الكوليرا في العراق : من إرهاب الجراثيم الى تقاعس المسؤولين

كتابات - د.علي التميمي

مرض فتاك تسببه جرثومة تسمى فيفريو كوليرا و فيفريو ألتول , من أعراضها : القيء الشديد المتتابع والإسهال الشديد الذي يشبه ماء الرز . وهذا المرض يؤدي الى الجفاف السريع الذي يؤدي الى الوفاة بسبب الجفاف .
وعلاجه الى الان هو التتراسايكلين , ولكن المصاب في أغلب الحالات لا ينفع معه العلاج إلا إعطاء المغذيات والأمصال اللازمة وبكميات كبيرة جدا . واذا انتشر وباء الكوليرا فالعلاج يكون في الشوارع وفي الساحات العامة فضلا عن المستشفيات والمراكز الصحية.
ويحتاج الى درجة عالية من الجهود والجدية وتكامل الأجهزة غير المتوفرة في اغلب المراكز والمستوصفات , وهناك ظروف وعوامل تساعد على انتشار وباء الكوليرا منها :
1- ارتفاع درجات الحرارة ما بين 30 الى 35 مئوية .
2- تلوث المياه .
3- تلوث الخضرة.
4- الإزدحام السكاني .
5- عدم النظافة في المنازل والمرافق العامة .

وهذه العوامل كلها موجودة في المدن العراقية , فالنظافة مفقودة , والحس بالنظافة معدوم في المقاهي والمطاعم والمنازل والحدائق العامة وفي المدارس والمستشفيات و الأماكن الخدمة العامة . ولا أحد يعمل على ثقافة النظافة لا الإعلام ولا البيئة ولا وزارة الثقافة الغائبة دائما .
أما التلوث فهو الظاهرة المزمنة في العراق ولا يسلم منها ميدان دون ميدان آخر , فالمياه ملوثة والإسالة ملوثة والمجاري طافحة والصرف الصحي يعمل بطريقة بدائية , والخضار ملوثة والمواد الغذائية ملوثة لاسيما التي تأتي من خارج العراق فهناك آلاف الأطنان من البضائع الغذائية المستوردة التالفة وغير المفحوصة وغير المراقبة .
وصحة المواطن غير مسؤول عنها سوى وزارة الصحة المحاصرة بآلاف المشاكل والمطوقة من قبل جهات كثيرة لا تعرف الصحة ولا تعرف المرض وتتدخل بمزاجية في أعمال الإستشفاء والمؤسسات الصحية , ومن هؤلاء بعض المحافظين الأميين الذين انتشروا في محافظات الفرات الأوسط والجنوب والذين لا يعرفون غير استعمال الحواشي ومواكب الحراسات ومحاولة فرض السلطة بطريقة التجبر والإدعاء .
يساعد على تلك الفوضى الذين دخلوا في مجالس المحافظات وهم من غير المؤهلين وليسوا من أصحاب الكفاءة قبدأوا يتدخلون بالشؤون الصحية ويفرضون على دوائر الصحة الوساطات والتعيينات ويتلاعبون بالإدارات الصحية بمزاجية بعيدة عن التنظيم والتخطيط ومعرفة حاجات المرضى وحاجات المستشفيات وحاجات الكادر الطبي.
وللتلوث في العراق ألوان عديدة ونماذج غريبة فريدة , فمدن الجنوب والفرات الأوسط مجاريها طافحة والقمامة فيها أكداس وأكداس والروائح تشم في منحنيات الشوارع ومنعطفات المدن , فمدينة مثل غماس مدينة الرز المعروفة مجاريها مكشوفة وبلاليعها غير مسقوفة ومياهها بالتلوث معروفة .
والبصرة التي كانوا يسمونها ثغر العراق يستوطنها الذباب والبعوض , ونهر العشار أصبح مكبا للنفايات في وضح النهار والبلديات غائبة عما يجري في الديار فوزيرها لا يهمه إلا إرضاء الكبار وهو لا يعرف ماذا يجري لأنهار العراق ولأطفال العراق .الذين يشتركون في شرب المياه مع الحيوانات ولا يعرفون ما معنى المعقمات ومشاريع الإسالة والتصفية التابعة للبلديات لا توجد فيها المعقمات وحبوب الكلور دائما من الغائبات وأحواض التصفية تنتشر فيها الأشنات , وهم يرمون بالتقصير على وزارة الكهرباء التي لا تمدهم بالطاقة الكهربائية التي أصبحت انتقائية , فهي لا تزور إلا بيوت الوزراء والمسؤولين في المنطقة الخضراء وعامة الشعب عليهم ألف بلاء . والحر القاتل يختطف المرضى وأصحاب الإبتلاء ووزارة البيئة اكتفت بالعنوان وبالفروع التي فتحت في المحافظات بلا إمكان .
والمصانع التي تفتح لتعبئة المياه تؤخذ الرخص فيها بالرشا حتى أصبح المواطن لا يأمن على شربة ماء نظيفة وان اشتراها بالقناني اللطيفة لآن التلوث أخذ طريقه الى كل وليفة .
فمياه آسنة وبرك راكنة ومبازل متعفنة وشطوط ترمى فيها النفايات وبعض القمامات ولا رقيب يعمل ولا حارس يفعل شيئا لدفع الاعتداءات على مصب المياه فتلوثت حتى الشلالات فأصبح أطفالنا مرضى مصابين بالإسهالات ورجالنا ونساؤنا يعانون من المغص والوجع والهزال والضعف ومن السرطانات .
حتى اكنمل المشهد بإرهاب الكوليرا ذات الخطورة التي تفوق كل التوقعات , و المسؤولون في العراق يتعللون بالتصريحات وبالمشاكل التي تركتها سايق الحكومات وينشغلون بالإيفادات والتنزه في المنتجعات ويدفعون أغلى الأثمان على الفنادق والحجوزات ولا يصرفون ما يستحق أن يصرف على الدواء والعقارات الطبية لأنها بعيدة عن الشهية .
بلد يحتضر فيه الإنسان ويهان فيه الوجدان وتسلط عليه الأمراض من كل مكان , والنواب والوزراء يتسلون بالنقاشات البيزنطية والحوارات السفسطية فيؤجلون قانون انتخاب مجالس المحافظات الى ما بعد العطلة الصيفية .
وعندما جاءت الكوليرا بالموت الأسود بدأوا يتراشقون بالتهم حتى تضيع المسؤولية ولا يعرف من هو الجاني في هذه القضية ,
قصة تضاف الى قصصنا السرمدية وأهل الإحتلال عنها لا يريدون معرفة القضية ويشاركون في افتتاح قصر العدل في الرصافة وكأن أهل العراق لم ينقصهم شيء إلا سماع الخطابات والمقالات المكتوبة والمنقولة عن اللغة الأعجمية وسيبقى إرهاب الكوليرا يجتاح أمعاء الفقراء ويختطف الملايين بدون مساءلة وطنية .