النتائج 1 إلى 10 من 10
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    الآن إقـرأ_|مقدمـــــــــــة في مقتل الإمام الحسين(ع)_النص..مصادره و معاييرتـوثيقه_|


    ___________

    الكتاب : مقدمة في مقتل الإمام الحسين عليه السلام
    المؤلف: العلامة السيد محمد طاهرالحسيني الياسري
    فهـارس الكتاب :
    تمهيــــد
    مقدمـــة
    المبـحث الأول: مصادر النص التاريخي
    المبحث الثـاني: توثيق النص التاريخي








  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي


    تمهيد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ثمة فاصل زمني طويل بيننا وبين ما حدث في كربلاء، حيث استشهد الإمام الحسين(ع)، فنحن الآن في مطلع العام أربعمائة وثلاثين بعد الألف للهجرة، في وقت وقعت فيه أحداث كربلاء في العام واحد وستين للهجرة، فكيف لنا يتسنى التأكد مما حصل، وما هي مصادرنا التاريخية للوقوف على أحداث من هذا القبيل؟ أحداث تضرب جذورها في القدم التاريخي، فهل نمتلك من المصادر ما يُسعفنا لهذا الغرض؟! وهل تعوزنا هذه الفواصل الزمنية إلى اختلاق الأحداث للتعويض عن نقصها تاريخياً، هذا الاختلاق..؟!
    فهل هناك نص تاريخي متكامل أو شبه متكامل فيما يتصل بأحداث كربلاء، وما هو مستوى مصداقية هذا النص الذي ورثناه عن الأجداد وكيف وصلنا، وكيف يمكننا حفظه وصيانته من الدخيل والغريب، لتأصيل كربلاء في ذهن المسلم وفقاً لأصول العلم والتوثيق لتكون في مصافّ الحقائق التاريخية.

    في سياق هذا التساؤل قسَّمت بحثي إلى مبحثين:
    أولهما: في مصادر النص التاريخي الكربلائي، إن صحّ التعبير.
    وثانيهما: في توثيق النص ومعايير التوثيق.






  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    مقدمة
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى أهل بيته الطاهرين...
    لا يخفى أن ثمة أصولاً للبحث التاريخي يلزم مراعاتها في الدراسات التاريخية، إذ لا يمكن دراسة التاريخ وفقاً للمزاج الشخصي، وتحت تأثير النوازع النفسية، لأن دراسات من هذا النوع أقرب ما تكون إلى كتابة نصٍّ قصصي، يفتعل فيه صاحبه أبطاله، ويختلق فصوله، وهو بذلك حرٌّ أن أراد ذلك، غير أنه لا يحق له أن يدّعي كتابة تاريخ حقبة أو عصر أو واقعة ما، أو يزعم أنه يدرسه وفقاً للأصول العلمية المرعية..
    وأحداث كربلاء – باعتبارها واحدة من الوقائع التاريخية – ليست استثناءً منها، وهي تخضع للأصول العلمية ذاتها التي تنطبق على غيرها من الوقائع. ولا يحسب أحد أن ذلك يضر بأحداث كربلاء، لأن النص التاريخي المعني بكربلاء نص مميَّز وغنيّ، وله من المصداقية ما يفوق غيره، ولذلك فلسنا بحاجة إلى استجداء بعض المصادر التي لا تتصل بالحقيقة، لإثبات ما ليس واقعاً، كما لا ينقصه – أي النص الكربلائي – شيئاً النفي الكيفي الذي يمارسه البعض، وإن كان بقامة ابن تيمية الذي تورَّط في نفي ما هو بديهي أو أقرب إليه.
    وعلى أية حال، فإن هذه السطور التي أضعها بين يدي القارئ، عبارة عن بحث موجز قُدم لمؤتمر نظمته (مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر) في بيروت، وقرأتُ موجزه في جلساته التي انعقدت بتاريخ 28 كانون الثاني 2009، فارتأيت أن أنشره لتعميم الفائدة، وإطلاع القراء على مصادر النص التاريخي الكربلائي إن صح التعبير، راجياً أن يكون وافياً إلى حد ما..

    محمد السيد طاهر الياسري الحسيني
    - دمشق -
    11 صفر 1430 هـ
    6 شباط 2009 م






  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    المبحث الأول: مصادر النص التاريخي

    لقد تجاوزت أحداث كربلاء التفاعل الشعبي وما تركته في وجدان الناس منذ وقتٍ مبكر إلى الدفع باتجاه حراك ثقافي ضخم، تمثّل في اهتمام أهل العلم بتدوين وضبط أحداث هذه الحادثة وتسجيل وقائعها، من خلال مصادرها القريبة والعليمة - أيضاً - والتي شهدت الأحداث مباشرة أو كان لها بها صلةٌ ما.

    وقد تمخَّض عن هذا الحراك العلمي والاهتمام بأحداث (كربلاء) وما وقع فيها من أحداث ما عرف بالمقاتل، وهي عبارة عن فنٍ خاصٍ من فنون التاريخ يضبط أحداث القتل التي تعرَّضت لها شخصيات مهمة وبارزة، وفي مقدمها الإمام الحسين (ع). ومن خلال مراجعة سريعة لكتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) يجد المتابع ما يزيد على خمسين عنواناً من العناوين المباشرة التي حملت عنوان المقتل، فضلاً عن كتب التاريخ الأخرى التي حملت عناوين عامة أو خاصة.

    وإذا كان ثمة روايات وأخبار - تتعلق بكربلاء - لا ترقى إلى الحقيقة، أو أنها تشكو من مواطن الضعف مما لا يخفى، أو أنها جاءت تعبيراً عن الانفعال أو الندم - ربما - فإنَّ ثمة روايات وأخبار أخرى تمتلك - في الجملة - من عناصر الصدق ما لا يرتاب فيها باحث أو ناقد، إذ اهتم عدد من المشتغلين بالتاريخ والأحداث بهذه الواقعة بما لا مزيد عليه، فلاحقوا الأحداث وأخبارها من منابعها الرئيسية ومصادرها القريبة، وهي مصادر كانت على صلة بالأحداث وعلى مقربة منها، فأغنت التراث التأريخي وأسهمت بحفظه وعرضه بما يمكن وما يستطاع، في ظل ظروف كانت غير عادية تارة، أو كانت عصيبة في نفسها، لجهة غياب مقومات الضبط والتدوين تارة أخرى.

    ويمكن أن نسجِّل عدة خصائص أو معالم للنص التاريخي الخاص بأحداث كربلاء، والذي يمكن أن نسمّيه بالنص الكربلائي أو العاشورائي، فهو:

    أولاً: نص مُسند (متصل):

    ونريد بذلك أنه نص أصيل وليس عارضاً أو طارئاً، وبكلمة أخرى: فهو نص قديم يستند إلى مصادر للخبر متصلة ومتواصلة، إذ دأب المشتغلون بالأخبار على تدوينه وتسجيله منذ وقت مبكر.

    ونلاحظ أن النص التاريخي الذي أهتم بكربلاء وأحداثها وأخبارها - في أصوله - ينتمي إلى ثلاثة عصور منهجية وهي:

    1- عصر الإخباريين والمحدّثين:

    وهم المهتمون الأوائل بالأخبار، والسابقون إلى جمعها وملاحقتها من مصادرها، وفي مقدمة هؤلاء الإخباريين:

    * الأصبغ بن نُباتة المجاشعي المعروف (ت سنة 64هـ) له مقتل الحسين، وهو أقدم نص تاريخي إنْ صحّ ذلك، ولكن لا أثر له.

    غير أنَّه وردت في بعض المصادر التاريخية روايات عن ابنه القاسم بن الأصبغ، وربما كان بعضه مما رواه أبوه الأصبغ، حيث روى الطبري عن هشام الكلبي بسنده عن القاسم بن الأصبغ بن نُباته قال: حدثني من شهد الحسين في عسكره أن حسيناً حين غُلب على عسكره ركب المسنّاة يريد الفرات، فقام رجل من بني أبان بن دارم: ويلكم حولوا بينه وبين الماء لا تتامّ إليه شيعته، وضرب فرسه وأتبعه الناس حتى حالوا بينه وبين الفرات فقال الحسين: اللهم أظمِهِ، قال: وينتزع الأبانيّ بسهم فأثبته في حنك الحسين، قال: فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفيه فامتلأت دماً، ثم قال: اللهم إني أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيّك، قال: فوالله إنْ مكث الرجل إلاّ يسيراً حتى صبّ الله عليه الظمأ فجعل لا يَروَى. (تاريخ الطبري: ج5/ 449 وما بعدها).

    وروى أبو الفرج الأصفهاني عن المدائني بسنده عن القاسم بن الأصبغ رواية أخرى إذ قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه، وكنت أعرفه جميلاً، شديد البياض فقلت: ما كدتُ أعرفك، قال: إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود فما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني، فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها فأصيح، فما يبقى أحد في الحي إلاّ سمع صياحي. (مقاتل الطالبيين / 117 وما بعدها).

    * جابر بن يزيد الجعفي المشهور من أصحاب الإمام الباقر(ع) (ت سنة 128هـ)، له مقتل الحسين ولا أثر له اليوم، ولكن روى عنه هشام الكلبي بواسطة واحدة: روى دعاء الحسين(ع) المعروف: اللهم أحصهم عدداً وأقتلهم بدداً، ولا تذر على الأرض منهم أحدا، وذلك عندما رماه الحصين بن تميم بسهمٍ وقع في فمه الشريف، وجعل يتلقى الدم من فمه ويرمي به إلى السماء. (تاريخ الطبري: 5/449).

    وروى أبو الفرج الأصفهاني عن نصر بن مزاحم بسنده عن جابر عن الإمام الباقر(ع) أن خَوَليّ بن يزيد الأصبحي قتل جعفر بن علي. (مقاتل الطالبيين / 88).

    * عمّار الدُّهني وهو من أصحاب الإمام الباقر(ع) وثقّة علماؤنا - وإن لم يكن شيعياً - (ت سنة 133 هـ)، له مقتل الحسين، يرويه عن الإمام الباقر(ع). ولا أثر لمقتل الحسين هذا، ولكن له أثر في روايات الطبري بأسانيده إلى عمار الدهني، قال: قلت لأبي جعفر حدثني بمقتل الحسين حتى كأني حضرته.. (تاريخ الطبري: 5/ 347 ما بعدها).

    وروى عنه أبو الفرج الأصفهاني بأسانيده عنه (مقاتل الطالبيين / 99). كما اعتمده ابن حجر العسقلاني في كتابه (الإصابة في تمييز الصحابة) في ترجمة الحسين(ع)، واعتبر أنّ فيه غنى عمّا أسماه الغث والسمين الذي نقل في أخبار كربلاء.
    * أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الأخباري المشهور (ت سنة 157هـ) وهو من أشهر الإخباريين وأكثرهم صدقية. له مقتل الحسين، نقل أحداثه ووقائعه عن رواة شهدوا كربلاء بواسطة أو بواسطتين من معسكر الحسين، ومن معسكر عمر بن سعد.

    وقد وصلنا عن طريق المؤرخ ابن جرير الطبري (ت 310هـ) بواسطة شيخه هشام الكلبي الذي كان تلميذاً لأبي مخنف. وسنشير إلى عددٍ من موارده. (تاريخ الطبري: ج5/ 351).

    * هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت204 هـ) وهو تلميذ أبي مخنف، وهو الذي روى مقتل الحسين لشيخه أبي مخنف، كما هو مثبت في تاريخ الطبري.
    ولهشام روايات في مقتل الحسين بوسائط لا تمر بشيخه أبي مخنف، فقد نقل:

    - عن أبيه عن النوّار بنت مالك زوجة خولي بن يزيد عندما قدم زوجها برأس الحسين إلى الكوفة وأتى به إلى منزلها عندما وجد قصر ابن زياد مغلقاً.

    - عن شيخه (عوانة بن الحكم) عن لَبطَة بن الفرزدق بن غالب عن أبيه الفرزدق أنه قال: حججت بأبي سنة ستين.. لقيت الحسين خارجاً من مكة.. فقلت ما أعجلك عن الحج؟ فقال: لو لم اعجل لأُخذت... فقلت له: القلوب معك والسيوف مع بني أمية والقضاء بيد الله، فقال الحسين: صدقت.

    - بواسطة لقيط عن علي بن الطّعان المحاربي أنه قال: كنت مع الحر بن بزيد فجئت في آخر من جاء وساق خبر عطشه وعطش فرسه، وكيف سقاه الحسين.

    وقد روى الطبري روايات شيخه هشام في تاريخه.

    * نصر بن مزاحم، وهو أحد الإخباريين (ت212هـ) له مقتل الحسين، وقد نقل عنه أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) في عدة موارد.

    * الواقدي صاحب المغازي (ت 217 هـ) وله (مقتل الحسين) روى عنه تلميذه محمد بن سعد (ت 235هـ).

    * علي بن محمد المدائني (ت 225) له كتاب (أسماء مَنْ قتل من الطالبيين). وقد نقل عنه أبو الفرج الأصفهاني في كتابه (مقاتل الطالبيين) عدة موارد من كتاب المدائني. (مقاتل الطالبيين 91، 109، 117).

    * محمد بن سعد (صاحب الطبقات) (ت 235هـ) وله (مقتل الحسين) وهو لم يطبع.

    وقد روى عنه القدماء من المحدَّثين والمؤرخين، ويجد الباحث موارد عديدة من كتابه لدى الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) في ترجمة الحسين. وضمّنه ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق).

    2- عصر المؤرخين القدماء:

    وهم المؤرخون الذين عنوا بما يمكن أن نسميّه الأصول التاريخية التي أشرنا إليها في الفترة السابقة.

    وفي مقدمة هؤلاء المؤرِّخين:

    * محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، وقد ضمّ كتابه (تاريخ الرسل والملوك) المعروف اختصاراً (تاريخ الطبري) الأصول التاريخية القديمة التي سجّلت وقائع وأحداث كربلاء، وفي طليعتها (مقتل الحسين) لأبي مخنف، و(مقتل الحسين) لعمار الدّهني، و(مقتل الحسين) لهشام الكلبي.

    * أبو الفرج الأصفهاني (ت 356هـ) تلميذ الطبري، وقد احتوى كتابه (مقاتل الطالبيين)، عدة من المقاتل القديمة مثل (مقتل الحسين) لنصر بن مزاحم، فضلاً عن روايات أبي مخنف وهشام الكلبي والمدائني.

    ومن المؤرخين القدماء أحمد بن يحيى البلاذري إذ ترجم للحسين (ع) في فصول مبسوطة في كتابه (أنساب الأشراف)، إلاّ أن أخباره خالية من الإسناد، كما هي أخبار الطبري وتلميذه أبي الفرج الأصفهاني.

    وقبلهم اليعقوبي في تاريخه المشهور إلاّ أنه يشترك مع البلاذري في خلو تاريخه من الأسانيد.





  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    3- عصر المؤرِّخين المتأخرين:

    ونقصد بهم من تأخر عن الطبري، مع استقرار الأصول التاريخية وتداولها بين المؤرخين وفقاً لما هو المعهود بينهم يومذاك.

    ويمكن أن نشير إلى أهم هؤلاء المؤرخين الذين تناولوا أحداث كربلاء وترجموا للحسين(ع) ولما وقع عليه وعلى صحبه وعائلته:

    * ابن عساكر مؤرخ الشام في كتابه الكبير (تاريخ دمشق) المعروف بتاريخ ابن عساكر (ت 571هـ) وقد ضمّ كتاب (تاريخ دمشق) ترجمة مبسوطة للحسين(ع)، وقد نقل روايات عديدة تفرَّد في نقل بعضها.

    ومما تفرَّد به ابن عساكر ما رواه بسنده (مسلم بن رباح أو رياح) مولى علي بن أبي طالب قال: كنت مع الحسين بن علي يوم قتل فرمي وجهه بنشَّابةٍ فقال: يا مسلم إدنُ يديك من الدم، قال: فأدنيتهما، فلما امتلأتا، قال اسكبه في يدي فسكبته في يده، فنفخ بهما إلى السماء، وقال: اللهم اطلب بدم ابن بنت نبيِّك. قال مسلم: فما وقع منه على الأرض قطرة.

    كما روى بسنده إلى المنهال بن عمرو في ترجمة المنهال حديث تكلّم رأس الحسين.

    * الخوارزمي موفق بن أحمد (أخطب خوارزم) (ت 568)، له مقتل الحسين، روى روايات كثيرة وبطريق عديدة، وهو مطبوع متداول.

    * ابن الجوزي، عبد الرحمن (ت 597) سرد في كتابه (المنتظم في تواريخ الملوك والأمم).

    * الذهبي، محمد بن أحمد (ت 748) سرد مقتل الحسين في كتابه (تاريخ الإسلام)، وقد روى عن طبقات ابن سعد.

    ثانياً: نص يستند إلى مصادر عليمة:

    ولعلّ من أهم الخصائص الذي يتميّز به النص التاريخي المتعلِّق بكربلاء وأحداثها، أنه نص استقاه الإخباريون من مصادر عليمة، وهي ذات صلة بهذا الحدث وعلى مقربةٍ منه. سواءً كان هذا المصدر من معسكر الحسين أو من المعسكر الآخر، وعندئذٍ يكون هذا النص التاريخي ذا مصداقية عالية، يبتعد - ما أمكن - عن مظاهر التحريف والتزييف.

    وفي هذا الصدد يمكن أن نسرد أهم منابع النص التاريخي لأحداث كربلاء، ونشير إلى هذه المصادر العلمية، ونحاول أن نُصنِّفها إلى مصدرين:

    الأول: المصادر القريبة من الحسين، وهم عبارة عن الناجين من المجزرة الكربلائية.

    والثاني: المصادر القريبة من معسكر يزيد بن معاوية، سواء كانت المحاربة، أو لم تكن. ويدخل في ذلك كل ما لم نذكره في المصدر الأول.

    المصدر الأول:

    * علي بن الحسين (زين العابدين) روى عنه أبو مخنف بواسطة الحارث بن حَصيرة عن عبد الله بن شريك عن علي بن الحسين عدة روايات منها:

    أنه قال: أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل حيث يُسمع الصوت فقال: إنّا قد أجّلناكم إلى غدٍ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عُبيد الله بن زياد، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم. (تاريخ الطبري: 5/418).

    ومنها ما نقله من خطبة أبيه الحسين(ع) أنه قال: جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قرب المساء، فدنوت منه لأسمع وأنا مريض، فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أُثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهّتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين، أما بعد، فإني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وأني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حلِّ، ليس عليكم مني ذمام، هذا ليلٌ غشيكم. فاتخذوه جملاً. (تاريخ الطبري: 5/ 428).

    وروى أبو مخنف رواية طويلة إلى حدٍ ما في أحداث آخر ليلة عن عبد الله بن شريك العامري دون أن يشير إلى مصدره، وهو الذي يروي عن علي بن الحسين(ع)، فربما كان ذلك من رواية علي بن الحسين. (تاريخ الطبري: 5/415 وما بعدها).

    كما روى أبو مخنف عن علي بن الحسين(ع) بواسطة الحارث بن كعب وأبي الضحاك: ما جرى في الليلة الأخيرة من حديث الحسين مع أخته زينب(ع) ووصيته لها وحثها على الصبر أنه قال: إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها، وعمتي زينب عندي تمرضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له، وعنده حُوَىّ مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:

    يا دهرُ أُفٍ لك من خليل
    كم لك بالإشراق والأصيل

    حتى قال: ... وأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت وهي امرأة، وفي النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وأنها لحاسرة حتى انتهت إليه، فقالت واثكلاه: ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثِمال الباقي.

    قال: فنظر إليها الحسين فقال: يا أُخيّه لا يذهبّن حلمك الشيطان... في حديث طويل. (تاريخ الطبري: 5/420 وما بعدها).

    * فاطمة بنت علي بن أبي طالب روى عنها أبو مخنف عن الحارث بن كعب، قالت: لما أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رقّ لنا، وأمر لنا بشيء، وألطفنا قالت: ثم إنَّ رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين هبْ لي هذه - يعنيني وكنت جارية وضيئة - فأُرعِدْتُ وفرقتُ وظننت أن ذلك جائز لهم، وأخذت بثياب أختي زينب قالت: وكانت أختي زينب أكبر مني وأعقل، وكانت تعلم أن ذلك لا يكون فقال: كذبت، والله ولؤمْت! ما ذلك لك وله، فغضب يزيد فقال: كذبتِ والله، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعله لفعلت، قالت: كلا، والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملّتنا، وتدين بغير ديننا، قالت: فغضب يزيد واستطار، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا! إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدّي أهتديت أنت وأبوك وجدك. قال: كذبت يا عدوة الله، قالت: أنت أمير مسلّط، تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك. قالت: فوالله لكأنه استحيا، فسكت، ثم عاد الشامي، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية، قال: اعزُب، وهب الله لك حتفاً قاضياً! (تاريخ الطبري: 5/461 وما بعدها).

    * فاطمة بنت الحسين، وقد حدّث عنها عبد الله بن الحسن ابنها، قالت: دخلت العامة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة وفي رجلي خلخالان من ذهب فجعل رجل يفضّ الخلخالين وهو يبكي! فقلت: ما يبكيك.. قال كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله... فقلت: لا تسلبني، قال: أخاف أن يجيء غيري فيأخذه. قالت: وانتهبوا ما في الأبنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا. (أمالي الشيخ الصدوق: الحديث الثاني من المجلس: 31).

    * الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وقد حضر المعركة وجرح فيها، وقد أنقذه أخواله فأفلت من القتل. وهو وإن لم يروَ عنه كثيراً، إلا أن هناك بعض الروايات عنه في أحداث كربلاء وما جرى فيها، إذ روى عبد الله ابنه عنه أنه قال: لمّا عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي(ع) ورتَّبهم مراتبهم وأقام الرايات في موضعها، وعبأ الحسين أصحابه الميمنة والميسرة، وقال لأصحاب القلوب اثبتوا، فأحاطوا بالحسين من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة، وخرج الحسين(ع) حتى أتى الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتى قال لهم: ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إليَّ فتسمعوا قولي فإني إنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد...

    وروى خطبة عمه الحسين فيهم بعد أن أنصتوا قوله: تباً لكم أيتها الجماعة وترحا، أفحين استصرختمونا ولهين متحّيرين، فأصرخناكم موجفين مستعدين سللتم علينا سيفاً كان لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوكم فأصبحتم إلباً على أوليائكم ويداً عليهم...

    ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين القتلة والذلة، وهيهات منا أخذ الدنيّة، أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العتاد وخذلة الأصحاب... (مقتل الحسين للخوارزمي: 2/6).

    * محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، روى عنه محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328هـ) في (العقد الفريد) بسنده إليه أنه قال: أُتي بنا إلى يزيد بعد ما قتل الحسين، ونحن اثنا عشر غلاماً، وكان أكبرنا علي بن الحسين، فأُدخلنا عليه، وكان كل واحد منا مغلولةً يده إلى عنقه. (العقد الفريد: 5/ 124 ط دار الفكر – تحقيق: محمد سعيد العريان).

    ونقل عن محمد بن الحسن خطبة عمه الحسين المشهورة: نزل بي ما ترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واشمعلّت فلم يبق منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء الأخنس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، والباطل لا يُنهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا ذلاً وبرما.
    وقد خطبها الحسين بعد أن أيقن أنهم قاتلوه (العقد الفريد: 5/121 وما بعدها)

    وقد نقلها الذهبي بسنده عن الزبير بن بكار (تاريخ الإسلام حوادث سنة 61-80/ص12).

    * عُقْبة بن سِمْعان ، وهو مولى للرباب زوجة الحسين(ع) وقد نجا من كربلاء، إذ أخذ إلى عمر بن سعد فقال له: ما أنت؟ قال: أنا عبد مملوك، فخلّى سبيله. (تاريخ الطبري: 5/454).

    وقد نقل عُقبة عدة أحداث وروايات مهمة، رواها أبو مخنف عنه.

    - ومن هذه الروايات أنه قال: فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرْنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة، ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. قال: ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال: فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له، فقال يا أبت، جُعلت فداك: مم حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بنيّ، إني خفقت برأسي خفقة. فعنَّ لي فارس على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمتُ أنما أنفسُنا نُعيت إلينا، قال له: يا أبتِ لا أراك الله سوءً، ألسنا على الحق ! قال: بلى، والذي إليه مرجع العباد، قال: يا أبت، إذاً لا نبالي نموت محقين.. (تاريخ الطبري: 5/408).

    - كما روى أبو مخنف عنه ما يردّ الإشاعات التي حاولت الإساءة للحسين(ع)، إذ روى أبو مخنف عنه أنه قال: صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق، ولم أُفارقه حتى قتل - وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلاّ وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيّره إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكن قال: دعني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس. (تاريخ الطبري: 5/413 وما بعدها).

    * الضحاك بن عبد الله المِشرقي ، وهو أحد الناجين من مجزرة كربلاء، وقد روى عنه أبو مخنف بسنده عنه أحداث كثيرة، وكان قد اشترط لنفسه على الحسين(ع) أن يقاتل دونه ما دام قتاله ينفعه، فيقول لمّا عرض عليه الحسين نصرته أنه قال له: إنَّ عليَّ ديناً، وإن لي لعيالاً، ولكنك إن جعلتني في حلٍ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلاً قاتلت عنك ما كان لك نافعاً، وعنك دافعاً، قال: قال: فأنت في حل، فأقمت معه. (تاريخ الطبري ج5: 418 وما بعدها)

    وقد نقل عنه أبو مخنف بسنده عدة موارد، من ذلك:

    - تفاني الأصحاب في القتال دون الحسين(ع) عندما عرض عليهم تركه والانفضاض عنه، وما قاله مسلم بن عوسجة: (أنحن نخلّي عنك ولمّا نُعذِر إلى الله في أداء حقك...) وما قاله سعيد بن عبد الله الحنفي: (... والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرّ يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك...) وما قاله زهير بن القين: (والله لوددتُ أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك..) وكلام غيرهم. (تاريخ الطبري: ج5/ 419 - وما بعدها).

    - ما كان حال الحسين(ع) وأصحابه ليلة العاشر وهم بين مصلٍ وقارئ للقرآن، وما دار بين برير بن حضير من حوار وبين (عبد الله بن شهر، أبو حرب السبيعي). (تاريخ الطبري: ج5: 421).

    - كما نقل كيف عبأ الحسين أصحابه بعد صلاة الغداة، فجعل زهير بن القين على ميمنته، وحبيب بن مظاهر على ميسرة أصحابه، وأعطى رايته العباس بن علي أخاه، وأنه أمر بحفر خندق ألقي فيه الحطب وأشعل بالنار كيلا يؤتى من ورائهم. (تاريخ الطبري: ج5/ 422).

    - نقل بعض خطب الحسين(ع)، ومن ذلك: (أما بعد: فانسبوني فانظروا من أنا، ثم أرجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حريتي؟ ألستُ ابن بنت نبيكم وابنَ وصيه وابن عمه، وأول المؤمنين بالله والمصدِّق لرسوله بما جاء به من عند ربه ! أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ! أوليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي: أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة.. (تاريخ الطبري ج: 5/423 وما بعدها).

    - نقل - أيضاً - كيف أنه فرَّ من المعركة وترك الحسين(ع) بعد أن قتل رجلين وقطع يد آخر، ودعاء الحسين(ع) له. (تاريخ الطبري ج5/ 445). وكان فراره بعد أن قُتل جلّ أصحاب الحسين ولم يبق فيهم إلاّ سويد الخثعمي وبشير الحضرمي. (تاريخ الطبري ج5/ 444).

    * دَلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين ، روى عنها أبو مخنف بلا واسطة، إذ روت له كيفية انتقال زهير بن القين وضمّ رحله إلى رحل الحسين(ع). (تاريخ الطبري: ج5/396).

    * غلام عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري الشهيد بكربلاء وقد كان أفلت من المعركة بعد أن صرع القوم، وروى أن الحسين(ع) ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه. وهو الذي روى أن بُرير ابن حُضير الهمداني مازح مولاه عبد الرحمن وجعل يهازله فقال له: دعنا، فوالله ما هذه ساعة باطل، فقال له برير: والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شاباً، ولا كهلاً، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لاقون.. (الطبري: ج5/423 ط).

    * عبد الله بن حازم البكري ، روى عنه أبو مخنف بسنده، وكان كما قال: أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر في أثر هانئ لأنظر ما صار إليه أمره، فدخلت فأخبرته الخبر، فأمرني أن أنادي في أصحابي، وقد ملأ الدور منهم حواليه، فعقد لعبد الرحمن بن عزيز الكندي على ربيعة، وقال له سر أمامي وقدّمه في الخيل، وعقد لمسلم بن عوسجة على مذحج وأسد، وقال له: انزل فأنت على الرجّالة، وعقد لأبي ثمامة الصائدي على تميم وحمدان، وعقد للعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة، ثم أقبل نحو القصر. ونقل عنه تفاصيل أخرى، وكيف آلت أمور الكوفة بعد ذلك. (مقاتل الطالبيين /103 وما بعدها).

    المصدر الثاني:

    ونريد به الأخبار التي رويت عن أحداث كربلاء وما يتصل بها مما رافقها ولحقها، مما رواه الرواة، ومن شهد الأحداث من غير معسكر الحسين وأصحابه، فقد نقل هذه الأخبار عدد من هؤلاء منهم:

    * كثير بن عبد الله الشعبيّ ، وهو أحد الفرسان الذين طاردوا الضحاك المشرقي، كما نقل المشرقي، إذ عرفه كثير وناشد المجموعة التي معه أن تتركه. (الطبري 5/445).
    وقد نقل أبو مخنف عن علي بن حنظلة بن أسعد الشامي عن الشعبي أنه قال: لما زحفنا قِبَل الحسين خرج إلينا زهير بن قين على فرس له ذَنوب شاكٍ في السلاح فقال: يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار !.. ونقل خطبته، وقال فيما قال: فلعمري أن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، قال فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم، وقال: إسكت أسكتَ نأمَتك، أبرمتنا بكثرة كلامك!. فقال له زهير: يا ابن البوّال عن عقبيه، ما إياك أخاطب، إنما أنت بهيمة.. (تاريخ الطبري: 5/426).

    وقد روى أن كثيراً هذا اشترك مع مهاجر بن أوس في قتل زهير بن القين (5/441) وكثير هذا بعثه عمر بن سعد إلى الحسين ليسأله عم جاء به، فأقبل إليه، فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين أصلحك الله أبا عبد الله ! قد جاءك شرُ أهل الأرض وأجرؤه على دمٍ وأفتكه، فانصرف بعد أن تسابّا هو والصائدي لأنه منعه من الاقتراب من الحسين(ع). (تاريخ الطبري: 5/410).

    * مسروق بن وائل الحضرمي روى أبو مخنف عنه بواسطة عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي أخيه، إذ قال مسروق: كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين، فقلت: أكون في أوائلها لعلّي أُصيب رأس الحسين، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد، قال: فلما انتهينا إلى حسين تقدم رجل من القوم يقال له ابن حَوْزة، فقال: أفيكم حسين؟ قال: فسكت حسين، فقالها ثانية: فأسكت حتى إذا كانت الثالثة، قال: قولوا له: نعم، هذا حسين، فما حاجتك؟ قال: يا حسين، أبشر بالنار، قال: كذبت، بل أقدم على ربِّ غفور وشفيع مطاع، فمن أنت؟ قال: ابن حوزة، قال: فرفع الحسين يديه حتى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ثم قال: اللهم حزه إلى النار، قال: فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس وبينه وبينه نهر. قال: فعلقت قدمه بالركاب، وجالت به الفرس فسقط عنها، قال: فانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقي جانبه الآخر معلّقاً بالركاب. قال: فرجع مسروق وترك الخيل من وارئه. قال سألته، فقال: لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً. لا أقاتلهم أبداً، قال: ونشب القتال. (تاريخ الطبري: 5/431).

    وروى أبو مخنف ما رواه مسروق بن وائل عن (حسين أبي جعفر) وسمّى ابن حوزة عبدَ الله (الطبري: 5/ 430) وروى ذلك - أيضاً - عن سويد بن حية. (الطبري 5/431).
    * عفيف بن زهير بن الأخنس، وقد شهد مقتل الحسين، روى أبو مخنف عنه بواسطة يوسف بن يزيد أنه روى له مقتل بُرير بن حُضير، إذ قال له يوسف بن يزيد: أنت رأيت هذا؟ قال: نعم، رأي عيني وسمع أذني. (تاريخ الطبري: 5/431 وما بعدها).

    * ثابت بن هبيرة ، روى عنه أبو مخنف مقتل عمرو بن قرظة بن كعب، وكان علي أخوه مع عمر بن سعد، فنادى علي بن قريظة: يا حسين يا كذاب ابن الكذاب، أضللت أخي وغررته حتى قتلته. قال: إن الله لم يضل أخاك، ولكنه هدى أخاك وأضلك. قال: قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك، فحمل عليه، فاعترضه نافع بن هلال المرادي، فطعنه فصرعه، فحمله أصحابه فاستنقذوه، فدُووي بعدُ فبَرأ (تاريخ الطبري: 5/434).

    * عروة ، روى عنه أبو مخنف عن يحيى بن هاني، أن نافع بن هلال كان يقاتل يومئذٍ وهو يقول: «أنا الجملي، أنا على دين علي» (تاريخ الطبري: 5/435).

    * عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقيّ ، روى عنه أبو مخنف عن الحجاج، وكان قد عُتب على عبد الله بن عمار بعد ذلك مشهده قتل الحسين، فقال عبد الله بن عمار: إنَّ لي عند بني هاشم ليداً، قلنا له: وما يدك عندهم؟ قال: حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه، فوالله لو شئت لطعنته، ثم انصرفت عنه غير بعيد، وقلت ما أصنع بأن أتولّي قتله ! يقتله غيري. قال: فشدَّ عليه رجَّاله ممن عن يمينه وعن شماله، فحمل على من عن يمنيه حتى ابذعرُّوا، وعلى مَن عن شماله حتى ابذعرُّوا وعليه قميص له من خَزٍّ وهو معتمٌ، قال: فوالله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشاً، ولا أمضى جناناً، ولا أجرأ مقدماً منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله، أنْ كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذ شدَّ فيها الذئب.. (تاريخ الطبري: 5/452).

    * هانيء بن ثُبَيت الحضرمي ، روى عنه هشام الكلبي عن أبو الهذيل - رجل من السَّكون - قال أبو الهذيل: رأيته - يعني هانئ الحضرمي - جالساً في مجلس الحضرميين في زمان خالد بن عبد الله وهو شيخ كبير، قال: فسمعته وهو يقول: كنت ممن شهد قتل الحسين قال: فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلاّ على فرس، وقد جالت الخيل وتصعصعت، إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص وهو مذعور، يتلفت يميناً وشمالاً، فكأني أنظر إلى درّتين في أذنيه، تذبذبان كلما التفت إذ أقبل رجل يركض، حتى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثم أقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

    قال هشام: قال السكوني، هانئ بن ثُبيت هو صاحب الغلام، فلما عُتب عليه كنّى عن نفسه. (تاريخ الطبري: 5/ 449).
    وهاني الحضرمي هو الذي قتل عبد الله بن علي بن أبي طالب، وجعفر بن علي بن أبي طالب. (تاريخ الطبري: 5/449).
    وقد روي عن هانئ الحضرمي هذا: أن الحسين بعث عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري إلى عمر بن سعد أن القُني الليل بن عسكري وعسكرك، فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارساً، وأقبل حسين في مثل ذلك، فلما التقوا أمر حسينٌ أصحابه أن يتنحوا عنه، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك، قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما، فتكلّما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع، ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه، وتحدث الناس فيما بينهم ظناً يظنونه، أن حسيناً قال لعمر بن سعد: اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين، قال عمر: إذن تهدم داري، قال: أنا أبنيها لك، قال: إذن تؤخذ ضياعي، قال: إذن أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز، قال: فكره ذلك عمر، قال: فتحدث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علموه.. (تاريخ الطبري: 5/413).

    * قرَّة بن قيس التميمي ، روى عنه أبو مخنف بواسطة أبي زهير العبسيّ، وكان قد حضر كربلاء، وقد أرسله عمر بن سعد إلى الحسين(ع) فلما رآه الحسين سأل عنه: أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من حنظلة تميمي، وهو ابن أختنا، ولقد كنت أعرفه بحسُن الرأي، وما كنتُ آراه يشهد هذا المشهد.. (تاريخ الطبري: 5/411).
    وقد روى أبو مخنف عنه، ما رآه من منظر النسوة من آل الحسين بعد قتله(ع)، وقال: فما نسيت من الأشياء لا أنس قول زينب ابنة فاطمة حين مرَّت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول: يا محمداه، يا محمداه! صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه، وبناتك سبايا، وذريتك مقتّلة، تسفي عليها الصَّبا، قال: فأبكت والله كل عدو وصديق.

    وروى أن عدد الرؤوس التي سرح بها إلى عبيد الله مع شمر وعمرو بن الحجاج وقيس بن الأشعث وعْزرة بن قيس بلغت اثنين وسبعين رأساً. (تاريخ الطبري: 5/455 وما بعدها).

    * الغاز بن ربيعة الجُرَشيّ من حمير ، روى عنه هشام أنه قال: والله إنّا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زَحْر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد، ويلك! ما وراءك؟ وما عندك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره.. وسرد ما وقع في كربلاء. (تاريخ الطبري: 5/459 وما بعدها).

    * القاسم بن عبد الرحمن ، مولى يزيد بن معاوية، روى عنه أبو مخنف عن الصقعب بن زهير أنه قال: لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد قال:

    يفلِّقن هاماً من رجال أعزةٍ عليا وهم كانوا أعق وأظلما
    (تاريخ الطبري: 5/460).

    * أبو عمارة العبسي ، روى عنه أبو مخنف عن أبي جعفر العبسي، أن يحيى بن الحكم أخا مروان بن الحكم قال لما سمع ذلك من يزيد!
    لهامٌ بجنب الطف أدنى قرابةً
    من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
    سميةٌ أمسى نسلها عدد الحصى
    وبنتُ رسول الله ليس لها نسل

    قال: فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن الحكم وقال: أسكت. (تاريخ الطبري: 5/460 وما بعدها).

    * أبو خالد الكاهلي ، روى عنه أبو مخنف بواسطة رواته، أنه لما صبّحت الخيل الحسينَ رفع الحسين يديه فقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمرٍ نزل بي ثقة وعدة، كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقل في الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك، ففرّجته وكشفته، فأنت ولي كل نعمة. وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة. (تاريخ الطبري ج5/ 423).

    * عمرو الحضرمي ، روى عنه أبو مخنف – بسنده - من كان على جيش عمر بن سعد، إذ قال: لما خرج عمر بن سعد بالناس، كان على رُبْع أهل المدينة يومئذٍ عبد الله بن زهير بن سُليم الأزدي، وعلى رُبع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سَبْرة الجعفي (الحنفي) وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي، فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلاّ الحر بن زيد، فإنه عدل إلى الحسين وقتل معه. وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عَزْره بن قيس الأحمسي وعلى الرجال شبث بن ربعي الرياحي، وأعطى الراية ذُويداً مولاه. (تاريخ الطبري ج5/ 422).

    * الزّبيدي ، روى عنه أبو مخنف بسنده، ومن ذلك مصرع مسلم بن عوسجة، وهو أول صرعى أصحاب الحسين(ع)، فمشى إليه الحسين فإذا به رمق، فقال: رحمك ربك يا مسلم بن عوسجة، ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عز عليّ مصرعك يامسلم، أبشر بالجنة.. ولولا أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني، فقال مسلم: بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله - وأهوى بيده إلى الحسين - أن تموت دونه، قال حبيب: أفعل ورب الكعبة. (تاريخ الطبري، ج5: 435 وما بعدها).

    - حُميد بن مسلم ، وهو من شرطة عمر بن سعد كما يبدو، روى أنه سيَّره عمر بن سعد وسرّحه إلى أهله ليبشرهم بعافيته (تاريخ الطبري ج5/ 456)، وأشركه مع خَوَليّ بن يزيد لحمل رأس الحسين إلى ابن زياد. (تاريخ الطبري ج5/ 455).

    وقد روى عنه أبو مخنف روايات عديدة، تتصل بأحوال الحسين(ع) وسير المعركة، وعدد أصحاب الحسين. ومما رواه:

    - كيفية قتل الحسين(ع) وثباته ومن اشترك في قتله وهم: زُرْعة بن شريك التميمي ضربه على كفه اليسرى، وسنان بن أنس بن عمرو النخعي طعنه بالرمح، وسنان بن أنس احتز رأسه، ودفعه إلى خَوَليّ بن يزيد. (تاريخ الطبري ج5/ 453).

    - أنه دخل على ابن زياد في مجلسه بعد أن سرَّحه عمر بن سعد إلى الكوفة، فإذا رأس الحسين(ع) موضوع بين يدي ابن زياد وإذا هو ينكث بقضيب بين ثنيّتيه ساعة، فلما رآه زيد بن أرقم لا يُنجِم نكثه بالقضيب قال له: أعْلُ بها القضيب عن هاتين الشفتين فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما.

    ثم انفضخ الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك! فوالله لولاك أنك شيخ قد خرقت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض فخرج. (تاريخ الطبري ج5/ 456).

    - روى مقتل القاسم بن الحسن وكيف وقف عليه عمه الحسين(ع) ورثاه. وقد نقل حُميد بن مسلم أنه خرج إليهم غلام - وهو القاسم - كأن وجهه شقة قمر، في يده السيف عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع إحداهما ما أنس أنها اليسرى، فقال لي عمرو ابن سعد بن نفيل الأزدي: والله لأشدن عليه، فقلت سبحان الله وما تريد إلى ذلك! يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم احتولوهم، فقال: والله لأشدن عليه فما ولّى حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه.. (تاريخ الطبري ج5/447).

    - وروى مقتل علي بن الحسين وما دعا به الحسين به على قاتليه، وأن زينب مشت إليه فردّها الحسين إلى الفسطاط. (تاريخ الطبري 5/446 وما بعدها).

    * عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعلّ ، الأسديان روى عنهما أبو مخنف بسنده، أحداث الطريق، حيث لقيا الحسين (ع) في عددٍ من قرى الطريق: شراف، ذو حسم.. (تاريخ الطبري: ج5/ 400 وما بعدها) (و ج5/ 397).

    * الفرزدق الشاعر ، روى عنه الذهبي - بسنده عنه - أنه لقي الحسين بن علي بذات عرق فقال: ما ترى أهل الكوفة صانعين معي؟ فإنَّ معي حملاً من كتبهم؟ قلت: يخذلونك فلا تذهب. (سير أعلام النبلاء للذهبي ج2/ 406).

    * أنس بن مالك الصحابي ، روى عنه المحدّث أبو الحجاج المزيّ في (تهذيب الكمال) بواسطة هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أنس بن مالك قال: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين، فجعل يقول بقضيب في أنفه ويقول: ما رأيت مثل هذا حسناً، قلت: أما أنه كان أشبههم برسول الله. (تهذيب الكمال ج4/ 133 في ترجمة الحسين، رقم الترجمة 1471).

    وروى عنه الذهبي ذلك بواسطة حماد بن زيد عن هشام عن محمد عن أنس، قال: شهدت ابن زياد حيث أُتي برأس الحسين، وساق الخبر. (سير أعلام النبلاء ج2/ 406 في ترجمة الحسين، رقم الترجمة 270).

    * قبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، وهو من التابعين، توفي في دمشق، روى عنه ابن الجوزي بسنده في كتابه (المنتظم) أنه قال: قُدم برأس الحسين فلما وضع بين يدي يزيد ضربه بقضيب كان في يده ثم قال:

    نفلِّق هاماً من رجال أعزةٍ
    علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

    (المنتظم/عبد الرحمن بن علي الجوزي ج4/158 تحقيق: د. سهيل زكار - ط دار الفكر – بيروت 1995)





  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    3- عصر المؤرِّخين المتأخرين:

    ونقصد بهم من تأخر عن الطبري، مع استقرار الأصول التاريخية وتداولها بين المؤرخين وفقاً لما هو المعهود بينهم يومذاك.

    ويمكن أن نشير إلى أهم هؤلاء المؤرخين الذين تناولوا أحداث كربلاء وترجموا للحسين(ع) ولما وقع عليه وعلى صحبه وعائلته:

    * ابن عساكر مؤرخ الشام في كتابه الكبير (تاريخ دمشق) المعروف بتاريخ ابن عساكر (ت 571هـ) وقد ضمّ كتاب (تاريخ دمشق) ترجمة مبسوطة للحسين(ع)، وقد نقل روايات عديدة تفرَّد في نقل بعضها.

    ومما تفرَّد به ابن عساكر ما رواه بسنده (مسلم بن رباح أو رياح) مولى علي بن أبي طالب قال: كنت مع الحسين بن علي يوم قتل فرمي وجهه بنشَّابةٍ فقال: يا مسلم إدنُ يديك من الدم، قال: فأدنيتهما، فلما امتلأتا، قال اسكبه في يدي فسكبته في يده، فنفخ بهما إلى السماء، وقال: اللهم اطلب بدم ابن بنت نبيِّك. قال مسلم: فما وقع منه على الأرض قطرة.

    كما روى بسنده إلى المنهال بن عمرو في ترجمة المنهال حديث تكلّم رأس الحسين.

    * الخوارزمي موفق بن أحمد (أخطب خوارزم) (ت 568)، له مقتل الحسين، روى روايات كثيرة وبطريق عديدة، وهو مطبوع متداول.

    * ابن الجوزي، عبد الرحمن (ت 597) سرد في كتابه (المنتظم في تواريخ الملوك والأمم).

    * الذهبي، محمد بن أحمد (ت 748) سرد مقتل الحسين في كتابه (تاريخ الإسلام)، وقد روى عن طبقات ابن سعد.

    ثانياً: نص يستند إلى مصادر عليمة:

    ولعلّ من أهم الخصائص الذي يتميّز به النص التاريخي المتعلِّق بكربلاء وأحداثها، أنه نص استقاه الإخباريون من مصادر عليمة، وهي ذات صلة بهذا الحدث وعلى مقربةٍ منه. سواءً كان هذا المصدر من معسكر الحسين أو من المعسكر الآخر، وعندئذٍ يكون هذا النص التاريخي ذا مصداقية عالية، يبتعد - ما أمكن - عن مظاهر التحريف والتزييف.

    وفي هذا الصدد يمكن أن نسرد أهم منابع النص التاريخي لأحداث كربلاء، ونشير إلى هذه المصادر العلمية، ونحاول أن نُصنِّفها إلى مصدرين:

    الأول: المصادر القريبة من الحسين، وهم عبارة عن الناجين من المجزرة الكربلائية.

    والثاني: المصادر القريبة من معسكر يزيد بن معاوية، سواء كانت المحاربة، أو لم تكن. ويدخل في ذلك كل ما لم نذكره في المصدر الأول.

    المصدر الأول:

    * علي بن الحسين (زين العابدين) روى عنه أبو مخنف بواسطة الحارث بن حَصيرة عن عبد الله بن شريك عن علي بن الحسين عدة روايات منها:

    أنه قال: أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل حيث يُسمع الصوت فقال: إنّا قد أجّلناكم إلى غدٍ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عُبيد الله بن زياد، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم. (تاريخ الطبري: 5/418).

    ومنها ما نقله من خطبة أبيه الحسين(ع) أنه قال: جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قرب المساء، فدنوت منه لأسمع وأنا مريض، فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أُثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهّتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين، أما بعد، فإني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وأني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حلِّ، ليس عليكم مني ذمام، هذا ليلٌ غشيكم. فاتخذوه جملاً. (تاريخ الطبري: 5/ 428).

    وروى أبو مخنف رواية طويلة إلى حدٍ ما في أحداث آخر ليلة عن عبد الله بن شريك العامري دون أن يشير إلى مصدره، وهو الذي يروي عن علي بن الحسين(ع)، فربما كان ذلك من رواية علي بن الحسين. (تاريخ الطبري: 5/415 وما بعدها).

    كما روى أبو مخنف عن علي بن الحسين(ع) بواسطة الحارث بن كعب وأبي الضحاك: ما جرى في الليلة الأخيرة من حديث الحسين مع أخته زينب(ع) ووصيته لها وحثها على الصبر أنه قال: إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها، وعمتي زينب عندي تمرضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له، وعنده حُوَىّ مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:

    يا دهرُ أُفٍ لك من خليل
    كم لك بالإشراق والأصيل

    حتى قال: ... وأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت وهي امرأة، وفي النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وأنها لحاسرة حتى انتهت إليه، فقالت واثكلاه: ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثِمال الباقي.

    قال: فنظر إليها الحسين فقال: يا أُخيّه لا يذهبّن حلمك الشيطان... في حديث طويل. (تاريخ الطبري: 5/420 وما بعدها).

    * فاطمة بنت علي بن أبي طالب روى عنها أبو مخنف عن الحارث بن كعب، قالت: لما أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رقّ لنا، وأمر لنا بشيء، وألطفنا قالت: ثم إنَّ رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين هبْ لي هذه - يعنيني وكنت جارية وضيئة - فأُرعِدْتُ وفرقتُ وظننت أن ذلك جائز لهم، وأخذت بثياب أختي زينب قالت: وكانت أختي زينب أكبر مني وأعقل، وكانت تعلم أن ذلك لا يكون فقال: كذبت، والله ولؤمْت! ما ذلك لك وله، فغضب يزيد فقال: كذبتِ والله، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعله لفعلت، قالت: كلا، والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملّتنا، وتدين بغير ديننا، قالت: فغضب يزيد واستطار، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا! إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدّي أهتديت أنت وأبوك وجدك. قال: كذبت يا عدوة الله، قالت: أنت أمير مسلّط، تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك. قالت: فوالله لكأنه استحيا، فسكت، ثم عاد الشامي، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية، قال: اعزُب، وهب الله لك حتفاً قاضياً! (تاريخ الطبري: 5/461 وما بعدها).

    * فاطمة بنت الحسين، وقد حدّث عنها عبد الله بن الحسن ابنها، قالت: دخلت العامة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة وفي رجلي خلخالان من ذهب فجعل رجل يفضّ الخلخالين وهو يبكي! فقلت: ما يبكيك.. قال كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله... فقلت: لا تسلبني، قال: أخاف أن يجيء غيري فيأخذه. قالت: وانتهبوا ما في الأبنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا. (أمالي الشيخ الصدوق: الحديث الثاني من المجلس: 31).

    * الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وقد حضر المعركة وجرح فيها، وقد أنقذه أخواله فأفلت من القتل. وهو وإن لم يروَ عنه كثيراً، إلا أن هناك بعض الروايات عنه في أحداث كربلاء وما جرى فيها، إذ روى عبد الله ابنه عنه أنه قال: لمّا عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي(ع) ورتَّبهم مراتبهم وأقام الرايات في موضعها، وعبأ الحسين أصحابه الميمنة والميسرة، وقال لأصحاب القلوب اثبتوا، فأحاطوا بالحسين من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة، وخرج الحسين(ع) حتى أتى الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتى قال لهم: ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إليَّ فتسمعوا قولي فإني إنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد...

    وروى خطبة عمه الحسين فيهم بعد أن أنصتوا قوله: تباً لكم أيتها الجماعة وترحا، أفحين استصرختمونا ولهين متحّيرين، فأصرخناكم موجفين مستعدين سللتم علينا سيفاً كان لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوكم فأصبحتم إلباً على أوليائكم ويداً عليهم...

    ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين القتلة والذلة، وهيهات منا أخذ الدنيّة، أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العتاد وخذلة الأصحاب... (مقتل الحسين للخوارزمي: 2/6).

    * محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، روى عنه محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328هـ) في (العقد الفريد) بسنده إليه أنه قال: أُتي بنا إلى يزيد بعد ما قتل الحسين، ونحن اثنا عشر غلاماً، وكان أكبرنا علي بن الحسين، فأُدخلنا عليه، وكان كل واحد منا مغلولةً يده إلى عنقه. (العقد الفريد: 5/ 124 ط دار الفكر – تحقيق: محمد سعيد العريان).

    ونقل عن محمد بن الحسن خطبة عمه الحسين المشهورة: نزل بي ما ترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واشمعلّت فلم يبق منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء الأخنس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، والباطل لا يُنهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا ذلاً وبرما.
    وقد خطبها الحسين بعد أن أيقن أنهم قاتلوه (العقد الفريد: 5/121 وما بعدها)

    وقد نقلها الذهبي بسنده عن الزبير بن بكار (تاريخ الإسلام حوادث سنة 61-80/ص12).

    * عُقْبة بن سِمْعان ، وهو مولى للرباب زوجة الحسين(ع) وقد نجا من كربلاء، إذ أخذ إلى عمر بن سعد فقال له: ما أنت؟ قال: أنا عبد مملوك، فخلّى سبيله. (تاريخ الطبري: 5/454).

    وقد نقل عُقبة عدة أحداث وروايات مهمة، رواها أبو مخنف عنه.

    - ومن هذه الروايات أنه قال: فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرْنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة، ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. قال: ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال: فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له، فقال يا أبت، جُعلت فداك: مم حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بنيّ، إني خفقت برأسي خفقة. فعنَّ لي فارس على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمتُ أنما أنفسُنا نُعيت إلينا، قال له: يا أبتِ لا أراك الله سوءً، ألسنا على الحق ! قال: بلى، والذي إليه مرجع العباد، قال: يا أبت، إذاً لا نبالي نموت محقين.. (تاريخ الطبري: 5/408).

    - كما روى أبو مخنف عنه ما يردّ الإشاعات التي حاولت الإساءة للحسين(ع)، إذ روى أبو مخنف عنه أنه قال: صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق، ولم أُفارقه حتى قتل - وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلاّ وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيّره إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكن قال: دعني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس. (تاريخ الطبري: 5/413 وما بعدها).

    * الضحاك بن عبد الله المِشرقي ، وهو أحد الناجين من مجزرة كربلاء، وقد روى عنه أبو مخنف بسنده عنه أحداث كثيرة، وكان قد اشترط لنفسه على الحسين(ع) أن يقاتل دونه ما دام قتاله ينفعه، فيقول لمّا عرض عليه الحسين نصرته أنه قال له: إنَّ عليَّ ديناً، وإن لي لعيالاً، ولكنك إن جعلتني في حلٍ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلاً قاتلت عنك ما كان لك نافعاً، وعنك دافعاً، قال: قال: فأنت في حل، فأقمت معه. (تاريخ الطبري ج5: 418 وما بعدها)

    وقد نقل عنه أبو مخنف بسنده عدة موارد، من ذلك:

    - تفاني الأصحاب في القتال دون الحسين(ع) عندما عرض عليهم تركه والانفضاض عنه، وما قاله مسلم بن عوسجة: (أنحن نخلّي عنك ولمّا نُعذِر إلى الله في أداء حقك...) وما قاله سعيد بن عبد الله الحنفي: (... والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرّ يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك...) وما قاله زهير بن القين: (والله لوددتُ أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك..) وكلام غيرهم. (تاريخ الطبري: ج5/ 419 - وما بعدها).

    - ما كان حال الحسين(ع) وأصحابه ليلة العاشر وهم بين مصلٍ وقارئ للقرآن، وما دار بين برير بن حضير من حوار وبين (عبد الله بن شهر، أبو حرب السبيعي). (تاريخ الطبري: ج5: 421).

    - كما نقل كيف عبأ الحسين أصحابه بعد صلاة الغداة، فجعل زهير بن القين على ميمنته، وحبيب بن مظاهر على ميسرة أصحابه، وأعطى رايته العباس بن علي أخاه، وأنه أمر بحفر خندق ألقي فيه الحطب وأشعل بالنار كيلا يؤتى من ورائهم. (تاريخ الطبري: ج5/ 422).

    - نقل بعض خطب الحسين(ع)، ومن ذلك: (أما بعد: فانسبوني فانظروا من أنا، ثم أرجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حريتي؟ ألستُ ابن بنت نبيكم وابنَ وصيه وابن عمه، وأول المؤمنين بالله والمصدِّق لرسوله بما جاء به من عند ربه ! أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ! أوليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي: أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة.. (تاريخ الطبري ج: 5/423 وما بعدها).

    - نقل - أيضاً - كيف أنه فرَّ من المعركة وترك الحسين(ع) بعد أن قتل رجلين وقطع يد آخر، ودعاء الحسين(ع) له. (تاريخ الطبري ج5/ 445). وكان فراره بعد أن قُتل جلّ أصحاب الحسين ولم يبق فيهم إلاّ سويد الخثعمي وبشير الحضرمي. (تاريخ الطبري ج5/ 444).

    * دَلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين ، روى عنها أبو مخنف بلا واسطة، إذ روت له كيفية انتقال زهير بن القين وضمّ رحله إلى رحل الحسين(ع). (تاريخ الطبري: ج5/396).

    * غلام عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري الشهيد بكربلاء وقد كان أفلت من المعركة بعد أن صرع القوم، وروى أن الحسين(ع) ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه. وهو الذي روى أن بُرير ابن حُضير الهمداني مازح مولاه عبد الرحمن وجعل يهازله فقال له: دعنا، فوالله ما هذه ساعة باطل، فقال له برير: والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شاباً، ولا كهلاً، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لاقون.. (الطبري: ج5/423 ط).

    * عبد الله بن حازم البكري ، روى عنه أبو مخنف بسنده، وكان كما قال: أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر في أثر هانئ لأنظر ما صار إليه أمره، فدخلت فأخبرته الخبر، فأمرني أن أنادي في أصحابي، وقد ملأ الدور منهم حواليه، فعقد لعبد الرحمن بن عزيز الكندي على ربيعة، وقال له سر أمامي وقدّمه في الخيل، وعقد لمسلم بن عوسجة على مذحج وأسد، وقال له: انزل فأنت على الرجّالة، وعقد لأبي ثمامة الصائدي على تميم وحمدان، وعقد للعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة، ثم أقبل نحو القصر. ونقل عنه تفاصيل أخرى، وكيف آلت أمور الكوفة بعد ذلك. (مقاتل الطالبيين /103 وما بعدها).

    المصدر الثاني:

    ونريد به الأخبار التي رويت عن أحداث كربلاء وما يتصل بها مما رافقها ولحقها، مما رواه الرواة، ومن شهد الأحداث من غير معسكر الحسين وأصحابه، فقد نقل هذه الأخبار عدد من هؤلاء منهم:

    * كثير بن عبد الله الشعبيّ ، وهو أحد الفرسان الذين طاردوا الضحاك المشرقي، كما نقل المشرقي، إذ عرفه كثير وناشد المجموعة التي معه أن تتركه. (الطبري 5/445).
    وقد نقل أبو مخنف عن علي بن حنظلة بن أسعد الشامي عن الشعبي أنه قال: لما زحفنا قِبَل الحسين خرج إلينا زهير بن قين على فرس له ذَنوب شاكٍ في السلاح فقال: يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار !.. ونقل خطبته، وقال فيما قال: فلعمري أن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، قال فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم، وقال: إسكت أسكتَ نأمَتك، أبرمتنا بكثرة كلامك!. فقال له زهير: يا ابن البوّال عن عقبيه، ما إياك أخاطب، إنما أنت بهيمة.. (تاريخ الطبري: 5/426).

    وقد روى أن كثيراً هذا اشترك مع مهاجر بن أوس في قتل زهير بن القين (5/441) وكثير هذا بعثه عمر بن سعد إلى الحسين ليسأله عم جاء به، فأقبل إليه، فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين أصلحك الله أبا عبد الله ! قد جاءك شرُ أهل الأرض وأجرؤه على دمٍ وأفتكه، فانصرف بعد أن تسابّا هو والصائدي لأنه منعه من الاقتراب من الحسين(ع). (تاريخ الطبري: 5/410).

    * مسروق بن وائل الحضرمي روى أبو مخنف عنه بواسطة عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي أخيه، إذ قال مسروق: كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين، فقلت: أكون في أوائلها لعلّي أُصيب رأس الحسين، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد، قال: فلما انتهينا إلى حسين تقدم رجل من القوم يقال له ابن حَوْزة، فقال: أفيكم حسين؟ قال: فسكت حسين، فقالها ثانية: فأسكت حتى إذا كانت الثالثة، قال: قولوا له: نعم، هذا حسين، فما حاجتك؟ قال: يا حسين، أبشر بالنار، قال: كذبت، بل أقدم على ربِّ غفور وشفيع مطاع، فمن أنت؟ قال: ابن حوزة، قال: فرفع الحسين يديه حتى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ثم قال: اللهم حزه إلى النار، قال: فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس وبينه وبينه نهر. قال: فعلقت قدمه بالركاب، وجالت به الفرس فسقط عنها، قال: فانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقي جانبه الآخر معلّقاً بالركاب. قال: فرجع مسروق وترك الخيل من وارئه. قال سألته، فقال: لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً. لا أقاتلهم أبداً، قال: ونشب القتال. (تاريخ الطبري: 5/431).

    وروى أبو مخنف ما رواه مسروق بن وائل عن (حسين أبي جعفر) وسمّى ابن حوزة عبدَ الله (الطبري: 5/ 430) وروى ذلك - أيضاً - عن سويد بن حية. (الطبري 5/431).
    * عفيف بن زهير بن الأخنس، وقد شهد مقتل الحسين، روى أبو مخنف عنه بواسطة يوسف بن يزيد أنه روى له مقتل بُرير بن حُضير، إذ قال له يوسف بن يزيد: أنت رأيت هذا؟ قال: نعم، رأي عيني وسمع أذني. (تاريخ الطبري: 5/431 وما بعدها).

    * ثابت بن هبيرة ، روى عنه أبو مخنف مقتل عمرو بن قرظة بن كعب، وكان علي أخوه مع عمر بن سعد، فنادى علي بن قريظة: يا حسين يا كذاب ابن الكذاب، أضللت أخي وغررته حتى قتلته. قال: إن الله لم يضل أخاك، ولكنه هدى أخاك وأضلك. قال: قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك، فحمل عليه، فاعترضه نافع بن هلال المرادي، فطعنه فصرعه، فحمله أصحابه فاستنقذوه، فدُووي بعدُ فبَرأ (تاريخ الطبري: 5/434).

    * عروة ، روى عنه أبو مخنف عن يحيى بن هاني، أن نافع بن هلال كان يقاتل يومئذٍ وهو يقول: «أنا الجملي، أنا على دين علي» (تاريخ الطبري: 5/435).

    * عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقيّ ، روى عنه أبو مخنف عن الحجاج، وكان قد عُتب على عبد الله بن عمار بعد ذلك مشهده قتل الحسين، فقال عبد الله بن عمار: إنَّ لي عند بني هاشم ليداً، قلنا له: وما يدك عندهم؟ قال: حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه، فوالله لو شئت لطعنته، ثم انصرفت عنه غير بعيد، وقلت ما أصنع بأن أتولّي قتله ! يقتله غيري. قال: فشدَّ عليه رجَّاله ممن عن يمينه وعن شماله، فحمل على من عن يمنيه حتى ابذعرُّوا، وعلى مَن عن شماله حتى ابذعرُّوا وعليه قميص له من خَزٍّ وهو معتمٌ، قال: فوالله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشاً، ولا أمضى جناناً، ولا أجرأ مقدماً منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله، أنْ كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذ شدَّ فيها الذئب.. (تاريخ الطبري: 5/452).

    * هانيء بن ثُبَيت الحضرمي ، روى عنه هشام الكلبي عن أبو الهذيل - رجل من السَّكون - قال أبو الهذيل: رأيته - يعني هانئ الحضرمي - جالساً في مجلس الحضرميين في زمان خالد بن عبد الله وهو شيخ كبير، قال: فسمعته وهو يقول: كنت ممن شهد قتل الحسين قال: فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلاّ على فرس، وقد جالت الخيل وتصعصعت، إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص وهو مذعور، يتلفت يميناً وشمالاً، فكأني أنظر إلى درّتين في أذنيه، تذبذبان كلما التفت إذ أقبل رجل يركض، حتى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثم أقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

    قال هشام: قال السكوني، هانئ بن ثُبيت هو صاحب الغلام، فلما عُتب عليه كنّى عن نفسه. (تاريخ الطبري: 5/ 449).
    وهاني الحضرمي هو الذي قتل عبد الله بن علي بن أبي طالب، وجعفر بن علي بن أبي طالب. (تاريخ الطبري: 5/449).
    وقد روي عن هانئ الحضرمي هذا: أن الحسين بعث عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري إلى عمر بن سعد أن القُني الليل بن عسكري وعسكرك، فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارساً، وأقبل حسين في مثل ذلك، فلما التقوا أمر حسينٌ أصحابه أن يتنحوا عنه، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك، قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما، فتكلّما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع، ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه، وتحدث الناس فيما بينهم ظناً يظنونه، أن حسيناً قال لعمر بن سعد: اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين، قال عمر: إذن تهدم داري، قال: أنا أبنيها لك، قال: إذن تؤخذ ضياعي، قال: إذن أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز، قال: فكره ذلك عمر، قال: فتحدث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علموه.. (تاريخ الطبري: 5/413).

    * قرَّة بن قيس التميمي ، روى عنه أبو مخنف بواسطة أبي زهير العبسيّ، وكان قد حضر كربلاء، وقد أرسله عمر بن سعد إلى الحسين(ع) فلما رآه الحسين سأل عنه: أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من حنظلة تميمي، وهو ابن أختنا، ولقد كنت أعرفه بحسُن الرأي، وما كنتُ آراه يشهد هذا المشهد.. (تاريخ الطبري: 5/411).
    وقد روى أبو مخنف عنه، ما رآه من منظر النسوة من آل الحسين بعد قتله(ع)، وقال: فما نسيت من الأشياء لا أنس قول زينب ابنة فاطمة حين مرَّت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول: يا محمداه، يا محمداه! صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه، وبناتك سبايا، وذريتك مقتّلة، تسفي عليها الصَّبا، قال: فأبكت والله كل عدو وصديق.

    وروى أن عدد الرؤوس التي سرح بها إلى عبيد الله مع شمر وعمرو بن الحجاج وقيس بن الأشعث وعْزرة بن قيس بلغت اثنين وسبعين رأساً. (تاريخ الطبري: 5/455 وما بعدها).

    * الغاز بن ربيعة الجُرَشيّ من حمير ، روى عنه هشام أنه قال: والله إنّا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زَحْر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد، ويلك! ما وراءك؟ وما عندك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره.. وسرد ما وقع في كربلاء. (تاريخ الطبري: 5/459 وما بعدها).

    * القاسم بن عبد الرحمن ، مولى يزيد بن معاوية، روى عنه أبو مخنف عن الصقعب بن زهير أنه قال: لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد قال:

    يفلِّقن هاماً من رجال أعزةٍ عليا وهم كانوا أعق وأظلما
    (تاريخ الطبري: 5/460).

    * أبو عمارة العبسي ، روى عنه أبو مخنف عن أبي جعفر العبسي، أن يحيى بن الحكم أخا مروان بن الحكم قال لما سمع ذلك من يزيد!
    لهامٌ بجنب الطف أدنى قرابةً
    من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
    سميةٌ أمسى نسلها عدد الحصى
    وبنتُ رسول الله ليس لها نسل

    قال: فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن الحكم وقال: أسكت. (تاريخ الطبري: 5/460 وما بعدها).

    * أبو خالد الكاهلي ، روى عنه أبو مخنف بواسطة رواته، أنه لما صبّحت الخيل الحسينَ رفع الحسين يديه فقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمرٍ نزل بي ثقة وعدة، كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقل في الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك، ففرّجته وكشفته، فأنت ولي كل نعمة. وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة. (تاريخ الطبري ج5/ 423).

    * عمرو الحضرمي ، روى عنه أبو مخنف – بسنده - من كان على جيش عمر بن سعد، إذ قال: لما خرج عمر بن سعد بالناس، كان على رُبْع أهل المدينة يومئذٍ عبد الله بن زهير بن سُليم الأزدي، وعلى رُبع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سَبْرة الجعفي (الحنفي) وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي، فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلاّ الحر بن زيد، فإنه عدل إلى الحسين وقتل معه. وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عَزْره بن قيس الأحمسي وعلى الرجال شبث بن ربعي الرياحي، وأعطى الراية ذُويداً مولاه. (تاريخ الطبري ج5/ 422).

    * الزّبيدي ، روى عنه أبو مخنف بسنده، ومن ذلك مصرع مسلم بن عوسجة، وهو أول صرعى أصحاب الحسين(ع)، فمشى إليه الحسين فإذا به رمق، فقال: رحمك ربك يا مسلم بن عوسجة، ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عز عليّ مصرعك يامسلم، أبشر بالجنة.. ولولا أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني، فقال مسلم: بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله - وأهوى بيده إلى الحسين - أن تموت دونه، قال حبيب: أفعل ورب الكعبة. (تاريخ الطبري، ج5: 435 وما بعدها).

    - حُميد بن مسلم ، وهو من شرطة عمر بن سعد كما يبدو، روى أنه سيَّره عمر بن سعد وسرّحه إلى أهله ليبشرهم بعافيته (تاريخ الطبري ج5/ 456)، وأشركه مع خَوَليّ بن يزيد لحمل رأس الحسين إلى ابن زياد. (تاريخ الطبري ج5/ 455).

    وقد روى عنه أبو مخنف روايات عديدة، تتصل بأحوال الحسين(ع) وسير المعركة، وعدد أصحاب الحسين. ومما رواه:

    - كيفية قتل الحسين(ع) وثباته ومن اشترك في قتله وهم: زُرْعة بن شريك التميمي ضربه على كفه اليسرى، وسنان بن أنس بن عمرو النخعي طعنه بالرمح، وسنان بن أنس احتز رأسه، ودفعه إلى خَوَليّ بن يزيد. (تاريخ الطبري ج5/ 453).

    - أنه دخل على ابن زياد في مجلسه بعد أن سرَّحه عمر بن سعد إلى الكوفة، فإذا رأس الحسين(ع) موضوع بين يدي ابن زياد وإذا هو ينكث بقضيب بين ثنيّتيه ساعة، فلما رآه زيد بن أرقم لا يُنجِم نكثه بالقضيب قال له: أعْلُ بها القضيب عن هاتين الشفتين فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما.

    ثم انفضخ الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك! فوالله لولاك أنك شيخ قد خرقت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض فخرج. (تاريخ الطبري ج5/ 456).

    - روى مقتل القاسم بن الحسن وكيف وقف عليه عمه الحسين(ع) ورثاه. وقد نقل حُميد بن مسلم أنه خرج إليهم غلام - وهو القاسم - كأن وجهه شقة قمر، في يده السيف عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع إحداهما ما أنس أنها اليسرى، فقال لي عمرو ابن سعد بن نفيل الأزدي: والله لأشدن عليه، فقلت سبحان الله وما تريد إلى ذلك! يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم احتولوهم، فقال: والله لأشدن عليه فما ولّى حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه.. (تاريخ الطبري ج5/447).

    - وروى مقتل علي بن الحسين وما دعا به الحسين به على قاتليه، وأن زينب مشت إليه فردّها الحسين إلى الفسطاط. (تاريخ الطبري 5/446 وما بعدها).

    * عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعلّ ، الأسديان روى عنهما أبو مخنف بسنده، أحداث الطريق، حيث لقيا الحسين (ع) في عددٍ من قرى الطريق: شراف، ذو حسم.. (تاريخ الطبري: ج5/ 400 وما بعدها) (و ج5/ 397).

    * الفرزدق الشاعر ، روى عنه الذهبي - بسنده عنه - أنه لقي الحسين بن علي بذات عرق فقال: ما ترى أهل الكوفة صانعين معي؟ فإنَّ معي حملاً من كتبهم؟ قلت: يخذلونك فلا تذهب. (سير أعلام النبلاء للذهبي ج2/ 406).

    * أنس بن مالك الصحابي ، روى عنه المحدّث أبو الحجاج المزيّ في (تهذيب الكمال) بواسطة هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أنس بن مالك قال: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين، فجعل يقول بقضيب في أنفه ويقول: ما رأيت مثل هذا حسناً، قلت: أما أنه كان أشبههم برسول الله. (تهذيب الكمال ج4/ 133 في ترجمة الحسين، رقم الترجمة 1471).

    وروى عنه الذهبي ذلك بواسطة حماد بن زيد عن هشام عن محمد عن أنس، قال: شهدت ابن زياد حيث أُتي برأس الحسين، وساق الخبر. (سير أعلام النبلاء ج2/ 406 في ترجمة الحسين، رقم الترجمة 270).

    * قبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، وهو من التابعين، توفي في دمشق، روى عنه ابن الجوزي بسنده في كتابه (المنتظم) أنه قال: قُدم برأس الحسين فلما وضع بين يدي يزيد ضربه بقضيب كان في يده ثم قال:

    نفلِّق هاماً من رجال أعزةٍ
    علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

    (المنتظم/عبد الرحمن بن علي الجوزي ج4/158 تحقيق: د. سهيل زكار - ط دار الفكر – بيروت 1995)





  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    * النّوار بنت مالك ، زوجة خَوَلّي بن يزيد الأصبحي، روى عنها هشام بواسطة أبيه، أنها قالت: أقبل خَوَلّي برأس الحسين فوضعه تحت إجّانة في الدار، ثم دخل البيت فآوى إلى فراشه، فقلت له: ما الخبر؟ ما عندك؟ قال: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار.

    قالت: فقلت: ويلك، جاء الناس بالذهب والفضة، وجئت برأس ابن رسول الله، لا والله، لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبداً، قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار.. وجلست أنظر، فوالله ما زلت انظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجّانة، ورأيت طيراً بيضاً ترفرق حولها.. (تاريخ الطبري ج5/ 455).

    * زهير الخثعمي ، روى عنه أبو مخنف، أنه قال: كان آخر من بقي مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، وكان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذٍ علي الأكبر، ونقل رجزه، وأنه كيف كان يشد على جيش ابن سعد، وإن قاتله مرة بن منقذ بن النعمان العبدي، طعنه واحتوله الناس فقطعوه بأسيافهم (تاريخ الطبري ج5/ 446).

    * علي بن الطعان المحاربيّ ، روى عن هشام بسنده عنه وكان في جيش الحر بن يزيد الرياحي، وقد روى عنه كيف أنه كان آخر من جاء من أصحاب الحر، وأن الحسين(ع) سقاه، ونقل ما دار بين الحر والحسين، وكيف منعه وما آلت إليه الأمور بينهما من ألا يدخل الحسين الكوفة ولا يرجع إلى المدينة، ونقل صلاة الحر وجيشه خلف الحسين بادئ الأمر وغير ذلك من التفاصيل المهمة. (تاريخ الطبري ج5/ 401 وما بعدها).

    * لوذان من بني عكرمة ، نقل عنه أبو مخنف ما رواه عن أحد عمومته، وكان سأل الحسين(ع) في الطريق إلى العراق أين يريد؟ فحدثه، فقال له: إني أنشدك الله لما انصرفت، فوالله لا تقدم إِلاّ على الأسنة وحدّ السيوف، فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال، ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا. فقال له الحسين: يا عبد الله، إنه ليس يخفى عليَّ، الرأيُ ما رأيتُ، ولكن الله لا يُغلب على أمره، ثم ارتحل من بطن العقبة. (تاريخ الطبري ج5: 399).

    * بكر بن مصعب المُزَنيّ ، روى عنه أبو مخنف بسنده، قال: كان الحسين لا يمرّ بأهل ماء إلاّ اتبعوه حتى إذا انتهى إلى زُبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة، مقتل عبد الله بن يُقطر.. (تاريخ الطبري، ج5/ 398).

    * عبد الله بن يسار الجُهَنّي ، روى عنه هشام بسنده، فنقل عن ابنه عمار أن أباه دخل على عمر بن سعد وقد أُمر بالمسير إلى الحسين، فقال له عمر بن سعد: إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين فأبيت ذلك عليه، فقال له الجهني، أصاب الله بك، أرشدك الله، أحِلْ فلا تفعل ولا تَسِرْ إليه. قال الجهني: فخرجت من عنده، فأتاني آتٍ وقال: هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين قال: فأتيتُه وهو جالس، فلما رآني أعرض بوجهه فعرفت أنه قد عزم على المسير إليه.. (تاريخ الطبري: ج5/ 410).

    * حسان بن فائد بن بكير العبسيّ ، روى عنه أبو مخنف بسنده عنه، وقد روى عنه كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد، قال حسان: أشهد أن كتاب الله عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي، فسألته عما أقدمه، وماذا يطلب، فقال: كتب إليَّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم.. ونقل كتاب ابن زياد إليه: أما بعد فقد بلغني كتابك، فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا، والسلام. (تاريخ الطبري ج5/ 411).

    * أيوب بن مِشْرَحِ الخيواني ، روى عنه أبو مخنف بسنده، أنه كان يقول: أنا والله عقرتُ بالحر بن يزيد فرسه، حشأته (رميته) سهماً، فما لبث أن أرعِد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحر، كأنه ليث والسيف في يده وهو يقول:

    إن تعقروا بي فأنا ابن الحر
    أشجعُ من ذي لِبْدٍ هزبَرْ

    قال: فما رأيت أحداً قط يفري فرْيَه، فقال له أشياخ من الحي أنت قتلته؟ قال: لا والله ما أنا قتلته. (تاريخ الطبري ج5/ 437).

    وروى عنه مقتل امرأة الكلبي التي مشت إلى زوجها فأمر شمر غلاماً له يسمى رستم أن يضرب رأسها بالعمود فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها. كما روى محاولة إحراق فسطاط الحسين. (تاريخ الطبري: ج5/ 438).

    * ربيع بن تميم ، وقد شهد مقتل الحسين مع جيش عمر بن سعد، وقد روى عنه أبو مخنف بسنده.
    ومما رواه عنه كيف قاتلهم عابس بن أبي شبيب الشاكري، يقول: لما رأيته مقبلاً عرفته، وقد شاهدته في المغازي، وكان أشجع الناس، فقلت أيها الناس هذا الأسد الأسود، هذا أبن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم، فأخذ ينادي ألا رجل لرجل، فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة، قال: فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومِغفره، ثم شدّ على الناس، فوالله لرأيته يكرد (يطرد) أكثر من مائتين من الناس، ثم إنهم تعطّفوا عليه من كل جانب فقتل، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عُدَّة، هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله سنان واحد. (تاريخ الطبري ج5/ 444).

    * أبو الوداك ، روى عنه أبو مخنف ما خطب به، ابن زياد في الناس: فإن أمير المؤمنين - أصلحه الله - ولاّني مصرعكم وثغركم... وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي... وكان ذلك لمّا أقبل من البصرة إلى الكوفة. (مقاتل الطالبيين ص100).

    * عباس الجدلي ، أحد أنصار مسلم بن عقيل في الكوفة، وقد ولاه إمرة بعض أصحابه، روى عنه أبو مخنف روايات مهمة في هذا المجال (تاريخ الطبري: 5/369)

    * عبد الرحمن الكثيري ، وقد كان عيناً لمسلم بن عقيل في قصر الإمارة، روى عنه أبو مخنف روايات تتصل بأحداث الكوفة. (تاريخ الطبري: 5/368).

    * ريّا حاضنة يزيد بن معاوية ، روي عنها أيام استتارها في أواخر الدولة الأموية، أنها قالت: دخل بعض بني أمية على يزيد فقال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد أمكنك الله من عدو الله وعدوك – يعني الحسين – قد قتل ووجَّه برأسه إليك، قالت فلم يلبث إلاّ أياماً حتى جيء برأس الحسين، فوضع بين يدي يزيد في طست، فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه، فحين رآه خمرَّ وجهه بكمه – كأنه يشمُّ منه رائحة – وقال: الحمد الله الذي كفانا المؤنة بغير المؤنة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، قالت ريّا: فدنوت منه فنظرت إليه وبه ردع من حنّا. فسألها الراوي، فقلت لها: أقَرَع ثناياه بالقضيب كما يقولون؟ قالت: إي، والذي ذهب بنفسه، وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده، ويقول أبياتاً من شعر ابن الزِبَعرْى...( تاريخ ابن عساكر: ترجمة رقم 52 من تراجم النساء، المجلد الأخير من تاريخ دمشق، ص 101)
    * المنهال بن عمرو، روي عنه: أنه رأى رأس الحسين(ع) وهو يتكلم، إذ روى عنه ابن عساكر بسنده إليه، أنه قال: أنا والله رأيت الحسين بن علي حين حمل وأنا بدمشق، وبين الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتى بلغ قوله تعالى: {أم حسبتم أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا}. قال المنهال: فأنطق الله الرأس بلسانٍ ذرب فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي ..(في ترجمة المنهال بن عمرو في تاريخ ابن عساكر).

    * وقد روي عن سنان بن أنس قاتل الحسين(ع) أنه حدَّث عن قتله الحسين في مجلس الحجّاج، إذ روى الطبراني في (المعجم الكبير ج3/118 ط بغداد) بسنده عن أسلم المنقري قال: دخلت على الحجّاج فدخل سنان بن أنس قاتل الحسين، فإذا هو شيخ آدم فيه جثا طويل الأنف في وجهه برش، فأوقف بحيال الحجّاج، فنظر إليه الحجّاج فقال: أنت قتلت الحسين؟ قال: نعم، قال: وكيف صنعت به؟ قال: دعمته بالرمح دعماً وهبرته بالسيف هبراً، فقال له الحجّاج: أما إنكما لن تجتمعا في دار.

    وروي مجلسه وكلامه عند الحجّاج في مصادر أخرى.

    ثالثاً: نص غنيّ بالتفاصيل:

    إذ نلاحظ أن النص التاريخي المعنيّ بكربلاء وفيرٌ وغني في آنٍ، وقد نجح في تغطية شاملة لأحداث كربلاء، على تنوّع أحداثها ووقائعها، وتنوّع المساحات المكانية التي تتصل بها، واختلاف المقاطع الزمنية أيضاً.

    فمن حيث الزمان شملت التغطية التاريخية الأحداث التي شكلّت بواكير الاهتزاز السياسي في العام 60 للهجرة عقيب وفاة معاوية بن أبي سفيان، كما شملت بالتغطية أحداث العام 61 للهجرة عام مقتل الحسين(ع) وما تبعه من أحداث.
    ومن حيث المكان فقد شمل النص التاريخي بتغطية الأحداث التي تتصل بواقعة كربلاء، إنْ في المدنية المنوَّرة أو في مكة المكرمة، كما شمل بتغطيته للأحداث في الكوفة قبل مقتل الحسين وبعد مقتله، كما اهتم بما جرى لمسير الحسين في طريقه من مكة إلى العراق مروراً ببلْدات وقرى ومنازل وصولاً إلى كربلاء.

    ويلاحظ أن هذا النص التاريخي كما عني بما وقع للحسين(ع) قبيل استشهاده، فإنه عنى به بعد استشهاده ولما جرى على عائلته وأسرته، إنْ في كربلاء أو الكوفة أو في دمشق وصولاً إلى المدينة وحال أهلها إبّان استقبال أسرة الحسين(ع).
    وربما تحسن الإشارة إلى بعض مصادر النص التاريخي ومدى تغطيته الشاملة لما جرى للحسين وما صاحب الحدث ما رافقه وما تلاه، وسأكتفي بالتركيز على روايات أبي مخنف.

    - أحداث الكوفة وبعث مسلم بن عقيل:

    ومن المعلوم أن الأحداث التي جرت في الكوفة قبل وصول مسلم بن عقيل وبعد وصوله جديرة بالاهتمام، وهي بمثابة الفصل التمهيد لأحداث كربلاء، وقد روى أبو مخنف رواياته بهذا الصدد عن عددٍ من المصادر المهمة وبتفصيل كبير، وبمصداقية عالية لجهة وقوفه على مصادر أصيلة كانت حاضرة المشهد السياسي يومذاك. وأشير إلى مصادر ستة من مصادر أبي مخنف في أحداث الكوفة الأولى:

    * محمد بن بشر الهمداني ، وقد حدَّث عنه أبو مخنف - بسنده إليه - اجتماع الشيعة في منزل سليمان بن صرد - وكان حاضراً - ومكاتبتهم الحسين ومراسلتهم له (الطبري: 5/352)، وحدَّث عنه ما تلا حبس هاني من أحداث وخوف عبيد الله بن زياد واغلاق القصر عليه. (الطبري: 5/368).
    * أبو ودّاك جبر بن نوف، حدَّث عنه أبو مخنف موقف النعمان بن بشير وتغليبه مسالمة أهل الكوفة وخطبته في ذلك. (الطبري: 5/35) كما نقل عنه خطبة ابن زياد بعد أن استولى على قصر الإمارة، ونقل عنه - أيضاً - تفاصيل انتقال مسلم من منزل المختار إلى منزل هاني وما تبع ذلك من أحداث. (تاريخ الطبري: 5/361) وحدَّث عنه - أيضاً - كيف استُدْرِجَ هانئ بواسطة صهره عمرو بن الحجّاج إلى قصر الإمارة وحبسه فيه. (تاريخ الطبري: 5/364).

    * عبد الرحمن بن شريح ، روى عنه أبو مخنف استنجاد هاني بعشيرته، وكيف أنه خرج – نفسه - إلى عشيرة مذحج المحيطين بالقصر، وأنه كان يودّ إخبارهم بحال هاني لولا أن ابن زياد بعث معه أحد شرطته، فابلغهم بأن حال هانئ على ما يرام وأنه حي. (تاريخ الطبري: 5368).

    * عبد الرحمن بن خازم الكثيريّ من الأزد ، وهو رسول مسلم بن عقيل إلى قصر الإمارة للتعرّف على أحوال هاني في القصر بعد حبسه - فقد حدَّث عنه وروى أبو مخنف أنه أول الداخلين على مسلم بن عقيل بعد ضرب هاني وحبسه، فأخبر مسلماً بذلك، وأمره مسلم بالنداء إلى مبايعيه، وعبأ أصحابه وعقد لكل جماعة، وأحاطوا بالقصر فتحرز به ابن زياد وأغلق الأبواب عليه. (تاريخ الطبري: 5/368 وما بعدها).

    * عباس الجدَلي ، وهو أحد أنصار مسلم بن عقيل وقد عقد له الإمرة على بعض أنصاره، روى عنه أبو مخنف - بسنده إليه - ومن ذلك أنه قال: خرجنا مع ابن عقيل أربعة آلاف، فما بلغنا القصر إلاّ ونحن ثلاثمائة... ونقل تفاصيل أخرى بهذه الصدد. (تاريخ الطبري: 5/369).

    * عوف بن أبي جحيفة ، نقل عنه أبو مخنف روايات تتعلق بمقتل هاني وكيف قتل (تاريخ الطبري: 5/378)، كما روى عنه مقالة بكير بن حمران قاتل مسلم، وهو يصف لابن زياد كيف قتل مسلم عندما أُصعد به إلى سطح القصر (5/378 وما بعدها).

    وهناك روايات كثيرة نقلها أبو مخنف ورواها عمن شهد أحداث الكوفة، وكيف تمت تصفية أنصار الحسين في الكوفة ترهيباً وترغيباً، وهي حرّية بالدراسة تفصيلاً، واكتفينا بذكر أهمها لإثبات أن النص التاريخي المعنّي بكربلاء نص غني بالأحداث الصادقة في الجملة.

    - الطريق إلى كربلاء:

    وكما شملت تغطية الأحداث في الكوفة التي مهّدت لأحداث كربلاء، فقد اهتم الإخباريون بأحداث كربلاء تفصيلاً، ابتداءً بالقرار الحسيني بإعلان الثورة وإعلان الخيار العسكري في المواجهة.

    وقد نقل أبو مخنف روايات عديدة في آراء كبار التابعين في المدينة، وقد نقل بعضها عنهم بواسطة واحدة، كما نقل ذلك عن عمر بن عبد الرحمن المخزومي الذي روى انه مشى إلى الحسين وهو بمكة وأبدى إليه رأيه في عدم التوجّه إلى العراق. (تاريخ الطبري: 5/382).

    وقد لاحق أبو مخنف - وغيره - أخبار الحسين في الطريق إلى كربلاء فضبط - وغيره أيضاً - أخباره في منازله العديدة التي نزلها، فقد نقلها عن عددٍ من الرواة الذي شهدوا ذلك، ومنهم:

    * عبد الله بن سليم والمذرىّ الأسديان ، نقل عنهما أبو مخنف مقاطع عديدة من الروايات، حيث شهدا الحسين في الطريق وتحدثا إليه. (تاريخ الطبري: 5/384، 386، 397).

    * الفرزدق الشاعر ، نقل عنه هشام الكلبي بسنده عن لبطة بن الفرردق عن أبيه، رواية لقائه الحسين في الطريق وحديثه معه. (تاريخ الطبري: 5/386).

    وقد نقل أبو مخنف لقاء الفرزدق الحسين عن الأسديين عبد بن سليم والمذريّ (تاريخ الطبري: 5/386).

    * علي بن الحسين (السجّاد) ، نقل عنه أبو مخنف بعض أخبار الطريق، ومن ذلك خبر كتاب عبد الله بن جعفر إلى الحسين، حمله إليه ولداه عون ومحمد (تاريخ الطبري: 5/387).

    * دلهم بنت عمرو ، امرأة زهير بن القين، روى عنها أبو مخنف وعن رجل من بني فزارة وكان مع زهير بن القين، كيف التحق زهير بالحسين وسار معه إلى كربلاء. (تاريخ الطبري: 5/396).

    * عُقبة بن سمعان ، روى عنه أبو مخنف بعض أخبار الطريق، ونقل عنه بسنده إليه - كيف اعترض رسل عمرو بن سعيد بن العاص طريق الحسين لما خرج من مكة لمنعه من الخروج، ولكنه أبى عليهم وتضارب الفريقان وتدافعا، ومضى الحسين إلى وجهه. (تاريخ الطبري: 5/385).

    وقد نقل أبو مخنف خطب الحسين في الطريق عن مصادر عليمة.

    - أحداث كربلاء:

    وتركّز اهتمام الأخباريين بكربلاء تحديداً، وفي مقدمتهم أبو مخنف، الذي روى أخبار كربلاء بتفصيلٍ ومن الفريقين، وحاول الإخباريون - قدر إمكاناتهم - الإحاطة بهذه الأحداث وتفاصيلها، وهي تفاصيل مهمة تتعلق بمناحي كثيرة من هذه الحادثة، سواء العسكري منها أو غير العسكري، كالظروف الإنسانية والمعيشية التي رافقت هذه الواقعة.

    وفي هذا السياق يجد الباحث والمتابع تفاصيل النص التاريخي بوضوح وبمصداقية عالية في الجملة، فقد نقل الإخباريون:

    - الخطب التي كان يلقيها المتحدثون من الفريقين، وهي عبارة عن الأدبيات التي تؤسس لمنهج الفريقين وتحدد معالم الطريق لديهما.

    وقد نقل أبو مخنف - مثلاً - عدداً من خطب الحسين، وذلك عن تلك المصادر التي وصفناها بالعليمة، ومن ذلك ما رواه عن الضَّحاك المشرقي. (تاريخ الطبري: 5/424 وما بعدها).

    كما نقل أبو مخنف خطباً لغير الحسين، كما في خطبة زهير بن القين الذي نقلها أبو مخنف عمن شهد كربلاء في معسكر عمر بن سعد، وهو كثير بن عبد الله الشعبي وملاسنة زهير وشمر أثناءها. (تاريخ الطبري: 5/426).

    - المفاوضات بين الطرفين، إذ نقل أبو مخنف وغيره الأخبار التي تناولت هذه المفاوضات، وهي محاورات جرت بين معسكر الحسين(ع) وبين معسكر عمر بن سعد، وقبل ذلك جرت مفاوضات بين الحسين وبين الحر وهو أول طلائع جيش ابن زياد، فدخلا في تفاوضٍ حول اختيار الأرض التي يستقر فيها الحسين(ع) وما تلا ذلك من أحداث. وقد نقل أبو مخنف هذه المفاوضات عن عددٍ ممن شهد هذه المفاوضات، مثل روايته عن علي بن الطّحان المحاربي (الطبري: 5/401 وما بعدها)، ونقل ذلك عن عقبة بن سمعان - مولى الحسين - (الطبري: 5/408).

    أما المفاوضات بين الحسين وعمر بن سعد، فقد جرى حديث طويل حول بعض فصولها ودعاوى مشكوك حولها - على أقل تقدير - كما سيأتي الحديث عنها ومدى مصداقيتها، وقد نقل أبو مخنف أخبار هذه المفاوضات عن عدةٍ من الرواة القريبين من الحدث، وفي مقدمتهم عقبة بن سمعان - مولى الحسين - (تاريخ الطبري: 5/413).

    كما نقل هشام الكلبي بسنده عن عمار بن عبد الله بن يسار الجُهنيّ أخبار بعث عمر بن سعد رسله للحسين.

    وكان بادئ ذي بدء كثير بن عبد الله الشعبي وهو أحد المشتركين في قتال الحسين، فرجع بعد أن تسابّ مع أبي ثمامة الصائدي الذي منعه من الاقتراب من الحسين إلاّ إن يضع سيفه، فبعث بعده قرّة بن قيس الحنظلي وقد اشترك في قتال الحسين أيضاً. (تاريخ الطبري: 5/410 وما بعدها).

    وقد نقل أبو مخنف هذه الأخبار عن هاني بن ثبيت الحضرمي، حيث نقل عنه لقاء الحسين بعمر بن سعد في الليل بين العسكرين، ولكنه ذكر أنه لم يسمع - ولا غيره - شيئاً من الحديث، إلاّ أن الناس تناقلوا أحاديث شاعت بينهم ولم يكونوا سمعوا شيئاً منها. (تاريخ الطبري: 5/413).

    - صفة القتال وما يتصل به، حيث نقل أبو محنف وغيره تفاصيل مهمة عن ذلك، ومن مصادر وصفناها بالعليمة، ونكتفي بالإشارة إلى بعض هذه التفاصيل:

    * بخصوص عدد أصحاب الحسين، فقد نقل أبو مخنف عن الضحّاك المِشْرَقيّ أنه كان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً. (تاريخ الطبري: 5/422). وكان الضحّاك أحدهم. وقد نقل أبو مخنف - بسنده - عن الزبيدي وهو أحد المشتركين في جيش عمر بن سعد أن أصحاب الحسين عدا الراجلين هم اثنان وثلاثون فارساً (الطبري: 5/436). وهو ما يتوافق مع ما ذكره الضحّاك.

    وقد روى أبو مخنف بسنده عن قرّة التميمي، وهو أحد جنود عمر بن سعد أن عدد الرؤوس التي سرَّح بها عمر بن سعد إلى ابن زياد بلغت اثنين وسبعين رأساً. (تاريخ الطبري: 5/455)

    كما نقل أبو مخنف عن حُميد بن مسلم في رواياته أنه «قتل من أصحاب الحسين(ع) أثنان وسبعون رجلاً». (تاريخ الطبري: 5/455).

    إلاَّ أن هشام الكلبي روى عنه الغاز بن ربيعة الجُرشَيّ - بسنده إليه - قال: والله إنا لعند يزيد ابن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد: ويلك! ما وراءك؟ وما عندك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره. ورَدَ علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته.. (تاريخ الطبري: 5/459). فيكون العدد ثمانية وسبعين.

    وأما ابن سعد فقد نقل عنه الذهبي عن طبقاته أن من كان مع الحسين خمسون رجلاً. وتحول إليه من الجيش عشرون رجلاً. (الذهبي – تاريخ الإسلام: ج7/ 13 – حوادث سنة 61).
    كما نقل الذهبي بسنده عن سعد بن عُبيدة – ويبدو أنه من خواص عمر بن سعد – وكان حاضراً المعركة فقال: وإنهم لقريب مائة رجل. (الذهبي: ج7/15 – حوادث سنة 61).

    وأما عدد جيش ابن سعد، فقد نقل أبو مخنف - بسنده - عن حميد بن مسلم أنه قال: (فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل، فإذا قتل منهم الرجل والرّجلان تبيّن فيهم، وأُولئك كثير لا يتبيّن فيهم ما يقتل منهم) (تاريخ الطبري: 5/439).

    وما أفاده حُميد بن مسلم في هذه الشهادة أمر مهم يفيد - إجمالاً - بمدى الكثرة، وعدم التكافؤ بين المعسكرين.
    وقد نقل أبو مخنف عن الزبيدي - مثلاً - عدد الرماة الذين بعث بهم عمر بن سعد مع الحصين بن تميم وكانوا خمسمائة (تاريخ الطبري: 5/437).

    وفي مورد آخر نقل أبو مخنف عن عُقبة بن سمعان، أن عدد جيش بن سعد الذي توجّه لقتال الحسين بعد أن بعثه ابن زياد وتقدم بهم من الكوفة كانوا أربعة آلاف. (تاريخ الطبري: 5/409).

    وهم عدا من قَدِمَ مع الحر بن يزيد الرياحي وكانوا ألف مقاتل قدموا من القادسية بين يديّ الحصين بن تميم الذي أمره ابن زياد إلى قتال الحسين مع ابن سعد (تاريخ الطبري: 5/401).

    وأما قتلاهم فقد نقل أبو مخنف عن حُميد بن مسلم، أنَّ من قتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلاً سوى الجرحى. (تاريخ الطبري: 5/455).

    * بخصوص القتال الفعلي وشدّته وصرامته، وما كان عليه بأس الحسين وأصحابه، فقد نقل أبو مخنف – تحديداً – تفاصيل مهمة جداً، وهي من غير معسكر الحسين عموماً، عدا ما نقله عن الضحّاك المشرقي، وذلك لجهة تلاشي معسكر الحسين قتلاً، إذ لم يبق من مقاتليه عدا المشرقي والحسن بن الحسن الذي لم يُروَ عنه شيء عن القتال، إذا استثنينا عُقبة بن سمعان الذي كان مولى الرباب زوجة الحسين، وسوّار بن أبي عمير الهمداني الذي ذكر اسمه في زيارة الناحية وأنه جرح ومات من جراحاته بعد ستة أشهر – إن صح ذلك – لعدّه من القتلى عند ابن شهر آشوب، وعدا عمرو بن عبد الله الجندعي الذي ورد في الزيارة – أيضاً – وعدّه ابن شهر آشوب في قتلى الجولة الأولى – وقيل إنه مات بعد ستة من جراحاته.

    ولم يحدَّث عقبة سمعان شيئاً مهماً عن القتال وصفته، ولعل أهم ما وصلنا من الحديث عنه من معسكر الحسين كان عن طريق الضحّاك المشرقي، إذ لم يصلنا – فيما أعلم – شيء عن المرقّع بن ثمامة الأسدي الذي كان قد نثر نبله وجثاً على ركبتيه فقاتل، فجاء نفر من قومه وأمّنوه فخرج إليهم فنفاه عمر بن سعد إلى الزارة من أرض البحرين. ( تاريخ الطبري: 5/ 454).

    وأما المحدَّثون عن القتال من معسكر عمر بن سعد فهم المستند الأساس في هذا المجال، فقد تحدّث عدد من المقاتلين في معسكر عمر بن سعد عن تفاني أصحاب الحسين وبطولاتهم، فضلاً عن شجاعة الحسين وشدّته وقوته، إلى درجة يصف فيها عبدالله البارقيّ موقف الحسين في آخر لحظاته وقد قتل جميع أصحابه إذ يقول: >فو الله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه. والله ما رأيت قبله ولا بعد مثله، أنْ كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدَّ فيها الذئب. (تاريخ الطبري: 5/ 452).

    وقد وصف حُميد بن مسلم موقف الحسين في لحظاته الأخيرة هذه إذ يقول: وسمعته يقول قبل أن يقتل، وهو يقاتل على رجليه قتالَ الفارس الشجاع يتّقي الرمية ويفترص العورة، ويشدُّ على الخيل ... (تاريخ الطبري: 5/ 452).

    وقد نقل أيوب الخيواني وهو الذي عقر فرس الحر الرياحي، فيقول: >فوثب عنه الحر، كأنه ليث والسيف في يده ... <. (تاريخ الطبري: 5/ 437).

    أما ربيع بن تميم فقد روى شدة بأس عابس الشاكري إذ يقول: لما رأيته مقبلاً عرفته وقد شاهدته في المغازي، وكان أشجع الناس، فقلت: أيها الناس هذا الأسد الأسود ... لا يخرجن إليه أحد منكم، فأخذ ينادي: ألا رجل لرجل! فقال عمر بن سعد: إرضخوه بالحجارة ... (تاريخ الطبري: 5/ 444).

    ويُلاحظ: أن الوصف العام للمعركة جاء وصفاً شبه تفصيلي، فقد روى المقاتلون في معسكر عمر بن سعد مقتل معظم أصحاب الحسين. فقد روى عفيف بن زهير أبي الأخنس مقتل بُرير بن حضير (تاريخ الطبري: 5/ 431 وما بعدها)، وروى هاني بن ثُبيت الحضرمي مقتل غلام من آل الحسين، وكنّى عن نفسه لأنه كان قاتله. (تاريخ الطبري: 5/ 449).
    وقد روى الزبيدي مقتل مسلم بن عوسجة وكيف مشى إليه الحسين وحبيب بن مظاهر. (تاريخ الطبري: 5/ 435).
    فيما روى حُميد بن مسلم مقتل القاسم بن الحسن (تاريخ الطبري: 5/ 447)، كما روى مقتل علي بن الحسين وما دعا به الحسين على قاتليه، وأن زينب مشت إليه فردّها الحسين إلى الفسطاط (تاريخ الطبري: 5/ 446). كما روى زهير الخثعمي مقتل علي الأكبر أيضاً. (تاريخ الطبري: ح5/ 446).

    وقد روى حُميد بن مسلم مقتل الحسين ومن باشر قتله واشترك فيه، فسمّى زُرعة بن شريك التميمي، كان ضربه على كفه اليسرى، وسنان بن أنس بن عمرو النخعي طعنه بالرمح فوقع، ثم قال لخولي بن يزيد الأصبحي: احتز رأسه، فأراد أن يفعل، فضعف فأُرِعد، فقال له سنان: فتّ الله عضديك، وأبان يديك! فنزل إليه فذبحه واحتزّ رأسه، ثمّ دفع إلى خولي بن يزيد، وقد ضُرب قبل ذلك بالسيوف. (تاريخ الطبري: 540/ 453).

    وروى حُميد بن مسلم أن عمر بن سعد نادى بأصحابه: مَنْ ينتدب للحسين ويوطئه فرسَه؟ فانتدب عشرة: منهم إسحاق بن حَيْوَهَ الحضرميّ، وهو الذي سلب قميص الحسين، وأحبش بن مرثد بن علقمة الحضرمي، فأتوا فدا سوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره. (تاريخ الطبري: 5/ 454 وما بعدها).

    وقد روى حُميد بن مسلم، هذا، نهب أمتعة أسرة الحسين، وأن عمر بن سعد، قال: من أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم. قال: فو الله ما ردّ أحد شيئاً. (تاريخ الطبري: 5/ 454).

    * الأحداث اللاحقة لمجزرة كربلاء.

    وقد رويت عن عدد من الرواة، وهم من الفريقين؛ من معسكر الحسين، ومن معسكر ابن سعد.

    وقد أشرنا إلى روايات حُميد بن مسلم وهي روايات كثيرة، بعضها تناول ما حصل – لاحقاً – لأهل بيت الحسين(ع)، وما جرى عليهم.

    وممن روى ذلك قرّة بن قيس التميمي، الذي مرّ ذكره، إذ قال: فما نسيت من الأشياء لا أنس قول زينب ابنة فاطمة حين مرَّت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول: يا محمداه، يا محمداه! صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، يا محمداه، وبناتك سبايا،، وذريتك مقتّلة – تسفي عليا الصَّبا. (تاريخ الطبري: 5/ 455).

    ونلاحظ أن حضور الرواية عن أهل بيت الحسين(ع) في هذا (الفصل) من كربلاء أكبر، ودورهم في رواية ظهوراً: حيث روي عنهم عدة روايات في ما وقع لهم.

    فقد روى ابن سعد في طبقاته في (ترجمة الحسين(ع)) عن علي بن الحسين أنه قال: حُمِلنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية، فغصَّت طرق الكوفة بالناس يبكون، فذهب عامة الليل ما يقدرون أن يجوزوا بنا لكثرة الناس، فقلت: هؤلاء الذين قتلونا وهم الآن يبكون. (نقله عن المخطوط المحمودي، محمد باقر، في عبرات المصطفين في مقتل الحسين: ج2/ 254).

    وروي عن علي بن الحسين في (مقتل الحسين للخوارزمي) مجلس يزيد، وأنه كان يتخذ الشراب حين أتي برأس الحسين(ع)، فحضر ذات يوم مجالسه رسول ملك الروم، فسأله عن رأس الحسين وما كان من استنكاره الأمر. (مقتل الحسين: ج2/ 60 وما بعدها).

    وقد مرَّت رواية فاطمة بنت علي بن أبي طالب، وما وقع لها من طلب الشامي من يزيد بن معاوية أن يهبها له وجواب زينب(ع). (تاريخ الطبري: 5/ 461).





  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي


    المبحث الثاني: توثيق النص التاريخي

    في ضوء ما تقدم فإننا يمكن أن نُصَّنف مصادر النص التاريخي المعنى بكربلاء إلى ثلاثة مصادر:

    الأول: وهو المصدر الذي وصفناه بالمصادر العليمة.
    وهو عبارة عن منابع الخبر، والذي تمثّل في عددٍ ممن شهد أحداث كربلاء – عموماً – وله بها صلة ما.

    وقد أشرنا إلى أنَّ هذا المصدر على صنفين، أحدهما: ينتمي إلى معسكر السلطة، أو لم يكن في معسكر الحسين، وثانيهما: ينتمي إلى معسكر الحسين، حيث نجا عدد من المقاتلين مثل الضحّاك المشرقي والحسن بن الحسن، أو كان من الموالي، أو من النساء والمراهقين ممن يدركون الأحداث، حيث تحدّثوا وحدّثوا فكانوا من مصادر هذا النص، وإن لم يكن حديثهم واسعاً مبسوطاً في كثير من الأحيان، بل يلاحظ أن حديث بعض الناجين مفقود ولا أثر له. وإذا كان ثمة ما يبرَّر غياب المرقّع بن ثمامة الأسدي – وهو الذي أفلت من القتل – لجهة نفيه إلى بلاد البحرين يومذاك، فإننا لا نعرف بالضبط لماذا غاب حديث بطلة كربلاء، أعني السيدة زينب(ع)، إذ لم أعثر على إفادةٍ ما في هذا المجال. فهل كان ذلك لمنعٍ سياسي – كما هو تعبيرنا اليوم – أو كان باختيارها الصمت احتجاجا على مجتمع تثاقل عن نصرة أخيها الحسين وهو سبط المصطفى، أو أن إفاداتها ضاعت كما ضاع الكثير من الإفادات في التاريخ؟!!

    الثاني: وهو مصدر قريب من الحدث، وإن لم يكن شاهداً مباشراً، وهو مما يمكن اعتماده، لأنه يفترض فيه إنه استقى معطياته من المصادر الأصلية، وذلك لقربه منها وصلته الوثيقة بها.

    ويندرج في هذا المصدر عدد من الروايات التي وردت في كتبنا الخاصة، وأعني بها كتب الشيعة الإمامية، بل وغيرها – أيضاً – مما روي عن الأئمة عليهم السلام مثلاً، فقد روى عمّار الدهني مقتل الحسين عن الأمام الباقر(ع)، وهو وإن شهد كربلاء وهو طفل صغير، إلاّ أنه – لابد – سمع من أبيه زين العابدين(ع)، وتبقى مصداقية هذا المصدر قائمة في ضوء وثاقة الطريق والسند إلى الإمام الباقر.

    ومثله ما روي عن الإمام الصادق، إذ روى الصدوق (ت 381هـ) عن عبد الله بن منصور وكان رضيعاً لولد زيد بن علي – كما في الرواية - قال: سألت جعفر بن محمد بن علي: حدثني عن مقتل ابن رسول الله، فقال: حدثني أبي عن أبيه ... (بحار الأنوار: ج 44/ 625، ط دار إحياء التراث العربي – بيروت ط أولى – 1992).

    وليس ثمة إشكالية في هذا المصدر إن صحّت النسبة إلى المصدر المشار إليه، كما في عمّار الدهني الذي تم توثيقه من قبل علماء الرجال في وقتٍ لم يُعرف فيه عبد الله بن منصور، مما يجعل هذا النص معرضاً للنقد والتشكيك.

    وفي هذا السياق تروى خطبة السيدة زينب(ع) المشهورة والتي جبهت به يزيد بن معاوية، والتي منها: >أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وضيَّقت علينا آفاق السماء ... أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن...<.
    فقد رويت عن شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم وغيره من الناس كما في الاحتجاج، ونقله عنه المجلسي في بحاره. (بحار الأنوار: ج 45/ 103).

    الثالث: وهو عبارة عما يستفيض بين الناس ويشيع، سواءً كان ذلك حقاً أو باطلاً،ويستند في أحيان كثيرة إلى جهة عاقلةٍ تهدف إلى تركيز الإشاعات في أوساط الناس، كما حصل في ما تناقله الناس يومذاك من أن الحسين فاوض عمر بن سعد، على أن يضع يده بيده ويرسله إلى يزيد، بالرغم من النفي المسؤول سواء من معسكر الحسين كما في نفي عُقبة بن سمعان الذي نفى ما تناقله الناس يومذاك، أو من معسكر عمر بن سعد نفسه، كما في نفي هاني بن ثُبيت الحضرمي.

    وقد يكون منشأ الإشاعة أمراً عاطفياً لحبٍ شديدٍ، أو لعظم الذنب أو الفاجعة وهول الواقعة، كما حصل في دعاوى سماع نوح الجن.

    وربما تسربت أخبار كثيرة وروايات عديدة من هذه الشائعات، بحيث يجد المتابع منها في بعض الكتب المشهورة ما لا مبرر له، فقد روى ابن شهر آشوب أنه >قتل الحسين ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلاً سوى المجروحين (المناقب: ج4/ 110)، فيما يروي المجلسي روايات عمّا أسماه بعض مؤلفات المعاصرين: أن عدد جيش ابن زياد كانوا سبعين ألف فارس. (بحار الأنوار: ج44/ 622).

    وأُلْفِتْ إلى أن معظم روايات المجلسي في صفة القتال وما تلا ذلك - مما لا يستند إلى المصادر الأصلية كما في مقتل الحسين لأبي مخنف أو الإرشاد للمفيد - كان من كتبٍ غير معتبرة، وكانت مجموعة من الروايات المرسلة.

    ومن ذلك: ما ذكره في مصرع العباس(ع) وكيف استأذن الحسين وخروجه وكيف أصيب، فإنه نقله عن (بعض تأليفات أصحابنا) على حدَّ تعبيره. (بحار الأنوار: ج45/ 31).
    كما نقل بعض الروايات التي يكررها قرّاء المنبر الحسيني في كيفية توديع الحسين في آخر الوداع، حيث ذكر أنه >وفي بعض الكتب أن الحسين لما نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى التفت إلى الخيمة، ونادى: يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أم كلثوم، عليكن مني السلام، فنادته سكينة: يا أبه استسلمت للموت؟ قال: كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين؟ فقالت: يا أبه ردّنا إلى حرم جدنا، فقال: هيهات لو ترك القطا لنام، فتصارخن النساء. (بحار الأنوار: ج45/ 35).

    ونقل عن فاطمة الصغرى كيف كانت تنظر من باب الخيمة وتفكر فيما سيؤول إليه الأمر بعد قتل الحسين وأصحابه، وكيف أن رجلاً من بني أمية أخذ يسوق النساء بكعب رمحه .... فإن الشيخ المجلسي قال: رأيته في بعض الكتب(بحار الأنوار: ج45/ 44)، بل نقل روايات مرسلة طويلة عمّا وصفه بكتب الأصحاب أو بعض الكتب، ومن ذلك رواية تتعلق تارة بيهودي أو طير يُخبر عن مقتل الحسين ورؤيا تراها سكينة وتسردها على يزيد بن معاوية(بحار الأنوار: ج45/ 126). كما ينقل قصة ولدي مسلم بن عقيل، وهي قصة مشهورة بين الناس، ينقلها بسنده عن أبي محمد شيخ لأهل الكوفة، يرويها عنه رواة مجهولون. (بحار الأنوار: ج45/ 67).

    بل أن الشيخ المجلسي وهو بصدد ترجيح بعض الروايات التاريخية على غيرها يعتمد معايير - ربما مزاجية – لا تصلح للترجيح، ففي سياق نفيه ما روي عن سحق جسد الحسين، اعتمد على رواية غريبة جداً رواها الشيخ الكليني في كتابه الكافي. قال المجلسي: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي انه لم يتيَّسر لهم ذلك. (بحار الأنوار: ج45/ 43).

    والرواية: أن فضة قالت لزينب: أن سفينة مولى رسول الله كسرت به سفينة في البحر وقد دلّه على الطريق أسد كان هناك فدعيني أمضي إليه فأعلمْه ما هم صانعون غد؟
    فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث- وهي صفة الأسد – فرفع رأسه، ثم قالت: أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبد الله؟ يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره، قال: فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين(ع) فأقبلت الخيل، فلما نظروا إليه، قال لهم عمر بن سعد: فتنة لا تثيروها، انصرفوا فانصرفوا.

    ونخلص إلى أن أهم مصادر النص التاريخي هو ما رواه الإخباريون، وفي مقدمتهم أبو مخنف لوط بن يحيى، وحفظه المؤرخون، وهي الأكثر صدقية، من حيث الرواية ومن حيث المرويّ، وهو - عنذئذ – يغنينا عن هذا الكم الهائل من الروايات المرسلة والأخبار التي يتناقلها الناس دونما وعي أو فهم، خصوصاً بالنسبة للكتب المتأخرة – جداً – عن واقعة كربلاء وأحداثها، والتي تصل إلى عدة قرون، دونما اتصال كما هو المعهود في النقل، مما تعارف عليه علماء التوثيق.

    معايير التوثيق:

    وإذا كان النص التاريخي الذي وصلنا عن الإخباريين هو الأكثر مصداقية، في ضوء المقارنة مع النصوص الأخرى التي أشرنا إليه، فإن ذلك لا يدعو إلى إغفال توثيق هذا النص وفحصه، خارجياً على مستوى السند، وداخلياً من حيث الدلالة ونقد المضمون.

    وربما يحسن أن نشير إلى بحثٍ أصولي – نسبة إلى أصول الفقه – يعالج تبرير اعتماد هذه الأخبار والتعويل عليها، وهي أخبار آحاد كما توصف، وليست متواترة على مستوى التفاصيل.

    حجية الخبر التاريخي/ النقد الخارجي:

    وفي إطار البحث عن حجية الخبر في المجال التاريخي اختلف علماء أصول الفقه بين فريقين: أحدهما اعتبر الخبر التاريخي عارٍ عن الحجية والاعتبار، وذلك لأن الحجية – كحكم شرعي – إنما تثبت فيما إذا كان ثمة أثر شرعي، و لا عمل ولا تكليف في فرض الأخبار التكليفية، ولذلك لا يجوز الإخبار القطعي عن هذه المضامين، لأن جواز الإخبار أثر من آثار العلم به لا من آثار المعلوم بوجوده الواقعي، ولذلك لا يجوز الإخبار – في هذه الحالة - لأن المضمون والمفاد إنما يثبت بالخبر الواحد وهو ظني.

    وثانيهما: اعتبر الخبر التاريخي في المجال التاريخي حجة، لأن الحجية تعني جعل غير العلم علماً بالتعبد، ويكون حجة باعتبار أثر واحد وهو جواز الإخبار بمتعلقه، ولذلك فإن قام ظن خاص (وهو الخبر) على قضية تاريخية جاز الإخبار بذلك.
    ومن الواضح أن البحث الأصولي لم يُعن بالإثبات التاريخي، لأنه كان بصدد جواز تناقل الأخبار، وهو معنى مهم أيضاً، ويغلق الباب أمام الإنفلات الواسع في هذا المجال.

    أما تاريخياً – وتحديداً في ما يتعلق بالإثبات التاريخي – فإنَّ هناك طريقين:

    الأول: وهو ما دأب عليه المحدَّثون، من اشتراط السند وما يعرف بـ (العنعنة).

    الثاني: وهو ما يعرف بتراكم الأدلة، وجمع القرائن والشواهد والمؤشرات.

    ويُلاحظ أن النص التاريخي المعني بكربلاء توفر على الطريقتين معاً إلى حدًّ ما، وهو ما يعطي النص الكربلائي امتيازاً هاماً ويمحنه مصداقية كبيرة.

    النقد الداخلي:

    ومن الواضح أن النص التاريخي المعني بكربلاء ليس بدعاً من النصوص التاريخية الأخرى، ولذلك فإنه يخضع للفحص داخلياً، لمعرفة ما إذا كان صحيحاً ومنسجماً مع ما يمكن أن نسميه بالسياقات التاريخية.

    ومهمة من هذا النوع مسؤولية كبيرة ولم تأخذ دورها الكبير في ما يتعلق بالنص التاريخي المعني بكربلاء.

    فقد لا نقبل الروايات التي أوصلت عديد الجيش الأموي إلى سبعين ألف فارس، كما تبنّاه الشيخ المجلسي وغيره، كما لا يمكن قبول أن يقتل الحسين ما يقرب من ألفي مقاتل كما أفاده الشيخ ابن شهر آشوب.

    كما لا يسعنا قبول رواية طويلة رويت في كتب متأخرة تتعلق بدفن الحسين(ع) من قبل ولده علي بن الحسين(ع)، فضلاً عن روايات تتعلق بسير قافلة السبي إلى الشام واختيارها طريقاً قد لا يساعد عليه السياق التاريخي وطرق السير والوقت الكافي لقطع المسافات يومذاك، فضلاً عن قبول رجوع عائلة الحسين إلى كربلاء.

    ونشير إلى عددٍ من مظاهر الخلل – دلالياً – في بعض روايات حُميد بن مسلم، وهو ينقل خبر نية ابن زياد وإقدامه على قتل علي بن الحسين، حيث يأمر بالكشف عليه لمعرفة ما إذا كان بالغاً أو لا، في وقتٍ يزيد فيه عمر علي بن الحسين على العشرين في مظهر رجولي واضح، فضلاً عن روايات أخرى له، يتحدث فيها مع الشمر وخشيته من أن يتعرف عليه وما يلحق به من ضرر - كما يدّعيه - من الشمر يوم كان يدفع عن عائلة الحسين مع أنه يصعب قبول أن لا يكون حُميد بن مسلم معروفاً عند شمر بن الجوشن وهو من شرطة ابن سعد أو خواصه كما يبدو من النص التاريخي.

    كما أُنبه إلى أن البحث الدلالي واسع وهو جدير بالبحث، وسيجد المتابع والباحث ما يعينه على تلمُّس ما هو الأكثر صحة والأقرب إلى الواقع، فإننا في الوقت الذي نجد فيه إشاعات عديدة تملأ بعض الكتب وهي تسرد خبر طلب الحسين من ابن سعد أن يذهبا معاً إلى يزيد بن معاوية، نجد ما يكذّب الإشاعة من معسكر الحسين – وهو عقبة بن سمعان – الذي نفى أن يكون سمع ذلك، وهو الذي لازم الحسين في حلّه وترحاله، ومن معسكر غير الحسين، كما هو هاني الحضرمي الذي نفى أن يكون أحد سمع ذلك من الحسين أو عمر بن سعد وإنما أحاديث تناقلها الناس دونما سماع شيء من ذلك.

    ومن هذا القبيل ما يرويه بعض المؤرخين دونما تعليق – من قول زحْر بن قيس وهو يصف يزيد بن معاوية القتال في كربلاء، وكيف أن جيش ابن سعد قضى على أصحاب الحسين، وإنهم كانوا يلوذون خلف هذه الأكمة أو تلك، في وقتٍ يشهد فيه مقاتلو عمر بن سعد بالشجاعة الفائقة التي تحلّى بها الحسين ومقاتلوه حيث أذهلتهم، ودعتهم إلى تلمُّس آليات للقتال لا تتناسب مع معايير الشرف القتالي، من اللجوء إلى الحجارة وغير ذلك.

    خاتمة

    ونخلص إلى أنَّ (كربلاء) حقيقة تاريخية وقد وصلتنا أحداثها ووقائعها بطرقٍ سليمة إلى حد كبير جداً، وفقاً لما هو المعهود والمتعارف عليه – يومذاك – في النقل التاريخي. وقد تضافرت جهود المؤرخين على نقلها وتتّبع أخبارها ما أمكنهم، إلى حد يمكن القول معه إنَّ الثراء الذي امتاز به النص التاريخي المعني بكربلاء لم يُعهد في سواه من النصوص التاريخية الأخرى، عدا نصوص السيرة النبوية. وهذا ما يدعو إلى الاكتفاء بالنصوص التاريخية السليمة، وعدم التشبث بالأخبار الغريبة والمقطوعة والمرسلة التي اشتملت عليها كتب المتأخرين.

    وإذا كانت (كربلاء) ناصعة، فلماذا نحاول تقزيمها بسرد نصوصٍ لا نظن بصحتها فضلاً عن القطع بذلك، وإنَّ من الحق ما بأيدينا يكفينا عن كثير من باطل الأخبار الذي لا يفيد في شيء، كما هو قول الصادق عليه "وإن قليلاً من الحق ليغني عن كثير من الباطل" فكيف إذا كان في ما بأيدينا من الحق كثير.

    انتهى





  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    للرفع ..بمناسبة محرم الحرام 1431





  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    يرفع البحث بمناسبة حلول الذكرى السنوية وألأيام الحزينة المباركة من شهر محرم الحرام لاستشهاد الامام الحسين (ع) من عام 1432





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني