الفساد الاداري ..
نحو معالجة المستقبل
وليد المسعودي
يعد الحديث عن الفساد الاداري في العراق حديثا عن " تراكمات " متعددة لا تشمل مؤسسات الدولة في شكلها الراهن فحسب بل تصل الى طبيعة واشكال البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، تلك التي غاب عنها التجديد والبناء والتطور ، فالعلاقة بين الدولة والمجتمع كانت محكومة ضمن عاملي الطرد والنبذ لجميع المفردات المتعلقة بالتقدم سواء على صعيد حياة الفرد الداخلية من رفاه وكرامة واحترام ووجود إنساني أو على صعيد المجتمع ككل وما يحمل من تطلعات وأحلام تخص الذاكرة الجمعية في تحقيق ما هو أفضل وصولا إلى مصاف الدول المتمدنة والمتقدمة ، كذلك الحال مع ما يحيط المجتمع العراقي من بيئة وثقافة وتعامل سلطوي .. الخ كل ذلك غائب عنه ما يخص مفردات التقدم أو التطور ومن ثم الانتقال من مرحلة الى أخرى . فالفساد الإداري في فترتي السبعينيات والثمانينيات كان لم يكن ظاهرا بشكل نسبي ضمن سلوكيات الموظف العراقي ، وذلك بسبب طبيعة الأجور العالية التي يحصل عليها الموظفون والعاملون في مؤسسات الدولة وبسبب طبيعة الرقابة الصارمة والمعاقبة الآنية لجميع المخالفين والمتجاوزين على المال العام بطرق وأشكال مختلفة ، ولكن هل يعني ذلك الأمر إن الفساد الإداري غير موجود ؟ بالطبع سوف يكون جوابنا بالنفي ، وذلك لان هرم الدولة في مشروعيته منتهي الصلاحية أو غير صالح للبقاء إلا من خلال لغة التعبئة الإيديولوجية وإلغاء وعي المجتمع وعدم بناء ما هو مختلف عن جاهزية قيم الدولة الحزبية ، تلك التي عملت على إدارة الفساد بشكل منهجي ومنظم من خلال عسكرة المجتمع وقولبته في اطر اجتماعية واقتصادية تخدم سياسة هذه الدولة دون وجود يذكر لأهمية تطوير ذلك الفرد – الإنسان في قاموسها الثقافي المستقبلي ، الأمر الذي أدى إلى الدخول في متاهات متواصلة من إدارة الدولة بشكل سلبي مع تكرار الحروب والضغوط و" الحصارات " الاقتصادية وتفكك بنية المجتمع وذوبان الطبقة الوسطى في قاع المجتمع ، كل ذلك نتيجة طبيعية لتعامل سلطوي فاسد من حيث الإدارة والتنظيم والنظرة إلى المستقبل .
مشكلة الحاضر :
تمتد مشكل الحاضر الإداري الفاسد إلى طبيعة الماضي كما أسلفنا والى طبيعة جديدة أخرى تتعلق بعملية التغيير التي حصلت في نظام الحكم من تعامل فوقي سلطوي ( من قبل الولايات المتحدة ) وذلك التغيير قد مر في انحناءات وتعثرات وتجاوزات أيضا لما هو سلبي في الأزمنة السابقة قادت الى شكل حكم لا يستطيع أن يتواصل مع المجتمع إلا من خلال لغة العزل والتقسيم وتبادل السلطة ( وليس تداولها ) من خلال نظام المحاصصة الذي ما نزال نعاني من آثاره ، وهو سبب كبير في استشراء وبقاء ظاهرة الفساد الإداري ، فذلك النظام قاد إلى تأسيس نماذج إدارة غير كفوءة داخل أجهزة الدولة ووزاراتها بشكل نسبي وليس مطلق ، والحديث هنا عن الفساد الإداري لابد من بناء مشروعية موضوعية حوله من خلال عرض الأمثلة حول ذلك الأمر يتمثل بما تقوم به أحدى الوزارات( التربية ) على سبيل المثال فالفساد الإداري لا يتم من خلال شخص الوزير وما يمتلك من إمكانيات في الكفاءة أو عدمه بل من خلال التقسيمات الإدارية الأدنى منه ، فالتعاقد مع شركة أهلية ( ..... ) حول تجهيز مادة الطباشير لمديريات التربية والمدارس ومن ثم إلى التلاميذ يكون ضمن المواصفات المطلوبة وهي عالية الجودة والإمكانية والاستعمال من حيث النص القانوني للتعاقد ، ولكن الواقع يشير إلى العكس تماما أي إن ذلك الأمر غير متحقق على ارض الواقع والتجهيز يتم بشكل مغاير من حيث المواصفات الرديئة التي يتم " تمشيتها " . فمن الذي يتحمل هذه المسؤولية . إنها شبكة علاقات تبدأ بالإدارة العليا للتجهيزات داخل الوزارة وكذلك ضمن طبيعة لجان الفحص والقبول والرفض فكل ذلك يتم تحقيق رضاه وقبوله أي تقديم الامتيازات " الرشوة " إلى من يمتلك سلطة قرار حول ذلك الأمر ، وفي النهاية تصل مادة "الطباشير" إلى الصف المدرسي سيئة الاستعمال وغير جيدة أو مستوفية لغرضها الحقيقي في إيصال المادة الدراسة من خلالها بالرغم كونها وسيلة أصبحت قديمة مقارنة بالوسائل الحديثة للتربية والتعليم ، تلك المرتبطة بالتعليم الالكتروني وانتشار أجهزة الكومبيوتر في الكثير من المدارس الحديثة ، والمصيبة نقول هنا ان الكثير من الشركات الأهلية التي تتعاقد مع الدولة تمتلك " مفوظيها الخصوصيين" الذين يتعاملون مع هذه الوزارة المعينة أو تلك ، فلا توجد عقبة تقف أمام " المال " هبات ورشاوى من اجل تجاوزها أو حلها ومن ثم تمشية العقود وتحقيقها . ومثالنا الآخر مهم جدا يتعلق في كيفية إدارة المدن العراقية من قبل المتعددة الجنسية أو الوزارات العراقية المختصة بذلك الأمر وما تقوم به من نشر الكثير من الكتل الكونكريتية الهائلة في أكثر الأحياء والمناطق ، بالرغم من أهمية دورها في حماية الكثير من المواطنين إلا إنها في النهاية عبارة عن نزيف هائل لأموال الدولة والمجتمع كان من الممكن استغلالها في مجالات أخرى تخص التعليم والصحة وتوفير فرص للعاطلين عن العمل .. الخ . ان ظاهرة الفساد الإداري تجد في كثير من الأحيان القبول والاستسهال لأنها أصبحت جزءا يوميا من حياة الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة بشكل نسبي خصوصا وإننا نجد هذه الظاهرة في الأزمنة الراهنة لا تحمل بوادر تقليل أو تجاوز آثارها من خلال المعالجات والمراقبة الصارمة وكذلك من خلال تحقيق مبدأ زيادة الأجور الذي يعد جزءا حيويا ومهما من اجل التقدم في العمل الإداري الكفوء .
مشكلة المستقبل :
إن المستقبل هو القريب والبعيد على حد سواء ، وبما ان المستقبل القريب يحمل سمات الحاضر لأنه ملتصق به لذلك ينبغي تركيز أنظارنا نحو البعيد من المستقبل ، ولكن ذلك لا يعني إهمال القريب أو المتضمن في فترة زمنية معينة ، من اجل تجاوز هذه الظاهرة وعدها جزءا من تاريخية دولة الاستبداد ، وذلك الأمر يتحقق بالرغم من صعوبات الحاضر الإداري الفاسد إلى حد بعيد من خلال ..
1- العمل على زيادة أجور الموظفين والعاملين في أجهزة الدولة بشكل يساعد الموظف العراقي على جعله فوق مصاف العوز والحرمان ، فضلا عن توفير عنصر المكافآت بشكل دوري ومستمر للذين يقدمون العمل الايجابي الجيد ، وهذه الوسيلة من شأنها أن تؤدي إلى العمل على تحقيق أفضل الإمكانيات والوسائل من حيث العمل الإداري الجيد .
2- العمل على تفعيل دور لجان المراقبة الوزارات داخل الدولة من قبل وزارة المالية على وجه الخصوص وتفعيل دور لجان النزاهة داخل الوزارة المعينة أو تلك وتغييرهم بشكل دوري كي يتسنى معرفة من يقدم أكثر ويعمل على تجاوز وكشف الكثير من الظواهر السلبية التي يتركها الفساد الإداري
3- العمل على تغيير الهرم الإداري " المدراء " داخل مؤسسات الدولة كل سنتين أو أكثر ضمن رؤيتنا ، وخصوصا لدى الوزارات التي تساهم في بناء المشاريع وتقديم الخدمات التي تمس حاجة الفرد العراقي من طاقة ووقود وصحة وتعليم ..الخ
4- وأخيرا هنالك العامل المهم والمتعلق بنشر ثقافة النزاهة داخل الوزارات والمؤسسات وهذه مع الأسف غائبة الى حد كبير ، وثقافة النزاهة ليست مثالا أو تصورا بعيدا بل هي ترتبط بوجود الإنسان ومعناه ومدى إدراكه ان المستقبل هو ملك للجميع في حياة أفضل يسودها العطاء وحب العمل والبذل خدمة للصالح العام والتطور المجتمعي .