في ليلة من ليالي البصرة الظلماء في شهر آذار من عام 1999 ميلادية وبعد الساعة الحادية عشرة من مساء اليوم السابع عشر انطلقت في سماء المدينة أضواء وأصوات الاطلاقات النارية للأسلحة الخفيفة والمتوسطة .. لتعم المدينة بعدها حالة لم تعشها الا في أيام وليالي الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي .
في تلك الفترة التي سبقت الانتفاضة كانت البصرة تعيش حالة من الرعب بثتها أجهزة الطاغية الأمنية والعسكرية القمعية الكثيرة والمدججة بأنواع الأسلحة بما فيها الدروع والطائرات . حيث شهدت هذه الفترة اغتيال المرجع السيد محمد محمد صادق الصدر الذي سحب البساط من تحت النظام الذي توقع فيها ان تنطلق عدة عمليات ثأرية في المدن العراقية التي والت السيد الشهيد وأقامت صلوات الجمعة والفعاليات الأخرى التي دعا لها . فاستعدت الحكومة لهذه الطوارئ بنشر الوحدات العسكرية والأمنية في جميع المدن والأحياء السكنية وتم تفتيش البيوت والمساجد وغيرها من الأماكن عدة مرات بحثا عن الأسلحة واعتقل الكثير من ابناء المدن الوسطى والجنوبية للحيلولة دون وقوع أحداث ثأرية بعد اغتيال السيد .
ورغم كل هذه الإجراءات القمعية والاحترازية فقد انطلقت الانتفاضة بتنظيم جيد وعمت اغلب مناطق البصرة حيث تمكن الثوار من تحرير المدينة من قبضة أجهزة النظام التي لم تكن تتوقع ان يجرؤ احد على أي عمل وبهذه السرعة والشمولية رغم كل إجراءاتها الاحترازية .
وبعد توقف الانتفاضة بسبب نفاد الذخيرة وخيانة قوى المعارضة الخارجية التي وعدت وحسب اتفاقات مسبقة بالدخول بعد ساعات من اندلاع الانتفاضة انتشرت قوات النظام وجاء المجرم علي حسن المجيد ومعه الكثير من الوحدات القمعية التي قامت باعتقال عشوائي لأغلب عوائل الثوار وأقربائهم وتم وبأمر من المجرم المجيد إعدام المئات من الشباب بينهم عدد من رجال الدين والنساء إضافة الى بعض كبار السن . وقد حدثت حالات وفاة وولادات كثيرة في السجون التي أودعت فيها عوائل الشهداء والثوار .
لقد عانت هذه العوائل من الحرمان والتشريد والعزلة وبقيت بدون سكن بعد ان هدمت دورها بأمر من ( قائد المنطقة الجنوبية آنذاك ) المجرم علي حسن المجيد وصودرت ممتلكاتهم من دور وقطع أراض وأموال كما حرموا من المواد الغذائية ضمن البطاقة التموينية وطرد اغلب أقربائهم من وظائفهم .
وبعد سقوط الطاغية ونظامه الظالم استبشرت العوائل المظلومة خيرا بقدوم حكومة كانت تمثل المعارضة وتعرف جيدا قدر المعانات التي عاشتها هذه العوائل . عادت هذه العوائل الى مدنها التي تهجرت منها بانتظار ان تعطيهم الحكومة جزءا من حقوقهم المسلوبة وتخصص لهم ولو نسبة قليلة من الميزانيات الانفجارية التي تقرها كل عام