النجف بقي المرجعية رغم "الطاغية"



سركيس نعوم

علّق المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله على ما يقال عن انحسار للمرجعية الشيعية اللبنانية، وتحديداً انحسار تأثيرها الدولي بعد استعادة مرجعية النجف دورها ووهجها الشيعيين على المستوى الدولي، رغم وجود مرجعية شيعية لبنانية ذات امتداد إقليمي، وحتى دولي، بقوله:

"لا أرى أن هناك انحساراً، لأنه لا بد أن نناقش هذا الموضوع من خلال الواقع الإسلامي الشيعي للمرجعية. أتصور أن المرجعية الإسلامية الشيعية بالمعنى الرسمي الدولي بقيت، عندما حاول صدام حسين إلغاءها أو إضعافها أو تصفيتها، بقيت مرجعية بمعنى الفتيا (الفتوى). فالمرجعية الآن في النجف لم تنشأ بعد إسقاط النظام، بل كانت موجودة، لأن المرجعية في العالم بمعنى الفتيا كانت تنطلق من خلال الارتباط الديني بالمرجع حسب المواصفات التي تعطى للمرجع هنا وهناك. فترجّح جانباً على جانب. ولذلك كانت المرجعية في النجف كبيرة وواسعة في العراق وفي غيره، بالرغم من كلّ ما قام به النظام الطاغية. ولعلّ امتناع هذا النظام عن اغتيال المرجعية الكبرى في النجف، ينطلق من قوتها في العراق، وبطريقة أقوى، من تجذّرها في العراق وفي العالم. لذلك فإن مرجعية قُم لم تصادر مرجعية النجف، حتى في أشدّ حالات الضعف الحركي لمرجعية النجف، بل إن مرجعية النجف تملك امتداداً في إيران ربما أكثر ممّا يملكه مراجع قُم. لهذا نقول إنّه حتى في لبنان هناك من يلتزمون فتاوى مرجعية النجف.

أما بالنسبة إلى المرجعية في لبنان، والتي ربّما يوضع اسمي في إطارها، فإن في لبنان لم يكن هناك مرجعية شيعية عالمية بالمعنى العالمي للمرجعية على مدى هذه الفترة. لذلك عندما طُرحت هذه المرجعية مع كل الضوضاء والاتهامات التي أثيرت حولها، أصبحت تملك امتداداً في أكثر من منطقة في العالم، حتى في منطقة النجف في العراق، وإن كانت في تلك المنطقة ليست كحجم امتدادها الكبير في الخليج أو في أوروبا أو في أميركا وفي كثير من المناطق كأوستراليا وكندا. لذلك هذا شيء جديد على لبنان، أن تكون هناك مرجعية شيعية تملك امتداداً في العالم الإسلامي الشيعي، كما قد يعتبرها البعض تملك - خطأً أو صواباً - امتداداً في العالم الإسلامي من الناحية الفكرية أو السياسية".

"لهذا ـ يتابع المرجع الأبرز ـ فإننا نعتبر أن هذه مسألة تمثل نقطةً إيجابيةً لما يسمّى بالمرجعية الشيعية الإسلامية اللبنانية في هذا المجال. إن هذه المسألة لم تؤثّر على مستوى الوجود الشيعيّ من خلال هذه النقاط. ولكن من الطبيعي جداً أن المسألة عندما ندرسها في العراق، فإننا نعرف في العِلم الإعلامي ـ إن صحّ التعبير ـ أن أي حدث كبير يملك امتداداً سياسياً وعسكرياً على مستوى العالم من خلال طبيعته في النتائج التي تحصل منه، أو من خلال تضارب المصالح وامتداد السلبيات والإيجابيات حوله، من الطبيعي جداً أن يأخذ كل الضوء الذي ينفتح على أية قضية في العالم. الآن نجد أن المسألة العراقية تغلب كل المسائل السياسية في العالم، حتى إنها تعيش في داخل أميركا التي لا ينفتح شعبها على السياسة الخارجية، أكثر مما تعيش قضية الانتخابات الرئاسية بطريقة وبأخرى، بل إن الانتخابات الرئاسية مرتبطة بالمسألة العراقية في هذا المقام، ومن الطبيعي جداً أن تسيطر على كل الواقع الموجود في المنطقة، ولا سيما الواقع الموجود في لبنان. ولكن بقيت المسألة لبنانية على المستوى الشيعي تارةً، وعلى مستوى حتى الإسلام السنّي وربما المسيحي أيضاً، تتصل بخيوط معينة في المسألة العراقية، بحيث إن فريقاً من العراقيين، سواء كانوا في مجلس الحكم أو غيره، يتابعون الامتدادات اللبنانية بطريقة وبأخرى. لهذا فإن مسألة هذا الضعف أو هذا الوهج الذاهب هو أمرٌ طبيعي في أحداث العالم، وربما تأتي بعض التطورات الضخمة التي تجتذب اهتمامات العالم، فتجعل لبنان أو سوريا أو المنطقة في دائرة الضوء".

