدخول إلينا".
ورافق (القيسي) وهو عضو قيادي سابق متوسط المستوى في حزب البعث الحاكم زمن الرئيس السابق (صدام حسين) مراسل صحيفة الكريستيان ساينز مونيتور خلال جولته مشياً على الأقدام في "الكفاح" وهو الشارع الرئيس للمنطقة وفي بعض أزقتها ودرابينها.
واختار مراسل الصحيفة موعد جولته بعد يوم واحد من تفجير انتحارية نفسها في سوق الغزل الشهير في شارع الجمهورية ببغداد الذي لا يبعد عن محلة الفضل "أو الدولة المستقلة كما سمّاها القيسي". ومعروف أن التفجير الإجرامي أدى الى مقتل ما لا يقل عن 62 مدنياً بريئاً، طبقاً لآخر إحصائية صادرة عن مسؤولي القوات الأمنية العراقية.
وكانت امرأة انتحارية أخرى قد قتلت 37 شخصاً في سوق بمنطقة بغداد الجديدة. ويشكل عدد القتلى في يوم واحد أسوأ نتيجة لحوادث انفجار في بغداد منذ السادس والعشرين من شهر تموز الماضي، عندما انفجرت شاحنة مفخخة بمنقطة الكرادة وأدت الى مقتل أكثر من 100 شخص وجرح المئات.
ويقول (خالد القيسي) لصحيفة الكريستيان ساينز مونيتور إن رجاله كانوا قادرين على منع تفجيرات يوم الجمعة. فهو يزعم أن الهجمات تعزّز فقط اتهام القوات الأمنية العراقية (الجيش والشرطة) بأنهم عاجزين عن فعل شيء بسبب تسلل "الميليشيات" و "المتمردين" إليها، وبسبب "الانحياز الطائفي" الذي ينخر جسد القوات حسب زعم (القيسي).
رجال القيسي لا يعترفون بسلطة (المالكي)
ويؤكد أن "رجاله" لا يعترفون بسلطة رئيس الوزراء (نوري المالكي) وأنهم لن يلتحقوا بالقوات الأمنية في ظل الظروف الحالية على عكس بعض أفراد حراسات الأحياء السكنية الأخرى الذين يطلق عليهم الأميركان اسم (CLC) اختصاراً لعبارة "Concerned Local Citizens" وتعني المواطنون المحليون الغيارى، الذين يفضلون الانتماء الى أجهزة الشرطة والجيش بل ويطالبون بذلك ويهددون باجراءات انتقامية إذا لم توافق الحكومة على تنفيذ طلبهم.
ويحذر المحللون من أن تفجيرات الجمعة في شارع سوق الغزل ببغداد تظهر أن الميليشيات المرتبطة بالقاعدة تعرف كيف تستغل خليطاً غير متجانس من الترتيبات الأمنية في العاصمة والتي تتكون من حراسات تموّلها القوات الأميركية، والميليشيات الشيعية، والقوات الحكومية، وجميعها تعمل في مناخ انعدام الثقة وغياب المعنى الحقيقي لحلول سياسية حقيقية وذات أهمية.
وتؤكد الصحيفة أن هذه التفجيرات المأساوية تبرز أيضا التقييدات طويلة المدى التي أرستها استراتيجية الأمن التي نفذتها القوات الأميركية بعد وصول قواته الإضافية مطلع السنة الماضية، والتي كانت تهدف بالدرجة الأساس الى طريقة لإيقاف إراقة الدماء بعد تفجر الأزمة الطائفية بين الشيعة والسنة في طول البلاد وعرضها.
ويؤكد (جوست هلترمان) المحلل السياسي في مجموعة الأزمة الدولية ومقره في استنبول بتركيا: "ما حدث يوم الجمعة ببغداد، أمرٌ خطرٌ جداً... إذا لم تعالج هذه القضية بشكل صحيح، فإنها يمكن حقيقة أن تأتي بنتائج معاكسة تماماً". وأضاف قوله: "هذه المجاميع عدائية حقاً. وإذا انسحب الأميركان، فسوف تستمر في القتال فيما بينها ما لم تكن هناك مصالحة سياسية وترتيبات أمنية تشارك في اتخاذها أعلى مستويات الجهات المتناحرة".
وطبقاً لقول قائد عسكري أميركي في تصريح "خطير" لصحيفة الكريستيان ساينز مونيتور فإنّ "الصورة توحي أكثر فأكثر أن هناك مخاطر من أن حراسات الأحياء الشعبية قد تكون عرضة لتسلل ميليشيات القاعدة". لكنّ الصحيفة تقول: إنّ أفراد الحراسات كانوا أهدافاً لهجمات قاتلة على مدى الأسابيع الماضية.
ويعترف الخبير الأميركي (هلترمان) أنه سيكون من صعباً جداً بالنسبة الى القوات الأمنية العراقية تحرّي أو اكتشاف المرأتين القائمتين بالعملية الانتحارية طبقاً للأعراف الاجتماعية في تحريم تفتيش النساء من قبل رجال الشرطة.
وتقول الحكومة إن الحالة تتضاعف صعوبتها لأن المرأتين اللتين نفذتا الهجوم كانتا منغوليتين، أو "متخلفتين عقلياً"، وكانتا غافلتين عما تقومان به، إضافة الى أن الحزامين المفخخين اللذين ربطا على جسديهما فجرا من بعد.
لكنّ شهود العيان لما حدث في سوق بغداد الجديدة أنكروا هذه المسألة. وقال أحد بائعي الطيور (سمّى نفسه ستار): "ليس هناك أمن؛ لا أحد يهتم بتفتيش هؤلاء الداخلين الى السوق".
تقول الصحيفة إن سوق الطيور في بغداد الجديدة يختلف عن سوق الغزل في شارع الجمهورية فالأول محاط بجدران مضادة للتفجير ومعزول إلا من خلال فتحات يقوم بحراستها أعضاء من ميليشيات جيش المهدي، الذين يقومون بتفتيش جميع الداخلين الى السوق.
وتؤكد الصحيفة أن هذه الميليشيات تبدو مسيطرة بشكل كامل في هذا الحي السكني الذي تسكنه أغلبية شيعية. وفي المنطقة نقطة تفتيش قريبة من السوق وبرج للمراقبة، فيما كانت الشرطة المحلية قد هاجمت الحي لمرات عدة في مداهمات تستهدف أفراداً من ميليشيات جيش المهدي.
وعودة الى حي الفضل –تقول الكريستيان ساينز مونيتور- كان البعثي السابق ونائب قائد مجموعة الحراسات في المدينة (خالد القيسي) يستقبل بشكل محترم من قبل سكان أزقة "دولته المستقلة" كما قال، وكذلك من أصحاب الدكاكين، وبدت ثمة رسوم وصور تحيّي الرئيس السابق (صدام حسين) فيما يسمّي الحراس أنفسهم "أبطالاً وأسوداً".
كان (القيسي) يرتدي جاكيت جلدية وبنطلوناً عادياً، وجهاز الإتصال على كتفه يقرقع، فيما كان حارسان شخصيان يتبعانه كظله. وبدت واضحة مظاهر أبنية الدكاكين التي مزقها الرصاص أو ثقـّبتها القنابل وكلها تذكر الجميع أن منطقة الفضل شهدت في الخريف الماضي قتالاً بالغ السوء بين المتمردين السنة من جانب وبين قوات الحكومة والميليشيات الشيعية من جانب آخر.
ويستعيد (القيسي) بفخر كيف أن رجاله صدّوا قوات الحكومة والقوات الأميركية على مدى السنوات السابقة. وهو يلوم ما يسمّيه الوحشية التي مورست ضد سكان الفضل الشيعة وإجبارهم على الرحيل من المنطقة من قبل ثلاثة أشخاص ثبت انهم مرتبطون بالقاعدة وقد قتلوا أو قبض عليهم.
وقال (القيسي): "إن الأميركان طلبوا أن يكونوا أصدقاء لنا لأننا كنا الفائزين". وأوضح أن اتفاقه مع القوات الأميركية يقضي بمنع أية قوات عراقية بالدخول الى حي الفضل، ولهذا فإنه من باب المزاح يسمّيها "دولة مستقلة". إذا لا قوة حكومية ترى في الحي تماماً، وحراس (القيسي) يفتشون أية مركبة أو شخص يدخل الى شارع الكفاح.
وثمة راية بيضاء تندب أحد سكان الفضل (مصطفى شاكر) الذي قتل في انفجار الجمعة بسوق الغزل. ويقول صديقه (يحي وليد): "كان قد ذهب ليشتري الطيور من السوق. لو كنا نحن المسؤولين عن المنطقة لمنعنا حدوث التفجير".
وفي نهاية شارع الكفاح، ثمة جدار بني ليفصل الفضل عن الأحياء الشيعية في الصدرية "قنبر علي" و"أبو سيفين". يقول القيسي: "نحن لا نستطيع الذهاب الى أبعد من ذلك الجدار، وأنا لا أستطيع أن أضمن سلامتك أحد هناك".
المصدر