النتائج 1 إلى 14 من 14
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    Post النص الكامل ل"رسالة التنزيه" في تنقية الشعائر الحسينية للمصلح السيد محسن الامين (رض)

    رسالة التنزيه" في تنقية الشعائر الحسينية

    سماحة المجتهد الاكبرالسيد محسن الأمين العاملي(قده)




    هذه الرسالة موقف من مواقف الإصلاح الكبرى التي وقفها المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين مذ بدأ حياته العملية بعد نيله إجازة الاجتهاد المطلق من النجف الأشرف. وهي رسالة أُعدت لتنقية المراسم الحسينية مما لحق بها من أمور دخيلة.

    وقد قوبل هذا الموقف، كما قوبل غيره من المواقف الإصلاحية، بصيحات الجامدين وهجمات الحاقدين واستثارة الغافلين، ما لم يزد صاحبه إلا ثباتاً ومضيّاً في مخططه الإصلاحي العظيم.

    ولا يخفى على القارىء أن هذه الرسالة صدرت أول ما صدرت منذ 75 سنة، وأنّ أول ما عمل أعداء الإصلاح، حين صدروها، هو أن عمدوا إلى إثارة الغوغاء واستنفار الدهماء. ولكن شخصية السيد محسن الأمين القوية استطاعت أن تصمد لكل ذلك، وأن تفرض نفسها وتقود حركتها بشجاعة وصبر.

    وقد رأينا أن نعيد نشر هذه الرسالة في هذه الأيام لأهميتها ولأن الحاجة إليها لا تزال قائمة.وهذا النص الكامل لتلك الرسالة.


    بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

    دور إبليس

    فإن الله سبحانه وتعالى أوجب إنكار المُنكر بقدر الإمكان بالقلب أو اليد أو اللسان. ومن أعظم المنكرات اتخاذ البدعة سنّة والسنّة بدعة والدعاية إليها وترويجها، ولمّا كان إبليس وأعوانه إنما يضلون الناس من قبل الأمر الذي يروج عندهم، كانوا كثيراً ما يضلون أهل الدين من طريق الدين بل هذا من أضر طرق الإضلال وقلّما تكون عبادة من العبادات أو سنّة من السنن لم يُدخل فيها إبليس وأعوانه ما يفسدها. فمن ذلك إقامة شعائر الحزن على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام التي استمرت عليها طريقة الشيعة من عصر الحسين(ع) إلىاليوم. ولما رأى إبليس وأعوانه ما فيها من المنافع والفوائد وأنه لا يمكنهم إبطالها بجميع ما عندهم من الحيل والمكائد توسلوا إلى إغواء الناس بحملهم على أن يُدخلوا فيها البدع والمنكرات وما يشينها عند الأغيار قصداً لإفساد منافعها وإبطال ثوابها فادخلوا فيها أموراًً أجمع المسلمون على تحريم أكثرها وأنها من المنكرات وبعضها من الكبائر التي هدد الله فاعلها وذمه في كتابه العزيز.



    أمورٌ منكرة

    1- فمنها الكذب بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها وعدم وجودها في خبر ولا نقلها في كتاب وهي تتلى على المنابر وفي المحافل بكرة وعشياً ولا من منكر ولا رادع. وسنذكر طرفاً من ذلك في كلماتنا الآتية إن شاء الله وهو من الكبائر بالاتفاق لا سيما إذا كان كذباً على الله أو رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام.

    2- ومنها إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها بضرب الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى يسيل دمها وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى الإغماء بنـزف الدم الكثير وإلى المرض أو الموت وطول برء الجرح.

    وبضرب الظهور بسلاسل الحديد وغير ذلك. وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل وبما هو معلوم من سهولة الشريعة وسماحتها الذي تمدّح به رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله "جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء" من رفع الحرج والمشقة في الدين بقوله تعالى {ما جعل عليكم في الدين من حرج}.

    3- ومنها استعمال آلات اللهو كالطبل والزمر (الدمام) والصنوج النحاسية وغير ذلك.

    4- ومنها تشبّه الرجال بالنساء في وقت التمثيل.

    5- ومنها إركاب النساء الهوادج مكشّفات الوجوه وتشبيههن ببنات رسول الله(ص) وهو في نفسه محرم لما يتضمنه من الهتك والمثلة فضلاً عما إذا اشتمل على قبح وشناعة أخرى مثلما جرى في العام الماضي في البصرة من تشبيه امرأة خاطئة بزينب(ع) وإركابها الهودج حاسرة على ملأ من الناس.

    6- ومنها صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب ولو فرض عدم تحريمه فهو معيب شائن منافٍ للآداب والمروءة يجب تنـزيه المآتم عنه.

    7- ومنها الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحة.

    8- ومنها كل ما يوجب الهتك والشنعة مما لا يدخل تحت الحصر ويختلف الحال فيه بالنسبة إلى الأقطار والأصقاع إلى غير ذلك.

    فإدخال هذه الأشياء في إقامة شعائر الحزن على الحسين(ع) من تسويلات إبليس ومن المنكرات التي تغضب الله ورسوله(ص) وتغضب الحسين(ع) فإنه قُتل في إحياء دين جده (ص) ورفع المنكرات فكيف يرضى بفعلها لا سيما إذا فُعلت بعنوان أنها طاعة وعبادة.



    الحملة على الإصلاح

    وقد رأينا في هذه الأيام أوراقاً مطبوعة ذكر فيها صاحبها أنه يرد على ناشئة عصرية من صفتها كذا فطائفة منها ازدلفت إلى مشاهدهم المقدسة ببقيع الفرقد فهدمتها وطائفة منهم قد تألبت لإبطال إقامة العزاء للنبي وآله وعترته أيام وفياتهم المعلومة لا سيما يوم عاشوراء.

    ثم ذكر حُسن إقامة المآتم والبكاء على الحسين (ع) بما كفيناه مؤونته في كتابنا إقناع اللائم على إقامة المآتم كما كفيناه مؤونة الأمر الثاني في كتابنا كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب وفي قصيدتنا العقود الدرية.

    وحسَّن فيها ما يفعله بعض الناس أيام عاشوراء من لبس الأكفان وكشف الرؤوس وجرحها بالمِدى والسيوف حتى تسيل منها الدماء وتلطخ بها تلك الأكفان ودق الطبول وضرب الصنوج والنفخ في البوقان (الدمام) وغير ذلك، والسير في الأزقة والأسواق والشوارع بتلك الحالة.

    وعرّض بنا وببعض فضلاء السادة في البصرة بسوء القول لنهينا عن قراءة الأحاديث المكذوبة وعن هذا الفعل الشائن للمذهب وأهله والمنفر عنه والملحق به العار عند الأغيار والذي يفتح باب القدح فيه وفي أهله ونسبتهم إلى الجهل والجنون وسخافة العقول والبعد عن محاسن الشرع الإسلامي واستحلال ما حكم الشرع والعقل بتحريمه من إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها حتى أدى الحال إلى أن صارت صورهم الفوتوغرافية تعرض في المسارح وعلى صفحات الجرائد. وقد قال لنا أئمتنا عليهم السلام {كونوا زينا لنا ولا تكونوا شيناً علينا} وأمرونا بأن نفعل ما يقال لأجله، {رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما أدب به أصحابه}. ولم ينقل عنهم أنهم رخّصوا أحداً من شيعتهم في ذلك ولا أمروهم به ولا فُعل شيء من ذلك في عصرهم لا سراً ولا جهراً.

    وقد كتب على ظهرها انها للمصلح الكبير!! فهذا هو الإصلاح الذي يوصف صاحبه بالمصلح الكبير بالحث على أمر لو فرض محالاً أنه ليس محرماً فهو مما يلصق العار بالمذهب وأهله وينفر الناس عنه ويفتح باب القدح فيه!

    أليس من الورع في الدين والاحتياط فيه التحاشي؟ أما يقتضي الإصلاح، لو كان القصد الإصلاح، تركه والتجافي عنه صيانة للمذهب وأهله من إلصاق العيب بهم والتنفير عنهم؟ فلو فرض إباحته فهو ليس من واجبات الدين التي يضر تركها.

    وكتب على ظهرها أيضاً أنها طبعت على نفقة "الجمعية الدينية في النبطية" (كذا).

    منطق المعارضين

    وقد أفاض صاحبها في ذكر خرافات العرب قبل الإسلام مما لا مساس له بالموضوع وفي أمور أخرى كثيرة من هذا القبيل بعبارات مطولة ولسنا بصدد استقصاء جميع ما فيها مما يوجب الانتقاد لأن ذلك يطول به الكلام ولا يتعلق لنا به غرض بل نقتصر على شق الرؤوس واستعمال الطبول والزمور ونحوها ونذكر نموذجاً من كلامه في غيرها مما وقع نظرنا عليه اتفاقاً ليكون مثالاً لغيره.

    كقوله: نعم كانت حال سيدنا الحسين(ع) ومن على شاكلته من آله وصحبه، كما ذُكر، لا بغية لهم بتلك الوثبة الليثية إلا إرجاع الحق لنصابه وعود الملك لأهله والخلافة الإسلامية لسيرتها الأولى لا يتقمصها سوى قرشي جامع لشرائطها ضليع في العلم والحلم والورع والزهد والقضاء والحكم والشجاعة والبراعة فائقاً أقوى المسلمين نهضة بأعباء الطاعة وأثقال خالص العبادة ونصرة الحق وخذلان الباطل. يقول فصلاً ويحكم قسطاً ويقسم عدلاً لم يسدل بينه وبين الأمة حجاجاً ولم يقم على أبوابه حُجّاباً. مواسياً أضعف المسلمين في خشونة الملبس وجشوبة المطعم قد ثقفته الحكمة الإلهية وهذبته السنّة النبوية فلا تأخذه في الله لومة لائم ولا تقعده عن قول الحق عذلة عاذل... إلخ.

    وجاء فيها قوله: (وعلماء الأمة الغير متهمين (كذا) بمبالغة ولا تشيع). وقد تكرر منه إضافة ما فيه إلى العاري منها كقوله (واللغة الغير عربية) وقوله (الغير مشروع) وفي موضوع آخر (قال الإمام الصادق(ع) إلى أبي الصيقل) (كذا). وفي موضوع آخر (ومن نسيج هذا البكاء وعلى طرزه وشاكلته بكاء اللعين ابن سعد الخصم الألد والعدو المبين إلى آل ياسين)(كذا). وجاء فيها أيضاً: (من ذا الذي يجترئ من الأمة الإسلامية على رسول الله وعلى صحابته كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة وعائشة وأم سلمة وابني عباس ومسعود وأضرابهم من حملة الكتاب ونقلة السنّة وخدمة العلم وأئمة المذهب فيرمي الجميع بسخطهم على الله وتبرمهم من حكمه وقضائه وامتحانه وبلائه حين يلم على سيرتهم(كذا) ويسبر صحائف تاريخهم فيراهم بأسرهم كانوا يبكون لفقد أعزائهم وأحبائهم).

    وجاء فيها ما لفظه: الحسن والقبح للأشياء وإن كانا ذاتيين لها لا بالوجوه والاعتبار على الأقوى بيد أن كونها كذلك نريد به أن الأشياء من قبيل المقتضيات للحسن والقبح نظير النار للإحراق يؤثران حيث لا مانع أما مع وجوده فلا كالصدق الذي فيه هلكة نبي والكذب الذي فيه منجاته فيبطل تأثيرها كالرطوبة في الحطب المبطلة لإحراق النار له (ولم ندرِ) ما وجه الإقوائية في كون حسن الأشياء وقبحها ذاتياً وما بالذات لا يتغير فكيف يكون الكذب المنجي للنبي حسناً والصدق المهلك له قبيحاً إذا كان قبح الكذب وحسن الصدق ذاتياً وكلامه يدل على أنه توهم أن الأفعال هي التي اقتضت قبح نفسها وحسنها وأثرت فيه)...



    أساليب السجع

    وجاء فيها (ومن فجائع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور ما نقله بعض جرائد بيروت في هذا العام عمن نحترم أشخاصهم من المعاصرين الوطنيين من تحبيد ترك المواكب الحسينية والاجتماعات العزائية بصورها المجسمة في النبطية وغيرها فما أدري أصدق الناقل أم كذب؟ فإن كان صدقاً فالمصيبة على الدين جسيمة عظيمة لا ينوء بها ولا ينهض بعبئها عاتق المتدينين) إلى آخر ما هنالك.

    ونقول: هذا التهويل وتكثير الأسجاع لا يفيد شيئاً ولو أضيف إليه أضعافه من قاطعات النحور ومجففات البحور ومفطرات الصخور ومبعثرات القبور ومهدمات القصور ومسقطات الطيور. بل إن من فجائع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور اتخاذ الطبول والزمور وشق الرؤوس على الوجه المشهور وإبراز شيعة أهل البيت واتباعهم بمظهر الوحشية والسخرية أمام الجمهور مما لا يرضى به عاقل غيور، وعد ذلك عبادة ونسبته إلى أهل البيت الطهور. والمواكب الحسينية والاجتماعات العزائية لا تحسن ولا تحل إلا بتنـزيهها عما حرمه الله تعالى وعما يشين ويعيب وينسب فاعله إلى الجهل والهمجية وقد بيّنا أن الطبل والزمر وإيذاء النفس والبروز بالهيئة المستبشعة مما حرمه الشرع ولم يرضه لأوليائه سواء وقع في النبطية أو القرشية أو مكة المكرمة.

    الخبر الضعيف والمكذوب

    وجاء فيها (قالوا إنا نجد قراء التعزية كثيراً ما يسردون على مسامع الجالسين أحاديثاً (كذا) مكذوبة) وأجاب بما لفظه: (وكثير من أساطين العلماء يعملون بضعاف الأخبار في السنن ومن المعلوم أن روايات التعزية من سنخ الرخص لا العزائم والله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه).

    وإنا نسأله ما ربط عمل العلماء بالخبر الضعيف في السنن بأخبار التعزية التي هي أمور تاريخية لا أحكام شرعية؟ وما ربط الخبر الضعيف بالمقام؟ والقائل الموهوم إنما قال إنهم يوردون أحاديث مكذوبة ولم يقل ضعيفة الإسناد وما معنى أن روايات التعزية من سنخ الرخص لا العزائم؟ فالرخصة خاصة بالمباح والمستحب والمكروه والتعزية بالحرام والواجب فما معنى أن روايات التعزية من الرخص فهل تلك الروايات نفسها مباحة أو مكروهة أو مستحبة؟ فإن كان المراد نفس الرواية فلا تتصف بشيء من ذلك وإن كان المراد نقلها فأي معنى لكون نقلها محرماً وإن كان المراد مضمونها فهو قصة تاريخية لا تتصف برخصة ولا عزيمة ولو فرض أن مضمونها حكم شرعي فلا بد أن يكون أحد الأحكام الخمسة التكليفية فكيف جعل رخصة فقط.

    وقوله: إن الله يحب أن يخفف على عبده بترك المستحب مثلاً كما يحب أن يلتزم بفعل الواجب وترك المحرم فما ربط ذلك بإيراد الرواية المكذوبة في التعزية.

    اللحن في اللغة العربية

    وجاء فيها: قالوا: وجلهم، أي قراء التعزية، يتلو الحديث ملحوناً(وأجاب) بما ملخصه على طوله أن المستمعين أمم عديدة ألسنتها شتى منهم عربي وفارسي وتركي وهندي وإلخ ومنهم عوام فينقل لهم معنى الأحاديث بألفاظهم العامية، إلى أن قال وأي حاجة ماسة للعربية الفصحى في قراءة التعزية على أمة أمية كمعدان العراق وقروية الشام وسكان بادية نجد والحجاز واليمن المصطلحين فيما بينهم على وضع ألفاظ معلومة؟

    وأنت ترى أن الجواب غير منطبق على هذا المقال الموهوم فالقائل يقول الأحسن رفع اللحن من قراءة التعزية وهو يقول في جوابه إن المستمعين منهم عربي وفارسي وتركي وهندي فما ربط الفارسي والتركي والهندي والجاوي بالمقام فلم يقل القائل إنه لا ينبغي قراءة التعزية بالتركية للأتراك وبالفارسية للفرس وبالهندية للهنود بل يقول ينبغي لقراء التعزية بالعربية للعرب عدم اللحن ولم يقل إنه لا ينبغي أن يقرأ الحديث بالمعنى حتى يجيبه بأن منهم عواماً فينقل لهم الحديث بالمعنى بألفاظهم العامية على أن ذلك أمر غير واقع فليس في قراء التعزية من يقرأ بالألفاظ العامية بل كلهم يقرؤون بالعربية الفصحى ولكن مع اللحن من البعض والقائل لم يأبَ عن قراءة التعزية بالألفاظ العامية كالنعي المتعارف بل يقول إذا قرىء الشعر لا يحسن أن يكون ملحوناً وإذا نقل حديث أو خطبة ينبغي أن لا يكون فيه لحن. والقائل يقول لا ينبغي اللحن في قراءة التعزية وهو يقول في جوابه لا يلزم قراءتها بالعربية الفصحى ولو فرضنا أنه أراد من العربية الفصحى عدم اللحن فيقال له إذاً أي حاجة إلى ترك اللحن في جميع الكلام ولماذا وضع النحو وكتب العربية؟ وهل قراءة الفاعل مخفوضاً والمفعول مرفوعاً تزيد في فهم المعاني لمعدان العراق وقروية الشام وسكان بادية نجد واليمن والنازلين بأرياف مصر والحالين في نواحي حضرموت والمتبوئين صحراء أفريقيا وبلاد المغرب؟ وما الذي يضره من عدم اللحن في قراءة التعزية وما القارئ إلا خطيب؟ وما الذي يدعوه إلى كل هذه المدافعة عن اللحن في القراءة؟ أهو حب الإصلاح أم أمر آخر؟ وهل إذا تلونا الحديث والشعر بدون لحن فاستجلبنا به قلب ذي المعرفة ولم ننفره بسماع الغلط وصنّا الحديث عن اللحن والغلط وعن الخطأ في فهم المعنى بسبب اللحن ولم نجعل تفاوتاً على غير ذي المعرفة الذي لا يضره رفع الفاعل ولا يزيد في فهمه خفضه يكون عملنا هذا مضراً وعكسه نافعاً والمستمعون كما يوجد فيهم المعدان يوجد فيهم أهل العلم والمعرفة؟

    اختلاق الأخبار

    قال: وممن طعن على القراء للتعزية بعض المعاصرين زعم أن الكثير منهم بين مخلق (كذا) للأخبار وبين ماسخ لها وعنده هذا الطعن عليه(انتهى).

    ومراده كاتب هذه السطور الذي بعدما ذكر في مقدمة المجالس السنية حسن إقامة العزاء والبكاء على سيد الشهداء واستدل عليها بأوضح الأدلة وامتنها قال ما لفظه: هذا ولكن كثيراً من الذاكرين لمصابهم(ع) قد اختلقوا أحاديث في المصائب وغيرها لم يذكرها مؤرخ ولا مؤلف ومسخوا بعض الأحاديث الصحيحة وزادوا ونقصّوا فيها لما يرونه من تأثيرها في نفوس المستعمين الجاهلين بصحة الأخبار وسقمها إلى آخر ما ذكرناه. والمجالس السنية إنما ألفناها لتهذيب قراءة التعزية وإصلاحها من العيوب الشائنة والمحرمات الموبقة من الكذب وغيره وانتقاء الأحاديث الصحيحة الجامعة لكل فائدة فقام هذا الرجل يرمينا بأن هذا الطعن علينا بأننا نختلق الأحاديث ونمسخها وجاء بعبارته هذه التي جمجم فيها وبترها وأبت نفسه إلا أن يذكرها والله تعالى يعلم وعباده يعلمون وهو نفسه يعلم أننا لسنا كذلك وأننا نسعى جهدنا ونصرف نفيس أوقاتنا وعزيز اموالنا في تأليف الكتب وطبعها ونشرها لا نستجدي أحداً ولا نطلب معونة مخلوق قصداً لتهذيب الأحاديث التي تقرأ في إقامة العزاء من كل كذب وعيب وشين ليكون الذاكرون من الخطباء الذين تستجلب قراءتهم الأنظار وتستهوي إليها الأفئدة والأسماع وتستميل الطباع وليكون أثرهم في النفوس بقدر ميلها إليها ولتكون مفخراً للشيعة لا عاراً عليهم ولتكون قراءتهم عبادة خالصة من شوب الكذب الموجب لانقلابها معصية فإن إقامة شعائر الحزن بذكر صفات الحسين(ع) ومناقبه ومآثره ووصف شجاعته وإبائه للضيم وفظاعة ما جرى عليه وذكر المواعظ والخطب والآداب ومستحسن أخبار السلف وغير ذلك والتخلص إلى فاجعة كربلاء على النهج المألوف مع تهذيبها عن المنافيات والمنكرات من أنفع المدارس وأقوى أسباب التبشير بالدين الإسلامي وطريقة أهل البيت عليهم السلام وجلب القلوب إلى حبهم والسير على طريقتهم والاتصاف بكريم صفاتهم. كما أن إقامتها على غير هذه الطريقة من أقوى أسباب التنفير عن دين الإسلام وطريقة أهل البيت عليهم السلام يعرف ذلك كل منصف ونحن نذكر لك واقعة واحدة تكون نموذجاً لما نقوله وهي أنه اتفق وجودنا في مدينة بعلبك في وفاة بعض أجلاء السادة من آل مرتضى فقرأ رجل من قراء التعزية الذين عودناهم على عدم اللحن في القراءة خطبة من النهج في صفة الأموات، وكان بعض عرفاء المسيحيين حاضراً فقال لجلسائه "إنني لم اعجب من بلاغة هذا الكلام الذي هو غاية في البلاغة ولا من جري القارىء في قراءته كالسيل ولا من مضامين هذا الكلام الفائقة وإن كان ذلك كله موضع العجب وإنما عجبت من عدم لحن هذا القارئ فيما قرأه على طوله".

    أخبار مختلقة

    يقول: إنا نزعم أن الكثير منهم بين مختلق للأخبار ثم يشتمنا بهذا القول!! وما ندري ما الذي يزعمه هو؟ أيزعم انهم كلهم ليسوا كذلك؟! كيف وغالبهم عوام يخلطون الحابل بالنابل؟ ولا ننكر أن فيهم الفضلاء الكاملين الذين يفتخر بأمثالهم وقليل ما هم ولكن الكثير منهم ليسوا كذلك كما هو مشاهد بالعيان، ويجهل أو يتجاهل قراءتهم حديث "أين ضلت راحلتك يا حسان" الذي اختلقه بعض آل قفطان على سطح مسجد الكوفة، كما هو مشهور عند فضلاء النجف وغيرهم. أو حديث "خرجت أتفقد هذه التلاع مخافة أن تكون مظناً لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون" وإلا فليدلنا في أي كتاب هذا الحديث؟ وأي رواية جاءت به ضعيفة أو صحيحة؟ أم حديث "أن البرد لا يزلزل الجبل الأصم ولفحة الهجير لا تجفف البحر الخضم" أو حديث "قول شمر للحسين(ع) بعدك حياً يا ابن الخارجي" أو حديث "أي جرح تشده لك زينب". أو حديث "مخاطبة زينب للعباس لدفن أبيه مع بني أسد". أو حديث "درة الصدف التي حاربت مع الحسين(ع)". أو حديث "مجيء الطيور التي تمرغت بدم الحسين (ع) وذهبت إلى المدينة ومعرفة فاطمة الصغرى بقتل أبيها من تلك الطيور". أو غير هذه من الأحاديث الكثيرة التي تُقرأ على المنابر وهي من الكذب الصراح والتي يطول الكلام بالإشارة إليها في هذه العجالة. أم يزعم أن قراءة الأحاديث المختلقة خير من قراءة الأحاديث الصحيحة المروية قصداً للإصلاح؟!!

    وحاصل مقصود هذا المصلح الكبير أن لا ينبّه أحداً من قراء التعزية على ترك قراءة الأحاديث المكذوبة ولا على ترك اللحن ولا على قراءة بعض ما ينفر السامعين بل يريد أن تبقى الأحاديث ممزوجاً صحيحها بسقيمها وغثّها بسمينها وصدقها بكذبها وخطأها بصوابها وقشرها بلبابها ولحنها بإعرابها، فحبذا هذا الإصلاح!! وما ندري ما الذي يسوءه من حمل القراء على قراءة الأحاديث الصحيحة؟ وما الذي يعجبه من قراءة الأحاديث المكذوبة والملحونة وليس هو بقارئ تعزيه ولا أقامه القراء محامياً ووكيلاً عنهم؟



    لبس الأكفان وشق الرؤوس

    ومما قاله في تحسين لبس الأكفان وكشف الرؤوس وشقها بالمدى والسيوف يوم عاشوراء: ما الذي نقموه على هذه الفئة وسفهوا لأجله أحلامها وأخرجوها به من دائرة الإنسانية؟ ألبسها لبس الموتى: فهذا عمل غير معيب عقلاً وهو مشروع ديناً في إحرام الحج ومندوب في كل آن تذكرة للآخرة وتأهباً للموت، وكفى به واعظاً ومن الغرور بالدنيا محذراً ومنذراً أم كشفها عن رؤوسها وهذا أيضاً مستحسن طباً مشروع بالإحرام ديناً أم بضعها رؤوسها بآلة جارحة وهذا أيضاً مسنون شرعاً إذ هو ضرب من الحجامة والحجامة تلحقها الأحكام الخمسة التكليفية مباحة بالأصل والراجح منها مستحب والمرجوح مكروه والمضر محرم والحافظ للصحة واجب فقد تمس الحاجة إلى عملية جراحية تفضي إلى بتر عضو أو اعضاء رئيسية حفظاً لبقية البدن وسداً لرمق الحياة الدنيوية والحياة الدنيا بأسرها وشيكة الزوال والاضمحلال؟ أتباح هذه الجراحة الخطرة لفائدة ما دنيوية ولا تباح جراحة ما في إهاب الرأس لأعظمها فائدة وأجلها سعادة أخروية وحياة أبدية وفوز بمرافقة الأبرار في جنة الخلد؟ (انتهى).

    قوله: الحجامة مباحة بالأصل، بل هي محرمة بالأصل لأنها ضرر وإيذاء للنفس ولا تحل إلا مع الضرورة لدفع مرض أو ألم أعظم منها وإلا كانت كفعل حجام سابط الذي ضرب به المثل فقيل: "أفرغ من حجّام ساباط"، وكان إذا لم يجد من يحجمه حجم زوجته وأولاده.

    قوله: والمرجوح مكروه، فيه أنه يشمل المكروه والحرام ولم يبين متى يكون مرجوحاً. قوله: والراجح مستحب، فيه أنه يشمل الواجب والمستحب. قوله: والحافظ للصحة واجب، فيه أنه لا يجب دائماً فمع الخوف على النفس يجب وبدونه يستحب. وحيث جعل شق الرؤوس نوعاً من الحجامة فهو إما واجب وذلك حينما يخشى الضارب على نفسه الهلاك لو لم يضرب نفسه بأن يخبره الطبيب الحاذق أن في رأسه مرضاً مهلكاً لا يشفيه إلا جرح رأسه وشقه، أو مستحب بأن يكون الضارب محموماً حمى شديدة ويخبره الطبيب الحاذق أن دواءه في شق رأسه وإخراج الدم منه ويشترط في هذين عدم التعرض للشمس وشدة الحركة الذي قد يوجب شدّة مرضه أو هلاكه. وإمّا محرم وذلك حيث يكون إيذاءً صرفاً وضرراً بحتاً.

    وحيث إن الذين يضربون رؤوسهم وليس في رؤوسهم داء ولا في أبدانهم حمى فانحصر فعلهم في الحرام. وإذا كان محرماً لم يكن مقرباً إلى الله ولا موجباً لثوابه بل موجباً لعقابه ومغضباً لله ولرسوله (ص) وللحسين(ع) الذي قتل لإحياء شرع جده(ص). قوله: قد تمس الحاجة إلى عملية جراحية إلخ...، فيه أن العملية الجراحية المفضية إلى بتر العضو أو الأعضاء تباح بل تجب لأنها مقدمة لحفظ النفس الواجب وتباح لأجل الضرورة فإن الضرورات تبيح المحظورات فيقدم الأهم وهو حفظ النفس على المهم وهو عدم الإيذاء والإضرار ويرتكب أخف الضررين ولكن الحرام لا يباح لإدراك المستحب فالاستحباب لا يعارض الحرمة ولا يطاع الله من حيث يعصى ولا يتقبل الله إلا من المتقين. ومن ذلك تعلم أن قوله: أتباح هذه الجراحة الخطرة لفائدة ما دنيوية ولا تباح جراحة ما في إهاب الرأس لأعظمها فائدة وأجلها سعادة أخروية؟! كلام شعري فإن الفائدة الأخروية وهي الثواب لا تترتب على فعل المحرم فلا يكون في هذا الفعل إلا الضرر الدنيوي والأخروي.




    وما أشبه هذا الكلام الشعري بما يحكى أن رجلاً صوفياً سرق تفاحة وتصدق بها فسأله الصادق(ع) عن سبب فعله ذلك فقال إنّه لما سرقها كتبت عليه سيئة فلما تصدق بها كتبت له عشر حسنات لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وما جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها فإذا أسقطنا سيئة من عشر حسنات بقي تسع حسنات فقال له الصادق (ع) إن هذا جهل؛ أوما سمعت قوله تعالى{إنما يتقبل الله من المتقين} إنك لما سرقت التفاحة كتبت عليك سيئة فلما تصدقت بها كتبت عليك سيئة أخرى لأنك تصدقت بغير مالك أو ما هذا معناه

    التكليف والجعل

    ثم قال: لا يقال إن السعادة والفوز غداً لا يترتبان على عمل ضرري غير مجعول في دين الله لأنا نقول أولاً الغير مشروع (كذا) في الإسلام من الأمور الضررية هو ما خرج عن وسع المكلف ونطاق طاقته لقبح التكليف حينئذ بغير مقدور أما ما كان مقدوراً فلم يقم برهان عقلي ولا نقلي على منع جعله وكونه شاقاً ومؤذياً لا ينهض دليلاً على عدم جعله إذ التكاليف كلها مشتقة من الكلفة وهي المشقة وبعضها أشد من بعض وأفضلها أحمزها وعلى قدر نشاط المرء يكون تكليفه وبزنة رياضة المرء نفسه وقوة صبره وعظمة معرفته يكلف بالأشق فالأشق زيادة للأجر وعلواً للرتبة ومزيداً للكرامة ومن ها هنا كانت تكاليف الأنبياء أشق من غيرها ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل. وفي الخبر أن عظيم البلاء يكافئه عظيم الجزاء. وفي آخر أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل من المؤمنين وعباد الله الصالحين، وهكذا إلى الطبقة السفلى وهي طبقة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، فهم أخف تكليفاً من سائر الطبقات، أنتهى.
    قوله: لا يترتبان على عمل ضروري غير مجعول في دين الله، فيه أن الجعل للأحكام لا للأعمال فيقال هذا الحكم مجعول في دين الله أو غير مجعول في دين الله أو غير مجعول ولا معنى لقولنا هذا العمل مجعول في دين الله أو غير مجعول بل يقال جائز أو غير جائز أو نحو ذلك. قوله: لأنا نقول أولاً الغير مشروع(كذا) في الإسلام إلخ...، فيه( أولاً) أن قوله الغير مشروع لحن غير مسموع تكرر وقوعه منه كما نبهنا عليه إذ لا يجوز دخول أل على المضاف إلا إذا دخلت على المضاف إليه كالجعد الشعر، (ثانياً) أنه ذكر أولاً ولم يذكر ثانياً. قوله: أما ما كان مقدوراً لم يقم برهان عقلي ولا نقلي على منع جعله فيه (أولاً) أن الكلام في العمل الذي فيه ضرر كما صرح به في قوله لا يترتبان على عمل ضرري والجعل للحكم لا للعمل كما مر فكأنه اشتبه عليه ما سمعه من أن الله لم يجعل حكماً ضررياً بمقتضى قوله (ص) "لا ضرر ولا ضرار" وما يريد أن يثبته من أن الله يجوز أن يكلف بما فيه ضرر كشف الرؤوس فخلط أحدهما بالاخر، (ثانيا) قوله: لم يقم برهان عقلي ولا نقلي على منع جعله إن أراد به أنه لم يقم برهان على جواز أن يكلف الله بما فيه ضرر فأين قول الفقهاء دفع الضرر المظنون واجب؟ وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر الموجب لصدق خوف الضرر في إسقاط التكليف؟ وأين قولهم بوجوب الإفطار لخائف الضرر من الصوم وببطلان غسل من يخاف الضرر من الصوم وببطلان غسل من يخاف الضرر لحرمة الغسل واقتضاء النهي الفساد في العبادة ووجوب التيمم حينئذ؟ وأين قولهم بوجوب الصيام وإتمام الصلاة على المسافر الذي يخاف الضرر على نفسه بالسفر لكون سفره معصية وقولهم بسقوط الحج عمن يكون عليه عسر وحرج في الركوب والسفر أو يخاف الضرر بسفره إلى غير ذلك من الأحكام المنتشرة في أبواب الفقه.



    قوله: وكونه شاقاً ومؤذياً لا ينهض دليلاً على عدم جعله، فيه أنه اعاد لفظ الجعل وقد عرفت أنه ليس له هنا محل وجمع بين الشاق والمؤذي وهما غيران حكماً وموضوعاً فالمؤذي وهو الضار يحرم فعله ولم يكلف الله به والشاق الذي فيه عسر وحرج لم يكلف الله به لقوله تعالى {ما جعل عليكم في الدين من حرج} إلا في موارد مخصوصة لكن ربما يجوز فعله إذا لم يكن مضراً.

    ومن الطريف قوله: التكاليف كلها مشتقة من الكلفة فإن الكلفة إذا بلغت حد العسر أسقطت التكليف كما عرفت، وإذا بلغت إلى حد الضرر أوجبت حرمة الفعل. وأفضل الأعمال أحمزها إذا لم تصل إلى حد الضرر وإلا حرمت فضلاً عن أن تكون أفضل أو غير أفضل. قوله على قدر نشاط المرء يكون تكليفه... إلخ، فيه أن تكاليف الله لعباده واحدة لا تتفاوت بالنشاط والكسل وقوة الصبر وعظمة المعرفة فالواجبات يكلف بها الجميع لا يسقط واجب عن أحد بكسله وضعف صبره وحقارة معرفته، ولا يباح محرم لأحد بشيء من ذلك ولا يجب مباح ولا يحرم على أحد بقوة صبره ونشاطه وعظمة معرفته، وكذا المستحبات والمكروهات. نعم الكسلان كثيراً ما يترك المستحب وقليل الصبر كثيراً ما يفعل المكروه والتكليف في الكل واحد وليس في الشريعة تكليف لشخص بغير الشاق ولآخر بالشاق ولشخص بالشاق ولآخر بالأشق بحسب تفاوت درجاتهم ومراتبهم في النشاط والرياضة والصبر والمعرفة ومن ها هنا تعلم فساد قوله: ومن هنا هنا كانت تكاليف الأنبياء أشق من غيرها ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل. نعم كلف نبينا(ص) دون غيره بأشياء خاصة مثل صلاة الليل فكانت واجبة عليه كما أبيح له أشياء خاصة دون غيره منها الزيادة على أربع أزواج وباقي التكاليف يتساوى فيها مع غيره وأين هذا مما نحن فيه.

    البلاء والجزاء

    قوله: وفي الخبر أن عظيم البلاء يكافئه عظيم الجزاء، هذا أجنبي عن المقام إذ المراد بالبلاء هو المصائب الدنيوية من موت الأولاد وذهاب الأموال والقتل وتسلط الظالم وأمثال ذلك وأي ربط لهذا بما نحن فيه من التكليف بالشاق أو ما فيه ضرر؟ وهكذا خبر أن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، ليس معناه أشد الناس تكليفاً بل المراد بذلك المصائب والبلايا الدنيوية التي تصدر عليهم كما صدر على النبي(ص) وأهل بيته عليهم السلام وأوليائهم. وفي أي لغة يصح تفسير البلاء بالتكليف, وهل الذين يشقون رؤوسهم من أمثل الطبقات حتى كلفوا بذلك والعلماء وخيار المؤمنين ليسوا كذلك فلم يكلفوا به ولم يفعلوه.

    وأما المستضعفون فهم القاصرون في الإدراك الذين رفع الله عنهم بعض التكاليف التي لا يمكنهم معرفتها لقصور إدراكهم كما رفع التكاليف عن المجانين لحكم العقل بقبح تكليف الجميع فأين هذا مما نحن فيه؟

    المشقة وحرمة الفعل

    قال: ولو كان الشاق وإن دخل تحت القدرة والطوق غير مشروع ما فعلته الأنبياء والأولياء، ألم يقم النبي(ص) للصلاة حتى تورمت قدماه؟ ألم يضع حجر المجاعة على بطنه مع اقتداره على الشبع؟ ألم يحج الأئمة مشاة حتى تورمت أقدامهم مع تمكنهم من الركوب؟ ألم يتخذ علي بن الحسين البكاء على أبيه دأباً والامتناع من تناول الطعام والشراب حتى يمزجهما بدموعه ويغمى عليه في كل يوم مرة أو مرتين؟ أيجوز للنبي وآله(ص) إدخال المشقة على أنفسهم طمعاً بمزيد الثواب ولا يجوز لغيرهم؟ أيباح لزين العابدين أن ينـزل بنفسه ما ينـزله من الآلام تأثراً وانفعالاً من مصيبة أبيه ولا يباح لوليه أن يؤلم نفسه لمصيبة إمامه؟ أينفض العباس الماء من يده وهو على ما هو عليه من شدة الظمأ تأسياً بعطش أخيه ولا نقتصّ أثره؟ أيقرّح الرضا(ع) جفون عينيه من البكاء والعين أعظم جارحة نفيسة ولا نتأسى به فنقرح على الأقل صدورنا ونجرح بعض رؤوسنا؟ أتبكي السماء المهراق من جميع أعضائه وجوارحه؟ ولعل الإذن من الله لسمائه وأرضه أن ينـزف (كذا) على الحسين ما تشعر بترخيص الإنسان الشاعر لتلك المصيبة الراتبة أن ينـزف من دمه ما استطاع نزفه إجلالاً وإعظاماً. وهب أنه لا دليل على الندب فلا دليل على الحرمة مع أن الشيعي الجارح نفسه لا يعتقد بذلك الضرر ومن كان بهذه المثابة لا يلزم بالمنع من الجرح وإن حصل له منه الضرر اتفاقاً(انتهى).

    وقد عرفت أن المشقة إذا وصلت إلى حد العسر والحرج أوجبت رفع التكليف بالإجماع . قال تعالى {ما جعل عليكم في الدين من حرج} ولم توجب تحريم الفعل وإذا وصلت إلى حد الضرر أوجبت رفع التكليف وحرمة الفعل أما استشهاده بقيام النبي(ص) للصلاة حتى تورمت قدماه فإن صحّ فلا بد أن يكون من باب الاتفاق أي ترتب الورم على القيام اتفاقاً ولم يكن النبي(ص) يعلم بترتبه وإلا لم يجز القيام المعلوم أو المظنون أنه يؤدي إلى ذلك لأنه ضرر يرفع التكليف ويوجب حرمة الفعل المؤدي إليه وإلا فأن ما اتفق عليه الفقهاء من أنه إذا خاف المكلف حصول الخشونة في الجلد وتشققه من استعمال الماء في الوضوء انتقل فرضه إلى التيمم ولم يجز له الوضوء مع أنه أقل ضرراً وإيذاء من شق الرؤوس بالمدى والسيوف إلى غير ذلك. واما وضعه (ص) حجر المجاعة على بطنه مع اقتدار على الشبع فلو صحّ لحمل على صورة عدم خوف الضرر الموجب لحرمة ذلك لكن من أين ثبت أنه (ص) كان يتحمل الجوع المفرط الموجب لخوف الضرر اختياراً مع القدرة على الشبع، وكذا استشهاده بحج الأئمة عليهم السلام مشاة هو من هذا القبيل. أما بكاء علي بن الحسين(ع) على أبيه المؤدي إلى الإغماء وامتناعه عن الطعام والشراب فإن صح فهو أجنبي عن المقام فإن هذه أمور قهرية لا يتعلق بها تكليف وما كان منها اختيارياً فحاله حال ما مر. وأما نفض العباس الماء من يده تأسياً بعطش أخيه فلو صح لم يكن حجة لعدم العصمة وأما استشهاده بتقريح الرضا(ع) جفون عينيه من البكاء فإن صح فلا بد أن يكون حصل ذلك قهراًً واضطراراً لا قصداً واختياراً وإلا لحرم.