هل فكرت في الانتقال إلى العراق ومتابعة نشاطاتك منه كون النجف عاد المرجعية الأساسية للشيعة في العالم؟

أجاب المرجع الشيعيّ: "أولاً قلت إنني لن أدخل العراق ما دام الاحتلال موجوداً، أو على الأقل الاحتلال المباشر. وثانياً أتصور أن موقعي في لبنان يمكن أن يفتح لي أكثر من نافذة على العالم، وحتى على الذين يلتزمون فتاواي أو يرتبطون بي فكرياً أكثر من النجف، لأن المرجعية في التقاليد الشيعية تملك مواقع تاريخية، ولكنها لا ترتبط من الناحية الشرعية بالموقع الجغرافي. لهذا فإن المسألة بالنسبة إليّ أن المرجعية لا تمثّل طموحاً بالمعنى الذاتي في الامتداد، بل إنني منذ انطلقت في العمل العام قبل خمسين سنة أو أكثر، كنت أفكر في الرسالة الإسلامية في العالم، وأفكّر أن أقدّم إسلاماً حضارياً، لا سيما للغرب. وكنت أقدّم إسلاماً منفتحاً لا يعيش في دائرة مذهبية ضيقة تنفي المذهب الآخر، ولا يعيش في دائرة مغلقة تنفي الدين الآخر أو الفكر الآخر.

أنا التزم الإسلام حسب ما أفهمه بكل خصائصه وحتى جزئياته، ولكني منفتح على الآخر، وأرى أنه إذا كان من حقّي أن أختلف مع الآخر، فمن حق الآخر أن يختلف معي ويكون له فكره. إن القرآن الكريم لم ينفِ الآخر، وآياته كثيرة في هذا الموضوع، فقد جعل الحوار الوسيلة الفضلى لالتقاء الإنسان بالإنسان، واعتبر أنه لا إلغاء لخصوصيات الشعوب في العالم. لذلك كنت ولا أزال أفكّر في الإسلام بطريقة منفتحة... ولعلّي عانيت الكثير من الحرب التي أثيرت من هنا وهناك، سواء المخابراتية أو حرب المرجعية أو الشخصانية أو الفئوية، وقد انطلقت من خلال هذا النوع من الانفتاح الإسلامي على العالم وعلى الإنسان كلّه، في مواجهتي لكل رسائل التخلف والخرافة وغير ذلك، محاولاً أن أقدّم للعالم إسلاماً حضارياً يملك الأصالة والانفتاح، ويطلق دعوة الحوار الثقافي والسياسي مع الغرب كلّه.

ولبنان يملك هذه الساحة المفتوحة على الغرب، فهو رئة الشرق ونوافذه، وأنا أحاول الإطلالة على هذه النوافذ".

هل يمكن أن يحصل تنافس، أو بالأحرى صراع إيراني - عراقي على شيعة لبنان؟

جريدة النهار:2 ذو الحجة 1424 الموافق في 24/1/2004