في ذكرى زيارة الاربعين

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

لقد حاول اعداء اهل البيت (عليهم السلام) عبر التاريخ باساليب شتى ثني الموالين لهم (عليهم السلام) عن الاستمرار باحياء شعائر الله تبارك وتعالى وقد وصلت هذه الاساليب حد القتل والسجن وتقطيع الاعضاء وتغريم الاموال الباهضة وفي كل ذلك يخرج أولياء الله منصورين ولا يزيد الظالمين الا تبارا والمؤمنين الا اصرارا على مواصلة نهج اهل البيت ((عليهم السلام)) وما درى هؤلاء الاعداء ان شيعة اهل البيت عليهم السلام خلقوا من فاضل طينتهم ((عليهم السلام)) ـــ كما اخبروا هم ((عليهم السلام)) ـــ قبل الخلق والخليقة فهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم وان هذه الشعائر تمدهم بالإيمان وحرارة الولاء التي كلما خبت زادتها هذه الشعائر اتقاداً وما بقاء الدين عامراً في أمتنا رغم المحن الكثيرة إلا ببركات الحسين ((عليه السلام)) وما هذا الحماس الديني الذي تنبض به قلوب المؤمنين إلا من آثار اقامة الشعائر الحسينية وقد ظنوا ان تفجيرات يوم عاشوراء التي جددت لنا تلك الفاجعة ستمنع المؤمنين من الاستمرار في اداء مراسيمهم فخابت ظنونهم فورا حيث انطلقت مواكب الهرولة ملبية نداء الحسين (عليه السلام) (( هل من ناصر ، هل من معين )) بأعداد ضخمة فاقت حد التصور بعد التفجيرات مباشرة ثم عادوا وهددوا زوار الاربعين وهاهي الآلاف المؤلفة تنطلق قبل موعد الزيارة بايام في مواكب راجلة لترد على أولائك المجرمين وتؤكد انتماءها لمدرسة أهل البيت ((عليهم السلام)) ومواصلتها لنهجهم القويم وما اشبه اليوم بالبارحة ففي مثل هذه الأيام من صفر / 1397 هــ ـــ المصادف شباط / 1977 حاول جلاوزة البعث المقبور بكل وحشية لقمع مواكب المشاة التي انطلقت من النجف الاشرف واستعملوا الدبابات والمدرعات وكانت الطائرات تُغير على الموالين وهم في هذه الصحراء المكشوفة الا ان المسيرة استمرت ووصلوا الى كربلاء وسلموا الراية الى الإمام الحسين (ع) وأخيه ابي الفضل العباس فاحتضنهم (عليه السلام) بدعائه ولطفه ورعاية ولده الإمام الحجة المنتظر (عليه السلام) .

هذا الولاء والإخلاص والإصرار على مواصلة النهج الحسيني هو صمام الأمان لبقاء الدين حياً فلا تقصروا في ادائه ووعي اهدافه الحقيقية التي لا يحتاج التعريف بها الى مؤنة كبيرة فلقد لخصها صاحب الثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بكلمات دقيقة ( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلى الله عليه وآله) ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي ، ألا ترون الى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا ينتهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه فإني لا ارى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً ) .

فعلينا جميعاً أن نعمل لكي تكون زيارة الأربعين ناجحة في تحقيق الأهداف التي ارادها أهل البيت (عليهم السلام) من حثّ شيعتهم على هذه الفعاليات كما كانت زيارة الأربعين في العام الماضي ناجحة وفق كل الاعتبارات فبالرغم من أنها حدثت بعد سقوط صدام بأيام وكان البلد يشهد فراغاً أمنياً وسياسياً حيث لا دولة ولا قانون ولا جيش ولا شرطة ولا أي قوة لتحمي الأمن وتبسط النظام ومع ذلك فقد أدت اللجان الشعبية دورها بأكمل وجه ولم يقع أي حادث أمني بل ولا حادث مروري رغم كثافة الناس والسيارات وهذه من المعجزات التي يفخر بها شعبنا ولا يستطيع الارتقاء اليها كل شعوب العالم التي تتدعي التحضر وسيادة القانون وكانت الشعارات واعية وهادفة ومعبرة عن مطالب الشعب الحقيقية التي بينتها لهم مرجعيتهم الدينية الحكيمة فنريد زيارة هذا العام كسابقتها وقد أعلنا بوضوح عن مطالب الشعب في خطاب صلاة الجمعة في ساحة الفردوس وما تلاها من الخطابات فلابد ان تكون مسيرتنا ضمن الحدود التي ترسمها المرجعية الواعية ولتحقيق تلك الحالة النموذجية علينا :

1ـ التعاون الكامل مع اللجان الشعبية التي تشرف على حفظ النظام والأمن للزائرين والمتطوعين الذين يقدمون الخدمات الاساسية لهم .

2ـ عدم تواجد النساء في مناطق التجمعات الكبيرة لصعوبة تفتيشهن أو توفير الكادر النسوي للقيام بهذه المهمة فقد تندس بينهن بعض النسوة المستأجرات للأعداء وتكون وسيلة لتنفيذ جرائمهم الشيطانية .

3ـ الوعي الكامل لأهداف الثورة الحسينية والإستفادة من الخطباء والمرشدين في كل مناسبة سواء اثناء الطريق أو في أماكن التجمعات .

4ـ أن يستغلوا هذه المناسبة للتعبير عن مطالبهم المشروعة وقد اجملناها في ستة نقاط في خطبة صلاة الجمعة الأولى في ساحة الفردوس وما أضيف إليها في خطابات المرجعية الدينية الحكيمة .

5ـ أن ينظم الذهاب على شكل مواكب وتجمعات لا افراد متفرقين مهما كثروا لتكون أكثر هيبة وعزّة ومن الأفضل أن يكون على رأس كل موكب خطيب ومرشد وان تعلن الجهات التي تنتمي اليها المواكب لإظهار شمولية الحركة لكل الفئات والشرائح وأخص بالذكر طلبة الجامعات إذ ينبغي لهم التنسيق فيما بينهم وبين اللجنة المنظمة في جامعة كربلاء وأن يعلنوا اسماء الجامعات والكليات والمعاهد التي يمثلونها ليؤكدوا بأستمرار انتماء الجامعات للإسلام .

6ـ أن تسود بينهم روح الأخوة والتآلف والتراحم بل الإيثار كما وصفهم الله تعالى (( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة)) ليكونوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن الله تعالى وصف من هو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبر الأجيال ولا تختص بالمعاصرين له ( صلى الله عليه وآله) بأنهم ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)).

7ـ أن لا يقصر المتمولون في رعاية الزوار وتهيئة مستلزماتهم من غذاء وسكن وغيرها ليظهروا للعالم أن أهل البيت (عليهم السلام) علموا شيعتهم أن يكونوا أقدر من افضل جيوش العالم في تقديم الإسناد والخدمات اللوجستية كما يسمونها . كما أن نفس الصيغ المتعددة للشعائر إنما هي عبارة عن تدريبات عنيفة على الجهاد وا لتضحية في سبيل الله تعالى .

وليتذكروا دائماً أن كل ما يصيبهم من شدة وعنت وبلاء وصعوبات وجهود وتضحيات وإنفاق فإنما هو في عين الله تعالى وسيجزي به افضل الجزاء كما قال تعالى : ((وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُه)) وهي شاملة لكل إنفاق وأعلاها الجود بالنفس لذلك كان الإمام الحسين (عليه السلام) يردد يوم عاشوراء (هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى) وقد وعد الله تبارك وتعالى وهو اصدق القائلين : (( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)) وقال عز من قائل : (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين)) .

فطوبى لكم هذه النعمة الإلهية التي منّ الله تعالى بها عليكم والتي لا يعادلها شيء فحينما شكى أحدهم للإمام (عليه السلام) وقال له : إني لا أملك شيئاً فقال : بل عندك أثمن من الدنيا وما فيها . قال : وماذاك يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) . قال (عليه السلام) : عندك ولايتنا أهل البيت (عليهم السلام). فهل تتخلى عنها لو اعطوك الدنيا وما فيها . قال الرجل الموالي : لا يابن رسول الله حتى لو بذلوا لي أكثر من ذلك . قال (عليه السلام) : فإذن عندك خير من الدنيا وما فيها .

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا هدانا الله والصلاة والسلام على اشرف خلقه الذي كان سبب هدايتنا ونجاتنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

محمد اليعقوبي

13 صفر 1425