صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 16
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    1,658

    افتراضي باقر الصدر منا سلاما .. ساهموا في احياء ذكرى الشهيد الصدر ..

    ساهموا في احياء ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر واخته الشهيدة بنت الهدى

    عظمة الشهيد الصدر في شخصيته .. وقداسته تتجلى في سلوكه وسيرته، شخصية قل نظيرها في التاريخ ... وسلوك أنبل وسيرة غدت المثال والمحتذى .. فهو رحمه الله .. منذ أنفاسه الاولى ، ومنذ بدايات حياته عاش لله ومن أجل القيم ... وكل لحظة من لحظات حياته مجبولة بعشق الهي لا حدود له، منذ نعومة أظفاره ، ومنذ أن رأت عيناه النور ، وهو يرنو نحو محبوبه الأوحد ... يروض نفسه بالتقوى ليأتي آمناً يوم الخوف الأكبر .. كبُر الخالق في نفسه ، فصغر ما دونه في عينه ...
    زاهد استهزئ بالدنيا ، فهي لا تساوي عنده عفطة عنز ... خاشع ترتعد أطرافه في محراب العبادة ... يتجافى جنباه عن المضاجع ، وتفيض عيناه بالدمع ولهاً وخشية واشتياقا ... صادق ليس في قوله خطل ولا في عمله فتور ...
    يقول رحمه الله : (... ما هي هذه الحياة؟ لعلها ايام فقط. لعلها اشهر فقط. لعلها سنوات. لماذا نعمل دائماً ونحرص دائماً على اساس انها حياة طويلة؟ لعلنا لا ندافع الا عن عشرة ايام، الا عن شـهر، الا

    عن شهرين. لا ندري عن ماذا ندافع. لا ندري اننا نحتمل هذا القدر من الخطايا، هذا القدر من الآثام، هذا القدر من التقصـير امام الله سـبحانه وتعالـى وأمام ديننا. نتحمله في سبيل الدفاع عن ماذا؟ عن عشرة ايام؟ عن شهر؟ عن اشهر؟ هذه بضاعة رخيصة نسأل الله سبحانه وتعالى ان يطهر قلوبنا وينقي ارواحنا، ويجعل الله اكثر همنا، ويملأها حباً له، وخشية منه، وتصديقاً به، وعملا بكتابه) .
    السطور التالية تتحدث عن قبسات من سيرته المباركة رحمه الله :
    ولادته ونشأته :
    ولد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة في28/ 2/1935 م ، وكان والده العلامة المرحوم السيد حيدر الصدر من علماء الاسلام البارزين. وكان جده لأبيه وهو السيد اسماعيل الصدر; زعيماً للطائفة، ومربياً للفقهاء، وأحد المراجع العِظام في العراق.
    أما والدته فهي بنت المرحوم آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين، وهو من أعاظم علماء الشيعة ومفاخرها. فقد السيد الشهيد والده وعمره أربع سنوات ، وقد تولى الإشراف عليه بعد فقدان والديه أخيه السيد إسماعيل الصدر. ومنذ أوائل صباه كانت علائم النبوغ والذكاء بادية عليه من خلال حركاته وسكناته.
    سيرته وأخلاقه :
    لقد كانت لشهيدنا الغالي روح ملكوتية قد تمخضت يقيناً وكمالاً، وتجلت طهراً وصفاء، لا يشوبها شئ من السوء يعيب طهارتها، ولا يمازجها نزر من الريب ينقص حظها من يقينها ورسوخها في عالم الحقيقة، ولا عجب فهي حفيد الكمال، وسلالة الطهر وعترة اليقين، قد ترادف النسب والسبب على تنقيتها، وتناهض الأصل والعمل على الارتفاع بها إلى بحبوحة الحق أسوة لمن أرادوا الله، وقدوة لمن عشقوا الذرى والمجد. إن العقول الكبيرة كثيرة، والأفهام المشهورة موفورة، أما النفوس التي تقاد بزمان العقول، والقلوب التي تملك
    أعنتها الأفهام، والسلوك الذي يصنع على عين اللب وبيده، فتلك نوادر قلت، وشوارد قد استعصى طلبها، وأعيت على سعي الطالبين.
    إن شهيدنا الغالي قد استحوذ على القلوب، وكان له موضع الإعظام قبل النفوس لعمله قبل علمه، ولتقواه قبل فهمه، ولنزاهته وقداسته قبل عبقريته وإحاطته، لذلك عشقه من لا يعرفون العبقريات ليقدروا أهلها بقدرها، وشغفت به حباً من لا يدركون العقول النافذة والأفكار المبدعة ليعظموا أصحابها، ويدينوا بالإكبار لذويها، ويخفضوا لهم جناح الذل طاعة وانقياداً. ان أبرز صفات السيد الشهيد التي يمكن ايجازها هنا هي :
    1 ـ حبه وعاطفته: ان من سمات شخصية المرجع الشهيد تلك العاطفة الحارة، والأحاسيس الصادقة، والشعور الأبوي تجاه كل أبناء الأمة، تراه يلتقيك بوجه طليق، تعلوه ابتسامة تشعرك بحب كبير وحنان عظيم، حتى يحسب الزائر أن السيد لا يحب غيره، وإن تحدث معه أصغى إليه باهتمام كبير ورعاية كاملة، وكان سماحته يقول: (إذا كنا لا نسع الناس بأموالنا فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا؟) .
    2 ـ زهده: لم يكن الشهيد الصدر زاهداً في حطام الدنيا، لأنه كان لا يملك شيئاً منها، أو لأنه فقد أسباب الرفاهية في حياته، فصار الزهد خياره القهري، بل زهد في الدنيا وهي مقبلة عليه، وزهد في الرفاه وهو في قبضة يمينه. وكأنه يقول (يا دنيا غري غيري) ، فقد كان زاهداً في ملبسه ومأكله لم يلبس عباءة لا يزيد سعرها عن خمسة دنانير (آنذاك)، في الوقت الذي كانت تصله أرقى أنواع الملابس والأقمشة ممن يحبونه ويودونه، لكنه كان يأمر بتوزيعها على طلابه.
    3 ـ عبادته:أما عبادته رضوان الله تعالى عليه، فقد كان له من آبائه الأكرمين سجية العشق الإلهي، وخصيصة الهيـام بالبـاري ، فكان معشـوقه دائم

    الحضـور في قلبه، واصب الشخوص أمام عينيه، لا يفتر عن ذكره مسبحاً له أو تالياً لكتابه، أو هادياً إليه منيباً لأحكامه. فمن الجوانب الرائعـة في حياة الشهيد الصدر ( رحمه الله ) هو الجانب العبادي، ولا يستغرب إذا قلنا: إنه كان يهتم في هذا الجانب بالكيف دون الكم، فكان يقتصر على الواجبات والمهم من المستحبات. وكانت السمة التي تميّز تلك العبادات هي الانقطاع الكامل لله سبحانه وتعالى، والإخلاص والخشوع التامين، فقد كان لا يصلي ولا يدعو ولا يمارس أمثال هذه العبادات، إلا إذا حصل له توجه وانقطاع كاملين.
    4 ـ صبره وتسامحه:كان السيد الصدر أسوة في الصبر والتحمل والعفو عند المقدرة فقد كان يتلقى ما يوجه إليه بصبر تنوء منه الجبال، وكان يصفح عمن أساء إليه بروح محمديّة .
    دراسته وأساتذته:
    كانت علائم النبوغ بادية على وجهه منذ طفولته، فقد تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ. ودرس المنطق وهو في سن 11 من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق . وبدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد اسماعيل الصدر في بداية 12 من عمره ، ثم هاجر السيد الشهيد من الكاظمية المقدسة إلى النجف الاشرف عام 1365 هـ لإكمال دراسته، وتتلمذ عند شخصيتين بارزتين من أهل العلم والفضيلة وهما: آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين ، وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي.
    تدريسه:
    بدأ السيد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره 25 عاماً، فقد بدأ بتدريس الدورة الاولى في علم الأصول بتاريخ 12 / جمادي الآخرة / 1378 هـ وأنهاها بتار يخ 12 / ربيع الأول / 1391، وشـرع

    بتدريس الدروة الثانية في 20 رجب من نفس السنة، كما بدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه على نهج العروة الوثقى في سنة 1381هـ .
    وخلال هذه المدة استطاع السيد الشهيد أن يربي طلاباً امتازوا ـ حقاً ـ عن الآخرين من حيث العلم والأخلاق والثقافة العامة، لأن تربية السيد الصدر لهم ليس منحصرة في الفقه والأصول، بل أنّه يلقي عليهم في أيام العطل والمناسبات الأخرى محاضراته في الأخلاق، وتحليل التأريخ، والفلسفة، والتفسير لذا أصبح طلابه معجبين بعلمه وأخلاقه، وكماله إلى مستوىً منقطع النظير، ولهذا حينما يجلس السيد بين طلابه يسود بينهم جو مليء بالصفاء والمعنوية.
    مؤلفاته:
    لقد كتب الشهيد السعيد للأمة الإسلامية في كل حقول المعرفة الدينية والفكرية، مراعياً مختلف قطاعات الأمة ، فكتب لها في نظرية المعرفة وتفسير الكون ووجود الله تعالى بأسلوب المقارنة مع المدارس المضادة كالمدرسة الماركسية والمنطقية الوضعية، وكتب لها عن المهدي على أساس الحقائق العلمية والعقلية في إطار المسيرة العامة للبشرية؛ مجيباً على كل الأسئلة المطروحة في شخص المهدي، في كتاب بحث حول المهدي.وكتب لها في الرسالة والرسول مثبتاً بالأدلة القاطعة ربانية الإسلام ونبوة محمد بن عبدالله (ص) في كتاب المرسل والرسول والرسالة.
    كما كتب الشهيد السعيد في العبادة الإسلامية، وأوضح بأن العبادة ضمن إطار الحاجات الثابتة التي يواجهها الإنسان في جميع العصور على أساس حاجته للارتباط بالمطلق مع الإشارة إلى الدور الاجتماعي في العبادة ذاتها في كتاب نظرة عامة في العبادات الإسـلامية،هذا ولم يكن السـيد الشهيد يكتب للترف أو للمجد الشخصي، وإنما للأمة الإسلامية بهدف التحرك الفكري والسياسي والاجتماعي والجهادي، ومن أجل تحقيق الحكم الإلهي العادل، ولذا تميزت كتاباته بالروح الحركية، وعلى هذا قال الشهيد السعيد في مقدمة كتاب فلسفتنا : (وكان لابدّ للإسلام أن يقول كلمته في معترك هذا الصراع المريرـ الصراع الفكري

    على أرض الإسلام ـ ليتاح للأمة أن تعلن كلمة الله وتنادي بها وتدعو إليها كما فعلت في فجر تأريخها العظيم، وليس هذا الكتاب إلا جزء من تلك الكلمة..)، ولكي يجابه الإنسان المسلم أعداءه بالمنطق الذي تفرضه المرحلة التي يعيشها، ولكي يطرح الإسلام بمنطق يتناسب وروح العصر؛ جاءت كتابات الشهيد السعيد ثرية بالحيوية وتجديدية بمعنى الكلمة، فأسلوبها يتمتع بالسبك اللغوي المتين ومنهجيتها حديثة عصرية. ومن هذه الكتب :
    1 ـ فدك في التاريخ ، 2 ـ دروس في علم الأصول 3 ـ فلسفتنا ، 4ـ اقتصادنا ، 5 ـ الاسس المنطقية للاستقراء ، 6ـ بحث حول المهدي ، 7ـ بحث حول الولاية ، 8 ـ نظرة عامة في العبادات ، 9ـ رسالة في علم المنطق ، 10ـ غاية الفكر في علم الأصول ، 11ـ المدرسة الإسلامية ، 12ـ المعالم الجديدة للأصول ، 13ـ البنك اللاربوي في الإسلام ، 14ـ بحوث في شرح العروة الوثقى ، 15ـ موجز أحكام الحج ، 16ـ الفتاوى الواضحة ، 17 ـ تعليقة على الرسالة العملية للسيد محسن الحكيم ،18ـ المدرسة القرآنية ، 19ـ الإسلام يقود الحياة: وقد صدر منه ست حلقات في سنة 1979 هي: أ ـ لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في ايران، ب ـ صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي. ج ـ خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي. د ـ خلافة الانسان وشهادة الأنبياء. هـ ـ منابع القدرة في الدولة الإسلامية. و ـ الأسس العامة للبنك في المجتمع الإسلامي . 20 ـ المرسل ، الرسول ، الرسالة .
    فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث شاهدا على من قتلوه..
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    91

    افتراضي

    لنكتب لنرسم لننقش بأسم السيد الشهيد الصدر(قدس سره) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
    بداية لا بد لنا إن نعترف ونقول إننا مهما قلنا وكتبنا وسطرنا من حروف فهي جزء يسير من رد الدين الذي برقبتنا للسيد الشهيد محمد باقر الصدر وفي الذكرى السنوية الأليمة لرحيل المفكر والأستاذ السيد الشهيد الصدر الأول قدس سره في ذكرى رحيل مرجع مظلوم وقائد مهضوم ... ماذا عسانا نقول ونكتب في فكر نبعَّ من فكر الرسول وأهل البيت عليهم السلام، رجلٌ ضحى بالأهل والنفس من أجل نصرة الإسلام والمذهب الأًصيل ، ذاكَ العَلمُ الشاهق في دنيا الإسلام هل تكفي كلمات سطرتها في ساعات؟؟؟ مفكر ضحى بكل ما يملك من اجل وحدة العراق سنة وشيعة وعرب وكرد ، مفكر كتب في الشريعة والسياسة والاقتصاد والفلسفة وغيرها ...كتب فلسفتنا واقتصادنا وناقش الآراء وفند الأفكار من اجل الإسلام ولا شيء غير الإسلام ...نعم الإسلام كل الإسلام ...مفكر أنتهج نهج رسالي إصلاحي بنيَّ وشيدَّ على أسس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...منهج بنيَّ على أسس الإصلاح والصلاح ...ولكن مع الأسف وشديد الأسف نرى إن الكثير لم يعطي هذا المرجع القائد مكانته الحقيقة ونحن نشاهد قبر السيد الشهيد محمد باقر الصدر بحال يرثى لها وكأن صاحب القبر زهرة بلا عطر!!!... وهنا يأتي دورنا .... ودورنا هو دور رسالي ونحن نعيش ذكرى صاحب الفكر الأصيل علينا أن نقرأ ما سطرهُ السيد محمد باقر الصدر قدس سره ...من شريعة واقتصاد وسياسة وفلسفة....علينا أن نتحمل الجزء اليسير مما تحمله السيد الشهيد الصدر الأول ...
    لنكتب وننقش ونهتف ونرسم... باسم السيد الشهيد الصدر الأول...نعم سوف نكتب وننقش ونرسم بأسم السيد محمد باقر الصدر قدس سره ...نعم لنكتب باسم السيد الصدر ...لنكتب فكر ونهج السيد الصدر الشهيد ...علينا أن نضحي من اجل نصرة الدين ومن أجل توعية المجتمع الذي ضحى من أجله السيد محمد باقر الصدر ...علينا توعية المجتمع شرعياً وسياسياً بغلق أبواب الجهل والظلم وفتح أبواب العلم والحرية ...بفك قيود الاستبداد وننطلق بطريق الإصلاح والصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    1,658

    افتراضي

    قبسات من حياة الشهيدة السعيدة آمنة الصدر بنت الهدى



    ولادتها ونشأتها:
    ولدت الشهيدة آمنة حيدر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة عام 1357 هـ 1937 م، في عائلة علمية مؤمنة، تعهدت تبني الإسلام كعقيدة منقذة ، وتنتسب العائلة إلى البيت النبوي الهاشمي، وينتهي نسبها الشريف إلى الإمام موسى بن جعفر (ع).
    أسرتها:
    والدها أحد كبار علماء الإسلام في العراق الفقيه المحقق آية الله السيد حيدر الصدر ، توفي عنها وعمرها سنتان ووالدتها هي الأخرى من عائلة علمية بارزة، فهي كريمة العلامة الكبير الشيخ عبد الحسين آل ياسين، وهي أخت المرجع الديني الشيخ محمد رضا آل يس ، وتوصف والدة آمنة الصدر بخير ما توصف به الأمهات المؤمنات الحكيمات، إحتضنت إبنتها وربتها حسبما يمليه عليها دينها العظيم، وقد تركت الأم الصالحة آثارها البالغة في إبنتها حيث تجلت في سلوكه وسيرتها ومسيرتها.
    وكان الأبوان قد فقدوا ثمانية أطفال تترواح أعمارهم بين عدة شهور وسبع سنوات، وقد أنعم الله عليهما بعد ذلك بولديهما محمد باقر وآمنة ، لذا حرصا على تربيتهما بمناهل القرآن ومنابع علومه. وبعد وفاة الاب تكفل الاخ الاكبر السيد إسماعيل الصدر تربيتها ورعايتها والعناية بها ، حيث تلقت من العلوم الدينية والشؤون الإجتماعية والثقافية الشيء الكثير حتى غدت فيما بعد رائدة العمل الإسلامي في العراق. وعندما كبرت آمنة وأحست بما حولها حيث فقدت أباها المعيل للأسرة الذي ترك فراغاً كبيرة في حياة هذه العائلة المجاهدة في سبيل الله ولكنها منذ نعومة أظفارها لم تجعل لهذا الفراغ سيطرة على حياتها، وسارت هذه العائلة في موكب النور تحث الخطى للارتشاف من علم الإسلام الكبير، رغم الحالة المادية المتردية والفقر الذي كان يلازمهم وتواضع العيش ، إذ لم يهمهم ذلك.
    دراستها وشغفها في طلب العلم:
    تعلمت مبادئ القراءة والكتابة والحساب في بيتهم العامر بالإيمان والنابض بالعلم والجهاد. ثم أطلعت على المناهج الرسمية ، ودرست كذلك الدروس العلمية كالنحو والمنطق والفقه والأصول وباقي المعارف الإسلامية.
    وقد ذكر أحد المقربين منها بان والدتها قد قالت يوماً : (أن آمنة كانت تهتم بالقراءة والتركيز فيها، ومنذ صغرها كانت تميل إلى الإنفراد وبغرفة خاصة طلباً للهدوء، ليست هي إنعزالية- بل كانت إجتماعية الطبع- لكنها لا ترى إن إجتماعيتها تفرض عليها أن تهدر الوقت وتبدد الزمن في حلقات أحاديث مفرغة، إنها تميل إلى الإنفراد للتأمل بهدوء، وتنعزل دانما إنطواء، بل لتوفر على نفسها وشخصيتها التي تعدها تهيؤاً للعطاء والبذل الغالي والرخيص في سبيل الله. ووجد أخواها فيها استعداداً رائعا من خلال ما تكتبه من رسائل الى والدتها، حينما تسافر وتمكث في النجف، وما تكتبه في أوراق ومسودات مهملة فزاد حرصهما عل توعيتها، خصوصاً أخوها الشهيد محمد باقر الصدر الذي راح يضاعف اهتمامه بقابليتها.
    وحينما قرر شقيقاها الرحيل إلى مدينة العلم والعلماء في النجف الأشرف لإكمال دراستهما، رحلت العلوية آمنة الصدر معهما. وكان عمرها آنذاك أحد عشر عاماً، وهناك في النجف أخذت تدرس الكتب والدروس الخاصة باللغة وعلومها والفقه وأصوله والحديث وعلومه، كما درست الأخلاق وعلوم القرآن والتفسير والسيرة النبوية. فكانت نشأتها وحياتها (علم وعمل وتقى وزهد) حتى صارت عالمة جليلة كما قال عنها الإمام الخميني (قدس) في بيان نعي الشهيد الصدر:
    (.... كانت عالمة من أساتذة العلم والأخلاق ومفاخر العلم والأدب) .
    صفاتها: كانت بنت الهدى عالمة جليلة، ومربية قديرة وكاتبة أديبة ومفكرة إسلامية، إلى جانب الإشراف والمتابعة للمشاريع الإسلامية التربوية كمدرسة الزهراء عليها السلام في بغداد والمدارس الإسلامية في النجف الأشرف، وقد أغنت بسلوكها وجهادها ومثابرتها وفكرها وتأليفها الساحة النسوية، حيث تمثل بنت الهدى حياء الإسلام وخلق الرسالة وسجايا جدتها فاطمة الزهراء عليها السلام، وتمثلت بها تعاليم القرآن الكريم وتجسد فيها الإيمان الخالص لله عز وجل ، فأحبت إسلامها العظيم وآمنت به وتبرت فيه وعاشت في معينه النابض، فعكست ذلك قولاً وفعلاً فكانت تعامل الجميع معاملة الإسلام، لا تفرق بين أحد منهن بصدرها الحنون، وتعالج تصدعهن وكأنها المؤدبة، فكانت سكناً لبنات جنسها، فترى البسمة ظاهرة في استقبالها للنساء تجلي عنهن كربات الدهر.
    وكانت ذكية وفطنة غلى درجة عالية مما أكسبتها قابلية كبيرة في تلقف العلوم وكسب المعرفة، وكانت كريمة النفس ، سخية اليد نحو المعوزات، وهذه صفة المؤمنات الصالحات فتراها تكرم المحتاج بمختلف الوسائل عن طريق الهدايا العينية أو المبالغ النقدية، حيث تحمل شعور المسؤول وتهتم بالجميع فتزور المرضى وتتفقد المحتاجين وتصـل

    عوائل الشهداء وتسأل عن احتياجاتهم، كل ذلك دون كلل أو ملل، وكانت دقيقة الملاحظة ذكية، كما كانت حريصة على الوقت لا تفرط في الدقيقة قدر إمكانها، حيث أعمالها الواسعة الكثيرة تتطلب منها الوفاء بالوعود والإلتزام بالمواعيد، فكان عملها يشغل الليل والنهار.
    آثارها العلمية :
    كانت بنت الهدى تفكر وتنظر وتكتب في كيفية الوصول بالمجتمع والأمة إلى أعلى مراقي السمو الإنساني من خلال الرسالة الإلهية العظيمة، كانت تعيش الهم الرسالي في تفكيرها اهتمامها.
    لذلك ستبقى آثارها العلمية والإجتماعية منارً لكل الدعاة، حتى بعد إستشهادها وصعود روحها إلى بارئها الذي خلقها.
    وللكاتبة بنت الهدى آثارا علمية أتحفت بها المكتبة الإسلامية والتي إمتازت بالعمق والأصالة والدعوة إلى الإسلام عن طريق هذه الآثار. ومن هذه الآثار: 1- كلمة ودعوة، وهو أول كتاب صدر للشهيدة في أوائل الستينات.
    2- الفضيلة تنتصر ، وهي قصة إسلامية طويلة تبين فيها انتصار الفضيلة والتقوى على الرذيلة والفاحشة، وصدرت من خلال سلسلة (من هدي الإسلام) ، في النجف الأشرف.
    3- المرأة مع النبي، وقد صدر لها ضمن سلسلة (من هدي الإسلام ) أيضاُ.
    4- امرأتان ورجل ، وهي قصة إسلامية طويلة خيالية تحمل معاني كبيرة في التربية والتوجيه.
    5- صراع من واقع الحياة، مجموعة قصصية.
    6- الباحثة عن الحقيقة، قصة طويلة كتبت عام 1979.
    7- ذكريات على تلال مكة، كتبتها بعد ذهابها إلى الحج سنة 1973 وكانت بصحبة بعض رفيقات دربها ، تروي فيها كيفية أداء مناسك الحج وتعقبها رواية رحلة الحج بقصيدة شعرية طويلة.
    8- الخالة الضائعة، مجموعة قصصية، كتبتها عام 1974.
    9- لقاء في المستشفى، قصة طويلة .
    وصدرت لها دراسات كثيرة أخرى، وهي مع ذلك شاعرة إسلامية هادفة لها شعر كثير منشور في بعض المجلات .
    آثارها الإجتماعية :
    تجسدت الأعمال الإجتماعية للشهيدة بنت الهدى في القيام بالتربية الإسلامية عن طريق المحاضرة والدروس والندوة حيث أختيرت في عام 1967 م لتكون المشرفة على مدارس الزهراء عليها السلام في كل من بغداد والكاظمية المقدسة التابعة لجمعية الصندوق الخيري الإسلامي، فوضعت مناهج تربوية تلائم ما تحتاجه المرأة المسلمة من الأفكار الإسلامية والأخلاق العامة لهذه المدارس، وتؤثر على الكادر التدريسي لهذه المدارس وتنمي لديهن الحافز المبدئي في أسلوب إعطاء الدروس والتعامل مع الطالبات، كما كانت تقيم الندوات الأسبوعية والشهرية في المدارس التي تشرف عليها، وتشرح فيها مبادئ الإسلام وأسسه العظيمة .
    وهذا مما جعل السلطة في العراق تفتح عيونها على الخطر الداهم عليهم من هذه المدارس ومما حداهم إلى إغلاقها في عام 1972م . وكانت بنت الهدى تذهب إلى بغداد والكاظمية المقدسة كل ثلاثة أيام ترافقها في تنقلاتها الدكتورة الشهيدة (سلوى البحراني) وهي الذراع اليمنى لبنت الهدى، وأما الأيام الباقية تقضيها في النجف الأشرف حيث لها أعمال أخرى هناك .وقد اشرفت بنت الهدى على المدرسة الدينية الخاصة بالبنات التي أسسها المرجع الديني السيد الخوئي بإشارة من رواد الحركة الإسلامية وكان ينفق عليها، وقد استمرت عشر سنوات في إدارتها لهذه المدرسة إلى أغلقتها الحكومة عام 1972م.
    وإستمرت المربية الكبيرة دائبة الحركة والعمل، لا تكاد تهدأ أو تستقر طوال ساعات اليوم يحددها نحو أهدافها إيمانها الكبير بإسلامها كعقيدة ومبدأ ونظام وإعتزازها بأمتها الإسلامية وشعبها المسلم المغلوب، وعبر تلك المدارس إستطاعت الشهيدة مد الجسور إلى الفتاة الجامعية لتتمكن من بث ظاهرة الحجاب في أروقة الجامعات العراقية، بعدما كانت خالية منها تماماً، إن لم تكن تلك الجامعات وسـيلة مهمة لنزع الحجاب، وطالما كانت بنات بعض الأسرة حتى العلمية تسفر في حال دخولها الحرم الجامعي . وبمرور السنين أصبحت القلة المؤمنة كثيرات، واصبح إنتشار الحجاب في الأجواء الجامعية أمراً مشهوداً، شهدته قاعات جامعة بغداد والموصل والبصرة والسليمانية والكوفة.
    كان لها دور كبير في انتفاضة رجب واحداثها الساخنة (1399 هـ ) أثر اعتقال اخيها الامام الشهيد، وتعرضت للاعتقال والتعذيب الوحشي عقيب الاعتقال الأخير الذي تعرض له الشهيد الصدر ونالت وسام الشهادة معه بتاريخ (8/4/1980 م) (24/5/1400 هـ ) .
    نعم … لقد شاركت بنت الهدى السيد الشهيد في جميع مصائبه حتى نالت شرف الشهادة الرفيعة معه، وقد سبق منها أن قالت كلمة معبرة تربط حياتها بحياة أخيها فيها كعمتها زينب وجدها الحسين (ع) حيث قالت :
    (إن حياتي من حياة أخي وسوف تنتهي حياتي مع حياته إن شاء الله) .

    وما أعظم ما قالته الشهيدة الخالدة شعرا :
    إسلامنا أنت الحبيب ***وكل صعب فيك سهل
    ولأجل دعوتك العزيزة ***علقم الأيام يحلو
    لم يعل شيء فوق إسمك*** في الدنا فالحق يعلو
    وتطبق الدنيا مبادئك*** العظيمة وهي عدل
    وسينصر الرحمن جند الحق*** ما ساروا ورحلو
    وأظل بإسمك دائماً أشدو*** فلا ألهو وأسل
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)




  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]

    [frame="7 80"]
    [align=center]
    لأنك قوة.. لأنك ثورة
    العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
    مهداة إلى روح شهيد الإسلام الكبير
    السيد محمد باقر الصدر(قده)
    __________________

    لأنَّكَ قُوَّةْ
    لأنَّ بعينَيْكَ سِرَّ ائتِلاقِ النُّجوم
    وفي رُوْحِكَ اليقْظَةُ الثَّائِرَةْ
    وفي قَلْبِكَ الحُبُّ للمُتْعَبينَ
    لِكُلِّ عيونِ الأَسى الحَائِرَةْ
    لأنَّكَ قُوَّةُ فِكْرٍ كبيرٍ
    كبيرٍ كَمَا القِمَّةُ القَادِرَةْ
    لأنَّ الهُدَى ثَوْرَةٌ في يَدَيْكَ
    وإِيقَاظُهُ اللَّحْظَةِ الخَائِرَةْ
    لأنَّ العيُونَ التي حَدَّقتْ
    بعَيْنَيْكَ في الثَّوْرَةِ الهَادِرَهْ
    رََأَتْ فيْكَ رُوحاً كمِثْلِِِ الربيعِ
    يَرُشُّ الضُّحَى في الخُطَى السَّائِرَة
    لأنَّكَ قُوَّةْ
    تَعيشُ وتَزْرَعُ في الأَرْضِ قُوَّة
    وَتَخْطو
    وَتَحْمِلُ لِلْغَدِ قُوَّهْ
    وَتَهْفو وَيَحْيا الشُّعورُ الطَّهورُ
    كَمَا الفَجْرُ يَحْمِلُ زَهْوَ النُّسورْ
    كَمَا الخِصْبُ يَحْضُنُ سِرَّ البُذُورْ
    ففي كُلِّ إِيقَاظَةٍ دَعْوَةٌ
    تُعَانِقُ بالحَقِِِِّ وَحْيَ الشُّعورْ
    وَفي كُلِّ دَرْبٍ هُدَى فِكْرَةٍ
    تَشُقُّ المدى في انطلاقِ العُبُورْ
    لأنَّكَ ثَوْرَةْ
    تُحَرِّكُ في الفِكْرِ دَرْباً جَديداً
    وتَزْرَعُ في الرُّوْحِ عُشْبَاً جديداً
    وَتَصْنَعُ في السيرِ خَطواً عنيداً
    وَتَمْتَدُّ في الخَطِّ خَطَّاً مَديداً
    تُلاقي البدايةُ فيهِ النِّهَايَهْ
    وَتَحْمِل للملتقى خَيْرَ ايهْ
    وَتُوحيْ لنا أَنَّ في كُلِّ غَايَهْ
    مَعَانيَ توحيْ.. تُثيرُ الحِكَايَهْ
    عَن اللَّهِ.. عَنْ وَحْيِهِ..عَنْ جِهَادٍ يُحَطِّمُ فينا طَرِيقَ الغِوَايَهْ
    لأنَّكَ ثَوْرهْ
    كَمَا أَنْتَ في فِكْرِكَ الحُرِّ ثَوْرَهْ
    تُفَلْسِفُ لِلْغَدِ بالحُبِّ ثَوْرَهْ
    وَتَرْصُدُ في مُلْتَقى الرُّوْحِ ثَوْرهْ
    وَتَنْسَابُ في الموجِ في كُلِّ بَحْرٍ
    يُهَدْهِدُ في شَاطِى‏ءِ الغَدِ ثَوْرَهْ
    وَتَحْكيْ لأطْفَالِنا في الربيعِ المُنَدَّى
    حَكايا العيونِ البَرِيئهْ
    وَتُوْحِيْ لِجِيْلِ الشَّبَابِ الفَتِيِّ
    إِرادَتَه في القُلُوبِ الجَرِيئَهْ
    وَتُطْلِقُ لِلْغَدِ كُلَّ جَنَاحٍ
    يُحَلِّقُ يَصْعَدُ نَحْوَ النُّبُوءَهْ
    لِتَعْرِفَ أَنَّ طَرِيقَ الذُّرَى
    تَشُفُّ مداهُ الأَكُفُّ المليئَهْ
    *****
    لأنَّكَ كُنْتَ الهُدَى والأَملْ
    وكنتَ تُنَادي وَتَصْرُخُ فينا
    وفي كُلِّ إِِِشراقةٍ لِلأَمَلْ
    تَعَالَوْا إِليَّ
    فإِنِّي هُنَا
    أُلمَلِمُ أُنْشودةَ الثَّائِرِينْ
    تَعَالَوْا إِليَّ
    فَإِنِّي هُنَا
    أَمُدُّ يَديْ في يَدِ الكَادِِحينَ
    وَأَدْعوْ وَأَصْرخُ في كُلِّ لَيْلٍ
    لأوقِظَ إِخْوَتيَ النَّائمينْ
    فَأَزْرعُ في كُلِّ جَفْنٍ طُيُوفَ الضِّياءْ
    وَأُهْرِقُ في كُلِّ رُوْحٍ كُؤُوسَ الصَّفَاءْ
    وَأدْعوْ الكُسَالى، على كُلِّ دَرْبٍ
    نِداءً نِدَاءً نَدَاءْ
    تَعَالَوْا إِليَّ
    فإنَّ الشَّهَادةْ
    عَبيرٌ وَحُبٌّ وَرُوحُ إرَادَهْ
    وَتَاريخُ مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِِقٍ
    يَشُقُّ الحَيَاةَ.. بِسِرِّ القيادةْ
    وَتَحْيا الدِّمَاءْ
    تُهَلِّلُ تَفْرَحُ للسَّائِرينْ
    وَتَجْري الدِّمَاءْ
    كَمَا الموجُ في ملتقى السَّابِحِينْ
    كَمَا النَّهْرُ يَهْتِفُ بالسَّائِرِينْ
    هُنَا الجِسْرُ
    يَا زُمْرَةَ العَابرينْ
    وَتَهْفو الدِّمَاءُ
    وتهفو.. وتوحيْ وَتَهْمِسُ شِعْرا
    وَتَكْتُبُ في صفحةِ الغَدِ فكرا
    وَتُوْقِدُ في حفلةِ النَّارِ جَمْرا
    وَتُطْلِقُ في صَرْخَةِ الرُّوْحِ ثَأْرا
    وتَبْكيْ الدِّماءُ
    على البَاخِلينَ الذينَ اسْتَرَاحُوا
    وَعَادوا يَمصُّونَ رُوْحَ الدِّمَاءْ
    وَنَسْمعُ صَوْتَكَ رُوْحَاً خَفيفاً
    خَفيفاً كَمَا النَّسْمةُ الغَافيةْ
    تَعَالَوْا إِليَّ
    إِلى الفِكْرِ يا عُصْبَةَ الجَاهِلينْ
    إِلى الرُّوْحِ يا زُمْرَةَ الجَامِدينْ
    إِلى اللَّهِ يا مَجْمَع الجَاحِدِينْ
    إِلى الفَجْرِ يا فِرْقَةَ الضَّائِعينْ
    تَعَالَوْا إِليَّ
    ففي الدِّين فِكْرُ الحَيَاةِ الطموحْ
    وَيَقْظَةُ وَعْيٍ وعودةُ رُوْحْ
    وَقِصَّةُ دُنياً تُثيرُ السفوحْ
    لتحيا مَعَ اللَّهِ في خيرِ نِعْمَهْ
    فتسمع في الخُلْدِ أَعْذَبَ نَغْمَهْ
    وَتَصْنَع لِلْغَدِ أَعْظَمَ أُمَّهْ
    وَتوحيْ لنا أَنَّ سِرَّ الشهيدِ
    يُحَطِّمُ للظُّلْمِ أَرْفَعَ قِمَّهْ
    لأنَّكَ قُوَّة
    تُخيفُ.. تُهدِّدُ.. وَحْشَ الظَّلامْ
    وَتَحْيَا لِتَبْعَثَ روحَ السلامْ
    على اسْمِ الهُدَى في رَبيعِ الوِئامْ
    .. وَكَانوا على الدَّرْبِ..
    كَانت لَدَيْهِمْ
    حَكَاياكَ وَهْيَ تُثيرُ الضِّرَامْ
    لِتُشْعِلَ بالحَقِّ ثَوْرَةْ
    وَتَبْعَثَ بالفِكْرِ لِلحَقِّ قُوَّةْ
    وَتُوحيْ بِأَنَّكَ تَحْمِِلُ شُعْلَةْ
    وَأَنَّ يَدَ الشَّعْبِ تَزْرَعُ نَخْلَةْ
    لِيَنْشُرَ، في وَهَجِ الوَعْيِ ظِلَّهْ
    وكانوا يَخَافونَ أَنْ تلتقيْ
    الحِكَاياتُ.. في مَوْعِدِ الأَنبياءْ
    وَيَزْحَفُ إِسلامُنَا للذُّرَى
    الكبيرةِ في يَقَظاتِ الضِّيَاءْ
    وَيَهْوي الظَّلامُ
    وَيَحْيَا السَّلامُ
    سَلامُ القلوبِ النَّقِيَّةْ
    سَلامُ الزُّنُودِ الفَتِيَّةْ
    عَلى كُلِّ سَاحٍ يعيشُ الجِِهَادْ
    بِافَاقِهَا.. في امتدادِ العِنَادْ
    وَتَبْقَى بِفْكرِكَ في وَعْينا
    سَلاماً يُنَضِّرُ وَجْهَ البِلادْ
    *****
    لأنَّك قُوَّةْ
    لأنَّكَ ثَوْرَةْ
    أَرَادوكَ أَنْ تَنْحَنيْ لِلرِّيَاحْ
    وأَنْ تُسْلِمَ الحَقَّ في كُلَّ سَاحْ
    وأَنْ تُسْكِتَ الصَّيْحَةَ الهَادِرَةْ
    وَتَسْتَسْلمَ القوّةُ الصَّابِرَةْ
    وأَنْ تَتَمَنَّى عليهمْ سَلاماً
    ذَليلاً لدى الطُّغْمَةِ الفَاجِرَةْ
    لِيَبْقى لَهُمْ مَجْدُهُمْ شَامِخَاً
    على رَغْمِ أُمَّتِنَا القَادِرَةْ
    وَلَكِنَّ رُوحاً تُثيرُ الذُّرَى
    وَتَدْفَعُ للشمسِ افاقَهَا
    أَثَارتْ على خُطُوَاتِ الطَّريقِ
    على اسْمِ الشَّهادةِ أشْوَاقَهَا
    لِتُوحيْ لنا في انطلاقِ الجِهَادِ
    هُنَا.. أَنْ نَثُورْ
    ليبقى لنا أَنْ نَمُدَّ الجسورْ
    إِِلى اللَّهِ في صَيْحَةٍ حُرَّةٍ
    تثيرُ الحياةَ بوحيِ العبورْ
    وأَنْتَ تُشيرُ إِلينا
    وأَنْتَ تَمُدُّ إِلينا
    يَدَاً خَضَّبَتْها الدِّمَاءْ
    يَدَاً كَتَبَتْ فِكْرَهَا بالدِّمَاءْ
    لِتُشْرِقَ فينا حُروفُ الضِّيَاءْ
    حُروفُكَ هذي التي يَشْهَقُ العبيرُ
    بِهَا وَيَمُوجُ الرَّوَاءْ
    وَأَنْتَ تُشيرُ إِلينا وَقَدْ ضَاعَ مِنَّا الطَّريقْ
    وَأَنْتَ تَمُدُّ إِلينا لِتُبْعِدَ عَنَّا الحريقْ..
    لِنَحْيا مَعَ اللَّهِ.. تَحيا الحياةُ
    بِأَعْماقِنَا
    قِصَّةً لِلشَّهَادةْ
    وَقُلْتَ لنا إِنَّها كبرياءٌ وَفَيْضُ عِبَادَةْ
    وَوَحْيُ سَعَادةْ
    وَقُلْتَ لنا.. هذه كَرْبَلاءْ
    تَعَالَوْا إِلى كَرْبَلاءْ
    هُنَا سَاحَةُ الجَنَّةِ الوَارِفَةْ
    هُنَا الحَقُّ في ثَوْرَةِ العَاصِفَةْ
    هُنَا عَوْدَةُ الرُّوحِ.. هَذا الرَّبيعُ
    هُنَا الخُضْرَةُ الرَّاعِفَةْ
    هُنَا الشِّمْرُ.. يَصْنَعُ مَأْسَاةَ جيلٍ.. وَيَضْرَى الإباءْ
    نَعَمْ لِِلحُسَينِ.. نَعَمْ لِلدِّمَاءْ
    سَيُشْرِقُ نَيْسَانُ نُوراً
    وَيَنْبُتُ نَيْسَانُ وَرْدَاً
    وَيَهمي العبيرُ
    وَأَنْتَ وَنَيْسَانُ مَعْنَى الرَّبيعْ
    وتبقى لنا
    جِهَادُكَ رُوْحٌ وفِكْرٌ رفيعْ
    لِيَصْنَعَ في كُلِّ جيلٍ شَهَادَهْ
    وَيَبْعَثَ في كُلِّ فَجْرٍ مَعَادَهْ
    وَتَحْيَا بنا في طَريقِ الحُسينِ
    وَتَرْوي لنا كَرْبَلاءَ الجَديدةْ
    حَكايا الحُسينِ الجديدةْ
    وقِصَّةَ زينبَ عَبْرَ الشَّهيدةُ
    *****
    لأَنَّكَ قُوَّهْ
    لأَنَّكَ ثَوْرَهْ
    لأَنَّك سِِِرُّ انْطِلاقةِ أُمَّهْ
    سَتَبْقَى لنا
    سَتَحْيَا لنا
    وَتَبْقَى حَيَاتُكَ في الدَّرْبِ قُوَّهْ
    وَتُحْيِيْ نَجَاواكَ في الرُّوْحِ جُذْوَهْ
    وَتَمْتَدُّ ثَوْرَهْ
    وَفِي الفَجْرِ يُشْرِقُ رُوْحٌ جَديدْ
    وفي الشَّمْسِ سَوفَ يَذُوبُ الجَليدْ
    وَيَهْوي الظَّلامْ
    وَتَنْهَارُ كلُّ جبالِ الظَّلامْ
    لأَنَّك في لَفَتَاتِ الشُّرُوقِ
    تُمَزِّق كُلَّ حَكَايا الظَّلامْ
    لأَنَّك قُوَّهْ
    لأنَّكَ في قِصَّةِ الحَقِِّ جُذْوهْ
    *****
    أَخي
    وَيَعودُ الحَنينُ لِقَلْبيْ
    عَمِيقاً كَمِثْلِ الجِرَاحْ
    رَقيقاً كَنُورِ الصَّبَاحْ
    حَبيباً كَمَعْنَى السَّمَاحْ
    وَتَنْسَاب كَالحُلْمِ ذكرى حَيَاةِ الجِهَادْ
    وَيَبْقَى الجِهَادْ
    لَنَا في الطَّريقِ حَيَاةً وَزَادْ[/align]
    [/frame]



    [/align]





  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    سَيُشْرِقُ نَيْسَانُ نُوراً
    وَيَنْبُتُ نَيْسَانُ وَرْدَاً
    وَيَهمي العبيرُ
    وَأَنْتَ وَنَيْسَانُ مَعْنَى الرَّبيعْ

    وصدق العلامة المرجع فضل الله..وكأنه يحدث بنبؤة..!
    أشرق نيسان
    وانبت نيسان وردا
    وفاح عبير نيسان
    وجاء ربيع العراق الجديد
    بسقوط الطاغية ونظامه الاجرامي في ذات اليوم الذي قتل فيه محمد باقر الصدر حيث تهيأ له بأنه سر خلوده .. فكان سر نهايته !





  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    فيلـم وثائقي عن حياة وسيرة المرجع الديني والمفكر الاسلامي السيد الشهيد محمد باقر الصدر"قدس سره"

    [media]http://www.alcauther.com/html/modules/Video_Stream/video/alsader-2009.wmv[/media]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي



    بقلم:محمد حسين فضل الله
    الشهيد الصدر: نقلة نوعية في عالم الفكر

    إنسان المسؤولية في الحياة

    أن نتحدّث عن شخصية إسلامية في حجم السيد محمد باقر الصدر الذي استطاع أن يفتح للتفكير الإسلامي أفقاً جديداً لم يُعهد من قبل في التفسير العميق للمفاهيم الإسلامية في حركة الإنسان في الحياة، وللتأصيل المنهجي للمذهب الاقتصادي في الإسلام، وللإنفتاح على واقع الإنسان كله في عملية تزاوج حركي بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان والإنسان في حركة الوجود في مسؤوليته التي يتكامل فيها تكويناً أو إرادة بين يدي الله، واستخلاص المفهوم الذي يحدّد للإنسان علاقته بالطبيعة ومنها الأرض وعلاقته بالإنسان الآخر وعلاقته بالله من خلال التفاعل بين هاتين العلاقتين.
    ثم انطلق ليكتشف السنن التاريخية في القرآن، حيث يشعر الإنسان عندما ينطلق في حركة التاريخ أنه حتى وهو يمارس الفوضى لا يمكن للفوضى إلا أن تكون خاضعة لنظام، باعتبار أن هناك سنناً تاريخية تحكم حركة الإنسان وتمثل الخطوط العامة لحركته الإنسانية بطريقة شعورية أو لا شعورية، لأن القوانين الحتمية التي أودعها الله في الكون وحرّكها في الحياة ليست دائماً حالة شعورية في الكائن الحي، بل قد تنطلق لتحكمه من خلال نظام دقيق يمكن أن يكون للإرادة دوراً، بحيث يتحرك في السنّة التاريخية لتكون إرادته جزءاً من هذه السنّة.

    لقد اكتشف الشهيد الصدر بعضاً من هذه القوانين، وأصّلها، وبعبارة أخرى استطاع أن يتحرك بالاكتشاف إلى قاعدة للتأصيل وأن يُطلق القاعدة المؤصلة من أجل اكتشافات جديدة، ومن هنا فقد شعرنا ونحن معه ونحن بعده، أن الفكر الإسلامي كان شيئاً قبل أن يجيء السيد محمد باقر الصدر وصار شيئاً آخر بعد أن ودّع الحياة محدثاً بذلك نقلة نوعية في عالم الفكر، ولم يكن السيد محمد باقر الصدر إنساناً يفكر في المطلق أو إنساناً يعيش في صومعة العلم ليجلس بين مفرداته ليكتشف منها ما يكتشف وليؤصل منها ما يؤصّل، ولكنه كان إنسان المسؤولية في الحياة.

    كان يرى أن الإسلام ليس مجرد فكر يمكن لك أن تملأ به الكتب أو النوادي العلمية والثقافية، ولكن الإسلام انطلق منذ أن انطلق في قلب النبي محمد(ص) والصحابة معه وأهل بيته قرآناً يتحرك في الوعي ويُقرأ باللسان كما انطلق حركة يتجسّد فيها القرآن في كل جوانب الحياة السلبية والإيجابية. ولهذا كان القرآن كتاب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية، كان القرآن ينزل عند كل مشكلة تواجه المسلمين ليحلّها بعد أن تتفاعل المشكلة في كيانهم، وكان القرآن يتابع كل حركة للمسلمين، سواء كانت حرباً أو سلماً لينقد جانباً من التجربة هنا وليؤكد جانباً من التجربة هناك، وليستخلص العبرة من خلال إيجابية التجربة أو سلبيتها من أجل تجربة جديدة لمستقبل جديد.

    ومن هنا كنا نقول دائماً إن القرآن لا يفهمه فهماً واعياً حياً إلا الحركيون، أما الذين يفهمون القرآن في القاموس أو في النظريات الفلسفية، ولكنهم لا يعيشون تجربة الحياة في حركيتها ولا يعيشون تحديات الحياة في خط المواجهة، فإنهم قد يفهمون لغة القرآن ولكنهم لا يفهمون روحه، لأن روحه تنطلق من خلال الواقع الذي عاشه الحركيون الذين قادهم رسول الله(ص) إلى النصر وإلى أن يواجهوا التجربة بشكل حيّ.

    هكذا بدأ حركيـاً

    هكذا بدأ حركياً، لم تكن حركية السيد محمد باقر الصدر في الخط الإسلامي السياسي منطلقة من حالة تقليدية ينتمي فيها إنسان لحركة إسلامية هنا أو هناك بشكل تقليدي، كانت روحه حركة، ولذلك عندما كنا معه كان يعيش قلق المعرفة لمنهجية الحركية الإسلامية في الواقع، كان يبحث عن خصائص الحركة الإسلامية كيف يمكن أن تتجمّع في الواقع الذي يعيش فيه، وكان يعيش قلق المعرفة لأساليب الحركة الإسلامية كيف تواجه الواقع الجديد بطرق جديدة تختلف عما كان عليه الحركيون الإسلاميون منذ انطلاقة الدعوة. لأننا عندما ننطلق في معطيات الواقع وفي خصوصياته لا نستطيع أن ننقل كل المفردات والأساليب التي اتبعت في عهد الدعوة لنكررها في عهدنا الآن، لأن الأسلوب ليس فكراً في المطلق حتى نأخذه ونتحرك به كما تحرك المسلمون الأوائل في الحروب أو في طريقة الدعوة أو في السلم أو في علاقاتهم، نحن نأخذ الخطوط العامة، أما التفاصيل فلهم تفاصيلهم التي انطلقت من ظروفهم ولنا تفاصيلنا التي تفرضها ظروفنا، ولهذا قد يختلف أسلوب الكلمة عندنا عن أسلوب الكلمة عندهم، لأن الذهنية الثقافية في عهدهم تختلف عن الذهنية الثقافية في عهدنا في نقاط الضعف ونقاط القوة.

    وهكذا كانت أدوات التحدي هناك تختلف عن أدوات التحدي هنا، في الماضي لم نجد أناساً ينتظمون في نظام، ولم يأخذوا بالأساليب الحركية، بينما نواجه الآن أناساً يعيشون طريقة معينة في التنظيم وفي الحركة وفي أسلوب المخابرات وفي أسلوب السياسة وفي أسلوب الحرب والسلم تختلف تفاصيلها عن التفاصيل الأخرى. لذلك من يرد أن يطلق حركة إسلامية في المرحلة الحاضرة فإنه لا يستطيع أن يبحث عن مفردات الحركة الإسلامية بجزئياتها في الماضي، ولكنه يأخذ الخطوط العامة: {ادفع بالتي هي أحسن}، ولكن ماذا يختزن الأحسن والأسوأ، إن الأحسن هنا قد لا يكون مماثلاً لما هناك وكذلك في الأسوأ. الخطوط العامة هي ما نستطيع أن نستهدي به في منهج الدعوة آنذاك، أما حركة التجربة وواقعها فإن ذلك لا بد له من أن ينطلق من الواقع.

    كان يعيش قلق المعرفة، وكان يحاول أن يقرأ المجتمع الذي كان يضجّ بالتحديات وبالمتغيّرات، وهو البعيد عنه ولم يعش فيه التجربة ممن عاشوا المجتمع وعرفوا مفرداته واتجاهاته واطّلعوا على مفاهيمه في الواقع، لكنه وهو الذي يملك الذهنية الحادة كان يلتقط الفكرة من بعيد حتى كأنها تعيش بين يديه، ويلتقط الملاحظة الدقيقة حتى كأنها بارزة للعيان، ومن هنا كان السيد محمد باقر الصدر لا يعيش فرقاً بين ما يقرأ وبين ما يعيش الآخرون، فهو ينطلق بالقراءة، القراءة بالكتاب أو القراءة من خلال الانطباعات التي يكونها الآخرون ليفهم المجتمع كأفضل ما يكون الفهم. وهكذا رسم ملامح الحركة الإسلامية، وبدأ التخطيط لها فكرياً، وحرّكها عملياً، وواجه التحديات من خلالها فكانت شهادته قمة حركيته، وكانت شهادته العنوان الكبير للإنسان الذي يفكر من خلال حركة الحياة في الفكر كما يجاهد من خلال حركة الفكر في الجهاد. وهكذا كان الإنسان الذي كتب المستقبل بدمه بعد أن كتب الفكر الإسلامي بقلمه، وقلّة هم الذين يمتزج حبر دمائهم بحبر أقلامهم لينطلقا معاً لتكون حركة الحياة فكراً من جهة، وجهاداً ومستقبلاً حياً يؤذن بالنصر ولو من بعيد من جهة أخرى.

    مناقشة بعض فكره

    نحن عندما نلتقي بذكرى شهادته، نريد أن نعيش بعض فكره لنناقشه، لينطلق الجيل الجديد في الاتجاه الذي انطلق منه فكره، لأننا لا نريد أن نتجمّد عند الكبار من شخصياتنا، إننا نريدهم أن يكونوا المنطلق لإبداع جديد لجيل جديد، ولا نريد لهم أن يكونوا في وعينا النهاية لحركتنا في الفكر وفي الإبداع، لذلك أطلق السيد الشهيد الحركة والمسيرة في الأرض، وعلينا أن نتابعها بأساليب جديدة ومناهج جديدة، وقد أطلق الفكر الإسلامي في الوجدان الإسلامي، فعلينا أن ننطلق به في إبداع جديد وفي تجارب فكرية جديدة.

    ربما نطل على الفكر السياسي للسيد محمد باقر الصدر في أحدث مفرداته في التجربة الفكرية التي أرادها عند ولادة الجمهورية الإسلامية استجابة لسؤال بعض العلماء الذين طلبوا منه أن يرسم خطوطاً لهذه الجمهورية الوليدة، وكانت له فكرته التاريخية في أن الله عندما خلق الإنسان أعطاه دورين: الدور الأول، هو دور الخلافة، فهو خليفة الله في الأرض {إني جاعل في الأرض خليفة} خليفته على الأرض وعلى كل ما فيها، خليفته على الأرض كيف ينظمها ويديرها، وخليفته على ما في الأرض كيف يركز كل معطياته وكل عناصره من أجل أن تكون الأرض جنة الله الأولى، التي يمكن للناس أن يعيشوا فيها نوعاً من السعادة يمثل لهم ما ينتظرهم من السعادة المطلقة في الآخرة، كان خليفة الله على الأرض وعلى مجتمعه، فالإنسان يعيش الخلافة حتى في موقعه من الإنسان الآخر.

    والدور الثاني، هو دور الشهادة، فالإنسان هو الشهيد الذي يشهد غداً أمام الله يوم يجمع الله الناس يوم القيامة، هو الشهيد الذي يشهد على كل حركة التجربة الإنسانية في سلبياتها وفي إيجابياتها، وقد جمع الله هذه الشهادة وهذه الخلافة لأنبيائه وللأصفياء من عباده، وكانت المسألة ـ لا سيما من خلال الفكر الإسلامي الشيعي ـ لمن الولاية في غيبة الذين عيّنهم الله شهداء وخلفاء، هل تكون الولاية للأمة أم أنها للفقيه؟! ونحن نعرف أن الفكر الإسلامي انطلق ليوازن بين نظرية ولاية الفقيه التي تجعل الولاية للفقيه وبين نظرية الشورى التي تجعل الولاية للأمة بطريقة من الطرق.

    ولاية الأمة على نفسها

    وفي هذا المجال انطلق الشهيد الصدر في تفصيل جديد، فهو يرى أن هناك حالتين للأمة، هناك حالة تملك فيها الأمة حريتها الداخلية في وعيها للإسلام وحريتها الخارجية أمام الطاغوت، وهناك حالة تعيش فيها الأمة تحت تأثير الطاغوت الداخلي من حيث هو طاغوت الفكر المنحرف والطاغوت الخارجي وهو الحاكم المنحرف.

    ففي الحالة التي تكون فيها الأمة تحت تأثير الطاغوت بحيث لا تملك حريتها في إدارة نفسها ولا تملك حريتها في تقرير مصيرها وتولّي أمرها، فإن المرجعية المتمثلة بالفقيه الواعي المنفتح على الإسلام في فكره وفي فقهه، والمنفتح على الواقع في وعيه وتجربته للواقع هو الذي يملك الخلافة في هذه الحال ليقود الأمة باعتبار كونه جزءاً من الأمة، ولكنه الجزء الواعي ليتحرك بالأمة إلى التحرر، فإذا تحررت الأمة أخذت الأمة ولايتها لتديرها بنفسها ويبقى الولي في دور الشهادة، لتكون للأمة الخلافة، وليكون للفقيه الشهادة الذي يراقب من خلالها حركة الأمة في مسيرتها من حيث انسجامها مع الخط الإسلامي العام في حركتها في الخطوط التفصيلية للإسلام ومدى ما تختزنه في حركة التجربة من نقاط الضعف ونقاط القوة ليكون الشهيد الذي ترجع إليه الأمة لتسأله عن شهادته في تجربتها قبل أن يؤدي شهادته إلى الله في ذلك، وليعطي الأمة الوعي الذي تستطيع أن تكون فيها شهيدة على بعضها البعض في تجربتها التي يمكن أن تتحرك من خلال توزيع الأدوار هنا وتوزيع الأدوار هناك.

    وهو يستشهد في ذلك في ولاية الأمة على نفسها بالآيتين الكريمتين وهي قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} حيث يستفيد منها ـ خلافاً لكثير من الفقهاء التقليديين ـ أن مسألة الشورى هي مسألة تعيش في عنوان الحكم وفي حركته كما تعيش في حركة الواقع كله، فالشورى هي العنوان التشريعي لحركة الواقع الإسلامي كله، فلا بد منها في أي موقع لم ينص الله عليه بنص معيّن، بل وفي كل موقع ترك بدون نص خاص، فإنه لا بد للأمة أن تعيش الشورى فيما يجتهد فيه المجتهدون وفيما يجرب فيه المجربون.

    وهكذا يستدل بقوله سبحانه وتعالى: {المؤمنون بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، فهو لا يعطي الولاية هنا معنى التعاون والتناصر، وإنما يعطيها المعنى الفقهي الذي يجعل المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، فالجماعة الإسلامية من الرجال والنساء لها ولاية على الجماعة الأخرى من الرجال والنساء، وهكذا تكون النتيجة أن الأمة برجالها ونسائها تمثل عنصر الولاية على نفسها.

    ومن خلال ذلك يمكن أن نستوحي من كلامه ـ وإن لم يصرّح بذلك في كلامه ـ أن المرأة المسلمة في داخل الأمة وفي داخل المجتمع تعتبر جزءاً من الأمة، جزءاً فاعلاً يمارس عملية الولاية في داخل مهماته، وفي داخل أدواره تماماً كما يمارسها الرجل، لأن الآية لم تفرّق في الولاية بين المؤمنين والمؤمنات.

    وأحب أن أقرأ بعض نصّه في هذا المجال بشكل سريع حتى نستطيع أن نأخذ الفكرة على الأساس الذي تحدثنا عنه، يقول: "لا بد أن تشترك المرجعية والأمة في ممارسة الدور الاجتماعي الربّاني بتوزيع خطي الخلافة والشهادة، والمرجع ليس شهيداً على الأمة فقط، بل هو جزء منها وهو عادة من أوعى أفراد الأمة وأكثرها عطاء ونزاهة، وعلى هذا الأساس وبوصفه جزءاً من الأمة يحتل موقعاً من الخلافة العامة للإنسان على الأرض، وله رأيه في المشاكل الزمنية لهذه الخلافة وأوضاعها السياسية بقدر ما له من وجود في الأمة وامتداد اجتماعي وسياسي في صفوفها"، ومن الطبيعي أنه لا بد للفقيه عندما يأخذ هذا الدور من أن يكون له فاعلية الوجود في واقع الأمة ليكون وجوده السياسي والاجتماعي بالإضافة إلى وجوده الفكري عنصراً مؤثراً في حركة الأمة يجعله جزءاً فاعلاً وحيوياً حيوياً في واقع الأمة.

    ثم يقول في مقام تأصيل هذه الفكرة: "أما خط الخلافة ما دامت الأمة محكومة للطاغوت ومقصيّة عن حقها في الخلافة العامة فهذا الخط يمارسه المرجع ويندمج الخطان حينئذ ـ الخلافة والشهادة ـ في شخص المرجع وليس هذا الاندماج متوقف على العصمة"، لأن خط الخلافة في هذه الحال لا يتمثّل عملياً إلا في نطاق ضيّق في نطاق المرحلة الطارئة التي فرضت أن يتسلّم هذا الدور فهو كأنه ـ وإن لم تكن القضية بهذه الدقة ـ "يتسلّم هذا الدور بالوكالة عن الأمة، لا من خلال أصالة الدور في شخصيته وفي وجوده، وما دام صاحب الحق في الخلافة العام قاصراً عن ممارسة حقه نتيجة لنظام جبار فيتولى المرجع رعاية هذا الحق في الحدود الممكنة ويكون مسؤولاً عن تربية هذا القاصر وقيادة الأمة لاجتيازها هذا القصور وتسلّم حقها في الخلافة العامة".

    فدور المرجع هو أن يقود الأمة نحو التحرر الذي يحرر إرادتها ويحرر واقعها من الخضوع لسلطة النظام الجبار. وهكذا يستدل على ذلك بما ذكرناه في مسألة {وأمرهم شورى بينهم} {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، ونلاحظ أنه حتى وهو يتحدّث عن النبي(ص) يقول: "لا بدّ للنبي من استشارة الجماعة" {وشاورهم في الأمر}، أما التأكيد على البيعة فهو تأكيد على شخصية الأمة وإشعارها بخلافتها العامة وأنها بالبيعة تحدد مصيرها، وأن الإنسان حينما يبايع يساهم في البناء ويكون مسؤولاً عن الحفاظ عليه، وقد أصرّ الإسلام على البيعة للقائد المعصوم واتخذها أسلوباً من التعاقد بين القائد والأمة لكي يركز نفسياً ونظرياً مفهوم الخلافة للأمة".
    هكذا يلخّص السيد الشهيد الصدر هذه النظرية في عالم التزاوج بين المرجعية وبين الأمة ليرى أن دور المرجع هو دور الشهادة ودور الأمة هو دور الخلافة. وأن الأمة إذا لم تكن قادرة على القيام بدورها في الخلافة فإن المرجع يتسلّم ذلك، ليقود الأمة إلى التحرير، لتكون الولاية بعد ذلك للأمة تحت رقابة المرجعية باعتبار أنه يأخذ دور الشاهد في ذلك كله.

    الولايـة بين الأمة والفقيه

    قد تكون أحدث نظريات السيد الشهيد في هذا المجال، ولكننا نجد أن هذه النظرية لا تزال نظرية ضبابية في خطوطها التفصيلية، لأن قضية ولاية الأمة على نفسها ربما تعني الأخذ برأي الأكثرية كما يصرّح السيد الشهيد في بعض كلماته، وفي هذا المجال فإننا نلاحظ أن هذه الولاية بمعناها الفقهي العميق إذا كانت تنطلق من فكرة الخلافة، فإننا لا نجد أن الأمة كانت تمارس دور الخلافة في أي دور من الأدوار التاريخية في حركة النبوات، بل كان النبي هو من يمارس دور الخلافة، وكانت الأمة تعيش العنصر المنفعل حتى والنبي يشاورها، فإن استشارة النبي كانت تنطلق ـ حتى من وجهة نظر السيد الشهيد ـ من الخطة في تربية الأمة على أن تفكر وعلى أن يكون لها رأيها في الأمور، لكن أن تكون لها القيادة في هذا المجال، فنحن لا نشعر بوجود نصوص واضحة الدلالة على أن للأمة القيادة بالمعنى الفقهي للقيادة.

    هناك فرق بين أن نقول إن للأمة دوراً أو أن للأمة القيادة، الإسلام لا يمنع من وجود دور للأمة، بل أكّد على دورها في كل التجارب وخصوصاً في تجارب النبي(ص) في حروبه وفي غيرها، بحيث أنه كان يستشير الأمة عندما يريد أن يدخل في حرب، وربما يوحي بأنه يريد أن يتخذ قراراً ويستشير الناس بعد ذلك، ويكون الرأي على خلاف ما كان يوحي به من قرار وإن كان لم يتخذه ما يوحي للآخرين بأنه التزم قرارهم، وربما يخيّل لبعض الناس أن النبي عدل عن قراره، ولكننا نفهم أنّ النبي كان يوحي بأنه يريد أن يتخذ قراراً ليدفع الأمة إلى أن تفكر فتشير ليتقبّل مشورتها، أما مسألة البيعة فإن البيعة لا تعطي للنبي الذي يبايع الشرعية، لأن شرعيته من الله كنبي وكحاكم، {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}، وهذا دليل الحاكمية.
    ولذلك فإننا لا نشعر أن للأمة القيادة بمعنى أنها هي التي تمثل دور الخلافة، أما في العهد الذي نعيشه وهو ما يسمّى في المصطلح الإسلامي الشيعي في الفقه الجعفري بعصر الغيبة، فالمسألة من خلال الخط الفكري هي مسألة الإمام المعصوم الغائب، وفي الخط البياني هي مسألة المرجعية كنيابة عن الإمام المعصوم، إن كان من ناحية الشهادة أو من ناحية الخلافة، ليس هناك نص محدد، أنا لا أريد أن أنفي المسألة، ولكنني أريد أن أقول إن ما استدل به لا يصلح أن يكون دليلاً، {وأمرهم شورى بينهم}، هذه نزلت في زمان النبي(ص) وهي تؤكد أن أمر المسلمين شورى لهم في الوقت الذي لم يكن الحكم شورى في زمان النبي لهم ولا يمكن أن تنزل لتكون في موضوع لا مصداق له في عهد النبوة آنذاك، أو لا مصداق له حتى في عهد الإمامة بعد ذلك من وجهة نظر التفكير الشيعي في هذا المجال.
    لذلك، نقول إن الشورى تمثل الطابع الذي ينبغي أن تعيشه الأمة عندما تمارس دورها الذي تعطاه في التشريع الإسلامي وفي ما تتحرك فيه المسؤولية. وهكذا {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، إن الولاية هنا تعني التعاون والتناصر والتكامل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يمثل الجانب التطبيقي الحركي في ظل قيادة القائد لتغيير الواقع السيء إلى واقع جيّد.

    وأما ما يحاول البعض أن يستفيده من قوله: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} وما إلى ذلك، فإن هذه ككل الآيات القرآنية التي تتوجه إلى الناس من خلال أن التكليف، هو للناس جميعاً وأن المسؤولية للناس جميعاً، أما أن يكون الناس هم القيادة التي يوكل إليها أمر هذا الموضوع فهذا ما لم أجد هناك دليلاً عليه.





  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    محمد باقرالصدر
    فـــــي حياة
    محمد حسين فضل الله

    عندما جئت إلى لبنان، لم تكن الحرب الأهلية قد بدأت، فكانت أول سنة سافرت فيها إلى لبنان، في عام 1952، وقد شاركت في تأبين المرحوم السيد محسن الأمين، وشاركت بقصيدة في أربعينه، وكانت هذه القصيدة متنوعة الأبعاد، تحدثت فيها عن الاستعمار ونتائجه، وعن الوحدة الإسلامية، وعن مشاكل الشباب، وكنت في سن السادسة عشرة في ذلك الوقت. والتقيت في تلك الفترة مع كثير من الأدباء والمفكرين، وتحدثت معهم، وكنت أعقد بعض الندوات الحوارية مع الشباب المتعلم في المناطق، ثم عدت إلى النجف وأكملت دراستي الحوزوية على مستوى الخارج، حيث تتلمذت في هذه المرحلة على أستاذنا السيد أبو القاسم الخوئي، والشيخ حسين الحلي، والسيد محسن الحكيم.







    وهكذا التقيت بالشهيد السيد محمد باقر الصدر، الذي كانت علاقتي بأخيه السيد اسماعيل الصدر قويةً، وكذلك كانت علاقتي مع آل الصدر بالمستوى الحميم جداً، وأذكر أنه طلب مني تقريرات ما كتبته من بحث درس السيد الخوئي، وقال: إنني أريد أن أثبت للسيد الخوئي أن في العرب فضلاء. وأخذ مني التقرير وأقرأه للسيد الخوئي، وكما ذكر لي، كان انطباع السيد الخوئي جيداًً حول هذا الموضوع. وانطلقنا معاً في الحركة الإسلامية في النجف من خلال هذا التجمع الإسلامي الحركي الذي كان يضم نخبةً من الشباب المؤمن المجاهد، كالمرحوم عبد الصاحب دخيّل، والمرحوم أبو حسن السبيتي، والسيد مهدي الحكيم... إلى آخره، وكان الشهيد الصدر هو المنظِّر للحركة الإسلامية، وكنا معاً في الإشراف على مجلة الأضواء التي كانت تصدر باسم جماعة علماء النجف الأشرف، وكان السيد الشهيد الصدر يكتب الافتتاحية الأولى بعنوان "رسالتنا"، وكنت أكتب الافتتاحية الثانية بعنوان "كلمتنا".



    وهكذا كنا نعيش هذا الجو الإسلامي الحركي الذي كان يؤكد أن الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياة.



    الإسلام فكر عالمي



    نحن كنا نفكر في الإسلام الحضاري الوحدوي المنفتح، وقد كان من أهدافنا التخطيط والعمل من أجل الوحدة الإسلامية، ولذلك كانت عندنا علاقات مع بعض الحركيين من علماء المسلمين السنة، ومنهم الشهيد عبد العزيز البدري، وكنا نعمل على أن تكون مجلة "الأضواء" الإسلامية المجلة التي تتابع قضايا المسلمين في العالم. ولذلك كانت المجلة هي التي واجهت مسألة اعتراف الشاه بإسرائيل بطريقة واقعية، ما أغضب البعض ممن يؤيدون الشاه في الحوزة العلمية النجفية، ووصلت رسالة إلى السيد الحكيم تطلب منه التدخل لحل هذا الموضوع.



    لقد كنا نفكر في الإسلام على مستوى العالم، على أساس أنه رسالة الله التي أوحى بها إلى النبي محمد(ص)، وقال له: {وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً} [سبأ:28]، {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} [الأنبياء:107]، {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} [الأعراف:158]، لذلك كنا في طموحاتنا الفكرية نفكر في أسلمة العالم.



    كنت ألاحظ أن هناك جموداً بشكل عام في نشاطات المسلمين وفي حركتهم بالمستوى الذي يجعل منهم قوة حركية سياسية في البلاد الغربية، بالنظر إلى قوتهم العددية، ما جعلهم ينكفئون عن التأثير في سياسات البلدان التي يسكنونها، ولكن كانت هناك بعض الجمعيات الثقافية الإسلامية تعقد المؤتمرات الإسلامية الثقافية التي يلتقي فيها الحركيون الإسلاميون ليبحثوا قضاياهم الإسلامية السياسية الحركية ومشاكلهم التي كانوا يعانون منها إلى جانب المنهج الثقافي الذي يتحركون فيه.



    ولعل مشكلة المسلمين في الغرب هي مشكلتهم في الشرق، من حيث التفرقة المذهبية التي تجعل لكل مذهب إسلامي مساجده وسلوكياته الخاصة التي تغيب عنها الوحدة الإسلامية، بل إننا نجد أن بعض المجموعات التي تشرف عليها بعض الجمعيات في بعض الدول العربية التي تتبنى السلفية الحادة، تحاول أن تنطلق لتجذر العصبية في نفوس المسلمين بين مذهب ومذهب آخر.



    ولعل هذا ما أدى إلى أن يتحرك اليهود كمؤثرين وفاعلين في السياسة الأمريكية وفي سياسة الدول الغربية الأخرى، بينما نجد أن المسلمين الذين قد يملكون قوة عددية مساوية لليهود أو أكثر في أمريكا، يعيشون على هامش الواقع السياسي، تماماً كما هم المسلمون في العالم الإسلامي الذي نجد أن المسؤولين الرسميين في أكثر بلدانه يخضعون للسياسة الأمريكية، ما يعطل دورهم في تقرير مصيرهم في بلادهم، فضلاً عن أن يشاركوا في تقرير المصير في العالم.








    العلاقة مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر



    لقد عشت مع السيد الشهيد (رحمه الله) علاقات حميمةً وقويةً، وكنا نلتقي في الخط الإسلامي الأصيل، وكان هو الذي اقترح عليّ أن أكتب الافتتاحية الثانية في مجلة الأضواء الإسلامية، وكنت أتابع نمو السيد الشهيد حتى في بدايات شبابه، لأنه كان ظاهرة فكرية قلما تجدها في الأشخاص الذين كانوا في مستوى عمره، وربما كان للبيئة التي ولد فيها دور كبير في تشجيعه، باعتبار أن خاله، وهو المرجع الكبير، الشيخ محمد رضا آل ياسين، كان أستاذاً لمجموعة من فضلاء النجف الأشرف، الذين كانت الحوزة العلمية تحترمهم، وتجد فيهم المجتهدين والفضلاء الكبار، وكان هؤلاء يشجعونه عندما كان يطرح بعض أفكاره في المجالس، وبذلك احتُضِنَ عاطفياً من خلال هذه المجموعة من الفضلاء، حتى قيل إن المرحوم الفقيه الشيخ عباس الربيشي، كان يطلب منه أن يجلس إليه عندما كان يكتب بعض فتاواه.



    وقد انفتح السيد الشهيد في مرحلته الأولى على الأبحاث الأصولية، وتأثر تأثراً بالغاً بالمرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني، المعروف بأصوليته الفلسفية، وكان يتباحث مع بعض الطلاب في النجف حول حاشيته على الكفاية، كما تأثر بالشيخ ضياء الدين العراقي، ثم انطلق بعد ذلك في درس أستاذنا السيد أبي القاسم الخوئي، الذي كان يقدره تقديراً كبيراً، حتى إنه عندما كان يطرح أي إشكال في الدرس، كان السيد الخوئي (رحمه الله) يقرر إشكاله أمام التلامذة ويجيب عنه.



    وهكذا كان يتحرك في الحوزة العلمية وهو في سن مبكرة جداً، وكان يُنظر إليه كأستاذ لبعض كتب السطوح التي لا يدرسها إلا الأشخاص الذين يملكون الثقافة الأصولية العميقة. وهكذا بدأ درس الفلسفة عند أستاذها المعروف في النجف، الشيخ ملا صدرا البادكوبي، حتى إنّ أخاه السيد إسماعيل الصدر، استبدل كتاب الحدائق التي كانت عندهم بكتاب الأسفار لكي يدرِّس السيد محمد باقر الصدر هذا الكتاب.



    إلى جانب كل ذلك، كان السيد الصّدر يشرف على التيار الإسلامي، وينظِّر للحركة الإسلامية في ما كتبه من الأسس الإسلامية، وكان الإسلاميون، ومنهم الشيخ عارف البصري (رحمه الله) وآخرون، يلتقون معه ويجتمعون عنده ويستفيدون منه. ولذلك فإننا نعتقد أنه كان يمثل القيادة الفكرية للحركة الإسلامية، وعندما حدث الانقلاب في العراق من خلال عبد الكريم قاسم، ونشأت جماعة العلماء في النجف الأشرف كردّ فعل على المد الأحمر، كان هو الذي يكتب بيانات جماعة العلماء في النجف الأشرف.



    وقد قام بدور كبير في الرد على الماركسية من خلال كتابه "فلسفتنا" ثم كتابه "اقتصادنا"، ما أعطى الثقافة الإسلامية في العالم خطاً جديداً، لأنه كان أول كاتب إسلامي يؤلف كتاباً في الاقتصاد الإسلامي بالطريقة العلمية التي تقارن بين الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الماركسي والاقتصاد الإسلامي، ولا يزال المثقفون المسلمون في العالم يستفيدون من كتاب "اقتصادنا"، ولم يحدث أن ألّف أي مفكر إسلامي، حتى من المتخصصين في مجال الاقتصاد، كتاباً جديداً يماثل هذا الكتاب.







    الحكم الديكتاتوري وجريمة العصر في العراق



    من المعروف أن ديكتاتور هذا النظام صدّام حسين كان منتمياً بحسب المنهج السياسي إلى حزب البعث، وكان حزب البعث في البدايات يحاول أن يجعل حركته منسجمةً مع الحركة الإسلامية التي لم تتأطر بتنظيم واضح في ذلك الوقت بالشكل القوي، لأنه كان يستفيد من هذه الحركة في مواجهة الحزب الشيوعي في العراق، ولذلك ربما كان بعض البعثيين يستفيدون من الموقف الإسلامي المناهض للشيوعية التي أصدر كبار العلماء من المراجع الفتاوى بأنها كفر وإلحاد أو ترويج للكفر والإلحاد.



    ومن الطبيعي أن حزب البعث لم يكن يمتلك القوة التي يستطيع من خلالها أن يسيطر على الخط الإسلامي أو يضطهده، ولكن عندما ضعفت الشيوعية وانحسر دورها في العراق، بدأ حزب البعث في تلك المرحلة، كما لاحظناه، بالتعامل مع الأمريكيين، الذين وظفوا الديكتاتور لتنفيذ سياستهم التي أربكت العالم العربي، واضطهدت كل الأحرار في العراق، وفي مقدّمهم الأحرار الإسلاميون.





    وهكذا رأيناه ينفذ الدور الأمريكي، ومعه الأدوار الدولية الأخرى في الغرب، لإضعاف حركة الجمهورية الإسلامية في إيران التي قامت من خلال الثورة التي قادها الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، فكان من أولى مهمات هذا الديكتاتور أن يسقط الحوزة العلمية في النجف، وأن يضطهد الكبار من المفكرين الإسلاميين، لذلك عمل على إغراء السيد الشهيد الصدر، بأنه سوف يتبناه كمرجع عربي في مقابل المراجع غير العرب، ولكن السيد الشهيد كان أكبر من ذلك؛ أولاً لأنه كان يعرف أن المرجعية لا قومية لها، وإنما تنطلق من خلال الكفاءة؛ وثانياً، لأن السيد الشهيد كان يرى أن القاعدة الفكرية التي يرتكز عليها حزب البعث، هي قاعدة منافية للإسلام، ولذلك أصدر فتواه بحرمة الانتماء إلى حزب البعث العربي.كانت أولى مهمات الديكتاتور صدام حسين أن تسقط الحوزة العلمية في النجف ولذلك قرر الديكتاتور محاصرته واضطهاده، حتى انتهت المأساة باغتياله مع شقيقته المجاهدة بنت الهدى. ونحن نعتبر أن اغتيال السيد الشهيد يمثل جريمة كبرى تطاول العالم الإسلامي كله، لأن السيد الشهيد كان يتميز بعبقرية فكرية إبداعية، حتى إنه عندما كان يدخل في أي موقع من المواقع الفكرية، كان يأتي بجديد، ولو امتد به العمر، لاستطاع أن يجدد الكثير من المفاهيم الإسلامية، ولو استقبل من أمره ما استدبر، لكان يمثل الشخصية الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي لا على مستوى العراق فحسب.









    أمانة المنهج وحفظ الخط



    إن اغتيال السيد الشهيد وشقيقته العلوية يمثل جريمة كبرى تطاول العالم الإسلامي كله



    إننا نقول الآن، كما قلنا لكثير من أخواننا وأبنائنا من الدعاة الإسلاميين السائرين على نهج الشهيد الصدر والمنفتحين على فكره الإسلامي، إنهم مسؤولون في العراق الجديد، أولاً بأن يطلقوا هذا الفكر الإسلامي في الواقع الشعبي، لأن هناك خطة أمريكية غربية، وربما عربية، في إبعاد الإسلام عن أن يكون هو الطابع الذي يتحرك به العراق الجديد.



    لذلك نقول لهم إن الإسلام أمانة الله في أعناقكم، وإن عليكم أن لا تنشغلوا عن الإسلام في كل حركتكم، وفي كل علاقتكم، وفي كل أوضاعكم. الوحدة الإسلامية هي الخيار الوحيد لكم، ونعتقد أن أي نوع من أنواع التمزق على أساس الطموحات الشخصية هنا وهناك، أو على أساس الخلافات الهامشية، سوف يكون خيانة للإسلام كله وللعراق كله، وخيانة للسيد الشهيد الذي بذل حياته من أجل الإسلام. ولذلك فإن الإخلاص لدمه الطاهر، هو أن تتوحدوا في فكره، وتتوحدوا في نهجه، وتتوحدوا في خطه السياسي الذي يعتبر العراق مجرد قاعدة إسلامية لا بد من أن تمتد إلى العالم كله.نقول لكل الدعاة الإسلاميين أن الإسلام أمانة في أعناقكم، والإخلاص لدماء الشهيد الصدر هو أن تتوحدوا في فكره ونهجه



    مقابلة تلفزيون "المسار" العراقي مع سماحته

    التاريخ: - الموافق: 24/03/2009





  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    الدولة
    أرض السواد
    المشاركات
    4,349

    افتراضي

    الكلمة لاتعطي الشهيد حقه ولكن نستذكره بما هو فيه
    مؤلفات الشهيد
    ـ فدك في التاريخ: وهو دراسة لمشكلة ( فدك ) والخصومة التي قامت حولها في عهد الخليفة الأول
    2 ـ دروس في علم الأصول الجزء الاول.
    3 ـ دروس في علم الأصول الجزء الثاني.
    4 ـ دروس في علم الأصول الجزء الثالث.
    5 ـ بحث حول المهدي: وهو عبارة عن مجموعة تساؤلات مهمة حول الإمام المهدي ( عجل الله فرجه الشريف )
    6-نشأة التشيع و الشيعة.
    7- نظرة عامة في العبادات.
    8 ـ فلسفتنا: وهو دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية، وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية والديالكتيكية الماركسية.
    9 ـ اقتصادنا: وهو دراسة موضوعية مقارنة، تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصادية للماركسية والرأسمالية والإسلام، في أسسها الفكرية وتفاصيلها.
    10 ـ الاسس المنطقية للاستقراء: وهي دراسة جديدة للاستقراء، تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعية وللايمان بالله تبارك وتعالى.
    11 ـ رسالة في علم المنطق: اعترض فيها على بعض الكتب المنطقية، ألفها في الحادية عشرة من عمره الشريف.
    12 ـ غاية الفكر في علم الأصول: يتناول بحوثا في علم الأصول بعشرة أجزاء، طبع منه جزء واحد، ألفه عندما كان عمره ثماني عشرة سنة.
    13 ـ المدرسة الإسلامية: وهي محاولة لتقديم الفكر الإسلامي في مستوى مدرسي ضمن حلقات متسلسلة صدر منها: أ ـ الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية. ب ـ ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي؟
    14 ـ المعالم الجديدة للأصول: طبع سنة 1385 هـ لتدريسه في كلية أصول الدين.
    15 ـ البنك اللاربوي في الإسلام: وهذا الكتاب أطروحة للتعويض عن الربا، ودراسة لنشاطات البنوك على ضوء الفقه الإسلامي.
    16 ـ بحوث في شرح العروة الوثقى: وهو بحث استدلالي بأربعة أجزاء، صدر الجزء الأول منه سنة 1391 هـ.
    17 ـ موجز أحكام الحج: وهو رسالة عملية ميسرة في أحكام الحج ومناسكه، بلغة عصرية صدر بتاريخ 1395 هـ.
    18 ـ الفتاوى الواضحة: رسالته العملية، ألفها بلغة عصرية وأسلوب جديد.
    19 ـ بحث فلسفي مقارن بين الفلسفة القديمة والفلسفة الجديدة: ألفه قبيل استشهاده ولم يكمله، تحدث فيه حول تحليل الذهن البشري، ومن المؤسف جداً أن هذا الكتاب مفقود ولا يعرف أحد مصيره.
    20 ـ بحث حول الولاية: أجاب السيد في هذا الكتاب عن سؤالين، الأول: كيف ولد التشيع؟ والثاني: كيف وجدت الشيعة؟21 ـ تعليقة على الرسالة العملية لآية الله العظمىالسيد محسن الحكيم ( قدس سره )، المسماة ( منهاج الصالحين ).
    22 ـ تعليقة على الرسالة العملية لآية الله العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين، المسماة ( بلغة الراغبين )
    23 ـ المدرسة القرآنية : وهي مجموعة المحاضرات التي ألقاها في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
    24 ـ الإسلام يقود الحياة: ألف منه ست حلقات في سنة 1399 هـ بعد أن مضى عشرة اشهر في الإقامة الجبرية
    ومالي الاّ ال احمد شيعة ومالي الاّ مذهب الحق مذهب

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    35

    افتراضي

    نم قريرا ابا جعفر فيوم استشهادك هو يوم سقوط الصنم...يوم انتصار الدم على السيف... يوم انتصار الظالم على المظلوم
    ابا جعفر ايها الفكر الرسالي والبحر الذي لاينضب والمعين الذي يسقي كل الاحرار
    باناملك خططت لنا نهجا رساليا واعيا وبدمك رسمت الحريه للاجيال
    وباصبعك الذي خط درب التحدي (لو كان اصبعي بعثيا لقطعته ) وكان اكبر جهاد وكلمة حق بوجه طاغية العصر صدام المقبور والذي صادف ان هذا الاصبع الشريف هو من اسقطه في هذا اليوم
    ابا جعفر سلام عليك وعلى شريكة المصير بالشهاده اختك الطاهره العلويه امنه الصدر بنت الهدى ...سلام عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون احياء

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [flash=http://iraqml.com/alsader.swf]width=720 height=540[/flash]
    التعديل الأخير تم بواسطة منازار ; 10-04-2009 الساعة 00:06
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    91

    افتراضي

    (( لأنكَ الوطنُ ))










    عمرٌ تقاصرَ دونه الزمنُ*** وشواطىءٌ صلّت لها السفنُ


    وجراحُ قلب كلّما نزفت*** ذابت بفيض دمائها المحنُ


    ياصدرُ خذ وهج الدموع فقد*** خصبَ الأسى وتبرعم الشجنُ


    ياصدرُ إنّا اُمّهٌ ولدت*** في غربة مالّمها سكنُ


    جاءت إليك ولم تبع غدها*** أنّى تبيعُ ونحرُها الثمنُ









    هذا عراقُكَ راح يصلبُهُ*** حقدُ الغزاةِ ليُعبدَ الوثنُ


    خسئوا فأنت اليوم أكبرُ من ***قدرِ الطغاة لأنّك الوطنُ


    عمرٌ وأنتَ قتيلُ دمعته*** والقاتلان الحزنُ والفتنُ


    أدميت شفرتَها وأرعبها*** ما يحتوي غَدها ويحتضنُ


    فاجأتها بدم تقدّسَ أن*** يخبو فسارَ القبرُ والكفنُ









    وحملتَ روحك ما تناهبها*** خوفُ ولا استرخى لها بدنُ


    فرداً تُحدّقُ في جراحتنا*** وسواك لا عينٌ ولا أُذنُ


    تخطو الرجالُ وأنتَ سابقُها*** وثَبتْ بك الآياتُ والسننُ


    ويداك أندى غيمتين سقت*** شجرَ العراق فأورقَ الغصنُ


    من بعد أن ألوى ببسمته*** عطشُ الثرى والموردُ النتنُ









    ياصدرُ طيفكُ جُنحُ غربتنا*** خافقةً والأفقُ مرتهنَ


    نعلو فيدنينا تمزّقنا***... نغفو فيسرقُ حُلمنا الوسنُ


    دُفن العراق بنا لنبعثه*** فنودُّ أنّا بعضُ مَن دُفنوا


    شوكُ الصحاري في أناملنا*** وخيامُنا الحسراتُ والوهنُ


    يَبُست قوافلنا وقد تعبت ***ظمأى فلا ضرعٌ ولا لبنُ









    إلا رؤاك تلمُّ حيرتنا*** فهي اليدُ البيضاء والمننُ


    وهي الربيعُ يَمرُّ في دمنا*** دفئاً فيصحو الجذرُ والفتنُ


    رُحماك لا تغضب لدمعتنا*** فالدمعُ في ذكراك ممتحنُ


    إن سال أطفأ جمرَ أعيننا*** أو جفَّ فهو الباخلُ الضغنُ


    عذراً إذا طالتك أحرفُنا*** فلأنتَ أنتَ البحرُ والسفنُ

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    91

    افتراضي

    آمنة حيدر الصدر


    «بنت الهدى»

    السيّدة الجليلة العلويّة الشهيدة آمنة الصدر بنت آية الله الفقيه المحقّق السيّد حيدر الصدر، أحد ‏كبار علماء الإسلام في العراق.
    اُمّها من عائلة علميّة مرموقة، معروفة في الأوساط العلمية، وهي اُخت المرجع الديني آية ‏الله الشيخ محمد رضا آل ياسين.
    أخواها: السيّد اسماعيل الصدر، وآية الله العظمى المرجع الديني الكبير والمفكّر الإسلامي ‏العظيم الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، نابغة زماننا هذا، ومُفجّر الثورة الإسلامية في العراق.
    فالشهيدة بنت الهدى تنحدر من عائلتين علميّتين معروفتين في جهادهما ومواقفهما
    ولدت رضوان الله تعالى عليها في مدينة الكاظمية المقدّسة سنة 1357هـ = 1937م، ‏وترعرّت في أحضان والدتها وأخويها، إذ أنّ والدها قد فارق الحياة وعمرها آنذاك سنتان.
    نشأت في حجرِ الإيمان وحضن التقوى، وقد تكلّفت والدتها وأخواها تعليمها وتربيتها.
    تعلّمت القراءة والكتابة في بيتها دون أن تدخل المدارس الرسميّة، ثم درست النحو والمنطق ‏والفقه والأصول وباقي المعارف الإسلامية، واطّلعت على المناهج الرسمية التي تدرّس في ‏المدارس، ودرستها في بيتها، وبذلك تكون قد جَمعت بين الدراسة الحديثة وبين دراسة المعارف ‏الإسلامية.
    كانت وَلعة بمطالعة الكتب، غير مُقتصرة على الكتب الإسلاميّة، فقد تناولت كتباً غير دينيّة ‏أيضاً. ولأنّها من عائلة فقيرة فقد كانت تستعير الكتب من هنا وهناك، بل كانت تصرف ما ‏يُعطى لها من مبلغ بسيط لسدّ حاجاتها الضرورية في شراء بعض الكتب التي ترغب في ‏قرائتها.
    عُرفت رحمها الله بالذكاء الوقّاد، وسُرعة الحفظ، وقابليتها العالية على جذب النساء إليها ‏بعذوبة لسانها ولطافة منطقها، فلم تكن تراها امرأة وتسمع كلامها إلاّ قد اُعجبت بها وأصبحت ‏من مريداتها.
    كانت رحمها الله تستغل كلّ وقتها، وتستفيد من كلّ شخصية يمكنها أن تُفيدها بطريقة أو ‏اُخرى، فكانت تستغل فراغ السيّد الشهيد الصدر في أوقات راحته، وتنهل من علمه ومعارفه ‏الإسلامية.

    وعبرَ هذه الصفحات القليلة نحاول إلقاء الضوء على بعض المهام التي قامت بها الشهيدة ‏بنت الهدى:






    *******



    دورها التبليغي

    لعبت الشهيدة بنت الهدى (رحمها الله) دوراً فعّالاً وملموساً في هداية الفتيات - وبالأخص العراقيات ـ ورجوعهن إلى التمسّك بتعاليم الدين الحنيف، فمَنْ كان قريباً منها يعرف ‏ذلك جيداً. فكم من فتاة، بل عائلة كادت أن تخرج عن دينها وتصهرها الحضارة المستوردة من ‏الغرب أو الشرق، لولا وقوف الشهيدة بنت الهدى إلى جانبها وانقاذها من الغرق في عالم التبرّج ‏والرذيلة، فكانت بحقّ رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق.
    تتّصف رحمها الله باُسلوب تبليغي عذب ومؤثّر، فلم تجلس مع امرأة إلاّ وأثّرت عليها، ‏ودخلت إلى قلبها عبرَ الكلمات اللطيفة والمنطق العذب الذي كانت تستعمله مع النساء.
    لقد عَرفت بنت الهدى رحمها الله أنّ التبليغ في أوساط النساء يمكن أن يؤدّي دوراً فعّالاً في ‏تقدّم الحركة الإسلاميّة عموماً، لذلك نجدها تعقد جلسات دوريّة في بيتها وفي بيوت اُخرى، ‏وبالتعاون مع بعض النساء المريدات لها واللواتي لهنّ اطّلاع على ما يجري في العراق من ‏محاولات لإفساد المرأة العراقية.
    ولم تكتفِ الشهيدة بذلك، بل كانت وحين سماعها بوجود جماعة من النسوة في بيت معيّن ‏تُسارع إلى الحضور في أوساط النساء عندما ترى أنّ الجوَ مناسب. وقد استطاعت بعملها هذا ‏أن تُربّي عدداً من النساء، حيث أصبحت كلّ واحدة منهن معلّمة لمجموعة من الفتيات والنساء.
    ولم تكتفِ الشهيدة بنت الهدى بهذا القدر من التبليغ، بل تعدّته إلى مجال أوسع وأكثر فائدة، ‏وهو مخاطبة الفتاة العراقية والعربية عموماً عَبرَ مجلّة «الأضواء» التي أصدرتها جماعة ‏العلماء في النجف الأشرف(2).
    فما أن عَلِمتْ أنّ العدد الأوّل سيصدر حتى بادَرت وكَتبت فيه مقالاً لطيفاً وظريفاً، تحث فيه ‏الفتاة المسلمة على الإلتزام بتعاليم الدين الحنيف وعدم الانجرار وراء الغرب والشرق، قالت: ‏
    «فما أجدرنا اليوم إذ تُمتحن رسالتنا الحبيبة‏‎ ‎بشتى المحن أن نرفع مشعل‏‎ ‎الدعوة الإسلامية، ونستثمر علومنا وتعلّمنا في‏‎ ‎سبيل الدعوة إلى سبيله ‏بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نذكر دائماً وأبداً أنّ نبيّ‏‎ ‎الرحمة قد أوصانا ‏بطلبه وجعله فريضة على كلّ مسلم ومسلمة رحمه الله لكي يكون للمرأة‎ ‎المسلمة نصيبها من الدعوة إلى مبدئها ونظامها الخالد، ولكي تكون قادرة ‏على صدّ‎ ‎هجمات المغرضين وردّ دعايات المرجفين، لا لتتلاعب بها الريح ‏مُصفرة أو مُحمرة،‎ ‎شرقية كانت أو غربية، ولكن لكي تسير على الطريق ‏المهيع السوي، وتتمسّك بالإسلام‏‎ ‎ديناً ومبدأ ونظاماً، ولكي تتفهمه لترى فيه ‏كلّ ما تطمح إليه مِن تقدّم ورقي‎ ‎وازدهار، فلا تعود تتطفّل على المبادىء ‏الدخيلة والأفكار المستوردة»(3).‏
    وفي عدد آخر من مجلّة الأضواء قالت بنت الهدىـ مخاطبة الفتاة المسلمة، طالبةً منها ‏الصمود والتحدّي والمقاومة أمام كلّ الاغراءات المبذولة آنذاك: ‏
    «كوني مثلاً يُقتدى به ولا تكوني اُلعوبة تقتدي، كوني متبوعةً لا تابعة، ‏قاومي الاغراءات، اصمدي أمامَ كلّ شيء، فإنّي لأعلم‏‎ ‎أنّ العقبات أمامك ‏كثار، وأن دربك لا يخلو من شوك وعثار، لكن النكوص عار،‎ ‎والتراجع ‏شنار، فالموت أولى من ركوب العار، والعار أولى من دخول النار»(4).
    وقالت أيضاً:
    «وكم مِن اللواتي مَشِينَ وراء النفير الأجنبي،‎ ‎ونزعنَ حجابهن في غفلةٍ ‏وغرور، أخذنَ يتراجعنَ وبدأنَ يستفقنَ مِن كابوس المفاهيم ‎الخاطئة التي ‏أملاها علينا الاستعمار الغاشم، بعد أن أرادَ أن يستعمرنا في كلّ شيء‏‎ ‎حتى ‏في أعزّ وأطهر ما عندنا، وهو المرأة»(5).
    وفي عدد آخر قالت:
    «لا تقعد بكنّ هذه التخرّصات، ولا تثنيكنّ‏‎ ‎أمثال هذه النفحات المشؤومة، بل ‏تزيدكنّ عزماً وقوّة وشدّة ومضاء، لتثبتن لهنّ‏‎ ‎صواب نهجكن وخطأ سيرهن ‏المتعرّج ذات اليمين وذات اليسار، ولتوضحن لهنّ أنّهنّ هنّ‏‎ ‎اللواتي رجعن ‏بسلوكهن إلى أبعد عصور الجاهلية حيث لا أحكام، ولا قوانين، ولا مثل‏‎ ‎ومفاهيم»(6).‏‎
    وردّاً على ما يحَتج به مستوردوا التحضّر، الذّين يدعون إلى تبرّج المرأة ولحوقها بحضارة ‏الشرق أو الغرب، قالت بنت الهدى: ‏
    «هل يمكن ل اُمّة أياً كانت أن تتقدّم‏‎ ‎وتتحضّر بحضارات أجنبية لا تمتّ لها ‏بصلة لتكون بذلك متقدّمة ؟ ! فإنّها لم تتقدّم‎ ‎خطوة، ولم تزدهر لحظة، وإنّما ‏الأفكار الخارجية والدعايات الأجنبية هي التي‎ ‎تقدّمت وازدهرت على ‏حسابنا، نحن أعداءها الحقيقين»(7).
    وعن شخصية المرأة المهدّدة قالت:
    «وذلك نتيجة سوء فهمها للإسلام والبعد عن روحه‎ ‎ومفاهيمه من ناحية، ‏ونتيجة تغذية الثقافة الاستعمارية المسمومة التي غزت بلادنا من‎ ‎ناحية ثانية، ‏إذ نشرت مفاهيمها المناقضة للإسلام، والتي لا تنطوي في الحقيقة إلاّ‏‎ ‎على ‏القضاء على أصالة المرأة واُنوثتها وكرامتها»(8).
    وبصدد الردّ على شعارات: تحرير المرأة، حقوق المرأة، مساواة المرأة، قالت الشهيدة بنت ‏الهدى:
    ‏«أنغام سمعناها، وسنسمعها أيضاً ما دام المكروب‏‎ ‎الأجنبي يسري في ‏عروق‎ ‎مجتمعنا المسكين، وما دمنا متمسّكين بمبدئنا الحقّ، داعينَ إلى نهجه ‏القويم»(9).




    *******


    الإشراف على مدارس الزهراء عليها السلام


    تُعدّ مدارس الزهراء عليها السلام من أعمال «جمعية الصندوق الخيري الإسلامي»، وهي ‏أكبر المؤسسات الجهادية التي تشكّلت في العراق عام 1958م، متبنّية أهداف الإسلام الحنيف ‏في كافة لجانها التعليمية والثقافية والاجتماعية والطبّية، وبجميع فروعها القائمة بمدينة البصرة ‏والديوانية والحلّة والكاظمية وبغداد حيث يكون مركزها فيها.
    كانت هذه الجمعية تشرف على العديد من الفعاليات الخيرية الإسلامية، منها شؤون الرعاية ‏الإجتماعية، وتسهيل العلاج المجاني في مستوصفات طبّية خاصة، كما كانت تضمّ كليّة اُصول ‏الدين في بغداد، إضافة إلى مدارس الإمام الجواد عليه السلام للبنين بمرحلتيها الإبتدائية ‏والثانوية بمدينة الكاظمية.
    وفي عام 1967م أصبحت الشهيدة بنت الهدى المشرفة على مدارس الزهراء عليها السلام ‏في مدينة النجف الأشرف والكاظمية، إضافة لإشرافها على مدرسة دينية اُخرى في مدينة ‏النجف الأشرف. فكانت رحمها الله تشرف على تنظيم هذه المدارس، وتعيّن المناهج الدراسية ‏التربوية الإسلامية لها، وتحلّ كلّ ما تواجهه هذه المدارس من مشاكل وصعوبات.
    فكانت تقسّم أيام الإسبوع بين النجف والكاظمية، فبالإضافة إلى الدروس التي كانت تُلقيها ‏على الطالبات، كانت لديها محاضرات تربوية تُلقيها على المعلّمات بعد انتهاء الدوام الرسمي ‏للمدرسة. وبعد الظهر كانت لديها لقاءات مع طالبات الجامعة حيث تجيب على أسئلتهن، وتُلقي ‏عليهنّ محاضرات ودروساً في المعارف الإسلامية.
    وفي عام 1972م وبعد صدور قانون تأميم التعليم، استقالت الشهيدة بنت الهدى من عملها بعد أن عرفت أنّها لن تستطع أن تؤدّي دورها الرسالي، وقد حرصت الدولة على إبقاء ‏بنت الهدى في هذه المدارس، وبعثت لها كُتباً رسمية تُطالبها بالعودة إليها، إلاّ أنّها رفضت ذلك، ‏وحينما سُئلت عن سبب رفضها للطلبات الرسمية قالت: ‏
    ‏«لم يكن الهدف من وجودي في المدرسة إلاّ نوال‎ ‎مرضاة الله، ولما انتفت ‏الغاية من المدرسة بتأميمها فما هو جدوى وجودي بعد ذلك»(10).







    *******


    القصة الإسلامية

    لم تقتصر الشهيدة بنت الهدى في عملها التبليغي على إلقاء المحاضرات والدروس، والكتابة ‏في مجلّة الأضواء الإسلامية ـ بالرغم ما لهذين المنبرين من دور كبير في توعية الفتيات ‏المسلمات وجعلهنّ أقرب إلى عقيدتهن ورسالتهن الإسلاميةـ بل تعدّته إلى مجال أوسع ورحاب ‏أكبر، وهو كتابة القصة الإسلامية الهادفة، والتي تستطيع بواسطتها أن تُوصل صوتها ودعوتها ‏للحقّ إلى أكبر عدد من النساء في العالم العربي.
    فبدأت بكتابة القصة، آخذه بنظر الإعتبار أولوية الهدف وثانوية الجانب الفني، مخالفة في ‏ذلك الاُدباء العراقيين حيث يُعيرون أهمية كبرى للجانب الفني ويفضّلونه على الهدف.
    وقد أشارت رحمها الله إلى هذه النظرة الخاطئة عند الاُدباء بقولها: ‏
    ‏«استحال بعض اُدبائنا مع كلّ الأسف إلى مترجمين‎ ‎وناشرين لا أكثر ولا ‏أقل، أفكارهم غريبة عنهم، بعيدة عن واقعهم ومجتمعهم،‎ تستهويهم الصيحة، ‏وتطريهم النغمة، وتسكرهم الرشفة، فيغنّون بأمجاد الأعداء وهم‏‎ ‎في غفلة ‏ساهون، ويهلّلون للأفكار السامّة وهم لا يكادون يفقهون منها شيئاً، قد‏‎ ‎تشبّعوا ‏بالثقافة الأجنبية التي أدخلها الإستعمار إلى بلادنا منذ عهد بعيد، وهي‏‎ ‎التي ‏انحرفت بجيلنا الناشىء ذات اليمين وذات اليسار،‎ ‎وحرصت على تشويه انتاجاتنا الأدبية بكلّ أشكالها‎ ‎ونواحيها، ومن جراء هذا ‏الفهم الخاطىء للثقافة الدخيلة انتشرفي ربوعنا مفهوم‎ ‎استعماري عدائي ‏موجّه نحونا نحن بنات الإسلام بالذات»(11).
    إذاً فكتابتها للقصة لم تكن عن هواية أو احتراف، بل لهدف معيّن، وهو مخاطبة الجيل ‏الناشيء باُسلوب قصصي بسيط، وإيصال التعاليم الإسلامية إليه وبهذا الاُسلوب، وقد أشارت ‏الشهيدة رحمها الله إلى هذا المعنى بقولها: ‏
    «إنّ تجسيد المفاهيم لوجهة النظر الإسلامية في‎ ‎الحياة هو الهدف من هذه ‏القصص الصغيرة»(12).
    وقالت أيضاً:
    «ولهذا فإنّ أيّ فتاة سوف تقرأ في هذه القصص‎ ‎‏«مجموعة صراع» أحداثاً ‏عاشتها بشكل أو بآخر، أو تفاعلت معها، أو مرّت قريباً منها»‎.
    ثم تقول:
    «سوف تجد في كلّ قصة الموقف الايجابي الذي تفرضه‎ ‎وجهة النظر ‏الإسلامية في الحياة، والبون الشاسع بين نظافة هذا الموقف وطهارته‏‎ ‎وتساميه، وبين الإنخفاض والإنحطاط الذي تُمثّله وجهات النظر الاُخرى في ‏الحياة»(13)‎؟
    ‏وقالت أيضاً:
    «فلستُ قصّاصة ولا كاتبة للقصة، بل انّي لم‏‎ ‎أحاول قبل الآن أن أكتب ‏قصة»(14).
    وقالت أيضاً:
    «ما قمتُ به لا يعدو عن كونه محاولة بنّاءة لفتح‎ ‎الطريق وتعبيده، بغية ‏السير في إحياء جهاز اعلامي صامت من أجهزة الإعلام التي‎ ‎تواكب سيرنا ‏ونحن في بداية الطريق»(15).
    واستطاعت بنت الهدى رحمها الله ومن خلال القصص التي كتبتها أن تضع حلولاً لكثير ‏من المشاكل التي تواجهها العوائل المسلمة في العالم الإسلامي الذي غزاه فكر الشرق والغرب.
    فهي تعالج بدقة متناهية وباُسلوب لطيف مسألة الزواج، وما آلت إليه نظرة المسلمين اليوم ‏بالنسبة لهذا الأمر المهم، حيث أصبح الزوج الأمثل هو الذي لديه ثروة طائلة أو شهادة مرموقة، ‏أمّا الأخلاق والتمسّك بتعاليم الدين الحنيف فهي أفكار رجعية يجب محاربتها. والزوجة المثلى ‏هي التي تملك جمالاً فائقاً وإن كان كاذباً، حيث تجلس صاحبته ساعات وساعات في صالة ‏التجميل لتخفي وجهها الحقيقي وتَظهر بوجهٍ آخر أكثر جمالاً من واقعها.
    العمل الإسلامي، معاناة المرأة العاملة، السخرية، التشويه، الجمال، التجميل، الحجاب. كلّ ‏هذه عناوين لمشاكل عالجتها الشهيدة بنت الهدى في قصصها وبأسلوب مُقنع، مستعملة في ذلك ‏العبارات السلسة، والكلمات الرقيقة.
    وقد أثّرت هذه القصص أثراً كبيراً في حلّ كثير من المشاكل العائلية، وقد أقبلت الفتيات ولا ‏زالت على اقتناء هذه القصص وقرائتها، وطبعت عدّة طبعات، مما يدلّ على طلب القرّاء لها.
    وقامت دار التعارف للمطبوعات مؤخّراً بطبع قصصها كاملة في ثلاث مجلّدات صغيرة، ‏وهي تحتوي على:
    ‏(1) الفضيلة تنتصر.
    ‏ (2) ليتني كنتُ أعلم.
    (3) امرأتان ورجل.
    (4) صراع مع واقع الحياة.
    (5) لقاء في المستشفى.
    (6) الخالة الضائعة.
    (7) الباحثة عن الحقيقة.
    (8) كلمة ودعوة.
    (9) ذكريات على تلال مكّة.
    (10) بطولة المرأة المسلمة.
    (11) المرأة مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم(16).
    ونقل السيد حسن الأمين عن الاستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين ‏الشيعة انّها رحمها الله ألّفت كتاباً اسمه ( المرأة وحديث المفاهيم الاسلامية ) وطبعته بتوقيع ام ‏الولاء(17).




    *******



    ‏ شعرها

    لم تكن الشهيدة بنت الهدى رحمها الله شاعرة مُحترفة أو مكثرة، ولم تكتب الشعر عن هواية، ‏بل وجدت نقصاً ثقافياً سائداً في ذلك الوقت، وهو عدم خوض المرأة المسلمة مجال كتابة الشعر ‏الهادف الذي يسمو بصاحبه إلى أعلى درجات الرحمة والرضوان، لذلك أخذت على عاتقها ‏كتابة مقاطع شعرية عَبّرت من خلالها عمّا يهيج في خاطرها، وعمّا تُعانيه المرأة المسلمة من ‏انحطاط في مستواها الثقافي الديني.
    ونورد هنا ما تيسّر لنا معرفته من شعرها:
    قالت رحمها الله:




    يا رَسولَ اللهِ أبْشِرْ واُنْظْـرِ اليَـومَ إلينا
    لِتَرانـا كيفَ قَـدْ أشرقَ نـورُ الحقِ فينا
    يـا رَسولَ اللهِ إنّـا فَتَيــــــاتٍ قَـدْ أبَيْنـا
    أنْ نَرى القُرآنَ مَهْجوراً على الرفِ سنينَ
    إي وربّي



    *******


    دَعْـوة الإسْلامِ جـاءَتْ بِمســـــاواةِ البَشر
    لـيسَ فـي الإسلام فَرْقٌ بَيْنَ عــــربٍ وتَتَر
    أحسنُ الاُم ّةِ مَنْ بـالخيرِ والتَقْوى اشتَهر
    لا بِجَمعِ المـالِ والـمنصبِ بينَ العالمينْ
    إي وربّي



    *******
    يا رَسولَ اللهِ هـــــا نَحْـنُ اتَخْذنـاكَ لَنـا
    قـائِـداً يَـرْفَـعُ بـالإســـــــــلامِ عَنّــا ذُلَّنـا
    نَحْنُ بايَعنـاكَ يـا خيَـر البَـــــــرايا كُلّنـا
    وتَسابَقْنا إلـى حَملِ لـواءِ المصْلحيــنْ
    إي وربّي


    *******


    يـا رَسـولَ اللهِ إنّا فِيكَ قَـدْ نِلْنا السَعـــــادة
    وعلـى نهجكَ قَـدْ حقّقتِ الـبنتُ السيــــادة
    بَعْدَمـا كـانتْ ككابوسٍ وكانَ الوأُد عــــادة
    جِئْتَ كـيْ تُعْطيَ حَقّ البنتِ بينَ المسلمينْ
    إي وربّي


    *******
    فَجَعَلْتَ البنْتَ كـالقُرّةِ للعيـــــــن وأحلـــى
    وَجَعَلْـتَ الأمَ لِلجَنّـةِ كـالجسْــــــرِ وأعلــى
    وَلَقَـدْ حَقّقتَ للزوجـةِ قـانوناً وعَــــــــدلاً
    ظَهَـرَ الحـقُ إلـى المرأةِ كالصُبْحِ المبينْ
    إي وربّي


    *******
    وَفَـرَضْتَ العِلـمَ للمـرأةِ كَيْمـــــــــا تَتَعَلْـم
    وَلِكي تَتْـركَ دُنيـا الجَهْلِ والفِكْر المحَطّم
    وَلِتَغدو تَعـرفُ الـــــدِينَ الحقيقـيَّ وتَفْهَم
    جَوْهـرَ الإسلامِ والـدينَ وَمَعْنــــاه الثمين
    إي وربّي




    وقالت رحمها الله:







    قَسَماً وإنْ مُلىء الطَريقُ
    بِمـا يُعيقُ السيـرَ قُدماً
    قَسَماً وإنْ جَهَدَ الزَمـانُ
    لكيّ يُثَبِّطَ فـيَّ عَـزْماً
    أوْ حاولَ الدَهْرُ الخَؤونُ
    بـأنّ يَـرشَّ إليّ سهماً
    وتَفَاعَلَتْ شَتّى الظُروف
    تُكيـلُ آلامــاً وَهَمّـاً
    فَتَراكَمَتْ سُحب الهُمومِ
    بـاُفقِ فِـكْري فـادلهما
    لَـنْ أنْثنـي عما أرومُ
    وإنْ غَـدَتْ قَدَماي تُدمى
    كلا ولَـنْ أدَعَ الجِهـادَ
    فَغـأيتي أعلـى وأسْمى



    وقالت أيضاً قدس الله نفسها الزكية :





    أنا كُنْتُ أعْلـَم أنَّ دَرْبَ
    الحقِّ بالأشْـواكِ حـافِل
    خـالٍ مِن الرَيْحان يَنْشُر
    عطـرَهُ بيـنَ الجَـداول
    لكنّني أقدَمْتُ أقْفوا السَيرَ
    فـي خَطـو الأوائِــل
    فَلَطالَما كـانَ المجـاهدُ
    مُفْـرداً بَيـنْ ألجَحـافل
    وَلَطالَمـا نَصَـرَ الإلـهُ
    جُنـودَهُ وهَـمُ القـَلائل
    فالحقُ يخلدُ في الوجُـودِ
    وَكُلّ مـا يَعْـدوه زائِـل
    سأظل أشدو باسْم إسلامي
    وأنْكـرُ كـلَّ بـاطِـل


    وقالت رحمها الله تعالى:




    إسلامُنـا أنْـتَ الحبيبُ
    وكُلُ صَعبٍ فيـكَ سَهْلُ
    ولأجلِ دَعْوَتكَ العَزيـزة
    عَلْقـَم الأيـام يَـحلـوُ
    لَمْ يَعَلْ شيء فوقَ إسمك
    فـي الدُنا فـالحَقُ يَعْلوُ
    وَتُطبّق الدُنيـا مَبـادءك
    العَظيمة وَهْـيَ عَـدلُ
    وَسَيْنصُـر الرحمنُ جُنْدَ
    الحق مـا ساروا وحلّوا
    وأظـل بـاسمكَ دائمـاً
    أشـدو فَلا ألهـو وأسلو




    وقالت أيضاً:



    غَداً لَنا لا لِمبادىء العِدى
    ولا لأفكـارِهِـمُ القاحِلةْ
    غَداً لَنـا تَزْهَرُ فـي اُفْقِهِ
    أمجادُنـا وَشَمْسُهم زائِلةْ
    غَداً لَنا إذا تَرَكنا الوَنـى
    وَلَـمْ تَعُد أرواحُنا خامِلَةْ
    غـداً لَنـا إذا عَقَدْنـا الِلوا
    لـدينِنا فـي اللحْظَةِ الفاصِلَةْ
    لا وَهْـنَ لا تَشْتيتَ لا فُرقة
    نُصبِحُ مِثـلَ الحلقَـةِ الكامِلَة
    إذْ ذاكَ لا نَرهَبُ كـلَّ الدُنـا
    ولا نُبـالـي نَكْبـةً نـازِلَةْ
    غَداً لَنا وما اُوحَيْلَـى غَـداً
    كُـلُ الأمـاني في غَدٍ ماثِلَةْ
    إذْ يَنْتَشِرْ دُسْتُور إسلامِنـا
    تهدي الورى أفكارُهُ الفاضِلَةْ



    وقالت أيضاً:




    غداً لَنا مَهما ادّعى مُلْحِـدٌ
    وارتَحلَـتْ مبـادِىء وافدَةْ
    غَداً لَنـا إذا صَمَـدْنا وَلَمْ
    نَضْعُفْ أمامَ العُصّبَةِ الجاحِدَةْ
    فالله قَدْ واعَدَنـا نَصْـرَهُ
    والحقُ لا يْخلِفُ مَـنْ واعَدَهْ



    وفي مكان آخر قالت:




    سَتَرْتَفـع رايـةُ إسلامنا
    نَحْـوَ الهدى خَفاقَةً صاعِدَة
    وَيَنْتَصِـرْ دُستورُ قُرآنِنا
    رَغْـمَ اُنُوِفِ الزُمْرَةِ الحاقِدة


    ولها مقطوعة توجيهية نظمتها ردّاً على تسمية فتيات الاُمة «رجعيات» قالت فيها:

    «رجعية» إن قِيلَ عَنْك! فَلا تُبالـي وإصْمديِ
    قُولي: أنـا بنتُ الرسالـةِ، مِنْ هُداها اهتديِ
    لَمْ يُثْنني خَجَلي عَـنْ العَليـا، وَلَمْ يُغلل يديِ
    كلا، ولا هـذا الحجابُ يُعيقني عَـنْ مَقْصَديِ
    فَغَداً لَنا، أُختاه، فامضي في طَرِيقكِ واصعديِ
    والحقُ يـا اُخْتاه يَعْـلو فـوقَ كيـدِ المُعتديِ






    *******





    جهادها واستشهادها



    تُعدّ الشهيدة بنت الهدى رحمها الله رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق، فلم تتصدّ لهذا ‏العمل ولم تقم بمهامّه غير السيّدة آمنة الصدر، في الوقت الذي تصدّى للعمل الإسلامي في ‏أوساط الرجال عددٌ من العلماء والمفكّرين والشباب الملتزمين.
    فلم تكتفِ الشهيدة رحمها الله بأن تُجاهد بلسانها وكتاباتها، بل تعدّته إلى أكبر من ذلك، حيث ‏عاشت مع الحركة الإسلامية التي نظّمها وسيّرها وقادها أخوها المرجع الديني الكبير آية الله ‏العظمى الشهيد السيّد محمّدباقر الصدر رضوان الله تعالى عليه. كانت مع الحركة الإسلامية منذ ‏انبثاقها، وما مشاريعها الإجتماعية، ونشاطاتها الثقافية إلاّ جزءً من الحركة الإسلامية المنظّمة.
    عاصرت الشهيدة بنت الهدى عدّة أحداث سياسية هامة:
    منها: اعتقال الحكومة العراقية المجرمة للشهيد الصدر في مستشفى الكوفة عام 1972م. ‏
    ومنها: أحداث عام 1974م، حيث اعتقل عدد غفير من كوادر الحركة الإسلامية في العراق، ‏واعدام خمسة منهم.
    ومنها: أحداث عام 1977م، حيث انتفضت مدينة النجف الأشرف، تلك الإنتفاضة الحسينية ‏الجماهيرية التي أرعبت نظام بغداد، ممّا حدى بهذا النظام أن يعدم عدداً من الشباب الحسينيين ‏الأبرياء بحجّة خروجهم على القوانين واثارتهم الشغب، واستدعت الحكومة آنذاك الشهيد الصدر ‏إلى بغداد وعاتبته على عدم تلبية طلباتهم في شجب هذا الأعمال واستنكارها.
    وكانت الشهيدة رحمها الله تعيش عن قرب من هذه الأحداث، حيث منحتها حسّاً سياسياً ‏تستطيع بواسطته ادراك ما يجري حولها، وما سيؤول الأمر إليه.
    ومنها: أحداث عام 1979م، هذا العام الذي شهد تحرّكاً سياسياً واسعاً في العراق، حيث ‏جاءت الوفود ومن شتى أنحاء العراق مجدّدة البيعة للإمام الصدر، طالبة منه المسير قدماً في ‏تطبيق حكم الله في الأرض، فأحسّت حكومة بغداد بخطورة الموقف وتفاقمهِ، وخوفاً من أن يفلت ‏زمام الأمر منها أقدمت على اعتقال السيد الشهيد الصدر في 19 رجب.
    وهنا بدأ دور الشهيدة بنت الهدى لتقف موقفاً بطولياً، يُعبِّر عن عمق الإيمان وإحساسها ‏بخطورة المرحلة. فخرجت من دارهاـ دار السيّد الشهيدـ وذهبت إلى مرقد الإمام أمير المؤمنين ‏عليه السلام، وهناك نادت بأعلى صوتها: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الظليمة الظليمة، أيها ‏الناس هذا مرجعكم قد اُعتقل. فعلم الناس بالخبر، وسرعان ما انتشر، وما هي إلاّ ساعات حتى ‏خرجت تظاهرة كبرى في مدينة النجف الأشرف، مُعلنة عن سخطها واستنكارها لإعتقال السيّد ‏الشهيد الصدر، فسارعت الحكومة لإطلاق سراحه خوفاً من توسّع رقعة المظاهرات.
    وما أن وصل الخبر إلى بقية المدن العراقية حتى خرجت تظاهرات واسعة في بعضها مثل ‏بغداد، والكاظمية، والفهود، وجديدة الشط، والنعمانية، والسماوة. وقد خرجت أيضاً تظاهرات ‏في بلدان اسلامية اُخرى، مثل لبنان والبحرين وايران. ‏
    وعندما عرفت السلطة خطورة الموقف فرضت الإقامة الجبرية على السيّد الشهيد وعائلته ‏بهدف منعه من الإتصال بالحركة الإسلامية، وتمهيداً لتصفية أقطاب التحرك الإسلامي، ومن ثمّ ‏تصفية السيد الشهيد جسدياً. وفعلاً فقد أقدمت حكومة البعث الصليبية على جريمة كبرى حيث ‏اعتقلت الشهيد الصدر واُخته العلوية بنت الهدى في يوم السبت 19 جمادي الاُولى سنة 1400هـ، ‏الموافق 5|4|1980م، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام تمّ تنفيذ حكم الإعدام بالسيّد الصدر واُخته ‏العلوية آمنة الصدر.
    وستبقى هذه الجريمة وصمة عار في جبين كل مَنْ ينتمي إلى حزب البعث، بل وفي جبين ‏مَنْ يدّعي القومية والتقدّمية.
    وبهذا أفلَ نجم المعلّمة الكبيرة والمرشدة العظيمة العلوية بنت الهدى، وفازت برضوان الله ‏وجنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار.‏




    *******

    (1) ما يرد في ترجمتها مأخوذ من معلوماتنا الخاصة عن الشهيدة بنت الهدى، ومن كتاب ‏‏«عذراء العقيدة والمبدأ الشهيدة بنت الهدى» لمؤلّفه جعفر نزار حسين. ‏
    (2) كانت رحمها الله تكتب مقالاتها وكتبها بتواقيع مستعارة، هي( بنت الهدى )، ( اُم ّ الولاء )، ‏‏( آـ ح )، ( آـ حـا ) انظر معجم الاسماء المستعارة وأصحابها، ليوسف أسعد داغر: 33 و 68 ‏و 83 و 180. ‏
    (3) مجلّة الأضواء: العدد الأوّل للسنة الاُولى، ذي الحجة 1379هـ، حزيران 1960م.
    (4) مجلّة الأضواء: العدد السابع للسنة الثانية، 1381هـ، 1961م.
    (5) مجلّة الأضواء: العدد السابع للسنة الثانية 1381هـ، 1961م. ‏
    (6) مجلّة الأضواء: العدد السابع للسنة الاولى 1380هـ، 1960م.
    (7) مجلّة الأضواء: العدد السابع للسنة الاولى 1380هـ، 1960م.
    (8) مجلّة الأضواء: العدد السابع للسنة الاولى 1380هـ، 1960م. ‏
    (9) مجلّة الأضواء: العدد السابع للسنة الاولى 1380هـ، 1960م. ‏
    (10) مُلحق صحيفة الجهاد الصادر بتأريخ 20 جمادى الآخرة 1403هـ، 4 نيسان 1983م. ‏
    (11) مجلّة الأضواء: العدد التاسع للسنة الاُولى ربيع الثاني 1380هـ، تشرين الأول 1960م.
    (12) مقدّمة قصة: «صراع من واقع الحياة».
    (13) مقدّمة «الفضيلة تنتصر».
    (14) مقدّمة «الفضيلة تنتصر».‏
    (15) مقدّمة «الفضيلة تنتصر». ‏
    (16) انظر معجم المؤلّفين العراقيين 1: 34، معجم المطبوعات النجفية: 97و 108 و 264 و ‏‏213.
    (17) مستدركات أعيان الشيعة 3: 4. ‏

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي


    وداعـاً..باقر الصدر

    بقلم الشهيد القائد د. فتحي الشقاقي
    الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

    ولد الإمام محمد باقر الصدر في ذي القعدة 1353هـ لأسرة عريقة في التاريخ الإسلامي وكان والده نابغة عصره في الفقه والأصول... هاجر الإمام إلى النجف الأشرف عام 1365هـ وعكف على دراسة الفقه والأصول ومختلف علوم الإسلام واستطاع أن يصل إلى درجة الاجتهاد المطلق وهو في أواخر العقد الثاني من عمره، برز كمنار شامخ في الفكر الإسلامي فكانت بحوثه ومؤلفاته في مختلف مجالات الفقه والأصول والفلسفة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والقانون والأنظمة المصرفية، كما قدم دراسة نقدية للماركسية تعتبر من أهم الدراسات النقدية التي واجهته هذه النظرية.


    ولم يكن الإمام مجرد مفت بل كان قائداً ومعلماً ناضل من أجل توعية الأمة وتثقيف شبابها وخلق تياراً فكرياً إسلامياً هائلاً امتد إلي كل أرجاء الوطن الإسلامي... واستمر في نضاله حتى سقط شهيداً على يد الطغمة المستبدة في بغداد من أشهر مؤلفات العديدة، (اقتصادنا، فلسفتنا، غاية الفكر في علم الأصول، البنك اللاربوي في الإسلام، الأسس المنطقية للإستقراء، الفتاوى الواضحة...).


    ما أصعب الكتابة عنك... ما أصعب أن يكتب البشر الفانون من أمثالي عن الشهداء الخالدين... ما أصعب أن أكتب عنك يا سيدي، لا أدري أأرثيك... أرثي لنفسي... أم من أرثي هؤلاء القتلة الطغاة من ثوريي هذا الزمان وخصيانه في قصور بغداد.

    في يوم ما، دلنى تعبى عليك... وجدت كتابيك العظيمين "اقتصادنا" "فلسفتنا" كان تعب جيل بأكمله.. التهمت.. امتلأت ثقة.. طال ظلك.. طالت قامتي.. تعانقنا كما التلميذ في حضرة أستاذ عظيم... والآن وفي هذه الساعة المتأخرة من هذا الليل يجيء نعيك... العالم يغط في النوم... بينما أنت تترجل عبر الأفق يا سيدي فارساً جميلاً وكوكباً تزفه النجوم.

    الأرض ترتعش الآن... ينهمر الرصاص... وهذا الأزرق يشتعل... ودمك الممتد يضيء... يصبح محراثاً... منشوراً سرياً... قنبلة وناراً.


    الآن تذهب يا سيدي ليشتعل الحرف بعدك أكثر... ويتضح الشيء أكثر... تذهب الآن.. للأرض تعبر.. للبحر تصعد.. تكسر القيد وللحلم تمضي تدخل في الأزقة والعروق.. تمتد في جروحي.. أمتد في جرحك.. تشتعل الشمس.. تبدأ.. نتوحد الآن.. تقترب جمهرة الفقراء.. ونصعد للقدس.. للقمح والماء.. نصعد للمستحيل.


    تذهب الآن... لست وحدك... تزفك الأناشيد... البراكين... السيدات... صهيل الخيول... تزفك عيون الأطفال واليتامى... وفي مهرجان استشهادك يجيء الشهداء ويمشي المستضعفون لمنضي معاً، آه ما أجمل هذا الموت... ما أبدع هذا الخيار الموت... آه ما أصدقه تعبيراً تراجيدياً تعلن به انتماءك للمستضعفين وللحياة ...ما أثقل على القلب سماع نعيك ..ولكننا لن نبكي... لن نبكي بعد اليوم سوى من فرح ...وعندما يلوح مع الأفق الرصاص تبشر بفجر جديد... وها هو الفجر القادم... يزغرد فوق زخات الرصاص التي اخترقت الجسد الطاهر... يزغرد ويضيء.


    أما أنتم... أيها الجالسون فوق رقاب أمة الإسلام في بغداد أيها القتلة والحمقى وبقايا زمان ولى.




    أيها المسكونون بالعار... أيها المدججون بالسلاح... الساعات القادمة لي...أنا المدجج بالغضب والانفجار... المسكون بجدل المرحلة... بالفرح والشهادة...



    ----------------------------------
    المصدر: مجلة المختار الإسلامي – العدد (12) – السنة الأولى – يونيو 1980





  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي


    الشهيد الصدر الاول ...تاريخ وقضية




    الشيخ خالد عبد الوهاب الملا
    أريد أن أتحدث عن هذه الشخصية الإسلامية الكبيرة وإنا أنتمي انتماءا كاملا للإسلام لأن الإسلام ديننا ومهما شرق الناس به وغربوا فهم يجتمعون بالتالي حول الإسلام ومبادئه السامية العليا يعني أريد أن أتحدث بنفس وروح إسلاميتين لأني لا أريد أن أتجرد بأي حال من الأحوال عن مذهبي أو عن طريقتي في عبادتي التي تعلمها وعلمتها للناس لسنين طوال فانا حينما أتحدث عن رجل كتب الله له الخلود وعن شخصية كشخصية الشهيد الصدر الأول إنما أتحدث عن واقع عاشها هذا الإنسان الإمام المجاهد بين طموحات رسالته و زنزانة الظلم التي أحاطت به ونقلته شهيدا باقيا في نفوس المؤمنين والمخلصين ولقد اطلعت كثيرا وان أتجول فيما كتبه هذا الإمام بأنفاسه الإسلامية وروحه الزكية الداعية إلى وحدة المسلمين وهنا لابد أن أسلط الضوء على قضيتين القضية الأولى وقد تحدث عنها الكثير والقضية الثانية التي يتجاهلها بعض الباحثين وهم يكتبون عن هذا الإمام المجدد فالقضية الأولى هي عن نظريته في تطبيق الوحدة العملية بين المسلمين وانقل لكم بدقة وحرفية عما نقلته من بعض كتبه فيقول متحدثا ما نصه: ( وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل أخي المسلم الشيعي والمسلم السني على السواء ومن أجل العربي والكردي على السواء ............ ثم يسترسل قائلا فانا معك يا أخي وولدي المسلم السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي المسلم الشيعي أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام ) هذا نص من كلامه وإذا أردنا أن نشرح هذه المقولة لاحتجنا إلى مجلد أو أكثر لكني أقف مع اعترافه وهو مرجع كبير بالمذهب السني كمذهب فقهي له أصوله وطرق استنباطه وعلماؤه ومراجعه ومقلدوه مثلما للمذهب الشيعي على حد سواء لكنه يجعل الفارق بين هذا الفريق أو ذاك بقدر ما يقدمه من عطاء للناس وبقدر حدة وشدة انتمائه للإسلام كمنهج سوي على هذه الأرض فنظريته هذه اقتبسها من القران الكريم ( ا ن أكركم عند الله اتقاكم ) على اعتبار انه لو كان حيا وهو يعيش أجواء العراق الجديد لطبق هذه النظرية بكل صدق وأمانة ولأنحاز إلى من هو اقرب للإسلام وأجدر إلى حمل هذه الأمانة باعتبار أن الحكم هي من أعظم الأمانات التي كلف الله بها الإنسان فقد قال الله تعالى لنبيه داود (عليه السلام):
    ومن أجد نفسي غرقا في بحر أمواج ومفاهيم هذا العالم الكبير والسؤال هل استطعنا أن نطبق هذا الكلام بكل أمانة وثقة أم أننا لازلنا نتحفظ على كثير من القضايا الطارئة.
    أما القضية الثانية وهي التي غفلها بعض الناس الباحثين وخاصة في محيطنا العربي الإسلامي فهي اهتمامه ببناء الإنسان وهيكلته هيكلة إسلامية صادقة فانك لو بحثت عن الكثير من شخصياتنا الإسلامية المعاصرة سوف تجد عددا قليلا يلتف حولهم ليكونوا قادة للمستقبل أو ورثة لعلمه أما طلاب الصدر فقد امتلئت بهم آفاق الدنيا فما من دولة أو إقليم أو بحر أو نهر إلا وللإمام الصدر فيها تلاميذ وأنا أسوق بعضا من هؤلاء التلاميذ الكبار بحديث جرى بيني وبين سماحة الشيخ محمد سعيد النعماني فمن طلابه السيد كاظم الحائري وهو مرجع كبير والسيد محمد محمد صادق الصدر وهو مرجع كبير وسماحة آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم والسيد محمود الهاشمي الشاهرودي والشيخ المربي محمد علي التسخيري والسيد محمد باقر المُهري من علماء الكويت والسيد محمد الغروي من كبار علماء لبنان والشيخ محمد سعيد النعماني والشيخ فؤاد المقدادي والشيخ عبد الحليم الزهيري وغيرهم كثير يصعب ذكرهم في هذا المجال المهم إن سماحة السيد الصدر كان رجل امة لم يكن رجل نفسه فالذي يكون رجل نفسه يعيش حياته لنفسه ثم يموت ولا يذكره احد أما الذي يعيش للأمة فهذا لا تنساه الأجيال مهما بعدت أو قربت وعمره يتجدد وهو يعيش بروح الأمة وإلا لماذا نذكر بين الحين والآخر العلامة الشيخ عبد العزيز البدري والعلامة احمد الراوي والعلامة امجد الزهاوي والعلامة عبد العزيز السامرائي والعلامة عبد الكريم بياره والعلامة عبد الكريم الدبان والعلامة أيوب الخطيب رحمهم الله جميعا هؤلاء كانوا رجال امة لم يعيشوا لأنفسهم أبدا إنما عاشوا لطلابهم ودينهم ومجتمعهم ولأنهم يعيشون معاناة الأمة ومأساة المجتمع نعم كان الشهيد الصدر يستقرأ النتائج الحقيقة لحكام العراق السابقين الذي تسلطوا على رقاب العراقيين وكانت النتيجة كما رأينا وعشنا أفقر بلاد وهي أغناها وأتعس شعب وهم أبناء الزواد والرفعة والرقي هذا ما استقرائه الإمام الصدر وهو يحذر من نظام البعث الذي خرج عن جادة الصواب فلقد كان الإمام الصدر متميزا في جمع الكلمة بين المسلمين و تثقيف وبناء الرجال وهذا الذي نريده لكي نستطيع أن نؤسس لبناء الرجال حتى يكونوا لبنة صالحة لدينهم وأمتهم وحتى لا يعود العراق إلى المربع الأول حيث الدكتاتورية البغيضة والسجون الحمراء والحجر المنفردة والمقابر الجماعية وتكتيم الأفواه وتقطيع الألسن والأذان.
    رئيس جماعة علماء العراق / فرع الجنوب





صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. باقر الصدر منا سلاما بالصوت والصورة
    بواسطة amori4u في المنتدى واحة الشهيد الصدر (رض)
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 04-05-2011, 23:04
  2. مشاركات: 27
    آخر مشاركة: 20-04-2007, 03:06
  3. باقر الصدر منا سلاما
    بواسطة سندس زه نكه نه في المنتدى واحة الشهيد الصدر (رض)
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 12-02-2007, 11:39
  4. سلاما باقر الصدر
    بواسطة السيد كريم الغالبي في المنتدى واحة الملتقى الادبي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 21-04-2006, 00:55
  5. باقر الصدر منا سلاما ...... اي باغ سقاك الحماما
    بواسطة محمدعلي العراقي في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-02-2005, 05:58

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني