وقفة في خطاب المالكي في الاربعينية
ديوان السعيدي
Monday, 03 March 2008
تعود العراقيون على مدى سِنِيِّ القهر والظلم البائدة على خطابات جوفاء للزعيم المفدى فيعتريهم الصداع والتقيؤ وتُصـَبّ اللعنات على التلفاز المسكين الذي أُبتُلي بما أ ُبتلي به الشعب المغلوب على أمره ذاته.
ولكن ما يميز المرحلة الحالية والتي أعقبت سقوط الطاغية صدام ذي الخطاب الأجوف المسهب السَّمِجِِِِ عديم اللون والطعم والرائحة، ما يميزها أنّ رأس السلطة التنفيذية، أعني به السيد رئيس الوزراء نوري المالكي، مُقِلّ في الكلام والمهاترات التي لا طائل من ورائها حتى أنّ البعض أخذته المآخذ بعيدا فقال إنه رجل عاش في أجواء محدودة لا تؤهله لصياغة أيّ خطاب سياسي أو حماسي يلهب مشاعر الشعب وكأن القضية تبارٍ في الخطابات. والبعض فال إنه رجل أمن لا سياسة، وآخرون وصموه بالوهن والضعف أو حتى بالغ المختبئون وراء الأكَمَة بأن عزوا ذلك إلى أعجميته رغم أن القاصي والداني يعلم إنه من قبيلة بني مالك العربية الأصيلة الموغلة في التاريخ والتي أنجبت رجالا أمثال مالك الأشتر (رض) وغيره من الرجال الأفذاذ.
في واقع الحال، الرجل يمتاز بصبر وبعد نظر كبيرين فهو يعرف متى يتحدث ومتى يصمت... يصمت حينما لا يكون في الكلام جدوى وهذا نقيض الطبقة السياسية الموجودة في العراق الجديد والتي تجترّ كلاما سئمه مؤيدوهم قبل غيرهم لأنه عبارة عن كلمات منمقة فقط تحمل بين طياتها أكاذيب ومواعيد عرقوب، كل ذلك يحدث في ظروف لا مثيل لها وفي بلد لا نظير لشأنه بين كل دول العالم تأريخا وقداسة وإنسانا ً. لقد صمت السيد المالكي طيلة الفترة الماضية وأدار البلاد بوزارات تقاد جلّها بالوكالة حينما وجد أنّ الكلام لا قيمة له مع كتل برلمانية لاهمَّ لها سوى مصالحها الحزبية الضيقة القميئة، فعمل الرجل بقاعدة ما كان بالإمكان خير مما كان. لقد قاد حملة خطة فرض القانون ودون ضجيج يصدّع الرؤوس وَقَََََلَبَ الطاولة على على من يكيد لعراق حر مستقل فجعلهم حتى لا يحسنون إعادة ترتيب أوراقهم التي عصفت بها رياح الصحوات والتي آلى المالكي إلاّ أن يجعلها تُوَجّهُ من خلال الدولة لينهي عصر الميليشيا والجماعات الأرهابية... رجل فهم الناس من عمله بصمت الكثير الكثير، حتى أن السيد مقتدى الصدر أدرك من صمت الرجل صدقا فجمًّدَ المجاميع التابعة له مما أسهم في إستتباب الأمن على قدر كبير في العراق.
القابعون خلف الأكَمَةِ يقلبون قماماتهم النتنة لم ْ يرُقْ لهم ذلك فأخذوا يتحينون الفرص لدحر خطط رئيس الوزراء الموفقة. ولم يعلوا أنه قد حسب لكلّ شيء حسابه، فقد نظم الجسم الأمني لزيارة أربعينية أبي الأحرار مولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام فجعل قيادتها للسيد شيروان الوائلي وزير الأمن الوطني الذي أثبت حنكته في أدارة دفة الامن إبّان زيارة عاشوراء المنصرمة يعاونه بذاك قائد القوة البرية للجيش وكبار ضباط الداخلية وكافة اجهزة الأمن والخدمات الطبية وغيرها فكانت بحق زيارة لم يشهد العراق مثيلاً لها من قبل أمناً وتنظيماً بل أن أضخم دولة في العالم لم ولن تتمكن من المخاطرة بالتفكير بهكذا كرنفال مليوني خطير فضلا عن إقامته. فكانت زيارة ذات أبعادٍ عالية المضامين وقد أحاطت العناية الألهية عشرة ملايين زائر عاهدوا الحسين (ع) أن هيهات منا الذلة.
لقد أراد المالكي أن يقول لخصومه هذا هو صمتي، أوليس صمتي خير من ثرثرة فارغة.. بفضل الله وبفضل جهود ابناء قواتنا الباسلة من الجيش والشرطة والأمن والمخابرات وكل القطاعات الشعبية والخدمية زار عشرة ملايين زائر بأمان لا مثيل له... كل ذلك رتبه دولة الرئيس مع رجالاته وسافر للعلاج، فقامت قائمة خصومه فقالوا لقد ترك البلد للمجهول وأوغلوا في سوء الظن فقالوا أنه سافر لينجو بجلده حيث أن هناك تحالفات تجري من وراء الكواليس لازاحته من منصبه وكأن المالكي قد رشح نفسه يوما ما لرئاسة الوزراء التي جاءت تسعى إليه دون أن يسعى إليها، وأستكثر البعض عليه أن يذهب الى لندن للعلاج وكأن علاجه جريمة لا تغتفر وعليه أن يموت أو ان يتضاعف مرضه لا سمح الله. وأنا على يقين أن مرض المالكي الذي يعاني منه هو السياسيون العراقيون المفسدون الفاشلون.
هذه المرة عاد رئيس الوزراء، وأية عودة،عودة رجل واثق قوي مؤمن في يوم أربعينية سيده وإمامه، ولكنه لم يصمت هذه المرة بل ألقى خطابا إرتجاليا بليغا على جموع الزائرين من أبناء شعبه وبأسلوب بليغ جزل سهل ممتنع يليق بالمناسبة وبالجماهير وبشخصه كقائد للبلاد ليبدد كلام الذين يشككون بهيبته السياسية. ولعلّي أستشف من خطابه عدة أمور:
أولها: أنه أراد ان يكون وسط الجماهير التي هو ابنها ومنها واقفا يخاطبهم بلسان لغته الصدق والصراحة وبدون أية دروع واقية للرصاص كما يفعل البعض.
وثانيها: إعلانه الحرب على المفسدين في المال العام وتلك لعمري حرب ضروس تحتاج الى جماهير تقف خلفه لتسنده، لا ليقف وحيدا وسط منظومة بشرية تعشعش في مفاصل الدولة همها إفساد مال الله وحرمان عباد الله.. وكأنّه أراد بخطابه الأستنجاد بجماهيره المؤمنة التي لم تخش الظلم والأرهاب يوماً.
وثالثها: بيّن السيد المالكي أنّ سِنِيِّ المحنة الخمس الماضية مافتّت في عضده لإعادة اللحمة الوطنية لكل العراقيين الشرفاء.
وآخرها: أكّد أنّه يعيش حال (هل من ناصرٍ ينصرني).
لذا إنّ مساعي الرجل الصادقة تعتبر دعوة لكل الطبقات المثقفة والفعاليات الشعبية أن تدعمه بكل ما أوتيت من قوة قبل فوات الأوان، وقبل ان نبقى نتذكر مآثره فقط بعد موته أو إستشهاده كما فعلنا مع الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم.
ولكن من نافلة القول هنا أن نتمثل بقول الزعيم المرجع الشهيد الصدر الأول قـُدِّسَ سره: الجماهير أقوى من الطغاة.
°ˆ~*¤®§(*§*)§®¤*~ˆ°ليس كل ما يعجبك يرضيك°ˆ~*¤®§(*§*)§®¤*~ˆ°