السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

نشر موقع الوقت موضوعا تحت عنوان " أميركا تغيرت.. ونحن؟ " وكان من ضمن تعليقات القراء جاء كما يلي : اتسائل في لحظة انتخاب اوباما وبين الانتخابات البرلمانية عندنا من يطبق ان لافرق بين اسود او ابيض او المذاهب هناك تناسا الامريكين الفروقات ونحن ..........

أميركا تغيرت.. ونحن؟
غسان الشهابي
لم يكن الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما صاحب مبدأ ''التغيير'' الذي جعله شعاراً لحملته، فما من حملة غيّرت مجتمعا لا يريد أن يتغيّر، وما من شعار فرض على أمة من دون قناعة منها وبقي الشعار والممارسة والناس غير مقتنعين. وهذا ما ترينا إياه التجارب المعاصرة في الدول الشمولية التي قادت الناس إلى أفكارها بالحديد والنار، وما إن انفتح ثقب في جدار التحرر من هذا الكابوس، حتى سارعوا في توسيعه للخروج والانعتاق.
سيرى البعض أن ''فتح الباب'' بالنسبة لأوباما والقضايا العربية كان سيئاً بتعيين كبير موظفي البيت الأبيض إسرائيلياً، وهذا يعني أن النتائج ستأتي محسومة منذ الآن بالنسبة لبقية الوزراء والمساعدين والمستشارين، فـ ''أوّل القصيدة كفر''، ولكن المراقبين المحايدين رأوا التغيير الحقيقي في الكثير من السمات التي رافقت حملة أوباما حتى فوزه بالرئاسة، ليشكل ''طفرة جينية'' حقيقية في المجتمع الأميركي وطريقة تفكيره، وأساساً، في نظرة هذا المجتمع للسود الذين طالما وضعهم في الدرك الأسفل من سلم أولوياته التنموية، وذلك بعد قرون من العبودية المادية، والعبودية التالية بجعلهم حلقات أدنى وأضعف في المجتمع، ليتوارثوا الجهل والفقر والأوضاع السيئة والجريمة وكل ما يبقيهم في هذه الدوامة التي لا خروج منها.
ليس أوباما من أحدث التغيير في المجتمع الأميركي، فالمجتمع هناك قد قاد حركات التغيّر والتحرر والاندماج العرقي بأن دفع أثماناً ليست سهلة إزاءه، فقد قتل رجال ونساء، ومورس إرهاب على السود، وهُجِّروا من منازلهم ومناطقهم ذات الغالبية البيضاء العنصرية. ولكن ما أنجح مساعي السود هناك هو مشاركة عدد تزايد من البيض هناك للوقوف معهم والمطالبة بحقوق جميع المواطنين بالتساوي، وأن اللون والعرق والانتماء والدين وكل ما يمكنه أن يميز فردا عن آخر يجب ألا يعلو على المواطنة التي يتساوى أمامها الجميع.
تغير المجتمع الأميركي رويداً رويداً، بل وانقلب الحال في بعض من المفاصل إذ صار هناك عنصريون من السود، الذين بالغوا كثيراً في ''ظلاماتهم''، وصار كل شيء بالنسبة لهم محل شك بأنه مؤامرة على عرقهم، ودخلت بعض القضايا في مرحلة من ''السخف'' في أحيان متفرقة نتيجة هذا الطرح المعوجّ للقضايا العادلة التي يمكن أن يحرفها عن بغيتها.. ولكن المجتمع الأميركي كان عازماً على التغير.
قبل المجتمع الأميركي الرياضيين السود، والممثلين السود، والاقتصاديين السود، والأساتذة السود، والوزراء السود، والأطباء السود، واليوم عصر يدخل فيه رجل أسود في البيت الأبيض، وسط تحية كبيرة من العالم وتفاؤل لم يُعرف له مثيلاً، فقط لأنه أسود البشرة، لأنه أولاً وأخيراً لم يفعل سوى تقديم الوعود الانتخابية شأنه في ذلك شأن كل المترشحين لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة، أو حتى في إحدى مناطق بوركينا فاسو.. ومع ذلك هناك أمل كبير يحدو العالم ويُكسب أوباما تعاطفاً كبيراً.
إلا لدينا، هنا في البحرين، وربما في بعض الدول المحيطة، التي لاتزال القبائلية البغيضة (هناك قبائلية حميدة أيضاً) ضاربة أطنابها في وجدان الكثير منا ولو حاولوا التملص منها. وذلك أن كبُر عليهم أن يروا رجلاً أسود البشرة يعتلي أعلى المراتب العالمية. فالولايات المتحدة - رضينا أم رضضنا رؤوسنا في الحيطان - هي قائدة العالم، ويعزّ على البعض أن يعلن انقياده إلى ''خال'' كما في الحكي الشعبي.
فما إن أعلنت نتائج الانتخابات الأميركية صبيحة الأربعاء الماضي، حتى تتالت الرسائل النصية القصيرة المعرِّضة بالرئيس الجديد أوباما، من أنه سيتخذ من بعض من هم في لون بشرته من البحرينيين أو الخليجيين المعروفين وزراء وسفراء، وأن نجوم العلم الأميركي سيجري تغييرها إلى ''طيران وطبول''، والنشيد الوطني سيتحول في بعض الدول إلى الغناء عن السمر، وإلى آخره من هذه الرسائل التي لا تبعث أي منها لا على الضحك ولا حتى مجرد افترار الشفة عن شبه ابتسامة، وإنما تدعو في معظمها على الأسى بأنه في كل مرة يجب أن يأتينا من خارجنا من يقول لنا إن هذا الدين - الذي نتشدق بحمله وتمثله والصلاة به، وندّعي أنه يرافقنا في كل حركاتنا وسكناتنا ونومنا وصحونا، وبه وله نخوض أقسى الحروب - لم يستطع أن يبدّل فينا شيئاً تجاه ''إن أكرمكم عند الله أتقاكم''، ولا تجاه الألوان والأعراق عبر الكثير من القصص والعبر.. كم من القرون سنحتاج إلى التغيّر، بينما مفاتيح التغيير كانت بأيدينا وتركناها تصدأ؟!

- كاتب وصحافي بحريني