مانشر سابقاً حول نفس الموضوع
ساحة الفردوس.. صدام طرد الجندي المجهول منها والأميركيون أطاحوا صنمه.. والحياة حولها تغيرت كثيراً
بغداد: شيرزاد شيخاني
هنا في هذا المكان كان نصب الجندي المجهول يشمخ عاليا حتى منتصف الثمانينات قبل ان يزيحه صدام حسين ويقيم على انقاضه احد اكبر تماثيله الموزعة في جميع ارجاء العراق بما فيها مداخل كهوف كردستان عندما كان في اوج شعوره بالعظمة بعد انتهاء حرب الخليج الاولى ضد ايران.
هنا في هذا المكان كان النصب يمثل الرمز الذي احتضنته جميع شعوب العالم في ساحاتها وميادينها الرئيسية تخليدا للجندي الذي قضى في الحرب من دون ان يتعرف احد على هويته ليعبر بفقدان اسمه عن بشاعة الحروب والدمار الذي حل بالبشرية مع تقدم الصناعات والتكنولوجيا التي يفترض ان تخدم الانسان لا ان تدمره.
الجندي المجهول كان صرحا ومعلما بارزا من معالم بغداد، طبعت صوره على البطاقات السياحية، وظل شامخا على امتداد ثلاثة عقود قبل ان يزيحه الرئيس السابق ليقيم في ساحته تمثاله الضخم الذي ما ان سقط حتى طوى العراق صفحة من تاريخه المثقل بالهموم والدماء التي اراقها صدام طوال سنوات حكمه.
في هذه الساحة اطاح صدام نصب الجندي المجهول، وأقام تمثالا له سعى العراقيون لاطاحته يوم سيطرت القوات الاميركية على بغداد فلم يستطيعوا لضخامة التمثال فاعانتهم هذه القوات على ذلك. وكان سقوط التمثال ـ الصنم اعلانا بسقوط نظام صدام.
ما الذي تغير في ساحة الفردوس (الجندي المجهول سابقا) بعد عام على الحدث الكبير؟
القادم الى بغداد بعد ازاحة التمثال، لا يشعر بتغيير ما في الساحة سوى قيام نصب بديل عن تمثال صدام، وهو نصب صغير، ولكن عندما يعود بذاكرته الى المشاهد التي تناقلتها الفضائيات للتمثال الضخم وهو يهوى ايذانا بسقوط نظام صدام عندها يشعر بأن تغييرا ما قد حصل، ولكن من عاشوا في العاصمة او زاروها قبل سنين او حتى قبل اشهر من سقوط صدام يشعرون بالفرق الواضح جراء «تحرير» البلد.
فعندما ارادت «الشرق الأوسط» لقاء ممثل عن احدى الشركات البريطانية التي تنفذ مشروعا ضخما في العراق، وكان مقيما في فندق «فلسطين ميريديان» وهو فندق يطل مع توأمه «عشتار شيراتون» على ساحة الفردوس، وجدت صعوبة بالغة في الوصول بالسيارة الى مدخل الفندق.. فالمدخل الامامي للفندقين قد سد تماما بجدران اسمنتية عالية، والاغرب من ذلك ان الجدران احيطت بالاسلاك الشائكة التي تفترس المارة..
وتحول المدخل الرئيسي للفندقين الى الجهة الخلفية المطلة على نهر دجلة باتجاه شارع ابو نؤاس، ولكن عندما اردنا الدخول من هناك ارغمنا الحراس على ايداع السيارة في كراج يبعد مسافة نصف كيلومتر عن مدخل الفندقين والمشي من هناك سيرا على الاقدام الى الفندق. ولعل منظر كابينة الحراسة المنصوبة امام الفندقين وكذلك وجود دبابات اميركية داخل السياج الكونكريتي يعبر بأوضح صورة عما وصلت اليه الاوضاع الامنية في العاصمة العراقية عموما.
اياد هادي هو الصيرفي الوحيد الذي رأيناه يزاول عمله بالقرب من الساحة التي عادة ما يفترش جوانبها عدد كبير من الصيارفة، سألناه: الساعة الآن الرابعة عصرا ولا نجد الصيارفة فلماذا رحلوا من هنا؟ اجاب: وماذا يفعلون.. امس وقعت احداث دامية هنا وهم يخافون ان ترجع المظاهرات وتقع اشتباكات جديدة.. لا ادري لماذا يختارون هذا المكان بالذات للتظاهر، لم يبق شيء هنا فلماذا هذا المكان بالذات؟
قلنا له: ربما لأن الساحة قريبة من هذين الفندقين اللذين يقيم فيهما صحافيون اجانب. انهم يريدون اسماع صوتهم لهم.
قال: يا اخي كلما تقع حادثة او مظاهرة تطير القنوات الفضائية الى هناك، فما الداعي الى التجمهر هنا فقط، انهم لا يدعوننا نكسب عيشنا.
سألناه: ولماذا انتم تختارون هذا المكان بالذات للتكسب؟ قال: لأنه كما قلت انت الصحافيون الاجانب يقيمون في هذين الفندقين، ونحن هنا لنبدل لهم دولاراتهم، فهنا افضل مكان لعمل الصيرفة.