    ومن يعلم أو يظن أن البكاء يقرح عينيه فلا يجوز له البكاء إن قدر على تركه لوجوب دفع الضرر بالإجماع وحكم العقل. أما قوله أتبكي السماء... إلخ فكلام شعري صرف لا يكون دليلاً ولا مؤيداً لحكم شرعي. أما قوله: وهب أنه لا دليل على الندب فلا دليل على الحرمة، فطريف لأن الأصل في المؤذي والمضر الحرمة. ودفع الضرر واجب عقلاً ونقلاً. ومثله قوله: مع أن الشيعي الجارح لا يعتقد بذلك الضرر فإن الجرح نفسه ضرر وإيذاء محرم ولا يحتاج إلى اعتقاد أنه يترتب عليه ضرر أولاً وذلك لا يتفاوت فيه الشيعي وغيره فالكل ذو لحم ودم لا دخل فيه للمذهب.

    ثم نقول عطفاً على قوله: أيقرح الرضا جفون عينيه ولا نتأسى به فنقرح على الأقل صدورنا ونجرح بعض رؤوسنا: إنا لم نركم جرحتم مرة بعض رؤوسكم ولا كلها ولا قرحتم صدوركم من اللطم ولا فعل ذلك أحد من العلماء وإنما يفعله العوام والجهلة. {أتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم}. {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

    ونقول عطفاً على قوله: أتبكي السماء والأرض بالحمرة والدم ولا يبكي الشيعي بالدم المهراق من جميع أعضائه: إننا ما رأيناكم أهرقتم دماً طول عمركم للحزن من بعض أعضائكم ولا من جميعها فلماذا تركتم هذا المستحب المؤكد تركاً أبدياً وهجرتموه هجراً سرمدياً ولم يفعله أحد من العلماء في عمره بجرح صغير كبضعة الحجام ولماذا لم يلبسوا الأكفان ويحملوا الطبول والأبواق وتركوا هذه المستحبات تفوز بها العوام والجهلة دونهم؟!.




    العلماءء والناس


    قال: ولعل إمساك النكير من علماء الشيعة عن هذه الفئة التي شعار حزنها على الإمام الشهيد بتبضيع رؤوسها وإهراق دمائها إما لأنهم يرون أعمالها مستحبة تعظيماً لشعائر الدين الذي هو من تقوى القلوب؟

    ونقول لو كان الأمر كذلك لكان ينبغي للعلماء أن يبادروا إلى هذا الفعل ويكونوا هم المبتدئين به فيدقوا الطبول ويضربوا بالصنوج وينفخوا في الأبواق ويخرجوا حاسرين لابسي الأكفان ضاربين رؤوسهم وجباههم بالسيوف أمام الناس لتقتدي بهم كما اقتدت بهم في نصب مجالس العزاء وغيرها فهم أحق الناس بتعظيم شعائر الدين لو كان هذا منها وإذا لم يفعل الجميع ذلك فعلى الأقل واحد أو أثنان أو ثلاثة من العلماء مع أنهم يعدون بالألوف.

    ولم تكن هذه الأعمال معروفة في جبل عامل ولا نُقِلَ أن أحداً فعلها وإنما أحدثها فيه في هذا العصر بعض عوام الغرباء وساعد على ترويجها بعض من يرتزق بها ولم ينقل عن أحد من علماء جبل عامل أنه اذن فيها أو أمر بها في عصر من الأعصار حتى في الأعصار التي كان جبل عامل يتمتع فيها بحريته التامة في عهد أمرائه من الشيعة الذين كان لهم فيه الحول والطول من آل علي الصغير والصعبية والمناكرة كعصر الأمير العظيم الشيخ ناصيف النصار شيخ مشائخ جبل عامل والأمير الشيخ عباس صاحب صور وحمد البك والشيخ علي الفارس وعلي بك الأسعد وتامر بك وغيرهم رحمهم الله تعالى أجمعين، مع كثرة العلماء في عصرهم وشدة إطاعتهم لأوامرهم ولا في عصر أحد من علمائنا المتأخرين المعاصرين كالشيخ عبد الله نعمة والشيخ محمد علي عز الدين والسيد حسن إبراهيم والشيخ موسى شرارة الذي بذل جهده في نشر إقامة شعائر العزاء وأدخل فيها كثيراً من الإصلاح، والسيد علي محمد والسيد محمد محمود والسيد حسن يوسف وغيرهم من علماء جبل عامل الأعلام قدس الله أرواحهم. بل لم ينقل ناقل أن احداً فعلها من عوام الشيعة ولا أن أحداً أجازها من علمائهم في الأعصار التي كانت ملوك البلاد الإسلامية فيها كلها شيعة وذلك في العصر البويهي الذي كان ملك فارس والعراق وغيرها فيه لآل بويه ولم يكن لخلفاء بني العباس معهم إلا الإسم، وملك الشامات والجزيرة لبني حمدان وملك مصر وأفريقيا والمغرب للفاطميين وكان في عصرهم من أجلاء علماء الشيعة وعظمائهم أمثال الشيخ المفيد والشريفين المرتضى والرضي مع ما كان عليه بنو بويه من التشدد في نشر إقامة العزاء حتى كانت في زمانهم تعطل الأسواق في بغداد يوم عاشوراء وتقام مراسم العزاء فيها وفي الطرقات ولم ينقل أحد أنه وقع في زمانهم شيء من جرح الرؤوس بالسيوف والمدى.

    تقويل العلماء

    قال: على أن جل أساطين علمائنا المتأخرين كشيخ الطائفة الشيخ جعفر في "كشف الغطاء" والميرزا القمي في "جامع الشتات" والحجة الكبرى الشيخ مرتضى الأنصاري في رسالته "سرور العباد" والفقيه المتبحر الشيخ زين العابدين الحائري في "ذخيرة المعاد" والعالم الناسك المتورع الشيخ خضر شلال في كتابه "الجنان" وحجة الإسلام الميرزا حسين النائيني في أجوبتهلأهل البصرة وجميع علمائنا المعاصرين.

    وقد جاءت أن في عبارته بدون خبر كما سمعت. أما نسبة ذلك إلى شيخ الطائفة في "كشف الغطاء" فنسبة باطلة فإنه لم يذكر جرح الرؤوس وظاهرة الاستشكال في غيره بل في مطلق الشبيه.

    وأما نسبة ذلك إلى الميرزا القمي في "جامع الشتات" فنسبة باطلة أيضاً فإن الذي في الكتاب المذكور في باب المتفرقات مخصوص بالتشبه بصورة الإمام(ع) وأعداء أهل البيت ولبس الرجال لباس نساء أهل البيت أو غيرهن وليس فيه ذكر جرح الرؤوس ودق الطبول وضرب الطوس ونفخ البوقات.

    هذا ما أردنا إثباته في هذه العجالة والله ولي التوفيق وله الحمد والمنة. وتم تسويدها بمدينة بيروت في الثامن عشر من المحرم سنة 1346هـ على يد مؤلفها الفقير إلى عفو ربه الغني محسن الأمين الحسيني العالمي غفر الله له ولوالديه والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

    انتهت الرسالة0





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    178

    افتراضي

    إيماناَ منّا في السير على نهج أئمتنا الأكرمين عليهم السلام وإتباعاَ لطريق علمائنا الواعين العاملين نتمنى من أعضاء الشبكة الأكارم أن يشاركوا في
    في رفد مسيرة إستذكار مأساة إستشهاد الإمام الحسين عليه السلام بكل ما يرونه مناسباَ. كي يزداد وعي الأمة في إحتفالها بذكرى إستشهاد أبي الأحرار عليه السلام.

    فلنعتبر هذا االموضوع كسجل نسجل فيه لصاحب العزاء مشاعرنا وأحاسيسنا وإنطباعاتنا وخبراتنا ومشاهداتنا عند هذه الماساة العظيمة والخطب الجسيم, المشاركات يمكن أن تكون على شكل وضع محاضرات أومراثي صوتية أو كتابات أو ماشابه.

    تقبل الله أعمالنا وأعمالكم وعظّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبداله الحسين عليه السلام.

  3. #3
    الصورة الرمزية دجلة الخير
    دجلة الخير غير متواجد حالياً مشرفة واحة التجارة والاقتصاد
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,033

    افتراضي

    قال تعالى(( إنَّ الله اشتَرى مِنَ المُؤمنِينَ أنفُسَهُم ْ وأَّموالّهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبَيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعداً عَلَيهِ حَقَّاً في التَّوْراةِ والإنجِيلِ والقُرءانِ وَمَن أّوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فاستَبشِروا بِبيعِكُمُ الَّذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوزُ العظِيم ))سورة التوبة ايه 111

    السلام عليك يا ابا عبد الله

    وعلى الارواح التي حلت بفنائك

    واناخت برحلك،عليكم مني جميعا

    سلام الله ابدا مابقيت وبقي الليل و النهار...يا اباعبد الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اخوتي اعضاء الشبكة اود ان تشاركونني في التعريف باصحاب الامام الحسين عليه السلام والذين اُستشهدوا معه في موقعة الطف وسأبدأ بالمرأة التي اُستشهدت في تلك المعركة وهي

    أم وهب بنت عبد. وهي سيدة من النمر بن قانط. زوجة عبدالله بن عمير الكلبي، من بني عُليم، حين أخبر زوجته أمّ وهب بعزمه على المسير إلى الحسين، فقالت له: أصبت، يأصاب الله بك أرشد أمورك، إفعل وأخرجني معك، فخرج بها لي حتى أتى حسيناً، فأقام معه. وهي التي أخذت عموداً من الخيمة وأقبلت نحو زوجها وهي تقول: فداك أمّي وأبي قاتل دون الطيّبين ذريّة محمد. وضرب غلام شمر بن ذي الجوشن رأسها بالعمود وبعد أن كانت تمسح الدم عن رأس زوجها فشدخه فماتت مكانه


    *·~-.¸¸,.-~*وبَشــــــــِّـــــــــــــــــر الصـــــــــــــــابرين*·~-.¸¸,.-~*

    [align=center][/align]

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    المشاركات
    63

    افتراضي السلام عليك يا أبا الأحرار

    رحم الله السيد الأمين
    لقد جعله الله منارة بعد موته لأنه تجاوز عصره

    جعلنا الله جميعاً من السائرين على طريق الحسين .. طريق الحرية والإسلام
    هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟!؟!؟!

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    كنت في كربلاء
    قال لي الشيخ: إن الحسين
    مات من أجل جرعة ماء
    وتساءلت: كيف السيوف استباحت بني الأكرمين؟
    فأجاب الذي بصرته السماء:
    إنه الذهب المتلألئ في كل عين
    إن تكن كلمات الحسين
    وسيوف الحسين
    وجلال الحسين
    سقطت دون أن تنقذ الحق من ذهب الأمراء !
    أفتقدر أن تنقذ الحقَ ثرثرةُ الشعراء ؟


    أمل دنقل
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي في آخر حوار معه ..الشيخ الوائلي: تآمر علينا المضللون فدمر"الغوغاء"مشروع معهد الخطباء!

    في بادرة كريمة من مسجد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام حيث كان هذا المكان الطاهر يحتضن طيلة ال (20) سنة الماضية المواسم الرمضانية التي كان يحيها شرف المنبر الحسيني وعميد الخطباء سماحة العلامة الحجة الشيخ الدكتور احمد الوائلي (رض) 00قامت مكتبة المسجد باجراء حوار مع سماحته رحمه الله كان هو الاخير بعد ان احيا اخر مجلس له هناك ولم يستطع اكماله او اكمال اخر موسم له وذلك بعد ان اعياه المرض العضال الذي الم به وكأنه جاء هدية من الله عزوجل ليستريح من هموم هذه الساحة التي حمل على عاتقه تنظيفها من كل ماكان يعلق بها من شبهات وخرافات الصقت بالاسلام عموما والتشيع خصوصا من مبغضيه ومحبيه على السواء 00ولينعم بقدومه سكان السماوات من النبيين والمرسلين والاولياء والائمة الطاهرين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا



    كان في هذا الحوار الاخير له رحمه الله حديث مثير لمست من خلاله ذلك العناء الذي رافق حركة هذا الخطيب المصلح اثناء تاديته لرسالة الاصلاح والتجديد00وذلك بالتحديد عندما ساله المحاور عن محاولاته انشاء مشروع خاص يعهد بتخريج خطباء يسيرون على ذات نهجه القويم في الاصلاح والتجديد والوحدة 00

    فكان هذا المقطع من الحوار00

    المحاور : هل هناك نوع من التوجه الى تخريج اجيال من الخطباء ينتهجون نفس هذا المنهج الذي خطاه الشيخ الوائلي

    سماحة الشيخ الوائلي : هذه كانت امنيتنا واحنا شرعنا في تاسيس معهد للخطابه ووضعنا البدايات والمعهد تابع لجمعية منتى النشر 00نعم في البواكير الاولى لمعهد منتدى النشر 00 في النجف الاشرف و الذي عين لعمداته الشيخ محمد علي القسام تغمده الله برحمته وعين مجموعة من الاستاذة فيه وكنت يومئذ انا من القائمين على العمل ايضا ولكن تنبه مجموعة ممن كانوا يمارسون هذه المهنة وهم في البدايات الى ان المشروع قد يهدد معائشهم او ارزاقهم فاستثاروا مجموعة اخرى ثم زينوا لكثير من رجال الدين البسطاء الابرياء باننا نريد ان نحور تاريخنا وان نبرء الامويين من تهمة قتل الحسين وان00 وان00 و من وراء ذلك 00 الواقع اهداف غير هذا الذي ذكروه 00 اهداف تكمن من انه اذا تكامل هذا المعهد وخرج فئة مميزة فسينعكس الامر عليهم وسيكون الاقبال على تلك الفئة وسنتهي بهم الامر الى ان يتركوا ويهملوا في سقط المتاع فثاروا علينا واهاجوا الراي العام بما له من حس فطري ديني فجاء الراي العام وهجم علينا وعمد الى كراسينا فحطمها والتيلفونات قطعها ومن الطريف ان بعضهم كان يرى في التيلفون انذاك شيطان من الشياطين فقطعوها وحبسونا تقريبا في بيوتنا اشهر الى ان هدأت العاصفة والى ان استطعنا ان نجند بعض القوى العاملة لتذود عنا شرور اولئك ومن ورائهم من يحركهم حتى هدأت العاصفة وماتت الفكرة في مهدها فحاولنا ان نعيدها مرة اخرى ولكن راينا ان القاعدة لم تنضج بعد النضوج الكافي ومانزال نحمل الفكرة ولعل الله عزوجل يعيننا على ان نضع لها بدايات ونترك للطلعاء من اجيالنا اتمام المسيرة انشاء الله0



    لقد كان الشيخ الوائلي احد المصلحين البارزين اللذين حملوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن الاسلام في خط اهل البيت (ع) والوقوف في وجه كل اللذين يحاولون النيل منه سواء خارجيا من مبغضين وحاقدين او داخليا من محبين ومغالين وهكذا استمر في رسالته الاصلاحية التي كان يؤكد من خلالها على نهج الوحدة الاسلامية في اطار المشتركات الاسلامية الكبرى بعيدا عن "الانغلاق على الذات" ضمن حدود الطائفية الضيقة او "الانفتاح الكلي " باتجاه الانحلال و الانسلاخ من القناعة المذهبية الخاصة (المذهب الحق لاهل البيت (ع)) باتجاه الذوبان في الاتجاهات الاخرى او الترقيع من دون ملامح عقائدية واضحة باتجاه التيه والضياع0

    لقد كان هذا الشيخ الكبير قلعة صامدة يلجأ اليها الكثير ممن يتحصنون بها ضد مختلف الشبهات الفكرية والاخلاقية والعقائدية التي كانت تواجه الجيل المسلم نتيجة اغلب التطورات والمنعطفات الخطيرة التي مرت عليه0

    لقد كان هذا الشيخ الكبير يحمل روح الانفتاح والوعي والاصلاح التي افتقدها الشباب في الكثير من العلماء والخطباء اللذين كانوا يؤسسون للمفهوم الخرافي والاساليب المتخلفة عبر استجداء كل ماينفر هذه الاجيال من الدين او يربطها به من خلال الابتعاد به عن مواكبة زمنه والانفتاح عليه من خلال فكر حر وملتزم لايقدس اخطاء الماضي ويبررها بل يلجأ الى تجاوزها وايجاد البديل الفاعل لها00


    فعلا00

    لقد حمل هذا الشيخ الكبير شعلة الاصلاح الى ترجل عن صهوة المنبر تاركا للاجيال الجديدة من الخطباء ممن يؤمنون بنفس النهج الاصلاحي تحديا كبيرا في مواجهة الاجيال القديمة والمستنسخة من الخطباء اللذين لايهمهم سوى تكريس المفهوم الخرافي المتخلف لكي يبقى الجيل اسيرا لمستوى علمهم المتدني ووعيهم القاصر وبالتالي تبقى الساحة الخطابية اسيرة لاطماعهم المادية اومصالحهم الضيقة او مستوياتهم العلمية والذهنية القاصرة0


    نعم 00

    سوف تصبح مواسم رمضان ومحرم وصفر هي الموعد الذي يؤرخ لرحيل هذا العلم الكبير وليس تاريخ وفاته الفعلي وذلك كلما افتقدنا من هم بمستوى علمه وتقواه وورعه وخطابه المنبري المجدد والمنفتح والواعي والوحدوي ولا احسب ان ذلك هينا لاسيما وان المستمع لازال يلجأ الى اشرطة الراحل الكبير كمتنفس لكل ذلك كلما حار في الخطيب الذي يسد فراغ رحيله ويشد انتباهه ليكون بديلا مساويا او مقاربا في اكثر الحالات00

    اسال الله ان يرحم فقيدنا الكبير ويحشرنا معه غدا يوم القيامة في جنات النعيم مع محمد واله الطيبين الطاهرين وحسن اولئك رفيقا





  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    قبسات من تجربة المرجع الإسلامي السيد محسن الأمين (ره)(*)

    العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله





    عندما تودع الأمة هذا الجيل من الرجال، الذين تحركوا ليصنعوا من الماضي حاضرها وليفتحوا لها من موقع القيم الكبيرة أبواب المستقبل، عندما تفقد الأمة هذا الجيل، أو تشعر أنّه يودع الساحة؛ فإن عليها أن تعمل بكل ما عندها من طاقة لِتلملم كل ما تناثر من آثاره: كيف كان يفكر، وما حجم فكره، وكيف كان تأثير هذا الفكر في الجيل الذي جاء بعده؟ كيف كان يعيش القيم، وكيف كان يفهمها، وكيف كان يحرّكها في واقع الناس؟ كيف كان أسلوبه في الحياة؟ لأن لكل جيل أسلوبه وطريقته وحركته وفهمه وتعامله مع الظروف التي تحيط به...

    استلهام التاريخ لصناعة الواقع

    وقيمة التاريخ ليست في أن نستغرق فيه لنتجمد عنده، ولكن قيمته أن نأخذ من الذين صنعوا التاريخ – سواء كانوا صغاراً أو كباراً في حركة التاريخ – الفكرة التي تخلد، ونبدأ في صنع تاريخنا، التاريخ الذي لا ينطلق من السطح بل من الجذور في الأعماق، في أعماق الزمن وفي أعماق الفكر والتجربة. لأن آية أمة تطلق تاريخها الذي تريد صنعه من خلال تنكرها للتاريخ الذي أعطاها الكثير من جذورها وحيويتها وحركيتها؛ هي أمة لا تستطيع أن تصنع التاريخ.

    كما أن الأمة التي تظل غارقة في كهوف التاريخ، ولا تتطلع إلى الشمس الجديدة التي تشرق عليها، هي أمة سوف تعيش في قبور التاريخ ولن تستطيع أن تتحرك على سطح الواقع.

    عندما يحدثنا الله عن تاريخ الأنبياء وتاريخ الفراعنة والطغاة، والأمم التي آمنت هنا وكفرت هناك، فإنه لا يريد لنا أن نتوقف هناك ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت﴾ في ما صنعه من خير أو شر ﴿ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون﴾ (البقرة؛134). نحن لسنا مسؤولين عن كل ما صنع الأولون – سواء كان الذي صنعوه خيراً أو شراً – ولكننا مسؤولون عما نصنع.

    السيد الأمين مربّي العلماء

    لقد كان فقيدنا الإنسان الذي عاش مع الإسلام في خط أهل البيت (ع)، فقد عاش أهل البيت (ع) في طفولته حباً، وعاشهم في شبابه وعياً وثقافة، وعاشهم في حركته قراءة، يتلو فضائلهم ويتحدث عن مآسيهم، وهنا تأتي قصة الرجل الكبير؛ الذي ربى هذا الجيل، والذي استطاع أن يحوّل كل هذا الضعف الذي كان يعشش في هذه المناطق الفقيرة المحرومة، وكل هذا الانسحاق الذي كان يعيش في هذه المجتمعات الصغيرة إلى قوة تنمو بهدوء، وتتحرك بتعقل، وتنفتح بطريقة النمو الطبيعي للأشياء، إلى قوة عاقلة بعقله وحكمته وجهده وعلمه وتقواه وصدقه وإخلاصه وتواضعه.. هذا هو السيد محسن الأمين (ره).

    السيد محسن الأمين، كان الإنسان الذي يفكر بأن أي شخص – ولا سيما إذا أراد أن يكون عالماً دينياً أو مبلغاً إسلامياً – لا بد أن يتميز بصفات ثلاث: لا بد أن يكون له تقوى تمنعه من الانحراف وأن يعطي انحرافه قداسة، لأن بعض الناس قد يعملون على توجيه الناس إلى أن يجعلوا من الأخطاء مقدسات؛ وأن يكون له علم يستطيع به أن يُثقف عقول الناس بالفكر لكي تتمكن من التفكير بمنهجية منفتحة متوازنة، تستطيع أن تلتقط الفكرة من هنا وتطلق الفكرة إلى هناك، بطريقة لا تبتعد عن المبادئ ولا تتنكر للواقع؛ وأن يكون له عقل يدير به الأشياء. لا يكفي أن يكون الإنسان تقياً ليصلح أن يكون مرشداً للناس، ولا يكفي أن يكون عالماً ليتحرك ليكون قائداً للناس، بل لا بد من أن يكون عاقلاً، والعقل هو الحكمة في التعبير القرآني: ﴿ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ (الجمعة؛22).

    الحكمة – كما يقول اللغويون – أن تضع الشيء في موضعه، الكلمة في موضعها، الحركة في ظروفها، العمل في داخل ساحته… أن تضع الشيء في مواضعه، وأن تتحرك لتجعل القبيح في دائرة قبحه وتعرف هذه الدائرة في حدودها، وأن تجعل الحسن في دوائر حسنه وأن تعرف ذلك.

    كان يُعلِّم تلاميذه ذلك: أن يكونوا الأتقياء، العلماء، العقلاء، والعقل ينطلق من نافذتين؛ نافذة التأمل ونافذة التجربة. والتجربة عقل وحركة التأمل عقل، ولذلك كان يعلمهم أن عليهم أن يستفيدوا من تجاربهم، أن يحفظوا تجاربهم تأسيّاً بعلي (ع) في كلماته القصار، التي كان يقول فيها «العقل حفظ التجارب»(1)، أن تحفظ تجربتك، ولا تنساها، أن تحفظ تجربة الآخرين ولا تنساها.

    قد تحتقر تجربتك، ولكن غيرك عندما يطّلع على هذه التجربة، يستطيع أن يأخذ منها درساً قد لا تأخذه أنت. نحن الآن – مثلاً – نقرأ في التاريخ أشياء كثيرة، ربما كان يصنعها أصحابها بطريقة عفوية لا يدركون أهميتها أو خطورتها، ولكننا بعد مدة طويلة، أصبحنا ندرك كم هي هذه الفكرة كبيرة في إغناء واقعنا، أو كم هي حقيرة في إرباك واقعنا.

    لذلك لاحظنا أن السيد محسن الأمين (رحمه الله) كان يكتب سيرة حياته، يكتب حتى القضايا الصغيرة جداً، عن أساتذته كيف كانوا يتحركون، كيف هو أسلوبهم مع تلاميذهم، كيف هي حياتهم الخاصة؟ كان يتحدث عن تجربته هو، عندما كان في جبل عامل، وعندما كان في النجف، وعندما جاء إلى الشام. كان ينقل لنا هذه التجارب، لأنه كان يشعر بأن تجربته ليست ملكه، لأن ما كان ملك الإنسان هو ما يختص به. أما ما يستفيد منه الآخرون، فهو ملك الآخرين.

    لذلك أن تحدث الناس بتجربتك، حتى لو كنت إنساناً عادياً، كن تاجراً، كن عاملاً كن موظفاً، كن عالماً دينياً، كن أي شيء… لكل إنسان خصوصيته في الحياة، ولكل إنسان منا ميزة يتميز بها عن الآخرين، قلها لا تعاظماً، ولكن قلها درساً لعل الآخرين يستفيدون منك. كان يعلمهم ذلك. وقد استطاع أن يعيش تجربة هذه الطريقة في علاقته ببعض تلاميذه.

    المنبر الحسيني المتوازن

    كان من رسالته إصلاح المنبر الحسيني، وذلك بأن يبعد الأكاذيب والخرافات عنه، مما لا تستسيغه العقول أو يثبت بشكل موثوق، لأنه كان يرى أن في سيرة النبي (ص) وفي سيرة الأئمة من أهل البيت (ع) مما هو حق وصدق، ما يغني المنبر والكتاب والخطاب، دون حاجة إلى أن نكذب لنزيد في مآسيهم مآسي، أو نكذب لنزيد في فضائلهم فضائل أو تكذب من أجل أن نثير بعض الأشياء في المسائل المتعلقة بالذين كانوا يعارضونهم.

    الحق أكبر من ذلك، للإمام الصادق (ع) كلمة، كان (ع) في مجلس يضم أصحابه، وكان هناك شامي قادم، ليناقش الإمام الصادق في مسألة الإمامة. وعهد الإمام (ع) إلى بعض تلاميذه أن يناقشوه، لأنه كان يريد لتلاميذه أن يتحدثوا ويحاوروا ويجادلوا أمامه لينقدهم بعد ذلك – نقد الإيجاب في ما ينجحون فيه ونقد السلب في ما يخطئون فيه – وانطلق هذا وذاك ليناقشه، وبدأ الإمام (ع) يرصد تجربتهم، قال لبعضهم «إنك أخذته بالحق والباطل» ناقشته بالحق وبالباطل لتتغلب عليه، مستغلاً غفلته عن أن يكتشف الباطل في ما حدثته من الباطل و«قليل الحق يكفي عن كثير الباطل»(2).

    إن الحق قوة في ما يملكه من عنصر قهر الباطل، لا يحتاج فيها الحق إلى أن تضيف له شيئاً من الباطل، فالحق لا يحتاج إلى بهارات بل هو لذيذ في عمقه.

    ولذلك فإن القصة هي أن نثير تاريخنا، ولنكتب من خلال النقد تاريخاً جديداً، لأن التاريخ كان يكتب للسلاطين ولم يكتب تاريخ الشعب، وقد يختلط تاريخ السلاطين بتاريخ الشعوب، وقد ينطلق بعض الناس ليبالغوا بأشياء كثيرة. يُنقل أن بعض الرواة كان يروي أنه من قرأ سورة الفاتحة، فله سبعون ألف غرفة في الجنة، وله سبعون ألف حورية، وله سبعون ألف نهر وهكذا… قيل له إنك تكذب على رسول الله، أو ما سمعت قول رسول الله (ص) «مَنْ كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار»(3)، قال: سمعته لكن كذبت له لا عليه، باعتبار أنه يشجع الناس على قراءة القرآن. بعض الناس يقولون: نحن لا نكذب على أهل البيت ولكن نكذب لحسابهم. أهل البيت (ع) يقولون، كما روي عن الإمام زين العابدين (ع)، «أحبونا حُبَّ الإسلام»(4). الحب الذي ينطلق من الموقع ويتجسد في موقف، والحب الذي يتحول إلى ولاية، والولاية تعني الالتزام، والالتزام يعني الاستقامة في الخط.

    «والله ما شيعتنا، إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يُعرفون بالتواضع والتخشع وصدق الحديث وأداء الأمانة، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. أفيكفي من ينتحل التشيع أن يقول: إني أحب علياً (ع) وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من علي، أفيكفي الرجل أن يقول أحب رسول الله ثم لا يعمل بسنته؟ من كان ولياً لله فهو لنا ولي، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو. والله ما تُنال ولايتنا إلا بالورع»(5)، والصدق من الورع، صدقك في نقل التاريخ ورع، وصدقك في نقل الحاضر ورع، لأن الورع أن تجتنب الحرام، وكل كذب حرام.

    ولذلك كان السيد محسن الأمين معنياً – ما أمكن – بأن يكشف الكثير من الأكاذيب، مما لو سمعته الآن من بعض خطباء المنبر أو من بعض المحدثين لرأيته من الحقائق، وهو يشير في بعض كتبه ومنها كتاب «التنزيه» إلى أن ذاك الحديث وُضع في بعض بيوت العائلة الفلانية في النجف، ولذلك كتب «المجالس السنية»، من أجل أن يقدم مجالس للمنبر الحسيني لا ينكرها أحد ولا يكذبها التاريخ ما أمكنه ذلك. وقد أعطى تلاميذه هذا التوازن، فلذلك عندما تسمع تلاميذه الذين مارسوا مهمة المنبر الحسيني، فإنك تجد أن هناك توازناً، يختلف عما يتعارف عليه لدى الكثير من الناس.

    الأسلوب العاشورائي المشرق

    وكان أستاذ هذا الجيل، السيد محسن الأمين، يؤكد أن علينا عندما نريد تقديم عاشوراء إلى الناس، أن نقدمها بالأسلوب المشرق الذي يمثلها قوة في ساحة الصراع، وحركة في طريق الجهاد، ووعياً لقضية الإسلام. أن نقدمها على أساس أننا إذا أردنا التأسي بالإمام الحسيني (ع)، لنجرح أو لنتألم، فإن علينا أن نعمل على أن نجرح في الخط الذي نواجه فيه أعداء الله. أن تواسي الحسين لتتألم كما تألم، لتجرح كما جرح، ليس أن تحمل السيف بيدك لتضرب رأسك بعقل بارد لتثير انتباه الناس، بل أن تحمل السيف، البندقية والسيف، المدفع والسيف، العبوة والبندقية… لتنطلق لتُجرح في مواجهة «إسرائيل» والطغيان والاستكبار العالمي. إنك بذلك تواسي، لأنك تُجرح في المجال الذي جُرح فيه الحسين (ع). جُرح وهو يطلب الإصلاح في أمة جده. جُرح وهو يرفض الذلة من الآخرين. جٌرح وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر… ولذلك إذا أردت أن تواسيه، فليست مواساته باليد الباردة، والسيف البارد، والرأس البارد، والدم البارد… ولكن باليد الحارة التي تعرف كيف تطلق الرصاصة بكل طاقتها في وجه الذين يحاولون إسقاط عزة الأمة وعنفوانها ورساليتها، كما حدث في فلسطين.

    إذا أردت أن تواسي السيدة زينب (ع) في مأساتها، لأنها جُلدت بالسياط، فليس عليك أن تحمل السياط بيدك، لتجلد ظهرك، لتوحي إلى نفسك أنك واسيتها بل جاهد ليعتقلك العدو، ليجلدك في الزنزانات. إنك بذلك مع زينب في طريق واحد. وكان السيد محسن الأمين (رض) يريد أن يجعل الوجه العاشورائي، في أسلوب الاحتفال به وفي أسلوب الذكرى، وجهاً لو انطلق الزمن كله في حركة أساليبه، لاستطاع أن يظل خالداً مع الزمن، لا أن يكون أسلوباً يتحرك اليوم ليمثل التخلف.

    قد تكون بعض الأساليب التي تعارف عليها الناس ذات فائدة في مرحلتها، ولكنها ذات ضرر كبير جداً في المراحل التي نعيشها من المستقبل، ولذلك وقف السيد محسن الأمين ليحارب ذلك، وأثار الكثيرين من المتخلفين ومن الطيبين الساذجين، حتى كفروه وزندقوه، ولكن أين هؤلاء وأين السيد محسن الأمين؟ انتصرت قضية الحق وتساقطت كل الكلمات.

    وهكذا انطلق، ربما جاء بعض الناس من بعده يحاولون أن يُحيوا المسألة، ولكنه استطاع أن يطلق القضية. والقضية عندما تكون قضية حق، سوف تمتد وتبقى حتى لو زرعت في طريقها مئات الألغام، وحتى لو رسمت كل الحواجز أمامها. إن قضية الحق نتمثلها في رسول الله (ص)، كان وحده وكان العالم كله ضده، وقالوا عنه إنه مجنون وساحر وكاذب وكاهن وشاعر… وقالوا عن القرآن ﴿أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا﴾ (الفرقان؛5) وقالوا ﴿إنما يعلمه بشر﴾ (النحل؛103)، وقالوا وقالوا… ولكن أين هؤلاء الذين عملوا على النيّل من محمد (ص)؟

    لذلك، القضايا الكبرى تحتاج إلى إنسان كالسيد الأمين، يتأسى بأجداده، يكون قوياً في عقله، وقوياً في قلبه، قوياً في كلمته ومواقفه، حتى لو تساقطت كل الكلمات السلبية على رأسه، لأن رأسه أصلب من كل تلك الكلمات.



    الفهم الحق للوحدة الإسلامية

    نتذكره، عندما نرى الكثيرين ممن يريدون أن ينتجوا مثل هذا التخلف في واقع الذكريات، نتذكره وهو يدير مسألة الوحدة الإسلامية بحكمته ووعيه للإسلام كله وللمجتمع من حوله. جاءه شخص وقال له: «إني أريد أن أكون شيعياً» قال له: لا فرق بين الشيعة والسنّة. الشيعة مسلمون والسنّة مسلمون، إن الإنسان عندما يريد أن ينتقل من دين إلى دين، يمكن له أن يسأل ماذا يقول وماذا يعمل؟ ولكنّا كلنا مسلمون. أصرّ الرجل، وربما كانت للرجل خلفيات، تريد أن تثير فتنة من خلال توريط السيد الأمين في كلمة قد تشعل ناراً. وخضع السيد الأمين لإلحاحه، وقال له «تريد أن تكون شيعياً، اجلس بين يديّ، قل أشهد أن لا إله إلا الله، فقال الرجل، ثم قال له قل: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال الرجل، قال له أصبحت شيعياً، لأن التشيع ليس إلا هذا».

    إننا عندما نختلف في قضية الخلافة والإمامة، وهذا الفقه وذاك الفقه، فنحن نختلف فيه، لا على أساس أنه شيء فوق الإسلام أو شيء زائد عن الإسلام، ولكن نحن نختلف في فهم ما قاله الرسول وفي وعي ما تحدث به. القضية ليست قضية أن هناك شيئاً زائداً عن الشهادتين. الشهادتان هما التعبير الحيّ عن كل ما في الإسلام من عمق. وإذا كنا اختلفنا في الخلافة، فهو اختلاف في ما قاله رسول الله، هو جزء من تفاصيل حركة الرسالة في ما بيّنه الله. وقد دلنا الله على أننا إذا تنازعنا في شيء فنرده إلى الله والرسول. إذا تنازعنا في الخلافة والإمامة فنرد ذلك إلى الله والرسول، وإذا تنازعنا في بعض الجبر والتفويض وحرية الإرادة فنرد ذلك إلى الله والرسول، وإذا تنازعنا في هل نسبل في الصلاة أو نكتف فنرده إلى الله والرسول.

    إذاً، قصة المذهبية ليست شيئاً خارجاً عن معنى الرسالة، ولكنها شيء ينطلق من خلال الحديث عما هو موضوع الرسالة. وذلك هو الفهم الحق للوحدة الإسلامية. الوحدة الإسلامية أن نتفق على أساس أن نؤمن بالكتاب والسنّة، كتاب الله الذي ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه﴾ (فصّلت؛42)، وسنّة الرسول ﴿ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ (الحشر؛7). عندما نضمن هذين العمودين ونتمسك بهما، عند ذلك، نقرأ ماذا قال الرسول (ص) في أهل البيت (ع)، وما موقع أهل البيت من الرسول، وما موقعهم من الإسلام؟ ماذا قال الرسول في هذا، وماذا فسر الرسول هذه الآية أو تلك؟ عند ذلك، إذا عشنا مسؤولية وعقلانية وروحية الإسلام وواقعيته، نستطيع أن نصل إلى نتيجة.

    لماذا يتعصب بعضنا لموروثاته؟ الفكر ليس نحن، الفكر شيء ورثناه أو شيء اقتنعنا به، عندما تقتنع بشيء ويقتنع الآخر بشيء، إذا كنت واثقاً أنك على الحق، لماذا تخاف أن تحاور الآخر؟ وإذا أقنعك الآخر، لماذا تخاف أن تلتزم قناعتك الجديدة؟ إن قضية العقيدة لا بد أن تنطلق من عمق القناعة، ولذلك كلما كنا موضوعيين أكثر، وكلما كنا عقلائيين أكثر، وكلما كنا مسؤولين عن سلامة الإنسان أكثر؛ عرفنا كيف نتحاور بالحكمة والعقل والحجة والبرهان. وكلما عشنا المسؤولية، استطعنا أن نقدم التنازلات عندما تكون الأزمة تسقط الأمة.

    علي (ع) مبدع فكر وقائد مسيرة

    وهذا ما نتعلمه من عليّ (ع)، مشكلتنا أننا حوّلنا علياً إلى ضرّاب سيف، ولكننا لم نفهمه كمبدع فكر، وكقائد مسيرة، وكإنسان يعيش لله وبالله ومع الله. إن سيف عليّ (ع) جزء من رسالته، ولذلك كان يحركه عندما تريد الرسالة أن يحركه، ويغمده عندما تريد الرسالة أن يغمده، «لأسلّمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت بيدي، حتى إذا رأيت راجعة الناس عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما زال كما زال السراب وكما ينقشع السحاب فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه»(6).

    ومن خلال هذه التجربة، سمعنا قائلاً يقول «لولا علي لهلك عمر»(7)، وسمعنا قائلاً يقول «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن»(8). وعندما يكون الإسلام في خطر، عند ذلك لا مجال للسلبيات ولا مجال للتحفظات؛ علينا أن نندفع، لأن الذين يكيدون للإسلام يستغلون خلافات المسلمين في الأوقات العصيبة.

    وهذا ما تنبه إليه السيد محسن الأمين (رض)، الذي أحب لجيلكم وللأجيال من بعدكم أن تدرسوا سيرة هذا الرجل الكبير. لأن هذا الرجل – يمكن أن نقول – هو الذي صنع تاريخ هذه الجماعة بكل عمق. جاءه فرنسيون في عهد الاستعمار الفرنسي وقالوا له: إننا نريد أن ننشئ مجلساً ملياً للشيعة، ونريد أن نجعلك رئيس هذا المجلس. ونحن مستعدون لأن نؤمن لك كل المصاريف. قال لهم: «أولاً ليس هناك فرق بيننا وبين المسلمين. نحن لا نفصل أنفسنا عن المسلمين في سوريا، لنا ما لهم وعلينا ما عليهم، نشاركهم الآلام والأفراح ويشاركوننا، لن نميز أنفسنا عنهم، حتى لو اختلفنا في بعض النظريات كما يختلف السنّة بعضهم مع بعض وكما يختلف الشيعة بعضهم مع بعض».

    وقال لهم وهم يحدثونه عن المال وعن الرئاسة «إنني موظف عند الله، فلا يمكن أن أكون موظفاً عند المندوب السامي الفرنسي». هذا الرجل كبير في مواقفه، ونعرف أن كل قادة الرأي والسياسة في هذا البلد من غير طائفته ومذهبه من صحافيين وسياسيين، كانوا يأتون إليه ويستشيرونه وكان يشارك في دفع الكثير من الحركات في وجه الاستعمار الفرنسي.

    ولذلك فإن تجربته هي التجربة الرائدة، التي لا بد لنا من درسها جيداً، لا ندرسها لنشيد باسمه ولا لنعظمه؛ ولكن ندرسها لندخل في تجارب جديدة، لأن قضية الطائفية لا تزال تتحرك من خلال الاستكبار العالمي والأعداء الذين يستغلون نقاط ضعفنا، ويستغلون كلاماً حاداً قاله شخص من هنا، ليكون الرد كلاماً حاداً يقوله شخص من هناك؛ ويستغلون سباباً وتكفيراً من هنا لينطلق سباب وتكفير من هناك. ونسبُّ ويسبّون، ونكفِّر ويكفِّرون، وماذا تكون النتيجة؟ إن الاستكبار يقهقه عندما يرانا مشغولين بتكفير بعضنا بعضاً ويلعن بعضنا بعضاً، وهو يأخذ كل ثرواتنا ونفطنا وكل بلادنا، وهو يصادر كل عنفواننا ويفرض علينا كل ما عنده من الاستكبار.

    التخطيط للحاضر والمستقبل

    المرحلة التي نعيشها هي من أصعب المراحل التي مرّ بها المسلمون في كل تاريخهم، لأنها المرحلة التي يراد من خلالها إسقاط كل روح – أن لا تكون لنا روح – ويراد لنا إسقاط كل عنفواننا كما يراد لنا أن ننطلق في الحديث عن الواقعية في السياسة، بمعنى أن نخضع للأمر الواقع. ونحن نفهم أن الواقعية هي أن تغير الواقع بأدوات الواقع، لا أن تسقط أمام الواقع.

    علينا أن نعي جيداً طبيعة اللعبة الدولية واللعبة الصهيونية، وأن ندرك جيداً كل التطورات وكل المتغيرات القادمة، لأن هناك كهوفاً ومغاور وزلازل لا يُعرف إلى أين تنتهي، لذلك فلنعمل على تدريب أقدامنا على الثبات، ولندرب رؤوسنا على الارتفاع، وإرادتنا على التصلّب، ومواقفنا على الحسم... ولننطلق لنكون مع المجاهدين.

    هؤلاء الذين عندما يُسقطون في كل يوم قتيلاً فإنهم يُسقطون روح العدو، وعندما يدمرون دبابة لـ «إسرائيل» فإنهم يدمرون قوة من قواها. أنهم يريدون نزع سلاح المقاومة، لأنهم لا يريدون للأمة أن ينطلق فيها أناس لا يخافون. لقد أنتجوا لنا سياسة الخوف، ولذلك علينا أن ننتج سياسة القوة {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين} (آل عمران؛175)، لنكن الأقوياء بعقل، ولنكن الأعزاء بثبات، ولنكن الرافضين بوعي. نحن لا ندعو إلى التحرك عشوائياً، ولكنهم يخططون فعلينا أن نخطط، ويستعدون فعلينا أن نستعد، ويعملون لتنامي قوتهم فعلينا أن ننمي قوتنا.

    نحن أقوياء كأمة، لسنا ضعفاء، أنا لا أتفق مع الذين يقولون إنه لو تمت التسوية فسوف تصادر «إسرائيل» سياستنا واقتصادنا وأمننا. هذا كلام يوحي بأن الأمة ليس لها ما تستطيع أن تتمسك به. في الاقتصاد لنا عقول اقتصادية ولنا تجارب اقتصادية، في السياسة نملك الكثير مما نفهم به طبيعة اللعبة وحركتها. المهم أن نريد. مشكلة الكثيرين منا أنهم يخافون أن يريدوا، إذا ضاق بنا الحاضر فلن يضيق بنا المستقبل.

    مشكلة الكثيرين منا أنهم يفكرون كأفراد. وأنا أقول لكم إن الفرد لا يستطيع أن يحمي نفسه إذا لم تكن أمته قوية، لا يستطيع أن يكون قوياً اقتصادياً إذا لم تكن أمته قوية اقتصادياً. إن قوتنا من قوة أمتنا، لنجمع كل قوانا لنوحدها في قوة الأمة ولنحرك كل طاقاتنا، لننطلق بها لتكون طاقة للأمة ﴿وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ (الأنبياء؛92) إن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ (الأنفال؛46) لا تتنازعوا على مستوى العائلة والمحلة والطائفة والوطن والأمة.

    تعلموا كيف تديرون خلافاتكم إذا كان لا بد من الاختلاف، حتى لا تسقط خلافاتكم كل كيانكم. قالها الإمام أمير المؤمنين (ع) لولده محمد بن الحنفية عندما انطلق في حرب الجمل، «أعرِ الله جمجمتَك تدْ في الأرض قدمك، ارمِ ببصرك أقصى القوم»(9) انظر في الأفق الواسع ولا تنظر في الأفق الضيق.

    هذه هي قصتنا وهذه هي قصة هذا الجيل، الذي كان فقيدنا أحد نماذجه الطيبة الخيرة، فقد عاش إنساناً متواضعاً، طيباً، بسيطاً في غير سذاجة، واعياً، منفتحاً، خدم الناس بكل طاقته ولقي ربه.

    أيها الشباب، إننا لا نريد للساحة أن تعيش الفراغ، عندما نفقد هذه النماذج التي تمثل القيم. إن عليكم أن تملأوا هذا الفراغ، أنا لا أقول لكم كونوا مثلهم، أنا أقول لكم كونوا أفضل. تعلموا منهم كل عناصر الخير والقيم الروحية والقوة، وحاولا أن تنتجوا لأنفسكم شيئاً جديداً في الخير والقيم الروحية والقوة، ولا تقولوا كم ترك الأول للآخر، ولا تسقطوا أمام هيبة الماضين. إن هناك كلمة للسيد محسن الأمين، وهو يتحدث عن بعض الناس في الماضي الذي يختلف معهم في الحاضر

    «هم رجال ونحن رجال» ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت﴾ صنعت تاريخها ﴿ولكم ما كسبتم﴾ (البقرة؛134) اصنعوا تاريخكم ﴿ولا تُسألون عما كانوا يعملون﴾ (البقرة؛134)، بل ستُسألون عما عملتم ﴿وقفوهم إنهم مسؤولون﴾ (الصّافات؛24)، ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره﴾ (الزّلزلة؛7-8).
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    الدولة
    النمسا
    المشاركات
    124

    افتراضي

    احسنتم جميعا ....

    و رحم الله خطيب المنابر الحسينية الشيخ احمد الوائلي ....
    فـــــؤاد
    ********
    "القدس...
    اولى القبلتين...
    و ثالث الحرمين...
    تستصرخ المسلمين..."

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2003
    المشاركات
    45

    افتراضي

    تقبل الله أعمالنا وأعمالكم وعظّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبداله الحسين عليه السلام.
    فاطمي في عفافي علوي حين حربي

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    حرمة ضرب الرؤوس



    فضل الله يجدد التأكيد على فتواه بتحريم ضرب الرؤوس في عاشوراء

    سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، أكّد على فتواه بحرمة ضرب الرؤوس بالسيوف في عاشوراء، ودعا إلى أن تكون المواساة مواساة بالأسلوب ومنهج العطاء الذي رسمه الإمام الحسين(ع) في تضحيته العظيمة في كربلاء، وفي ردٍ على سؤال حول مسألة ضرب الرؤوس بالسيوف والظهور بالسلاسل أجاب قائلاً:

    إنّ رأينا الفقهي الموافق لرأي كثير من الفقهاء، هو حرمة هذه الأعمال لسببين:

    الأول: أنّ رأينا هو حرمة الإضرار بالجسد حتى لو لم يؤدّ ذلك إلى التهلكة، وهذه النظريّة الفقهية يأخذ بها عدد من الفقهاء وفي مقدّمتهم الشيخ مرتضى الأنصاري(رحمه الله)، ولا إشكال في أنّ هذه الأعمال تشكل مصدراً للإضرار بالجسد، ولا سيّما إذا قام وليّ الطفل بجرح الطفل، فإنّه يزداد حرمةً؛ لأنّه لا ولاية للأب في الإضرار بالطفل، ولأنّه يمثّل تعدٍّ وحشيّ على الطفولة، وهذا مما يرفضه الشرع الإسلامي، حتى لو كان ذلك على أساس الوفاء بالنذر؛ فإنّ مثل هذا النذر محرم بداية وهو غير شرعي؛ لأنّ النذر إنما يكون شرعيّاً إذا كان طاعةً لله.

    الثاني: أنّ هذه الأعمال تعطي صورة مشوّهة عن الإسلام والمسلمين من حيث دلالتها على التخلّف في التعبير عن الحزن تحت عنوان المواساة، وتؤدّي إلى هتك حرمة الخطّ الإسلامي الأصيل، كما أنّ هذا الأمر ليس من الشعائر؛ لأنّ الشعائر كما يقول السيّد الخوئي (رحمه الله) هي توقيفيّة، أي إنّ الشريعة هي التي تحدّد كون هذا الأمر من الشعائر أو لا. وهناك مّن استحدث بعض العادات الجديدة، كالسير على أربع أو الزحف على الخدود عند اتجاههم إلى المراقد المشرفة، ما يزيد المسألة تشوّهاً، وهتكاً وتعبيراً عن التخلّف.

    ومن جهة أخرى، فإنّ المواساة لا تتحقّق بذلك؛ فإنّ مواساة الحسين(ع) تكون بأن نستشهد في الموقع الذي استشهد فيه وأن تُجرح حيث جرح، ومواساة زينب (ع) أن نُجلد في الموقع الذي جلدت فيه، وهو موقع الدفاع عن الحقّ ومواجهة الظلم، وقد كنّا نقول ولا نزال نقول: "من أراد أن يواسي الحسين(ع) فلينطلق مع المجاهدين في لبنان وفلسطين وفي كلّ موقع للحقّ في العالم".

    إنّنا ندعو إلى إقامة ذكرى الإمام الحسين (ع) والصفوة الطيّبة من أهل بيته وأصحابه بإقامة المجالس الحسينيّة التي تحيي الذكرى وتثير الوعي وتثقّف المجتمع بالإسلام والسيرة العطرة للنبيّ محمد (ص)، والأئمّة من أهل البيت(ع) والانفتاح على القضايا الحيويّة والمصيرية، والسير في المواكب الحسينية التي تطلق أناشيد الحزن والوعي والحركة في خطّ النصر في طريق الشهادة، وإثارة الحزن بالوسائل الإنسانية الحضاريّة، والتبرّع بالدم للجرحى من المجاهدين والفقراء تحيّة لدم الحسين عليه السلام، وتقدّمةً له، وصدقةً عن روحه؛ فإن في ذلك أسلوباً إسلامياً حضاريّاً على مستوى الإيمان والخير وإثارةً للذكرى في أجواء المأساة ضدّ الذين يصنعون المأساة للمستضعفين.


    مكتب سماحة المرجع آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

    بيروت:5 محرم 1425 هـ/26 شباط 2004م.

    ------------------------------------------------------------------------------

    مستشفى بهمن

    من جهة ثانية، أصدرت إدارة مستشفى بهمن بياناً أعلنت فيه عن فتح المركز الموقت للتبرع بالدم والذي سوف تستقبل فيه جميع المستعدين للتبرع بالدم لمناسبة عاشوراء، وذلك طيلة يوم الثلاثاء القادم في العاشر من محرم.

    وأكدت المستشفى تحضير كل الإمكانات إضافة للطاقم الطبي اللازم لتسهيل عمليات التبرع بالدم مؤكداً أن هذه التبرعات ستقدم للمجاهدين في لبنان وفلسطين وللفقراء والمحتاجين إليها تلبية لدعوة المرجعية الإسلامية المتمثلة بسماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وتأكيده على ضرورة أن ينسجم ذلك مع المعاني الإسلامية والإنسانية السامية للذكرى، وتحية لدم الحسين(ع)، وتقدمة له وصدقة عن روحه.

    بيروت:5 محرم 1425 هـ/26 شباط 2004م.





  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Apr 2003
    المشاركات
    1,249

    افتراضي

    السلام عليكم
    وعظم الله اجورنا واجوركم بمصاب سيدنا الامام الحسين(ع) واهل بيته وصحبه البرره
    ( شيعة السعودية يتبرعون بدمائهم في ذكرى يوم عاشوراء)

    القطيف (السعودية) (رويترز) - تبرع بعض الشيعة في السعودية بدمائهم مع استعداد طائفتهم لاحياء ذكرى يوم عاشوراء.

    وامتلا صف من الاسرة في عيادة مؤقتة في بلدة القطيف مساء يوم الجمعة برجال قدموا للتبرع بدمائهم بهذه المناسبة.

    وقال حسين بحراني (35 عاما) وهو موظف بالبلدية "نريد أن نظهر للمسلمين الاخرين أن بامكاننا ان نبذل دماءنا بطريقة مفيدة وليس بالطريقة المعتادة."

    وفي بعض أرجاء العالم الاسلامي يشج الشيعة رؤوسهم أو يجلدون ظهورهم بالسياط لاراقة الدماء تعبيرا عن الحزن على مقتل الامام الحسين. وتحل الذكرى يوم الاثنين لكن الشيعة يبدأون الاحتفال بها قبل موعدها بأيام.

    وقال تميم زيد العلقوم (49 عاما) وهو ملاحظ فني بشركة ارامكو النفطية "في الماضي وفي أماكن أخرى استخدموا السيوف ليشعروا بالام الحسين. اما الان فثمة طريقة أفضل. هذه طريقة جيدة لاحياء ذكرى الامام الحسين."

    ويمثل الشيعة نحو عشرة في المئة من سكان المملكة البالغ عددهم 24 مليونا ويعتقد أنهم أغلبية في المنطقة الشرقية لكنهم ما زالوا يشكون من أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.

    وتظهر حواجز الطرق عند مدخل القطيف والوجود الظاهر للشرطة في الشوارع حرص قوات الامن السعودية على حماية احتفالات الشيعة.

    وفي ميدان قريب زينته أعلام حمراء وسوداء وخضراء أقام الدعاة الشيعة تجمعات بينما تبيع بعض الاكشاك تسجيلات وكتبا دينية.

    ويقول شيعة السعودية الذين رأوا الشيعة في العراق يتخلصون من القمع الذي استمر عقودا في عهد صدام حسين أنهم منحوا بالتدريج قدرا أكبر من الحرية في ممارسة احتفالاتهم الدينية.

    وفي بلدة تبعد عدة كيلومترات عن القطيف افتتح هذا العام لاول مرة معرض فني يحيي الذكرى. وقبل منتصف ليل الجمعة بقليل سار نحو 300 رجل وصبي في حي بالبلدة وهم يضربون صدورهم.

    وقال شهيد قريش "هذا أكثر مما كان مسموحا لنا به في الماضي."

    والى جانب تخفيف القيود على ممارسة شعائرهم الدينية يقول الشيعة انهم بدأوا يعبرون عن صوتهم من خلال "الحوار الوطني" الذي بدأه ولي العهد الامير عبد الله بن عبد العزيز العام الماضي.

    واقر المشاركون في الحوار الذي يشارك فيه رجال دين وأكاديميون من السنة والشيعة صراحة بتنوع الفكر الديني في المملكة.

    من دومينيك ايفانز
    http://www.reuters.com/locales/newsA...toryID=4460442
    الرأي قبل شجاعة الشجعان
    هو الاول وهي المحل الثاني

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    من روائع المرحوم الوائلي ليلة العاشر من محرم
    http://www.yahosein.org/majalis/soun...oharram1420.rm
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    1,216

    افتراضي

    كربلاء والجهاد

    كربلاءٌ والجهــــــــــــادْ * أيقظتْ كلَّ الرُقـــــــــادْ
    قصةٌ يُبنى عليهــــــــــا * كلُّ مَجدٍ وتِــــــــــــــلادْ
    هيَ تاريخٌ عريــــــــــقٌ * وحضاراتُ البــــــــــــلادْ
    قد بَدَتْ مِن يوم نــــادى * لاخضوعاً للعُتــــــــــــادْ
    صَرخةٌ دوّتْ وهـــــــــدّتْ * كلَّ عرشٍ وعِمـــــــــــادْ
    سيّدٌ فيها حسيـــــــــــنٌ * سيدُ الساداتِ ســــــــادْ
    قال هيهاتَ لـِـــــــــــذُلًّ * وخضوعٍ وانقيـــــــــــادْ
    ثابتُ الحقِ ركيـــــــــــنٌ * لمْ تزلزلهُ الشــــــــــــدادْ
    مَن أبوهُ مَن أخــــــــوهُ * هل دريتُم ياعبــــــــــــادْ
    أمّهُ الزهراءُ يومــــــــــاً * قارعتْ أهلَ الفســــــــادْ
    صوتُها أبكى جُموعــــاً * وتفرّى في الفـــــــــــؤادْ
    هوَ شبلٌ مِن أســــــــودٍ * والأسودُ لاتُقـــــــــــــــادْ
    يومَ أعلنها جهـــــــــاراً * حيَّ حيَّ على الجهــــــادْ
    لم يلبّوا لنــــــــــــــــداءٍ * الاّ أصحابُ الرشـــــــــــادْ
    كلُّهم شوسٌ صِعـــــــــابٌ * وليوثٌ في الجِــــــــــــلادْ
    كلهم نادوا جميعــــــــــا * لارجوعاً لاارتــــــــــــــدادْ
    وهمُ الاصحابُ حقــــــــــاً * لم تشابهم فـُــــــــــــــرادْ
    نوّر اللهُ قلوبـــــــــــــــــاً * باتـَّقادٍ واعتقــــــــــــــادْ
    أينَ نحنُ أينَ منهــــــــــمْ * لارشادٌ لاسَــــــــــــــــدادْ
    بعضُنا كفّرَ بعضــــــــــــاً * بمقولاتٍ شِــــــــــــــــدادْ
    كم كتابٍ صَـــــــــــــدّروهُ * ضلَّ زيدٌ وزيـــــــــــــــادْ
    دارتْ الحربُ عليهـــــــــــم * وفنَتْ كلَّ الحصــــــــــادْ
    ضيّعونا بفتــــــــــــــاوى * ليسَ فيها مِنْ رشــــــــادْ
    دمّرونا قتلونـــــــــــــــــا * برصَاصٍ وعِتــــــــــــــادْ
    كلُّ خمسٍ أكلــــــــــــــوهُ * وكروشٌ في إزديــــــــادْ
    وقصورٌ شيّدوهـــــــــــــا * وبناءٌ في كســــــــــــادْ
    باسمِ هذا الدينِ نَهــــــــبٌ * ويقولونَ إجتهــــــــــــادْ
    وجياعٌ تتلــــــــــــــــــوى * مُنِعوا مــــــــــــــاءً وزادْ
    وعويلٌ ونحيـــــــــــــــــبٌ * وثكالى وحِــــــــــــــدادْ
    وجروحٌ وقـُـــــــــــــــروحٌ * لم يُضمّدها الضَمـــــــــادْ
    مَن هوَ المسؤولُ عنهـــــــم * وقلوبٌ مِن جمــــــــــــادْ
    فإلى اللهِ شكونــــــــــــــا * ماجرى مِن ظلمِ عـــــــادْ
    ونسينا اللهَ حقـــــــــــــــــاً * وغداً ننسى المَعــــــــادْ
    فعلى الدنيا سَــــــــــــــلامٌ * وارقدوا خيرَ الرُقــــــــادْ
    واسبتوا مثلَ أفـــــــــــــاعٍ * واخمدوا مثلَ الرَمــــــــادْ
    ذلّ مَن عاشَ بجُبـْــــــــــــــنٍ * وخضوعٍ واضطهـــــــــادْ
    فحسينٌ لم يكنْ يومــــــــــــــــــــــــــــــاً أسيراً بِصفادْ
    هوَرمزٌ وآبــــــــــــــــــــــاءٌ * هوَعِـــــــــــــــــزٌّ وودادْ
    هوَ نورُ اللهِ يســــــــــــــري * وضياءٌ في وهــــــــــادْ
    وسيبقى في قلـــــــــــــوبٍ * وخلودٌ لايُبــــــــــــــــادْ

    أبو طه القريشي
    2004\2\28
    السلام عليك يا ابا عبدالله

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    مقاطع من قصيدة للشاعر/ السيد مصطفى جمال الدين (رحمه الله)

    (ذكرى الحسين(ع))



    ذكراكَ، تنطفىءُ السنينُ وتَغرُبُ،
    ولها على كفّ الخلودِ تلهُّـبُ

    لا الظلمُ يَلوي من طِماحِ ضَرامِها
    أبَداً، ولا حِقدُ الضمائرِ يَحجُبُ

    ذِكرى البطولةِ لَيلُها كنهارِهــا
    ضاحٍ تؤجُّ بهِ الدماءُ وتَلْهَـبُ

    ذكرى العقيدةِ لم يَنُؤ متـنٌ لهـا
    بالحادثاتِ، ولم يُخُنْها مَنْكِـبُ

    ذكرى الإباءِ يَرى المَنيَّةَ، مَاؤهـا
    أصفى من النّبعِ الذليلِ وأعذَبُ
    ذكراكَ مدرسةُ الذين تعرّضـوا
    للسوطِ، يحكم في الشعوبِ، فأرعبوا
    ومحجَّةُ الشهداءِ يَخشاهُمْ-وهم
    صَرعى به- السيفُ اللئيمُ ويَرهَبُ
    مَولايَ دَربُ الخالِديـنَ مُنـوَّرٌ
    بالذكريات الغُرِّ، سَمْحٌ مُخْصِب
    تهفو لِـرَوعَتِـهِ المنـى، لكنـّهُ
    - مما تُحيطُ به الفجائِعُ - مُتعِب


    إيهاً أبـا الأحـرارِ أيُّ كَرِيمـةٍ
    تَبْني الخُلـودَ وليس مِنكَ لها أبُ

    أنتَ الذي أعطيتَ ما أعيا الوَرى
    تصديقُهُ، ووَهَبْتَ ما لا يُوهَـبُ
    ووَقَفْتَ حيثُ أرَاحَ غيرُكَ نفسَهُ
    والحقّ بينكما يُهيـبُ ويُرغِـب

    فَصَمدتَ للتيّارِ أرَاحَ غيرُكَ نفسَهُ
    سِيّانِ أغلِبُ مَوْجَـهُ أو أُغْلـَبُ

    في حينَ مَرَّ بكَ المُرفَّـهُ جِيفـةً
    شَنْعاءَ تَطْفُو في العُباب وترسُبُ
    حتى إذا التاريخُ أرهَفَ سَمْعَـهُ
    لِيُعِيدَ مَنْ صَنَعوهُ فيما يَكتُـبُ

    دَوّى بآذانِ الزمانِ هَدِيرُكَ الـ
    ـصافي، وضاءَتْ مِن سَناهُ الأحقُبُ

    ومَشَتْ على وَهَجٍ سَعَرتَ قَوافِكُ الـ
    أحرارِ تَكرَعُ من لَظاهُ وتَطـرَبُ

    وتركتَ للأجيالِ حينَ يَلزُّهـا
    عَنَتُ السُرى ويَضيقُ فيها المَهْرَبُ
    جُثَثَ الضحايا من بَنِيكَ تُريهُمُ
    أنّ الحقوقَ بمثلِ ذلـكَ تُطلَـبُ



    مولايَ أنتَ لكلّ جيلٍ صَاعـدٍ
    قَبَسٌ يُنِيرُ له السُرى ويُحبِّبُ

    ولأنتَ إن زَلَّتْ به قَدَمُ الهـوى
    صَوْتُ الضميرِ يَردُّهُ ويُؤنّبُ

    ولَنا بيومِكَ وهو في أقصى المَدى
    كفٌّ مُلَوِّحةٌ وعينٌ تَرقُـبُ

    فعَلى مَ يَرْجِمُ بالظُنونِ مُخاتِـلٌ
    ويعيشُ في وَهْمِ الخَيالِ مُخرِّبُ

    وعَلَى مَ نيأسُ من هِدايةِ فِتْيـةٍ
    تَخِذَتْكَ رائدَها الذي لا يَكذِبُ

    أنا لستُ شِيعياً، لأنّ على فَمِي
    ذِكْرَ الحسينِ أُعيدُ فيه وأُطنِبُ!

    ولأنّ في قلبي عُصـارةَ لَوعـةٍ
    لأساهُ تَذكُرها العيونُ فتَسكُبُ!

    ولأنّ أمّـي أرضَعَتْـني حُبّـهُ
    ولأنّه لأبي وجدّي مَذْهَـب!

    لكنّني أهوى الحسيـن لأنـّهُ
    للسالِكينَ طريقُ خَيرٍ أرحَب

    وأُحِبّهُ لِعقيـدةٍ يَفنـى لهـا
    إنْ دِيسَ جانِبُها.. ودِينٍ يَغْضَبُ

    ودمٍ يُرِيقُ لأنـه يَغـدو بـه
    جُوعَ الضمائِرِ إذْ تَجِفُّ فتُجدِب

    أأكونُ شِيعتَهُ وقد أخَذَ الهوى
    قلبـي بِغيرِ طريقِهِ يَتنكّـب؟

    وأكونُ شِيعتـَهُ إذا لاقَيْتـُهُ
    وأنا لِروحِ (يزيدَ) منه أقرَبُ!




    مولاي يومُكَ لا يَزال كأمسِهِ
    في الدّهرِ ريّانَ الضحى يتلهّبُ

    يزهو بِغُرّتِهِ الأصيلُ ويَنتشـي
    بجَلالِ ما وَهَبَ الشُروقُ-المغرِبُ

    فَدَمٌ أرَقْتَ كأنّه مِن جَـدّة
    الآنَ يَعطَرُ في الثرى ويُخضِّب

    وكأنّ حقاً قد نَصَرتَ، وبَاطلاً
    يَهوِي، وأحقاداً عليـكَ تَألّبُ

    صُوَرٌ من الأمسِ الجديدِ نَعيشُها حِقداً
    ونَصلاهـا هَـوىً يتعـذَّب

    وكأنّ قوماً أسلمـوكَ بليلـةٍ
    عَسراءَ، وانقلبوا عليكَ فكذّبوا

    عادتْ بَقيّتُهم تُبارِكُ ما جَنى
    جَانٍ، وتَصقُلُ ما افترى وتُهذِّب

    من كلّ نَهّازٍ هوايتُهُ التُقـى
    ورقيقُ ظَاهرِهِ الصَلاحُ المُعجِب!

    ويَكادُ من قُدسٍ وطولِ براعةٍ
    في النُسكِ بين لداتِهِ يترهّب!!

    لكنّه إذْ جّدَّ جِدٌّ، وانطـوى
    لَعِبٌ وأصْحَرَ للهَجِيرةِ مَلْعَب

    ألقى (تَنكُّرَهُ) وفَاضَ بِسِـرِّهِ
    عُريانَ يَهدِرُ في العُباب ويَصخَبُ

    والحمدُ للكُرَبِ الشِدادِ فقد جَلَتْ
    عِهراً يكاد من الخَديعةِ يَنجُبُ

    أما الذين خَبَرتَهم يوْمَ التَقَـى
    مِن حولِكُم رَهَجُ القَنا يَتأشَّبُ

    فَوَجَدتَ فيهم كلَّ أشوَسَ يَزدهي
    أنّ الرَمـاحَ لنَهْبِـهِ تَترقّـبُ

    فهمُ الذينَ تَوارَثـوكَ رِسالـةً
    تَجري على جَدبِ السنينِ فتُخصِب
    وهمُ الذين جرَيْتَ فيهم ثَـورةً
    بيْضاء تَثْبُتُ للرياح وتَصلُبُ

    وعقيدةً تزهـو بـأنّ معِينَهـا
    هيهاتَ يَفْتُرُ نَبْعُهُ، أو يَنضُبُ

    وهم الذين سيقتَفُونَكَ، لا الهدى
    كابٍ، ولا وَخْدُ السُرى مُتَهيِّبُ

    وسيقحمُونَ الليلَ في غمْرِ الدُجا
    ولهُمْ من الذكرى الكريمة كوكبُ





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني