موسوعة : الأعلام والبيوتات في الأمثال الشعبية العراقية
حافظ الكليدار
باحث مهتم بالفولكلور والتراث الشعبي العراقي
أخوة هدلة
هم جماعة من ذوي الشهامة والغيرة والنخوة والشرف الرفيع والعفة، التفــوا ـ سنة 1293 هـ / 1876 م ـــ. حول الثائر ( علي هدلة) وساعدوه، وآزروه، وقوي نفوذهم واشتد، حتى صار يهز عروش المحتلين العثمانيين..
إذن، فأخوة هدلة هم هؤلاء، وليس سواهم، هم جماعة علي هدلة: وكان أغلبهم من عائلة السادة الدده، يقودهم السيد جاسم الدده..
وسيد جاسم الدده هذا، هو شقيق الشهيد السيد هوبي (وهاب الدده) صاحب السيرة العطرة في الدفاع عن كربلاء والنجف بوجه الغزو الوهابي المقيت، والذي ضحى بدمه وبدنه في سبيل مدينته كربلاء، حين هاجم الوهابيون مدينة كربلاء مرة ثانية، سنة 1923 م...
أن تلك الأسرة الرضوية التي سجّل تاريخُ العراق المعاصر،في أحد صفحاته المشرقة، اسمَ أحد رجالاتهم، وهو السيد وهاب الذي قاتل الوهابيين وصدّهم، واستشهد ـ مع ابنه ـ في الجهاد ضدّهم، كان حريّاً بهم ـ وهم يعيشون القلق والرهبة ـ أن يتشتتوا في أرض الله الواسعة، وأن لا يكشفوا عن تاريخهم، لا سيما أن الحركة الوهابية لمّــا تزل تشنّ غاراتها، وتحرق الديار، وتنهب، وتسلب، وتقتل، وتعيث في الأرض فساداً، ولم تتوقّف مع مجيء الاحتلال البريطاني ، حيث أغار الوهابيون على العراق، ليلة الحادي عشر من مارس سنة 1922، كما يذكر السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه تاريخ الوزارات العراقية [طبعة دار الكتب، بيروت، ط4، 1394/1974م ،ج1، ص64، ومابعدها].
ناهيك عن دويّ أخبار غاراتهم المتعاقبة التي طالت سائر الأراضي العربية كنجران، واليمن، وعمان، وبلاد الشام، وو.. تلك الغارات التي تقلق الشعور بالأمن في نفوس أفراد الأسرة..
هذا المثل إذن، ارتبط باسم عائلة السادة الدده الرضوية الموسوية الحسينية العلوية، التي كانت تسكن في كربلاء قبل انتشار أفرادها بسبب الظلم والاضطهاد في محافظات الوسط والجنوب لا سيما الحلة والديوانية، وعفك... وقد ضربت هذه الأسرة مثلا في الشهامة والنخوة والغيرة....
وقد استطاع دكتاتور العصر، وزبانيته سرقة هذا المثل وربطه بصدام الذي لم يعرف الغيرة والنخوة ولا الشهامة يوما...
وأشهر أخوة هدله ـ كما قلنا ـ هو السيد جاسم الدده ، الذي يقال أنه هو الذي اشعل النخوة في نفوس زملائه بعد الحادثة المشهورة، وأنه هو الذي أجج روح الثورة في النفوس، كونه وجيها معروفا، وسيدا من سادات كربلاء أهل النفوذ والسطوة، بعد سماعه بما جرى مع المرأة الكربلائية...، وكان اليد الضاربة، والعقل المنفذ للحركة التي قادها، وبرع فيها الثائر علي هدلة، الذي لم يكن له نفوذ، وجاه، وسطوة على النفوس كتلك التي كانت للسادة الدده، فعلى هدله هذا، هو قهواتي (صاحب مقهى) فقط.. ولأن الحادث وقع أمام مقهاه، فقط ارتبط المثل باسمه، فضلا، عن كونه قد برع في قيادة الجماعات المسلحة، لاحقا
وقصة هذا المثل هي كالآتي:
في بداية الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديدا في 3 ربيع الأول من سنة 1293هجرية، كان علي هدله صاحب مقهى مجاورة إلى سور المدينة، وكان مأمورو الحكومة الذين يجبون الضرائب على المخضرات، يقفون بالقرب من مقهاه، لاستيفاء الرسوم من الفلاحين، فأخذ أحد هؤلاء يفتّش امرأة ظنّاً منه بأنها تخبّئ المخضرات في ثيابها، فصرخت واستنجدت بأهل المدينة مستثيرة حميّتهم، فلم يُـــطِــق علي هدله ولا زبائنه الجالسون في المقهى صبرا على تعيير المرأة له، لسكوتهم على ما فعل مأمور الحكومة معها، فقرروا إعلان العصيان على الحكومة
حيث قاد علي هدله جماعة من المناوئين، وحرّضهم على مقاومة الحكومة. وكانت أفكار الأهالي مستعدة لتقبّل أي حركة تقوم ضد السلطة. وكانت هذه العصابة [العصابة هنا بمعنى العصبة أي الجماعة] تتألف من (150) شخصاً يقومون بحرب طاحنة بقيادة الشخص المذكور، واصطدمت بالجيش العثماني في مواقع متعددة دحرته، حتى رنّ صداها في الاستانة، وأقلق السلطان، فأصدر إرادة سنية بإرسال جيش لهدم كربلاء وقتل أهلها، وأناط قيادة الجيش بعاكف باشا ـ والي بغداد يومذاك ـ والمشير حسين فوزي..
لقد تزامنت حركة (علي هدله) مع إعلان الحكومة العثمانية النفير في الإمبراطورية، نتيجة لحربها مع روسيا القيصرية، فأخذ المكلّفون في كربلاء بالفرار من الجندية، والعبث بالأمن، وتحريض الأهالي على العصيان، ومهاجمة القوات الحكومية
[ كربلاء في الذاكرة: السيد سلمان هادي الطعمة،مطبعة العاني، بغداد، 1988، ص 32.]
وتمكّن هذا الجيش من القبض على (على هدله) ومعه حوالي (70) شخصاً، وأودعتهم السجن، وأعادت النظام إلى المدينة ولم يفرج عن الثائر على هدله، إلا بوساطة من والي بغداد، وبشفاعة من الأميرة الهندية تاج دار با هو ، حيث أقام عندها بعد ذلك يحرس دارها..
[ينظر: كتاب تراث كربلاء: آل طعمة( نقلا من تاريخ كربلاء جـ3 المخطوط للسيد محمد حسن كليدار ) ]
وكان على رأس قائمة الذين ألقي القبض عليهم السيد جاسم الدده ،وكثير من رجال عائلته، فمكث في زنزانات الأسر العثماني قرابة سبع سنين..
بقي أن نقول اننا لم نعثر في الكتب والمخطوطات التي بين أيدينا على نسب القهواتي على هدلة، ولكن أخوته (عائلة آل الدده) معروفون في صفحات تلك الكتب والمخطوطات..
فهم ـ أي عائلة الدده ـ ، بإجماع المؤرخين والنسابين، أسرة علوية حسينية، من ذوي الجاه والحسب ... والدده كلمة أعجمية تعني (السيد الشريف)، صارت لقباً لأحد أفخاذ عشيرة السادة الغوالب الرضوية الحسينية ، ممّن استوطنت أسرهم في كربلاء المقدّسة.. وينتسب هذا الفخذ إلى الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
[1ـ تراث كربلاء: السيد سلمان هادي الطعمة، منشورات الأعلمي، بيروت، لبنان، ط2، 1403هـ ـ1983م، ص 187. 2ـ تاريخ وبيوتات آل البيت في بلاد الرافدين ـ دراسة ميدانية: الشريف فتحي عبد القادر سلطان الصيادي الرفاعي الأمين العام لرابطة آل البيت، المجلس الأعلى للسادة الأشراف، منشورات دار المحجة البيضاء، ودار الرسول الأكرم، بيروت، ط1، 1423هـ ـ 2002م.
3ـ عشائر كربلاء وأسرها: السيد سلمان هادي الطعمة، تحت تسلسل 47 (آل الدده) ]..
ونسبتهم إلى الرضا عليه السلام، جاءت عن طريق السيد الشريف موسى المبرقع بن الإمام محمد الجواد(ع) بن الإمام على الرضا(ع) بن الإمام موسى الكاظم(ع)..
وتجدر الإشارة إلى أن ثمّة أسرة علوية حسينية عريقة ما تزال مساكنهم في كربلاء تشاركها حمل هذا اللقب أيضا، تتصل بنسبها الموسوي(أيضا)، عن طريق السيد ابراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم (ع) [ ينظر : تراث كربلاء: السيد سلمان هادي الطعمة، منشورات الأعلمي، بيروت، لبنان، ط2، 1403هـ ـ1983م، ص 187.]
وكلتا الأسرتين علوية حسينية، كما تجمع على ذلك كتب الأنساب والعشائر والتاريخ.
صحيح أن السادة الدده المرتبطين بهذا المثل كتبوا أحرفا من نور في الشهامة والغيرة والنخوة، ما يزال أهل كربلاء يتذكرونها حتى اليوم، إلا أنهم بسبب هذه الحركة، وغير ذلك ، تشتتوا، وصاروا يتوزعون في أماكن عديدة، ذلك أن كبير أشهر عوائلهم ـ وقت ذاك ـ وهو السيد جاسم الدده رأى أنه من المفيد أن يبعد عائلته عن ساحة الثورة (كربلاء)، تاركين مقاطعات وممتلكات زراعية لمصادرات السلطات، عبر الأزمنة..
له، لاحق
الباحث: حافظ الكليدار