* النّوار بنت مالك ، زوجة خَوَلّي بن يزيد الأصبحي، روى عنها هشام بواسطة أبيه، أنها قالت: أقبل خَوَلّي برأس الحسين فوضعه تحت إجّانة في الدار، ثم دخل البيت فآوى إلى فراشه، فقلت له: ما الخبر؟ ما عندك؟ قال: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار.
قالت: فقلت: ويلك، جاء الناس بالذهب والفضة، وجئت برأس ابن رسول الله، لا والله، لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبداً، قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار.. وجلست أنظر، فوالله ما زلت انظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجّانة، ورأيت طيراً بيضاً ترفرق حولها.. (تاريخ الطبري ج5/ 455).
* زهير الخثعمي ، روى عنه أبو مخنف، أنه قال: كان آخر من بقي مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، وكان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذٍ علي الأكبر، ونقل رجزه، وأنه كيف كان يشد على جيش ابن سعد، وإن قاتله مرة بن منقذ بن النعمان العبدي، طعنه واحتوله الناس فقطعوه بأسيافهم (تاريخ الطبري ج5/ 446).
* علي بن الطعان المحاربيّ ، روى عن هشام بسنده عنه وكان في جيش الحر بن يزيد الرياحي، وقد روى عنه كيف أنه كان آخر من جاء من أصحاب الحر، وأن الحسين(ع) سقاه، ونقل ما دار بين الحر والحسين، وكيف منعه وما آلت إليه الأمور بينهما من ألا يدخل الحسين الكوفة ولا يرجع إلى المدينة، ونقل صلاة الحر وجيشه خلف الحسين بادئ الأمر وغير ذلك من التفاصيل المهمة. (تاريخ الطبري ج5/ 401 وما بعدها).
* لوذان من بني عكرمة ، نقل عنه أبو مخنف ما رواه عن أحد عمومته، وكان سأل الحسين(ع) في الطريق إلى العراق أين يريد؟ فحدثه، فقال له: إني أنشدك الله لما انصرفت، فوالله لا تقدم إِلاّ على الأسنة وحدّ السيوف، فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال، ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا. فقال له الحسين: يا عبد الله، إنه ليس يخفى عليَّ، الرأيُ ما رأيتُ، ولكن الله لا يُغلب على أمره، ثم ارتحل من بطن العقبة. (تاريخ الطبري ج5: 399).
* بكر بن مصعب المُزَنيّ ، روى عنه أبو مخنف بسنده، قال: كان الحسين لا يمرّ بأهل ماء إلاّ اتبعوه حتى إذا انتهى إلى زُبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة، مقتل عبد الله بن يُقطر.. (تاريخ الطبري، ج5/ 398).
* عبد الله بن يسار الجُهَنّي ، روى عنه هشام بسنده، فنقل عن ابنه عمار أن أباه دخل على عمر بن سعد وقد أُمر بالمسير إلى الحسين، فقال له عمر بن سعد: إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين فأبيت ذلك عليه، فقال له الجهني، أصاب الله بك، أرشدك الله، أحِلْ فلا تفعل ولا تَسِرْ إليه. قال الجهني: فخرجت من عنده، فأتاني آتٍ وقال: هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين قال: فأتيتُه وهو جالس، فلما رآني أعرض بوجهه فعرفت أنه قد عزم على المسير إليه.. (تاريخ الطبري: ج5/ 410).
* حسان بن فائد بن بكير العبسيّ ، روى عنه أبو مخنف بسنده عنه، وقد روى عنه كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد، قال حسان: أشهد أن كتاب الله عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي، فسألته عما أقدمه، وماذا يطلب، فقال: كتب إليَّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم.. ونقل كتاب ابن زياد إليه: أما بعد فقد بلغني كتابك، فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا، والسلام. (تاريخ الطبري ج5/ 411).
* أيوب بن مِشْرَحِ الخيواني ، روى عنه أبو مخنف بسنده، أنه كان يقول: أنا والله عقرتُ بالحر بن يزيد فرسه، حشأته (رميته) سهماً، فما لبث أن أرعِد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحر، كأنه ليث والسيف في يده وهو يقول:
إن تعقروا بي فأنا ابن الحر
أشجعُ من ذي لِبْدٍ هزبَرْ
قال: فما رأيت أحداً قط يفري فرْيَه، فقال له أشياخ من الحي أنت قتلته؟ قال: لا والله ما أنا قتلته. (تاريخ الطبري ج5/ 437).
وروى عنه مقتل امرأة الكلبي التي مشت إلى زوجها فأمر شمر غلاماً له يسمى رستم أن يضرب رأسها بالعمود فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها. كما روى محاولة إحراق فسطاط الحسين. (تاريخ الطبري: ج5/ 438).
* ربيع بن تميم ، وقد شهد مقتل الحسين مع جيش عمر بن سعد، وقد روى عنه أبو مخنف بسنده.
ومما رواه عنه كيف قاتلهم عابس بن أبي شبيب الشاكري، يقول: لما رأيته مقبلاً عرفته، وقد شاهدته في المغازي، وكان أشجع الناس، فقلت أيها الناس هذا الأسد الأسود، هذا أبن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم، فأخذ ينادي ألا رجل لرجل، فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة، قال: فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومِغفره، ثم شدّ على الناس، فوالله لرأيته يكرد (يطرد) أكثر من مائتين من الناس، ثم إنهم تعطّفوا عليه من كل جانب فقتل، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عُدَّة، هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله سنان واحد. (تاريخ الطبري ج5/ 444).
* أبو الوداك ، روى عنه أبو مخنف ما خطب به، ابن زياد في الناس: فإن أمير المؤمنين - أصلحه الله - ولاّني مصرعكم وثغركم... وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي... وكان ذلك لمّا أقبل من البصرة إلى الكوفة. (مقاتل الطالبيين ص100).
* عباس الجدلي ، أحد أنصار مسلم بن عقيل في الكوفة، وقد ولاه إمرة بعض أصحابه، روى عنه أبو مخنف روايات مهمة في هذا المجال (تاريخ الطبري: 5/369)
* عبد الرحمن الكثيري ، وقد كان عيناً لمسلم بن عقيل في قصر الإمارة، روى عنه أبو مخنف روايات تتصل بأحداث الكوفة. (تاريخ الطبري: 5/368).
* ريّا حاضنة يزيد بن معاوية ، روي عنها أيام استتارها في أواخر الدولة الأموية، أنها قالت: دخل بعض بني أمية على يزيد فقال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد أمكنك الله من عدو الله وعدوك – يعني الحسين – قد قتل ووجَّه برأسه إليك، قالت فلم يلبث إلاّ أياماً حتى جيء برأس الحسين، فوضع بين يدي يزيد في طست، فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه، فحين رآه خمرَّ وجهه بكمه – كأنه يشمُّ منه رائحة – وقال: الحمد الله الذي كفانا المؤنة بغير المؤنة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، قالت ريّا: فدنوت منه فنظرت إليه وبه ردع من حنّا. فسألها الراوي، فقلت لها: أقَرَع ثناياه بالقضيب كما يقولون؟ قالت: إي، والذي ذهب بنفسه، وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده، ويقول أبياتاً من شعر ابن الزِبَعرْى...( تاريخ ابن عساكر: ترجمة رقم 52 من تراجم النساء، المجلد الأخير من تاريخ دمشق، ص 101)
* المنهال بن عمرو، روي عنه: أنه رأى رأس الحسين(ع) وهو يتكلم، إذ روى عنه ابن عساكر بسنده إليه، أنه قال: أنا والله رأيت الحسين بن علي حين حمل وأنا بدمشق، وبين الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتى بلغ قوله تعالى: {أم حسبتم أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا}. قال المنهال: فأنطق الله الرأس بلسانٍ ذرب فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي ..(في ترجمة المنهال بن عمرو في تاريخ ابن عساكر).
* وقد روي عن سنان بن أنس قاتل الحسين(ع) أنه حدَّث عن قتله الحسين في مجلس الحجّاج، إذ روى الطبراني في (المعجم الكبير ج3/118 ط بغداد) بسنده عن أسلم المنقري قال: دخلت على الحجّاج فدخل سنان بن أنس قاتل الحسين، فإذا هو شيخ آدم فيه جثا طويل الأنف في وجهه برش، فأوقف بحيال الحجّاج، فنظر إليه الحجّاج فقال: أنت قتلت الحسين؟ قال: نعم، قال: وكيف صنعت به؟ قال: دعمته بالرمح دعماً وهبرته بالسيف هبراً، فقال له الحجّاج: أما إنكما لن تجتمعا في دار.
وروي مجلسه وكلامه عند الحجّاج في مصادر أخرى.
ثالثاً: نص غنيّ بالتفاصيل:
إذ نلاحظ أن النص التاريخي المعنيّ بكربلاء وفيرٌ وغني في آنٍ، وقد نجح في تغطية شاملة لأحداث كربلاء، على تنوّع أحداثها ووقائعها، وتنوّع المساحات المكانية التي تتصل بها، واختلاف المقاطع الزمنية أيضاً.
فمن حيث الزمان شملت التغطية التاريخية الأحداث التي شكلّت بواكير الاهتزاز السياسي في العام 60 للهجرة عقيب وفاة معاوية بن أبي سفيان، كما شملت بالتغطية أحداث العام 61 للهجرة عام مقتل الحسين(ع) وما تبعه من أحداث.
ومن حيث المكان فقد شمل النص التاريخي بتغطية الأحداث التي تتصل بواقعة كربلاء، إنْ في المدنية المنوَّرة أو في مكة المكرمة، كما شمل بتغطيته للأحداث في الكوفة قبل مقتل الحسين وبعد مقتله، كما اهتم بما جرى لمسير الحسين في طريقه من مكة إلى العراق مروراً ببلْدات وقرى ومنازل وصولاً إلى كربلاء.
ويلاحظ أن هذا النص التاريخي كما عني بما وقع للحسين(ع) قبيل استشهاده، فإنه عنى به بعد استشهاده ولما جرى على عائلته وأسرته، إنْ في كربلاء أو الكوفة أو في دمشق وصولاً إلى المدينة وحال أهلها إبّان استقبال أسرة الحسين(ع).
وربما تحسن الإشارة إلى بعض مصادر النص التاريخي ومدى تغطيته الشاملة لما جرى للحسين وما صاحب الحدث ما رافقه وما تلاه، وسأكتفي بالتركيز على روايات أبي مخنف.
- أحداث الكوفة وبعث مسلم بن عقيل:
ومن المعلوم أن الأحداث التي جرت في الكوفة قبل وصول مسلم بن عقيل وبعد وصوله جديرة بالاهتمام، وهي بمثابة الفصل التمهيد لأحداث كربلاء، وقد روى أبو مخنف رواياته بهذا الصدد عن عددٍ من المصادر المهمة وبتفصيل كبير، وبمصداقية عالية لجهة وقوفه على مصادر أصيلة كانت حاضرة المشهد السياسي يومذاك. وأشير إلى مصادر ستة من مصادر أبي مخنف في أحداث الكوفة الأولى:
* محمد بن بشر الهمداني ، وقد حدَّث عنه أبو مخنف - بسنده إليه - اجتماع الشيعة في منزل سليمان بن صرد - وكان حاضراً - ومكاتبتهم الحسين ومراسلتهم له (الطبري: 5/352)، وحدَّث عنه ما تلا حبس هاني من أحداث وخوف عبيد الله بن زياد واغلاق القصر عليه. (الطبري: 5/368).
* أبو ودّاك جبر بن نوف، حدَّث عنه أبو مخنف موقف النعمان بن بشير وتغليبه مسالمة أهل الكوفة وخطبته في ذلك. (الطبري: 5/35) كما نقل عنه خطبة ابن زياد بعد أن استولى على قصر الإمارة، ونقل عنه - أيضاً - تفاصيل انتقال مسلم من منزل المختار إلى منزل هاني وما تبع ذلك من أحداث. (تاريخ الطبري: 5/361) وحدَّث عنه - أيضاً - كيف استُدْرِجَ هانئ بواسطة صهره عمرو بن الحجّاج إلى قصر الإمارة وحبسه فيه. (تاريخ الطبري: 5/364).
* عبد الرحمن بن شريح ، روى عنه أبو مخنف استنجاد هاني بعشيرته، وكيف أنه خرج – نفسه - إلى عشيرة مذحج المحيطين بالقصر، وأنه كان يودّ إخبارهم بحال هاني لولا أن ابن زياد بعث معه أحد شرطته، فابلغهم بأن حال هانئ على ما يرام وأنه حي. (تاريخ الطبري: 5368).
* عبد الرحمن بن خازم الكثيريّ من الأزد ، وهو رسول مسلم بن عقيل إلى قصر الإمارة للتعرّف على أحوال هاني في القصر بعد حبسه - فقد حدَّث عنه وروى أبو مخنف أنه أول الداخلين على مسلم بن عقيل بعد ضرب هاني وحبسه، فأخبر مسلماً بذلك، وأمره مسلم بالنداء إلى مبايعيه، وعبأ أصحابه وعقد لكل جماعة، وأحاطوا بالقصر فتحرز به ابن زياد وأغلق الأبواب عليه. (تاريخ الطبري: 5/368 وما بعدها).
* عباس الجدَلي ، وهو أحد أنصار مسلم بن عقيل وقد عقد له الإمرة على بعض أنصاره، روى عنه أبو مخنف - بسنده إليه - ومن ذلك أنه قال: خرجنا مع ابن عقيل أربعة آلاف، فما بلغنا القصر إلاّ ونحن ثلاثمائة... ونقل تفاصيل أخرى بهذه الصدد. (تاريخ الطبري: 5/369).
* عوف بن أبي جحيفة ، نقل عنه أبو مخنف روايات تتعلق بمقتل هاني وكيف قتل (تاريخ الطبري: 5/378)، كما روى عنه مقالة بكير بن حمران قاتل مسلم، وهو يصف لابن زياد كيف قتل مسلم عندما أُصعد به إلى سطح القصر (5/378 وما بعدها).
وهناك روايات كثيرة نقلها أبو مخنف ورواها عمن شهد أحداث الكوفة، وكيف تمت تصفية أنصار الحسين في الكوفة ترهيباً وترغيباً، وهي حرّية بالدراسة تفصيلاً، واكتفينا بذكر أهمها لإثبات أن النص التاريخي المعنّي بكربلاء نص غني بالأحداث الصادقة في الجملة.
- الطريق إلى كربلاء:
وكما شملت تغطية الأحداث في الكوفة التي مهّدت لأحداث كربلاء، فقد اهتم الإخباريون بأحداث كربلاء تفصيلاً، ابتداءً بالقرار الحسيني بإعلان الثورة وإعلان الخيار العسكري في المواجهة.
وقد نقل أبو مخنف روايات عديدة في آراء كبار التابعين في المدينة، وقد نقل بعضها عنهم بواسطة واحدة، كما نقل ذلك عن عمر بن عبد الرحمن المخزومي الذي روى انه مشى إلى الحسين وهو بمكة وأبدى إليه رأيه في عدم التوجّه إلى العراق. (تاريخ الطبري: 5/382).
وقد لاحق أبو مخنف - وغيره - أخبار الحسين في الطريق إلى كربلاء فضبط - وغيره أيضاً - أخباره في منازله العديدة التي نزلها، فقد نقلها عن عددٍ من الرواة الذي شهدوا ذلك، ومنهم:
* عبد الله بن سليم والمذرىّ الأسديان ، نقل عنهما أبو مخنف مقاطع عديدة من الروايات، حيث شهدا الحسين في الطريق وتحدثا إليه. (تاريخ الطبري: 5/384، 386، 397).
* الفرزدق الشاعر ، نقل عنه هشام الكلبي بسنده عن لبطة بن الفرردق عن أبيه، رواية لقائه الحسين في الطريق وحديثه معه. (تاريخ الطبري: 5/386).
وقد نقل أبو مخنف لقاء الفرزدق الحسين عن الأسديين عبد بن سليم والمذريّ (تاريخ الطبري: 5/386).
* علي بن الحسين (السجّاد) ، نقل عنه أبو مخنف بعض أخبار الطريق، ومن ذلك خبر كتاب عبد الله بن جعفر إلى الحسين، حمله إليه ولداه عون ومحمد (تاريخ الطبري: 5/387).
* دلهم بنت عمرو ، امرأة زهير بن القين، روى عنها أبو مخنف وعن رجل من بني فزارة وكان مع زهير بن القين، كيف التحق زهير بالحسين وسار معه إلى كربلاء. (تاريخ الطبري: 5/396).
* عُقبة بن سمعان ، روى عنه أبو مخنف بعض أخبار الطريق، ونقل عنه بسنده إليه - كيف اعترض رسل عمرو بن سعيد بن العاص طريق الحسين لما خرج من مكة لمنعه من الخروج، ولكنه أبى عليهم وتضارب الفريقان وتدافعا، ومضى الحسين إلى وجهه. (تاريخ الطبري: 5/385).
وقد نقل أبو مخنف خطب الحسين في الطريق عن مصادر عليمة.
- أحداث كربلاء:
وتركّز اهتمام الأخباريين بكربلاء تحديداً، وفي مقدمتهم أبو مخنف، الذي روى أخبار كربلاء بتفصيلٍ ومن الفريقين، وحاول الإخباريون - قدر إمكاناتهم - الإحاطة بهذه الأحداث وتفاصيلها، وهي تفاصيل مهمة تتعلق بمناحي كثيرة من هذه الحادثة، سواء العسكري منها أو غير العسكري، كالظروف الإنسانية والمعيشية التي رافقت هذه الواقعة.
وفي هذا السياق يجد الباحث والمتابع تفاصيل النص التاريخي بوضوح وبمصداقية عالية في الجملة، فقد نقل الإخباريون:
- الخطب التي كان يلقيها المتحدثون من الفريقين، وهي عبارة عن الأدبيات التي تؤسس لمنهج الفريقين وتحدد معالم الطريق لديهما.
وقد نقل أبو مخنف - مثلاً - عدداً من خطب الحسين، وذلك عن تلك المصادر التي وصفناها بالعليمة، ومن ذلك ما رواه عن الضَّحاك المشرقي. (تاريخ الطبري: 5/424 وما بعدها).
كما نقل أبو مخنف خطباً لغير الحسين، كما في خطبة زهير بن القين الذي نقلها أبو مخنف عمن شهد كربلاء في معسكر عمر بن سعد، وهو كثير بن عبد الله الشعبي وملاسنة زهير وشمر أثناءها. (تاريخ الطبري: 5/426).
- المفاوضات بين الطرفين، إذ نقل أبو مخنف وغيره الأخبار التي تناولت هذه المفاوضات، وهي محاورات جرت بين معسكر الحسين(ع) وبين معسكر عمر بن سعد، وقبل ذلك جرت مفاوضات بين الحسين وبين الحر وهو أول طلائع جيش ابن زياد، فدخلا في تفاوضٍ حول اختيار الأرض التي يستقر فيها الحسين(ع) وما تلا ذلك من أحداث. وقد نقل أبو مخنف هذه المفاوضات عن عددٍ ممن شهد هذه المفاوضات، مثل روايته عن علي بن الطّحان المحاربي (الطبري: 5/401 وما بعدها)، ونقل ذلك عن عقبة بن سمعان - مولى الحسين - (الطبري: 5/408).
أما المفاوضات بين الحسين وعمر بن سعد، فقد جرى حديث طويل حول بعض فصولها ودعاوى مشكوك حولها - على أقل تقدير - كما سيأتي الحديث عنها ومدى مصداقيتها، وقد نقل أبو مخنف أخبار هذه المفاوضات عن عدةٍ من الرواة القريبين من الحدث، وفي مقدمتهم عقبة بن سمعان - مولى الحسين - (تاريخ الطبري: 5/413).
كما نقل هشام الكلبي بسنده عن عمار بن عبد الله بن يسار الجُهنيّ أخبار بعث عمر بن سعد رسله للحسين.
وكان بادئ ذي بدء كثير بن عبد الله الشعبي وهو أحد المشتركين في قتال الحسين، فرجع بعد أن تسابّ مع أبي ثمامة الصائدي الذي منعه من الاقتراب من الحسين إلاّ إن يضع سيفه، فبعث بعده قرّة بن قيس الحنظلي وقد اشترك في قتال الحسين أيضاً. (تاريخ الطبري: 5/410 وما بعدها).
وقد نقل أبو مخنف هذه الأخبار عن هاني بن ثبيت الحضرمي، حيث نقل عنه لقاء الحسين بعمر بن سعد في الليل بين العسكرين، ولكنه ذكر أنه لم يسمع - ولا غيره - شيئاً من الحديث، إلاّ أن الناس تناقلوا أحاديث شاعت بينهم ولم يكونوا سمعوا شيئاً منها. (تاريخ الطبري: 5/413).
- صفة القتال وما يتصل به، حيث نقل أبو محنف وغيره تفاصيل مهمة عن ذلك، ومن مصادر وصفناها بالعليمة، ونكتفي بالإشارة إلى بعض هذه التفاصيل:
* بخصوص عدد أصحاب الحسين، فقد نقل أبو مخنف عن الضحّاك المِشْرَقيّ أنه كان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً. (تاريخ الطبري: 5/422). وكان الضحّاك أحدهم. وقد نقل أبو مخنف - بسنده - عن الزبيدي وهو أحد المشتركين في جيش عمر بن سعد أن أصحاب الحسين عدا الراجلين هم اثنان وثلاثون فارساً (الطبري: 5/436). وهو ما يتوافق مع ما ذكره الضحّاك.
وقد روى أبو مخنف بسنده عن قرّة التميمي، وهو أحد جنود عمر بن سعد أن عدد الرؤوس التي سرَّح بها عمر بن سعد إلى ابن زياد بلغت اثنين وسبعين رأساً. (تاريخ الطبري: 5/455)
كما نقل أبو مخنف عن حُميد بن مسلم في رواياته أنه «قتل من أصحاب الحسين(ع) أثنان وسبعون رجلاً». (تاريخ الطبري: 5/455).
إلاَّ أن هشام الكلبي روى عنه الغاز بن ربيعة الجُرشَيّ - بسنده إليه - قال: والله إنا لعند يزيد ابن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد: ويلك! ما وراءك؟ وما عندك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره. ورَدَ علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته.. (تاريخ الطبري: 5/459). فيكون العدد ثمانية وسبعين.
وأما ابن سعد فقد نقل عنه الذهبي عن طبقاته أن من كان مع الحسين خمسون رجلاً. وتحول إليه من الجيش عشرون رجلاً. (الذهبي – تاريخ الإسلام: ج7/ 13 – حوادث سنة 61).
كما نقل الذهبي بسنده عن سعد بن عُبيدة – ويبدو أنه من خواص عمر بن سعد – وكان حاضراً المعركة فقال: وإنهم لقريب مائة رجل. (الذهبي: ج7/15 – حوادث سنة 61).
وأما عدد جيش ابن سعد، فقد نقل أبو مخنف - بسنده - عن حميد بن مسلم أنه قال: (فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل، فإذا قتل منهم الرجل والرّجلان تبيّن فيهم، وأُولئك كثير لا يتبيّن فيهم ما يقتل منهم) (تاريخ الطبري: 5/439).
وما أفاده حُميد بن مسلم في هذه الشهادة أمر مهم يفيد - إجمالاً - بمدى الكثرة، وعدم التكافؤ بين المعسكرين.
وقد نقل أبو مخنف عن الزبيدي - مثلاً - عدد الرماة الذين بعث بهم عمر بن سعد مع الحصين بن تميم وكانوا خمسمائة (تاريخ الطبري: 5/437).
وفي مورد آخر نقل أبو مخنف عن عُقبة بن سمعان، أن عدد جيش بن سعد الذي توجّه لقتال الحسين بعد أن بعثه ابن زياد وتقدم بهم من الكوفة كانوا أربعة آلاف. (تاريخ الطبري: 5/409).
وهم عدا من قَدِمَ مع الحر بن يزيد الرياحي وكانوا ألف مقاتل قدموا من القادسية بين يديّ الحصين بن تميم الذي أمره ابن زياد إلى قتال الحسين مع ابن سعد (تاريخ الطبري: 5/401).
وأما قتلاهم فقد نقل أبو مخنف عن حُميد بن مسلم، أنَّ من قتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلاً سوى الجرحى. (تاريخ الطبري: 5/455).
* بخصوص القتال الفعلي وشدّته وصرامته، وما كان عليه بأس الحسين وأصحابه، فقد نقل أبو مخنف – تحديداً – تفاصيل مهمة جداً، وهي من غير معسكر الحسين عموماً، عدا ما نقله عن الضحّاك المشرقي، وذلك لجهة تلاشي معسكر الحسين قتلاً، إذ لم يبق من مقاتليه عدا المشرقي والحسن بن الحسن الذي لم يُروَ عنه شيء عن القتال، إذا استثنينا عُقبة بن سمعان الذي كان مولى الرباب زوجة الحسين، وسوّار بن أبي عمير الهمداني الذي ذكر اسمه في زيارة الناحية وأنه جرح ومات من جراحاته بعد ستة أشهر – إن صح ذلك – لعدّه من القتلى عند ابن شهر آشوب، وعدا عمرو بن عبد الله الجندعي الذي ورد في الزيارة – أيضاً – وعدّه ابن شهر آشوب في قتلى الجولة الأولى – وقيل إنه مات بعد ستة من جراحاته.
ولم يحدَّث عقبة سمعان شيئاً مهماً عن القتال وصفته، ولعل أهم ما وصلنا من الحديث عنه من معسكر الحسين كان عن طريق الضحّاك المشرقي، إذ لم يصلنا – فيما أعلم – شيء عن المرقّع بن ثمامة الأسدي الذي كان قد نثر نبله وجثاً على ركبتيه فقاتل، فجاء نفر من قومه وأمّنوه فخرج إليهم فنفاه عمر بن سعد إلى الزارة من أرض البحرين. ( تاريخ الطبري: 5/ 454).
وأما المحدَّثون عن القتال من معسكر عمر بن سعد فهم المستند الأساس في هذا المجال، فقد تحدّث عدد من المقاتلين في معسكر عمر بن سعد عن تفاني أصحاب الحسين وبطولاتهم، فضلاً عن شجاعة الحسين وشدّته وقوته، إلى درجة يصف فيها عبدالله البارقيّ موقف الحسين في آخر لحظاته وقد قتل جميع أصحابه إذ يقول: >فو الله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه. والله ما رأيت قبله ولا بعد مثله، أنْ كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدَّ فيها الذئب. (تاريخ الطبري: 5/ 452).
وقد وصف حُميد بن مسلم موقف الحسين في لحظاته الأخيرة هذه إذ يقول: وسمعته يقول قبل أن يقتل، وهو يقاتل على رجليه قتالَ الفارس الشجاع يتّقي الرمية ويفترص العورة، ويشدُّ على الخيل ... (تاريخ الطبري: 5/ 452).
وقد نقل أيوب الخيواني وهو الذي عقر فرس الحر الرياحي، فيقول: >فوثب عنه الحر، كأنه ليث والسيف في يده ... <. (تاريخ الطبري: 5/ 437).
أما ربيع بن تميم فقد روى شدة بأس عابس الشاكري إذ يقول: لما رأيته مقبلاً عرفته وقد شاهدته في المغازي، وكان أشجع الناس، فقلت: أيها الناس هذا الأسد الأسود ... لا يخرجن إليه أحد منكم، فأخذ ينادي: ألا رجل لرجل! فقال عمر بن سعد: إرضخوه بالحجارة ... (تاريخ الطبري: 5/ 444).
ويُلاحظ: أن الوصف العام للمعركة جاء وصفاً شبه تفصيلي، فقد روى المقاتلون في معسكر عمر بن سعد مقتل معظم أصحاب الحسين. فقد روى عفيف بن زهير أبي الأخنس مقتل بُرير بن حضير (تاريخ الطبري: 5/ 431 وما بعدها)، وروى هاني بن ثُبيت الحضرمي مقتل غلام من آل الحسين، وكنّى عن نفسه لأنه كان قاتله. (تاريخ الطبري: 5/ 449).
وقد روى الزبيدي مقتل مسلم بن عوسجة وكيف مشى إليه الحسين وحبيب بن مظاهر. (تاريخ الطبري: 5/ 435).
فيما روى حُميد بن مسلم مقتل القاسم بن الحسن (تاريخ الطبري: 5/ 447)، كما روى مقتل علي بن الحسين وما دعا به الحسين على قاتليه، وأن زينب مشت إليه فردّها الحسين إلى الفسطاط (تاريخ الطبري: 5/ 446). كما روى زهير الخثعمي مقتل علي الأكبر أيضاً. (تاريخ الطبري: ح5/ 446).
وقد روى حُميد بن مسلم مقتل الحسين ومن باشر قتله واشترك فيه، فسمّى زُرعة بن شريك التميمي، كان ضربه على كفه اليسرى، وسنان بن أنس بن عمرو النخعي طعنه بالرمح فوقع، ثم قال لخولي بن يزيد الأصبحي: احتز رأسه، فأراد أن يفعل، فضعف فأُرِعد، فقال له سنان: فتّ الله عضديك، وأبان يديك! فنزل إليه فذبحه واحتزّ رأسه، ثمّ دفع إلى خولي بن يزيد، وقد ضُرب قبل ذلك بالسيوف. (تاريخ الطبري: 540/ 453).
وروى حُميد بن مسلم أن عمر بن سعد نادى بأصحابه: مَنْ ينتدب للحسين ويوطئه فرسَه؟ فانتدب عشرة: منهم إسحاق بن حَيْوَهَ الحضرميّ، وهو الذي سلب قميص الحسين، وأحبش بن مرثد بن علقمة الحضرمي، فأتوا فدا سوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره. (تاريخ الطبري: 5/ 454 وما بعدها).
وقد روى حُميد بن مسلم، هذا، نهب أمتعة أسرة الحسين، وأن عمر بن سعد، قال: من أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم. قال: فو الله ما ردّ أحد شيئاً. (تاريخ الطبري: 5/ 454).
* الأحداث اللاحقة لمجزرة كربلاء.
وقد رويت عن عدد من الرواة، وهم من الفريقين؛ من معسكر الحسين، ومن معسكر ابن سعد.
وقد أشرنا إلى روايات حُميد بن مسلم وهي روايات كثيرة، بعضها تناول ما حصل – لاحقاً – لأهل بيت الحسين(ع)، وما جرى عليهم.
وممن روى ذلك قرّة بن قيس التميمي، الذي مرّ ذكره، إذ قال: فما نسيت من الأشياء لا أنس قول زينب ابنة فاطمة حين مرَّت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول: يا محمداه، يا محمداه! صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، يا محمداه، وبناتك سبايا،، وذريتك مقتّلة – تسفي عليا الصَّبا. (تاريخ الطبري: 5/ 455).
ونلاحظ أن حضور الرواية عن أهل بيت الحسين(ع) في هذا (الفصل) من كربلاء أكبر، ودورهم في رواية ظهوراً: حيث روي عنهم عدة روايات في ما وقع لهم.
فقد روى ابن سعد في طبقاته في (ترجمة الحسين(ع)) عن علي بن الحسين أنه قال: حُمِلنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية، فغصَّت طرق الكوفة بالناس يبكون، فذهب عامة الليل ما يقدرون أن يجوزوا بنا لكثرة الناس، فقلت: هؤلاء الذين قتلونا وهم الآن يبكون. (نقله عن المخطوط المحمودي، محمد باقر، في عبرات المصطفين في مقتل الحسين: ج2/ 254).
وروي عن علي بن الحسين في (مقتل الحسين للخوارزمي) مجلس يزيد، وأنه كان يتخذ الشراب حين أتي برأس الحسين(ع)، فحضر ذات يوم مجالسه رسول ملك الروم، فسأله عن رأس الحسين وما كان من استنكاره الأمر. (مقتل الحسين: ج2/ 60 وما بعدها).
وقد مرَّت رواية فاطمة بنت علي بن أبي طالب، وما وقع لها من طلب الشامي من يزيد بن معاوية أن يهبها له وجواب زينب(ع). (تاريخ الطبري: 5/ 461).