[align=justify]
المباني المعرفية لعلم الكلام
[mark=66FFCC]عند السيد عبد الحسين شرف الدين[/mark]
السيد علي عباس الموسوي
تمهيد
شكلت كتب الامام السيد عبد الحسين شرف الدينمرجعا مهما للحوار المذهبي، ولا سيما كتابه المراجعات، وان كان غالب كتبه، ان لم نقل جميع ماوصل الينا منها، يتناول مسائل الخلاف المذهبي بنقدموضوعي، واسلوب رصين، ولغة ادبية امتاز بها السيدشرف الدين خصوصا وعائلة شرف الدين الموسويعموما.
وحيث ان المسائل المذهبية الخلافية كانت تشتمل علىالاصول والفروع، فان كتب السيد شرف الدين تناولتكلا الامرين من دون فصل بينهما. والقيام بقراءة لكتبالسيد شرف الدين، كما يمكن ان يكون لملاحظةاسلوبه الحواري ومنهجه في الحوار المذهبي، يمكن انيكون لملاحظة المباني المعرفية التي يبني عليها وعلىاساسها كان ما خطه يراعه، وهذه المباني قد نجدها فيالمسائل الفقهية، وقد نجدها في المسائل التاريخية،وقد نجدها في المسائل الكلامية، وقد يحصل التداخل بين هذه الثلاث. وما يهمنا هنا هو ملاحظة المبانيالمعرفية لعلم الكلام عند السيد شرف الدين.
ومما لا شك فيه ان مؤلفات السيد شرف الدين قدتمحورت في قضايا الخلاف المذهبي، وضمن اطارالحوار المذهبي، وهذا من الطبيعي ان يفرض نفسه علىآلية البحث هنا، اي ان ما سنحاول استكشافه من كتبالسيد شرف الدين حول مبانيه المعرفية، سوف يبقىمحكوما، للاطار الذي كان يتعاطى معه بما يفرضه مناسلوب ومنهج.
تقسيم البحث لن نخرج، في تقسيم البحث، عن المعروف من كونالادلة الاربعة هي اهم عناصر اثبات البحث الكلامي،وتقسيمنا سوف يكون ضمن الترتيب المتعارف عليه:الكتاب، فالسنة، فالاجماع، فالعقل.
النقطة الاولى: الكتاب الكريم
لقد بحث السيد عبد الحسين شرف الدين في مرجعيةالقرآن الكريم بوصفه نصا الهيا ضمن امور منها:
الاول: ان الخصوصية التي يملكها القرآن، في الحوارالمذهبي، هي كونه نصا قطعيا متفقا عليه بين الفريقين،ولكن هذا الاتفاق لم يسلم من محاولة بعضهم الخدشة به عبر رمي الشيعة بالقول بالتحريف، وانالقرآن قد سقطت منه آيات. ومن هنا يتصدى السيدشرف الدين للرد على مقولة هؤلاء، مثبتا قطعية هذاالنص الالهي، مفندا القول بتحريفه. ولاثبات هذهالقضية تمسك السيد شرف الدين بطرق متعددة هي:
1 - التواتر يتحدث السيد شرف الدين عن وجود تواتر على صحةالنص القرآني الموجود بتمامه، بحروفه وكلماتهوحركاته وسكناته، وهذا التواتر الذي يصفه بانه قطعييرى انه ورد بطرق الامامية، وعن ائمة الهدى، وذلكيدحض دعوى المدعي، فان الشيعة تتبع الائمة من آلرسول اللّه( الذين رفعوا هذا النص الالهي عن جدهمالرسول( عن المولى عز وجل.((69)) ولعل شدة هذه التهمة على الشيعة ووضوح بطلانها،يدفعان السيد شرف الدين الى ان يكون شديد اللهجةفي النكير على الاتهام بالتحريف، اذ يقول: وكل مننسب اليهم - الشيعة - تحريف القرآن فانه مفتر عليهمظالم لهم لان قداسة القرآن الحكيم من ضرورياتدينهم الاسلامي ومذهبهم الامامي، ومن شك فيها منالمسلمين فهو مرتد باجماع الامامية، فاذا ثبت عليهذلك قتل، ثم لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولايدفن في مقابر المسلمين.
وظواهر القرآن، فضلا عن نصوصه، من ابلغ حجج اللّهتعالى، واقوى ادلة اهل الحق بحكم البداهة الاولية منمذهب الامامية، ولذلك تراهم يضربون بظواهرالاحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار، ولا يابهون بهاوان كانت صحيحة، وتلك كتبهم في الحديث والفقهوالاصول صريحة بما نقول.
والقرآن الحكيم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه انما هو ما بين الدفتين، وهو ما في ايدي الناسلا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا، ولا تبديل فيه لكلمةبكلمة، ولا لحرف بحرف، وكل حرف من حروفه متواترفي كل جيل تواتراقطعيا الى عهد الوحي والنبوة، وكانمجموعا على ذلك العهد الاقدس، مؤلفا على ما هو عليهالن.
وكان جبرائيل يعارض رسول اللّه(ص) بالقرآن في كل عاممرة، وقد عارضه به عام وفاته مرتين. والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبي( ص) حتى ختموه عليه مرارا عديدة، وهذا كله من الامور المعلومة الضرورية لدىالمحققين من علماء الامامية، ولا عبرة بالحشوية فانهملا يفقهون ((70)).
2 - الظواهر القرآنية يسلك السيد شرف الدين طريقا آخر لاثبات ايمانالشيعة بعدم تحريف القرآن، الا وهو التزامهم بحجيةظواهره فضلا عن نصوصه، وتمسكهم بهذه الظواهرواعتبارهم لها من الادلة والحجج، بل من اقواها. بل، انذلك يعد من ضروريات مذهب الامامية، والشاهد عليهعرضهم الروايات على القرآن، وضربهم بعرض الحائطكل ما يخالف قول اللّه عز وجل، ولا يخفى مدى ارتباطالالتزام بهذا مع الالتزام بعدم تحريف القرآن لانالاسقاط في القرآن الكريم لو كان موجودا، وكانتالشيعة ممن يؤمن به، لما عملت بظواهره، ولا التزمتبنصوصه، ولا قامت باعتباره مرجعا لعرض رواياتائمتها عليه((71)) . ان هذا الجواب هو ما اجاب بهالاصوليون ردا على طائفة الاخباريين الذين منعوا منالعمل بالظاهر القرآني.
هذا، والنصوص التي امرت بالرجوع الى ظاهر الكتابهي على طوائف كثيرة: فطائفة دلت على وجوبالتمسك بالقرآن لانه عدل للعترة الطاهرة، وطائفة دلتعلى عرض الشرط في المعاملات ونحوه على كتاباللّه، وطائفة ثالثة دلت على عرض الروايات الصادرةعنهم على الكتاب الكريم، وطائفة دلت على ممارسةالائمة لهذا الامر واستشهاد الامام بيات من كتاب اللّه((72)).
3 - ايجاب السورة في الصلاة مما انفردت به الامامية ايجابهم سورة كاملة في الصلاة بعد الفاتحة في الركعتين الاولى والثانية، ولا يجوزالتبعيض في السور. وهذا القول هو من ادلة ثبوت هذاالقرآن عند الشيعة، وعدم التزامهم بالتحريف، والا لماكان لهذا الحكم معنى ولا امكن قيام الدليلعليه.((73))
4 - دليل العقل ان ملاحظة خصوصية النبي الاكرم(، في حكمته البالغةونبوته الخاتمة، وملاحظة مبلغ نظره في العواقب،واحتياطه على امته في مستقبلها، يدل على انه منالمحال عليه ان يترك القرآن منثورا مبثوثا.
5 - نص القرآن ان من آيات القرآن ما يدلنا على عدم امكان تحريفه،ولاثبات ذلك يذكر السيد شرف الدين آيتين من القرآن،قوله تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)[الحجر/9]، وهذه الية هي التي نتمسك بها لرد ما وردمن الروايات التي تتحدث عن التحريف. وقوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) [البقرة/2]،حيث اطلق القرآن كلمة الكتاب، وهي انما تطلق علىالشي المدون المكتوب، والا فان الفاظ القرآن لو كانتمحفوظة غير مكتوبة لم يصح اطلاق الكتابعليها.
وقد يثار هنا الاشكال على ذلك بما ورد على لسانيحيي بن زكريا في قوله: (يا يحيى خذ الكتاب بقوةوآتيناه الحكمص بيا) [مريم/12]، وعلى لسان عيسىبن مريم في قوله: (آتاني الكتاب وجعلني نبيا)[مريم/30 ]. ولعل هذا الاشكال هو الذي دفع السيدشرف الدين الى اعتبار ان هذه الية انما هي اشعار بماذكره، وهو اقل مراتب الظهور.
الثاني: من الامور التي يواجه بها الاستدلال بالقرآن والاحتجاج به، مسائل الظهور والنص. وهاهنا ابحاثترتبط بهذا الظهور لا بد من حسم الامر فيها، وهي:
السياق، التاويل، الروايات التفسيرية، النسخ وفهم النص.
1 -السياق القرآني هل يشكل السياق القرآني حجة يعتمد عليها في تحديدالظهور؟ وهل يكون السياق مانعا احيانا من التمسكبظهور ما للايات؟ لقد استخدم القرآن حجة من قبل الفريق الخر لنفيالاستدلال ببعض اليات على ما يتمسك به الامامية وهذه اليات تتمثل في:
ا - قوله تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممتعليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر فيمخمصة غيرمت جانف لاثم فان اللّه غفور رحيم) ،حيث استدل الخصم بان هذه الية انما وردت في سياققوله تعالى: (حرمت عليكمال ميتة والدم ولحم الخنزيروما اهل لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمترديةوالنطيحة وما اكل السبع الا ما ذكيتموما ذبح علىالنصب وان تستقسموا بالازلام ذلكم فسق اليوم يئسالذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشوني)[المائدة/3]، ومن هنا فان الية تتحدث عن تمام النعمةواكمال الدين من جهة التشريع، ولا ربط لها بحادثةالغدير واعلان ولاية امير المؤمنين على .
ب - قوله تعالى: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجساهل البيت ويطهركم تطهيرا) ، حيث ان الية وردت فيسياق الحديث عن نساء النبي لقوله تعالى: (يا نساءالنبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعنبالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا -وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولىواقمن الصلاة وآتين الزكاة واطعناللّه و رسوله انما يريداللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)[الاحزاب/32 و33].
فقد استدل عكرمة ومقاتل على ان هذه الية انما وردتفي نساء النبي لان السياق كذلك حيث كان الخطابمع نساء النبي في ما سبقها من آيات.
ج - قوله تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنواالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)[المائدة/55 ]، فان المراد من الولي في هذه الية، وانوردت في تصدق على(ع) بخاتمه اثناء الصلاة، الناصر والمحب وذلك لان السياق في الية هو النهي عناتخاذ الكافرين اولياء بمعنى الناصر والمحب.
اما موقف السيد شرف الدين من مسالة التمسكبالسياق، فقد كان ضمن اتجاهات:
الاتجاه الاول: نفي وحدة السياق القرآني من اساسه،وذلك لاننا نعلم ان القرآن الحكيم لم يرتب في الجمععلى حسب ترتيبه في النزول، واذا كان كذلك فلا يبعدان تكون الية الا ولى التي تتحدث عن كمال الدينوتمام النعمة قد زجت ضمن آيات التحريم لغرض ما اولجهل او لغير ذلك.((74)) ويتمسك السيد شرف الدينلاثبات ذلك من جهة بالاجماع لدى كل المسلمين، بلله قول واحد لا ثاني له. ومن جهة اخرى بملاحظة آياتالقرآن وسوره نفسها، فان الاغلب من اواخره مكي،والاكثر من اوائله مدني((75)).
هنا تشكل نقطة الاشكال على السياق، وهي نفيهموضوعيا بسبب امر خارجي، وهي ان القرآن لم يكنمرتبا بحسب النزول حتى يكون ذا سياق واحد.
الاتجاه الثاني: ان السياق انما يصح التمسك به مع فرضاحرازنا عدم خروج المتكلم عنه الى سياق آخر، وهذا ماتم في الية التالية، وان السياق وان كان في مقام ذم اتخاذالمشركين اولياء بمعنى اتخاذهم انصارا ومحبين، فانالية خرجت عن سياق الذم الى الثناء على اميرالمؤمنين وترسيخه للزعامة بتهديد المرتدين لان اليةالتي قبلها بلا فصل هي قوله: (يا ايها الذين آمنوا منيرتد منكم عن دينه فسوف ياتي اللّه بقوم يحبهمويحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم ذلك فضلاللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم) [المائدة/54]،وهذا نفي الوحدة في السياق((76)) من جهة ملاحظة لغةالقرآن وطريقته في تناول الموضوع، وانحلاله الىالبحث عن قضيتين لا عن قضية واحدة.
الاتجاه الثالث: ان وحدة السياق انما تكون متبعة مععدم ورود الدليل النافي لها، ولذا يقول السيد شرفالدين: ان المسلمين متفقون على ان الادلة اذا عارضتالسياق فهي المرجحة على السياق، والبعد التحليليلهذا الترجيح عند السيد شرف الدين يرتبط بعدمالوثوق، مع ورود الدليل المعارض لوحدة السياق بنزولالية فيه.((77)) واضافة الى ذلك فان الاخلال بالسياق لايخل بالاعجاز ولا يضر بالبلاغة، فلا بد من المصير اليهمع دلالة الادلة عليه((78)) .
2 - التاويل تشكل مسالة التاويل اساسا في البحث عن مرجعيةالقرآن المعرفية، كيف وقد كان التاويل عاملا اساسيا فيكل الصراعات التي حفل بها التاريخ الاسلامي. ومنذالبداية حيث حصل ما حصل بعد وفاة النبي (ص) ، وامام ماقام به الصحابة من ارساء قواعد الخلافة لغير اميرالمؤمنين على(ع)، كان لا بد من اللجوء الى التاويل لماورد من النص على( ع)، ولعل الداعي الى ذلك دحضحجة من يتمسك بتلك اليات، او تبرئة ساحة الصحابةمن اتهامهم بمخالفة النص الصريح. لقد تم اعتبار قاعدةلزوم حمل عمل الصحابة على الصحة دليلا على لزومتاويل الكتاب، ولكن السيد شرف الدين يرفض فكرةالتاويل هذه ضمن امرين:
الاول: ان التاويل، لكي يتم ويكون صحيحا ومقبولا، لابد من ان يكون النص المراد تاويله قابلا لذلك،والنصوص الواردة من آية كمال الدين او الوصية لا تقبلذلك.
والثاني: هل يصح ان يكون عمل الصحابة عاملا صحيحا لتاويل النص؟ يناقش السيد شرف الدين فيذلك من جهة ان عمل الصحابة هذا لا يصح ان يكونمستندا للتاويل لعدم عصمتهم عن الذنب او عن الخطامن جهة ولاننا نستطيع ان نجد وجوها اخرى نحملعليها عمل الصحابة مما ورد على السنتهم هم، من قبيل انهم انما كانوا يلتزمون ويتعبدون بالنص في ما يرد بامرعبادي من دون الا مور التدبيرية من جهة اخرى، قالالسيد شرف الدين: «اما الخلفاء الثلاثة واولياؤهم، فقدتاولوا النص عليه بالخلافة للاسباب التي قدمناها، ولاعجب منهم في ذلك بعد الذي نبهناك اليه من تاولهمواجتهادهم في كل ما كان من نصوصه، متعلقا بالسياسات والتاميرات، وتدبير قواعد الدولة، وتقريرشؤون المملكة، ولعلهم لم يعتبروها كامور دينية، فهانعليهم مخالفته فيها»((79)) .
3 - في التفسير الروائى أعتمد السيد شرف الدين، في العديد من المواطن، علىالتفسير الروائي، اي على ما ورد في تفسير آيات الكتابمن امور مذهبية لا سيما ما ورد منها في امامة على،والروايات التفسيرية هذه منها ما ورد بطرق الفريقين،ومنها ما ورد بطرق الامامية. كما في قوله تعالى (واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرقوا) [آلعمران/103]، وقوله تعالى: (وكونوا معالصادقين )[التوبة/119]، وغيرها من اليات((80)) .
4 - في النسخ مسالة النسخ في القرآن من اهم ما يمكن ان يكون اثارةللجدل في الابحاث الكلامية، وخصوصية المعرفةالحقيقية بالقرآن تتمثل بمعرفة الناسخ من المنسوخ.يشير السيد، في طيات ابحاثه في كتبه، الى ان مسالةالنسخ لا يصح اللجوء اليها اذا كان التنافي الدلالي بيناليتين مرفوعا لوجه من وجوه الجمع، او لوضوح عدمالتنافي.
ففي معرض رد السيد شرف الدين على من ادعى ان قولهتعالى: (قل ما سالتكم من اجر فهو لكم ان اجري الا علىاللّه وهو على كل شي شهيد) [سبا/47]، ناسخ لقوله تعالى:
(قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى)[الشورى/23.].
يقول السيد: ان النسخ حتى يتم لا بد من ان يكون هناكتناف بين اليتين، وهو هنا غير موجود، فان معنى آيةالشورى: ما سالتكم على اداء رسالتي شي من الاجر الامودة قرابتي. ومعنى آية سبا: اني ما سالتكم علىرسالتي شيئا من عرض الدنيا، والذي طلبته منكم في سورة الشورى انما هو لكم لا لي لان قرابتي حجج اللّه البالغة لديكم((81)) .
كما يشير السيد شرف الدين الى امر آخر، وهو ان النسخيتوقف ايضا على ملاحظة المتقدم والمتاخر، فانالناسخ لا بد من ان يتاخر عن المنسوخ، ولذا فان المكيلا ينسخ المدني، وهذا امر ذكره السيد شرف الدين((82)) في مسالة دعوى ان قوله تعالى:
(والذين هم لفروجهم حافظون - الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهمغير ملومين) [المؤمنون/5 و6]، ناسخ لية المتعة،وهي قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهنفتوهناجورهن فريضة) [النساء/24 ]. وهذه المسالةوان لم تكن كلامية، بل هي فرعية، ولكنها ترتبطبوضوح ببحث النسخ في القرآن.
5 - في فهم النص القرآني ان القرآن ورد بلغة العرب، وفي اساليب تلك اللغة، وماتحدى العرب الا على طرائقهم في مجازاتهم وحقائقهم،ولذا كان لا بد من ملاحظة خصوصيات النص القرآني،وهذه الخصوصيات تتمثل في امرين:
احدهما: ملاحظة الخصوصية البيانية للغة العربية، فاناللغة العربية تحمل اسلوب التصوير والتمثيل، وقد وردالعديد من اليات القرآنية بهذه اللغة، وقد ذكر السيدشرف الدين العديد من هذه اليات، واهمها آية الميثاق (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهمواشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا انتقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين)[الاعراف/172]، حيث يقول: ظاهر الاية انها جاءتعلى سبيل التمثيل والتصوير، فمعناها: واذكر يا محمد ما قد واثقوا اللّه عليه بلسان حالهم التكويني من الايمانوالشهادة له بالربوبية.
وكذلك من تلك الايات التي وردت على ذلك الاسلوب قوله تعالى: (انا عرضنا الامانة على السموات والارضوالجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسانانه كان ظلوما جهولا) [الاحزاب/72]، قال: «لان عرضهاعلى السماوات والارض والجبال لم يكن الا على سبيلالتمثيل والتصوير تقريبا للاذهان، وتعظيما لامر الامانة،واكبارا لشانها»((83)) .
ثانيهما: ملاحظة خصوصية الظروف المحيطة التي نزلفي اطارها النص القرآني، فان خلود النص القرآني لايمنع من وروده ملاحظا الخصوصيات التي رافقتنزوله. ومن هنا، فان اللغة المستخدمة فيه ترد بنحومعين مراعاة لهذه الظروف، وهذا ما قدمه السيد شرفالدين في معرض رده على اعتراض المعترض على ورودقوله تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذينيقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة...) [المائدة/55]، بان هذهالاية كيف تكون نزلت في على(ع) وهو مفرد، والية انماوردت بصيغة الجمع.
وجواب السيد شرف الدين هو انه انما جاء بعبارةالجمع من دون عبارة المفرد بقيا منه تعالى على كثير منالناس، فان شانئي على، واعداء بني هاشم، وسائرالمنافقين، واهل الحسد والتنافس لا يطيقون ان يسمعوها بصيغة المفرد، اذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في تمويه، الى ان يقول: ولو كانت الية بالعبارة المختصة بالمفرد، لجعلوا اصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم،واصروا واستكبروا استكبارا، وهذه الحكمة مطردة فيكل ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل اميرالمؤمنين واهل بيته الطاهرين كما لا يخفى، وقداوضحنا هذه الجمل، واقمنا عليها الشواهد القاطعة،والبراهين الساطعة في كتابينا:
سبيل المؤمنين، وتنزيلاليات»((84)) .
ان منهج القرآن سار على هذا النحو من ملاحظة تلكالظروف المحيطة، ولكن عدم توافر كتابي السيدالمذكورين هو مدعاة للاسف لان ملاحظة منهج السيد شرف الدين في هذا الامر يثري البحث القرآني -الكلامي.
النقطة الثانية: السنة الشريفة المصدر الثاني
بحسب الترتيب المعروف، هو السنةالنبوية، وضمن هذه السنة ابحاث:
الاول: في اثبات السنة الشريفة
1 - التوات لا يخفى كون التواتر من اهم طرق الاثبات للسنة النبويةاو ما ورد عن الائمة، بل هو من اعلاها درجة لانه مثبت لها بنحو علمي لا ظني، وهذا التواتر كما يكون لفظيايكون معنويا. وفي التواتر يبحث السيد شرف الدين عنحديث الغدير، محاجة منه لمن انكر تواتره من طرقالفريق الخر، وذلك عبر ادخال عامل كيفي وهو منجهة ملاحظة العوامل الخارجية، فان حديث الغدير قدالقي بمنظر ومسمع من الالوف المجتمعة من اماكنشتى، و هذا يجعل النواميس الطبيعية تقضي بتواترهوتناقله على الالسن كافة، ومن جهة اخرى فان هذاالحديث قد نزلت في شانه آية من القرآن، وهي قولهتعالى:
(يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لمتفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس ان اللّهلا يهدي القوم الكافرين) [المائدة/67]، وذلك من جهةان اهتمام المسلمين بالقرآن ترتيلا وتفسيرا،وملاحظتهم لاسباب النزول، يقضي بان يكون هذاالحديث متواترا((85)) .
2 - خبر الواحد ما هي قيمة خبر الواحد في علم الكلام او فيالاعتقاديات، هذا هو اول سؤال يمكن ان نطرحه هنا،والسيد شرف الدين يؤكد ان خبر الواحد مع صحته انمايكون حجة في الفروع لا في العقائد، وهذا امر معروففي اصول الفقه مفروغ عنه. وهذا ما طرحه السيد شرفالدين لرفض بعض الروايات الواردة في كتب الفريقالخر عن رؤية اللّه عز وجل. قال: على ان هذينالحديثين وسائر الاحاديث التي تشبث بها القائلونبالرؤية، لو فرض صحتها متنا وسندا، لا تخرج بالصحةعن كونها من الحاد، وخبر الواحد مع صحته انما يكونحجة في الفروع لا في العقائد((86)) .
ولكن هذا لا يعني اسقاط الخبر من اساسه، فالخبر اذاكان ورد لتفسير آيات الكتاب الكريم - او اذا كان منالمتواتر الذي يخرج عن خبر الواحد- فانه يكون عنصراثبات في الاعتقاديات، ولكن هل المدار على العدالة اولا بد من وحدة المذهب، او ان الوثاقة تكفي للقبولبالخبر، ينص السيد شرف الدين على الاكتفاء بالوثاقةعند دفع اشكال من يرفض الاستدلال بروايات ورد فيطريقها من هو من الشيعة((87)) ، فان الكذب من الكبائرعند الشيعة، ورجال الشيعة الثقات لا يمكن صدورالكذب منهم، فالاعتماد على اخباراتهم مما لا محيصمنه.
نعم للسيد شرف الدين موقف من نوعين من انواعالحديث:
اولا: يبحث السيد شرف الدين عن العلاقة بين الحديثوالعقل، فلا يعني ورود الحديث، حتى لو كان فيالكتب المعتبرة او في الصحاح المعروفة لدى الفريقالخر، اعتباره اذا كان مما يستحيل عقلا، ومثالا علىذلك يذكر السيد شرف الدين ما اخرجه الشيخان فيصحيحيهما، والامام احمد في مسنده وغيرهم فيفضائل النبي موسى (ع)، عن ابي هريرة مرفوعا قال:
«كانتبنو اسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم الى سواةبعض، وكان موسى ( ع) يغتسل وحده. فقالوا: واللّه مايمنع موسى ان يغتسل معنا الا انه آدرف اي عظيمالخصيتين - قال: فذهب مرة يغتسل، فوضع ثوبه علىحجر، ففر الحجر بثوبه. قال: فجمح موسى باثره يقول:ثوبي حجر! ثوبي حجر ! حتى نظرت بنو اسرائيل الىسواة موسى. فقالوا: واللّه! ما بموسى من باس.
فقام الحجر بعد، حتى نظر اليه. قال: فاخذ موسى ثوبهفطفق بالحجر ضربا».
قال ابو هريرة: واللّه! انه بالحجر ندب ستة او سبعة ط الحديث((88)) .
ويقف السيد امام هذه الرواية قائلا: «وانت ترى ما فيهذا الحديث من المحال الممتنع عقلا، فانه لا يجوزتشهير كليم اللّه بابداء سواته على رؤوس الاشهاد منقومه لان ذلك ينقصه ويسقط من مقامه»((89)) .وهذا الموقف من قبل السيد شرف الدين لا يقتصر على خبر الواحد حتى يقال انه مرفوض لعدم كونهعنصر اثبات في الاعتقاديات، بل ان هذا ياتي حتى فيالخبر المتواتر الذي يملك قيمة اثباتية في الاعتقاديات،ولذا يتحدث السيد شرف الدين في بحث الرؤية عنالروايات التي تتحدث عن امكانية رؤية الواجب تعالى،حيث يقول: ان التواتر لو فرض حصوله لوجب تاويله او رد العلم بالمراد منه الى اللّه تعالى((90)) .
ثانيا: يرفض السيد شرف الدين الروايات الواردة من قبلمن يسميهم غلاة المفوضة، ومثاله موقفه من الرواياتالواردة في نزول آيات من القرآن في كفر فلان وفلان،ويتمسك لرد ذلك بيات من القرآن فيقول: ومن تدبرآيات المنافقين في الذكر الحكيم وجدها تعطفهم علىالكفار تارة نحو قوله تعالى: (يا ايها النبي جاهد الكفاروالمنافقين واغلظ عليهم وماواهمجهنم وبئ س المصير)[التوبة/73]، وتعطف الكفار عليهم تارة اخرى، نحوقوله عز اسمه: (وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفارنار جهنم خالدين فيها) [التوبة/68]، وهذا يشعر بتغايرهما، فالقرآن اذن لا يكفر المنافقين مع ما كانواعليه من الايذاء لرسول اللّه، والسعي في اطفاء نور اللّه،وقد صدع بذمهم ولعنهم ووعيدهم، ومع هذا كله فقد فتح لهم بابا الى رحمته الواسعة، اذ قال عز من قائل ( ويعذب المنافقين ان شاء او يتوب عليهم ان اللّه كانغفورا رحيما) [الاحزاب/24].((91)) والموقف نفسه نجده لدى السيد شرف الدين فيالروايات الواردة بان عليا طلق فلانة، ويتمسك لاثباتعدم اعتبار مثل هذه الاخبار بالاجماع على عدماعتبارها((92)) .
الثاني: في دلالة الحديث
للبحث في دلالة الحديث جهات متعددة، ومن الجهاتالتي تعرض لها السيد شرف الدين في طيات ابحاثه:
1 - عموم الروايات العموم في الرواية يثبت عادة بحسب اهل اللسانوالعرف، وهذا ما تمسك به السيد شرف الدين قبال منادعى عدم العموم في حديث المنزلة، وهو قول النبي لعلى :اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون منموسى الا انه لا نبي بعدي، فان العموم في هذا الحديثمما يعرفه كل اهل الضاد، وذلك من جهتين:
عموم اسمالجنس المضاف واستفادة العرف ذلك منه والاستثناء للنبوة حيث انه لم يستثن من جميع المنازل الاالنبوة((93)) .
2 - المورد لا يخصص الوارد فقد حاول بعضهم دفع الاستدلال بحديث المنزلة بانهانما نزل في خصوص غزوة تبوك، ولكن السيد يدفعذلك بالقاعدة المؤسسة في محلها من كون المورد لايخصص الوارد، ويحيل هذه القاعدة الى وجدانالانسان، ممثلا لذلك بما لو رايت الجنب يمس آيةالكرسي فقلت له: لا يمسن القرآن محدث.
ايكون هذاخاصا بمورده ام عاما شاملا لجميع آيات القرآن ولكلمحدث؟ وهكذا العرف فانه ايضا يقضي بعدم تخصيصالكلام بمورده. ومن الشواهد الخاصة التي يوردها السيدشرف الدين على عدم تخصيص الحديث بمورد نزوله،هو ان حديث المنزلة قد صدر من النبي(ص) في وقائع مختلفة، ولم يختص بغزوة تبوك((94)) .
الثالث: النسخ في الرواية
تعد مسالة النسخ من اكثر القضايا جدلا في الحواراتالمذهبية، ومن عوامل اللجوء الى النسخ ذلك التصادمالذي حصل بين الروايات وبين عمل الصحابة، فاذا كانحديث الدار نصا في مسالة الامامة والولاية لعلى(ع) منبعد النبي(ص)، واذا كان الصحابة قد اعرضوا عن هذاالحديث عمدا بعد وفاة النبي(ص)، فلا بد من ان يكون هذاالحديث منسوخا. ولكن السيد شرف الدين يثبتاستحالة النسخ في هذه الرواية عقلا وشرعا.
اما عقلا، فلان النسخ قبل حضور وقت العمل مستحيل.واما شرعا، فلعدم ثبوت اعراض النبي( ص) عن هذاالحديث، بل ان ما ورد عن النبي(ص) بعد هذا من احاديثيؤيد ذلك، واعراض الصحابة عنه لا يوجب نسخه((95)) .[/align]