 |
-
الأصول الفكرية والتأريخية للإرهاب
الأصول الفكرية والتأريخية للإرهاب
من الممكن تحديد دلالة مقبولة لمقولة الإرهاب في الجماعات التي ترفع شعار الإسلام بأن نعرفه على أنه التعصب الأعمى والإنغلاق الفكري على الموروث ، فقط لأنه وردنا عن الآباء {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ }الزخرف22 ، {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }الزخرف23 . وبكلمة أخرى يكون أساس الإرهاب فكري ، وإن تجسد على المستوى الخارجي بصورة فعل إجرامي عنفي .
وإذا كان الإرهاب قد اقترن بالوهابية والسلفية على وجه الخصوص ، فإن أسباب هذا الإقتران تعود الى الجذور الفكرية الأولى التي ارتكز عليها الفكر الوهابي ، ولا أقصد هنا تأثر محمد بن عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية بفكر ابن تيمية على وجه الخصوص ، فالمسألة في حقيقتها أعمق من هذه النقطة التأريخية ، بل إنها تتصل في الحقيقة بالموقف من الرسول والرسالة ، فالعقلية البدوية الأعرابية لم تستطع استيعاب المعنى الحقيقي للدين ، وبقيت تنظر له من خلال الإرث الثقافي الجاهلي المتراكم الذي لم يستطع أن يرى في الرسول ومن ثمّ في الرسالة غير البعد الإنساني المحسوس ، الأمر الذي جعلها تستصحب إرثها وتسقطه على الإسلام ، بل ترى الإسلام من خلال هذا الإرث ، وهذه بالذات هي البؤرة المولدة للإرهاب ، فالدين الإلهي من شأنه أن ينقل الخلاف الأرضي الى مساحة الرحب السماوي الواسع ، أي يجرده من كل ما هو شخصي ، أو ثقافي ، أو مصلحي وما الى ذلك ، وبكلمة واحدة يجرده من كل ما يتعلق بالأنا ، و يتعارض مع مفاهيم الحكمة والعدالة والحق ، فهو يموضع المسألة الإنسانية في إطار خارج عن مركزية الأنا التي ترى العالم من خلال تعلقه بها ، وترى في ذاتها ومصالحها ورؤيتها المقياس الأوحد .
والإرهاب الذي يمارس باسم الإسلام هو في الحقيقة دين الأنا والجاهلية ، ولكنها جاهلية تم تغليفها بقشور إسلامية ، أو هي جاهلية أطلت أو تريد أن تطل بوجه إسلامي ، بمعنى إنها تسعى الى تحوير الإسلام أو إعادة صياغته ليتوافق مع منطلق الأنا الجاهلي .
والأصول الأولى لهذا الإنحراف نمت منذ الأيام التي صدع بها رسول الله (ص) برسالة السماء ، وحاول اقتلاع جذر الأنا والجاهلية من نفوس القوم ، ولكن الأنا الجاهلية للأسف الشديد وجدت لنفسها طريقاً ملتوياً تعبر من خلاله عن حضورها وتديم وجودها القبيح ، وفيما يأتي شواهد تأريخية أضعها أمام الباحثين ليتلمسوا الأصل الذي انبثق عنه الإرهاب .
- أخرج أحمد بن حنبل من حديث عمر في مسنده عن سلمان بن ربيعة ، قال : سمعت عمر يقول : قسم رسول الله صلى الله عليه وآله قسمة ، فقلت : يا رسول الله لغير هؤلاء أحق منهم ، أهل الصفة . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنكم تسألوني بالفحش ، وتبخلوني ولست بباخل ، وعن أبي موسى أن عمر سأل النبي عن أشياء يكرهها رسول الله فغضب صلى الله عليه وآله حتى رأى عمر ما في وجهه من الغضب . أخرجه البخاري في باب ، الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره ، من أبواب كتاب العلم ص 19 من الجزء الأول من صحيحه . و روى شيخ العرفاء محي الدين ابن العربي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعمر بن الخطاب حين أسلم : أستر إسلامك وأن عمر أبى إلا إعلانه .
- إن الله عز وجل أنزل في الخمر ثلاث آيات ، الأولى قوله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ) ، فكان من المسلمين شارب وتارك إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر ، فنزل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) ، فشربها بعد من شربها من المسلمين وتركها من تركها ، قال أهل الأخبار حتى شربها عمر بن الخطاب فأخذ بلحي بعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر إذ يقول : وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام – أ يوعدنا ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام - أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي ؟ - ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام - فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي - فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج مغضبا يجر ردائه فرفع شيئا كان في يده فضربه به فقال : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله تعالى : ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر و يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) ( 446 ) قال : فقال عمر انتهينا انتهينا ( 447 ) .
وروى ابن حجر في ( فتح الباري ج10 ص30) يقول: ( عقد أبو طلحه زيد بن سهل مجلس خمر في بيته ودعا عشره أشخاص من المسلمين(!!) فشربوا وسكروا،حتى أنّ أبا بكر أنشد أشعارا ًفي رثاء قتلى المشركين في بدر, وهم : أبا بكر بن أبي قحافه وعمر بن الخطاب أبو عبيده , وأبي بن كعب, وسهل بن بيضاء, وأبو أيوب الأنصاري,وأبا طلحه , وأبا دجانه, وأبا بكر بن شغوب, وأنس وكان عمره 18سنه)
وروى البيهقي في( سننه ج8 ص29)( عن أنس أنه قال: وكنت أصغرهم سنا وكنت الساقي في ذلك المجلس) .
وقال الشعبي : شرب أعرابي من إداوة عمر، فانتشى، فحده عمر. وإنما حده للسكر لا للشراب)) العقد الفريد
وروى البيهقي في سننه عن عمرو بن ميمون الأودي قال شهدت عمر بن الخطاب حين طعن قال أتاه أبو لؤلؤة وهو لعله يسوي الصفوف فطعنه وطعن اثني عشر رجلاً قال فأنا رأيت عمر باسطاً يده وهو يقول أدركوا الكلب فقد قتلني فأتاه رجل من ورائه فأخذه قال فحُمل عمر إلى منزله فأتاه الطبيب فقال أي الشراب أحب إليك؟ فقال: النبيذ! قال فدُعى بالنبيذ فشرب منه فخرج من إحدى طعناته فقال إنما هذا الصديد صديد الدم قال فدعى بلبن فشرب فقال أوص يا أمير المؤمنين بما كنت موصياً به فوالله ما أراك تمسي)( سنن البيهقي / ج: 3 ص: 113) و( كنز العمال / ج: 12 ص: 679 : / 36044 ) ( تاريخ المدينة / ج: 3 ص: 910) وقال الشوكاني ( فأتي بنبيذ فشربه زاد في حديث أبي رافع لينظر ما قدر جرحه..) (نيل الأوطار ج 6 ص 162 ) .
- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي المؤلفة قلوبهم وهم أصناف ، فمنهم أشراف من العرب كان صلى الله عليه وآله يتألفهم ليسلموا فيرضخ لهم ، ومنهم قوم أسلموا ونياتهم ضعيفة فيؤلف قلوبهم بإجزال العطاء ، كأبي سفيان ، وابنه معاوية ، وعيينة بن حصن ، والأقرع ابن حابس ، وعباس بن مرداس ومنهم من يترقب - بإعطائهم - إسلام نظرائهم من رجالات العرب ، ولعل الصنف الأول كان يعطيهم الرسول صلى الله عليه وآله من سدس الخمس الذي هو خالص ماله ، وقد عد منهم من كان يؤلف قلبه بشئ من الزكاة على قتال الكفار هذه سيرته المستمرة مع المؤلفة قلوبهم منذ نزلت الآية الحكيمة عليه صلى الله عليه وآله حتى لحق بالرفيق الأعلى ، ولم يعهد إلى أحد من بعده بإسقاط هذا السهم إجماعا من الأمة المسلمة كافة وقولا واحدا . لكن لما ولي أبو بكر جاء المؤلفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم هذا جريا على عادتهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله فكتب أبو بكر لهم بذلك ، فذهبوا بكتابه إلى عمر ليأخذوا خطه عليه فمزقه وقال : لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم ، فإن أسلمتم وإلا السيف بيننا وبينكم ، فرجعوا إلى أبي بكر ، فقالوا له : أنت الخليفة أم هو ؟ . فقال : بل هو إن شاء الله تعالى وأمضى ما فعله عمر .
- أخرج البخاري في صحيحه عن أبي عوانة عن حصين ، قال : تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية ، فقال أبو عبد الرحمن لحبان : لقد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء - يعني عليا - قال : ما هو ؟ لا أبا لك . قال : شئ سمعته يقوله . قال : ما هو ؟ . قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله والزبير وأبا مرثد ، وكلنا فارس ، قال : حتى تأتوا روضة حاج ( قال أبو سلمة هكذا قال أبو عوانة حاج ) فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأتوني بها ، فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله تسير على بعير لها ، وكان حاطب كتب إلى أهل مكة بمسير رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم ، فقلنا : أين الكتاب الذي معك ؟ . قالت : ما معي كتاب . فأنخنا بها بعيرها فابتغاه في رحلها فما وجدنا شيئا ، فقال صاحباي : ما نرى معها كتابا . قال : فقلت لقد علمنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم حلف علي : والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله و رسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حاطب ما حملك على ما صنعت ؟ . قال يا رسول الله مالي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ، ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي ، وليس من أصحابك أحد إلا له هناك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله ، قال : صدق لا تقولوا له إلا خيرا ، قال فعاد عمر فقال : يا رسول الله قد خان الله و رسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه .
- وأخرج الإمام مالك والبزاز - كما في مادة لقحة بوزن بركة من حياة الحيوان - للدميري - عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كتب إلى أمرائه إذا أبردتم إلي بريدا فأبردوه حسن الاسم حسن الوجه ، فقام عمر حين علم بذلك قائلا : لا أدري أقول أم أسكت ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله : بل قل يا عمر فقال : كيف نهيتنا عن الطيرة وتطيرت ؟ فقال : ما تطيرت ولكن اخترت .
- النهي عن قتل العباس وغيره وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه وقد حمي الوطيس يوم بدر : عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا كرها لا حاجة لهم لقتالنا ، فمن لقي أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يقتله ، فإنه خرج مستكرها . تراه صلى الله عليه وآله نهى عن قتل بني هاشم عامة ، ثم نهى عن قتل عمه العباس بالخصوص ، تأكيدا للمنع من قتله ، وتشديدا ومبالغة في ذلك ، ولما أسر العباس بات رسول الله صلى الله عليه وآله ساهرا أرقا فقال له أصحابه - كما نص عليه كل من أرخ وقعة بدر من أهل السير والأخبار - يا رسول الله ما لك لا تنام ؟ قال صلى الله عليه وآله سمعت تضور عمي العباس في وثاقه فمنعني النوم ، فقاموا إليه فأطلقوه فنام رسول الله صلى الله عليه وآله . وعن يحيى بن أبي كثير : أنه لما كان يوم بدر أسر المسلمون من المشركين سبعين رجلا ، فكان ممن أسر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله فولي وثاقه عمر بن الخطاب ، فقال العباس : أما والله يا عمر ما يحملك على شد وثاقي إلا لطمي إياك في رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يسمع أنين العباس فلا يأتيه النوم . فقالوا : يا رسول الله ما يمنعك من النوم ؟ . فقال رسول الله : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي . فأطلقه الأنصار . . ( الحديث ) . وكان أصحاب رسول الله كافة من مهاجرين وأنصار وغيرهم يعلمون ما لأبي الفضل العباس من المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وحب السلامة له والكرامة ، ولما بلغه صلى الله عليه وآله كلمة أبي حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - وكان معه في بدر - إذ قال أنقتل آبائنا وإخواننا ونترك العباس ، والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف ساءه صلى الله عليه وآله ذلك من أبي حذيفة فاستنجد بعمر يقول له مثيرا حفيظته : يا أبا حفص أيضرب وجه عم الرسول بالسيف ؟ . قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله بأبي حفص . وما أن وضعت الحرب أوزارها - ونصره الله عبده ، وأعز جنده وقتل الطواغيت سبعين وأسر سبعين آخرين . وجئ بهم موثوقين - حتى قام أبو حفص يحرض على قتلهم بأشد لهجة قائلا : يا رسول الله إنهم كذبوك وأخرجوك وقاتلوك فمكني من فلان - لقريب أو نسيب له - فأضرب عنقه ، ومكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه ، ومكن حمزة من أخيه العباس فيضرب عنقه . قلت : يا سبحان الله لم يكن عباس ولا عقيل ممن كذبوا رسول الله ، ولا ممن أخرجوه ، ولا ممن آذوه ، وقد كانوا معه في الشعب أيام حصرهم فيه يكابدون معه تلك المحن ، وقد أخرجا إلى بدر كرها بشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله لهما بذلك . ونهى رسول الله عن قتلهم والحرب قائمة على ساقها ، فكيف يقتلان وهما أسيران ؟ . وإذا كان تضور العباس أقلق رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعه النوم ، فما ظنك بقتله صبرا بلا مقتض لذلك ، فإن العباس كان من قبل ذلك مسلما ، وإنما كتم إسلامه لحكمة كان لله ورسوله فيها رضا ، وله وللأمة فيها صلاح
- أورد ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي عطية من الجزء الرابع من إصابته ، إذ قال : أخرج البغوي ، وأبو أحمد الحاكم من طريق إسماعيل بن عياش ، وروى الطبراني من طريق بقية ، كلاهما عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن أبي عطية : " أن رجلا توفى على عهد رسول الله فقال بعضهم - يعني عمر - : يا رسول الله لا تصل عليه . فقال رسول الله : هل رآه أحد منهم على شئ من أعمال الخير ؟ . فقال رجل حرس معنا ليلة كذا وكذا . فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم مشى معه إلى قبره ، ثم حثا عليه وهو يقول : إن أصحابك يظنون أنك من أهل النار ، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمر : إنك لا تسأل عن أعمال الناس ، وإنما تسأل عن الغيبة .
- أمر النبي صلى الله عليه وآله أبا هريرة بذلك فقال له : اذهب فمن لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة . فكان أول من لقيه عمر فسأله عن شأنه ، فأخبره بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو هريرة - فيما أخرجه بالإسناد إليه مسلم في صحيحه - فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لأستي ، فقال : ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى رسول الله فأجهشت بكاء ، وركبني عمر وإذا هو على أثري . فقال لي رسول الله : مالك يا أبا هريرة ؟ فقلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة فخررت لأستي فقال ارجع . فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ قال يا رسول الله أبعثت أبا هريرة بأن من لقى الله يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه يبشره بالجنة ؟ قال رسول الله : نعم . قال : لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله : فخلهم .
- كانت إقامته في الحديبية تسعة عشر يوما ، قفل بعدها إلى المدينة ، فلما كان بكراع الغميم - موضع بين الحرمين - نزلت عليه سورة الفتح ، وعمر لا يزال حينئذ آسفا من صد المشركين إياهم عن مكة ورجوعهم وهم على خلاف ما كانوا يأملون من الفتح ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله حين نزلت عليه السورة أن يزيل بث عمر ، ويذهب برحاء صدره . فقال له - كما في صحيح البخاري بالإسناد إليه - " لقد أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " ثم قرأ : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) . فقال رجل من أصحابه " ما هذا بفتح لقد صددنا عن البيت ، وصد هدينا ، ورد رجلان من المؤمنين كانا خرجا إلينا " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " : بئس الكلام هذا بل هو أعظم الفتح ، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم ، ويسألوكم القضية ، ويرغبوا إليكم في الأمان ، وقد رأوا منكم ما كرهوا ، وأظفركم الله عليهم ، وردكم سالمين مأجورين ، فهو أعظم الفتوح أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم ؟ أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ؟ " . فقال المسلمون : صدق الله ورسوله ، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ، ولأنت أعلم بالله وبأوامره منا . لكن قال عمر حينئذ : يا رسول الله ألم تقل إنك تدخل مكة آمنا ؟ قال : بلى ، أ فقلت لكم من عامي هذا ؟ قال : لا .
- رزية يوم الخميس وقد كانت سنة 11 للهجرة في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله قبيل وفاته ( بأبي هو وأمي ) بيسير . أخرج أصحاب الصحاح وسائر أهل المسانيد ، وأرسله أهل السير والأخبار إرسال المسلمات . وإليك الآن بعض ما أخرجه البخاري بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس . قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطاب . قال النبي صلى الله عليه وآله : " هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده . فقال عمر : إن النبي قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول : ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : قوموا عني - قال عبيد الله بن عبد الله بن مسعود - : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم .. وهذا الحديث أخرجه مسلم في آخر الوصايا أوائل الجزء الثاني من صحيحه . ورواه أحمد بن حنبل في مسنده من حديث ابن عباس .
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |