دائماَ أتساءل، وأنا أتذمر، ماذا بعد؟
وربما يعود هذا الأمر لحالة من الشعور المتواصل بالإحباط من كافة معطيات الواقع الشيعي والعراقي.
ماذا بعد ما يحدث؟ خاصة أننا أصبحنا نكره النظر إلى الصور التي تنقلها الأخبار من صور لأعزائنا وهم يضرجون بدمائهم، بينما تندبهم أمهاتنا وأمهاتهم بالضرب على الوجه، كناية وتلميحاَ عن أن هؤلاء الأعزاء من مناطق الجنوب المظلوم والمضطهد.
ماذا بعد، كلمة سحرية بالنسبة لي، تحمل في طياتها شعوراَ خفياَ أصبحت لم أعد استطيع إخفاءه، من التشاؤم الممزوج بالألم. ماذا بعد، تعني المستقبل، مستقبل، عاشه أبي وأبو كل عراقي شيعي في الماضي وهم ينظرون إلى مستقبل، مع حلم جميل لم يتحقق أن يعيش أبناؤهم كمواطنين أعزاء، لا يظلمهم ظالم ولا يتجبر عليهم متجبر. وكما بقي هذا الحلم الجميل حسرة، إنتقل إلينا أيضاَ. ماذا بعد؟
إنني أتجرأ أن أقول، ربما دون مواربة، أنني لا أثق بما يسمى بهذه القيادات الشيعية. لأن هذه القيادات لم تعط مؤشراَ واحداَ يدل على دينها، ونضجها، ووطنيتها. ولنمسك مسطرة طويلة بطول ليلنا الطويل الذي يبدو أنه لا يريد أن ينتهي، ولنعدها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولنعدد التيارات، والأحزاب، والشخصيات، والمرجعيات، والأفكار، والتنظيمات، واحدة بعد الأخرى، ولنضعها على مقياس رباعي
لدين والورع
قيمة الإنسان
حب الوطن
الأخلاق
وسنكتشف أن أغلبها-وإن لم أخش أن أظلم بعضها- لقلت كلها لا تنطبق عليها هذه المقاييس. وماذا بعد ؟
يسموننا شيعة، وشيعة للإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، ولكن بالله عليكم، كم من هذه المفردات المؤثرة في الواقع الشيعي العراقي التي تدّعي التشيع هي الأقرب للإمام علي عليه السلام. إن أستطعت أن أستحصل إجابة واضحة يطلقها لي ضمير حي، سأقول حينها أن الأمور تبشّر بخير.
أقولها صراحة
إنني لا أثق بمقتدى الصدر، ولا بفكر مقتدى الصدر، ولا بالمستعممين الذين أصبحوا يملأون الشارع من كل حدب وصوب من أتباعه. نعم أقولها صراحة مرة أخرى، لا أستطيع أن أتقبل أن يهجم مواطن شيعي عراقي على مؤسسات الدولة، رافعاَ سيفاَ، وهو يلبس "الزي الروحاني المقدس" يحيي أتباعه الذين يرفعون شارات النصر زهواَ.
إنني لا أثق بسيستاني ومرجعيته ووكلائه، لأنهم في مقاييسي لا يختلفون عن مقتدى الصدر، مستعممون بالألوف، يعيشون على كيل التهم وإقصاء الآخر، يعبثون بمقدرات الأمة ومستقبلها، ينهبون المال، ويعيشون على قدسية مرجع يستنكف أن يظهر وجهه أو يسمع صوته لمقلديه.
إنني لا أثق بالحركات الشيعية العراقية، التي سقطت هي الأخرى واحدة تلو الأخرى في إمتحانات كثيرة، أهمها وقائع التسقيط، وإغلاق الدروب، وألعاب السياسة البذيئة.
إنني اصبحت لا أثق بالشيعي المسكين، الذي أصبح هذا الواقع المتخلف يغذيه تقديساَ لطقوس، وشخوص هي ابعد ما تكون عن رسالة علي بن أبي طالب. هذا الشيعي الذي أودع مقابراَ ذات أبعاد متعددة، مقابر الجهل، ومقابر الفقر، ومقابر التهميش، والمقابر الجماعية.
إننا نفتقد حقاَ محمد باقر الصدر، بصفاء قلبه، وبشفافية إيمانه، وبقوة طرحه، وبتلألؤ فكره العملاق. وماذا بعد ؟
ماذا لو كان محمد باقر الصدر قائداَ في هذه الظروف، هل سيتملكنا الشك لحظة واحدة في صحة قراره، ودقة موقفه ؟
وهل كان سيحمل سيفاَ يهزه فوق رؤوس الأشهاد؟ وهل كان سيلتجئ إلى مكان مقدس يحتمي به؟ وهل كان سيتصرف من وراء حجاب؟ يحتجب؟ ويصمت، ويحرك وكلاءه يتحدثون بما يحبون وبما يشتهون في كل صوب وحدب؟
وماذا بعد ؟
وبعيداَ عن شعارات الشيطان الأكبر، والإستعمار، وإتهامات العمالة دون إثباتات وأدلة نوزعها يميناَ ويساراَ، مع هيجان يفقدنا عقولنا، فنعتبر أهل الفلوجة أهلنا، وحماس قادتنا، والحائري ولينا، وإيران ربنا،
وبعيداَ عن تقديس آية الله العظمى المرجع ، وأولاده، وعمامته وزيه، وصورته، وبعيداَ عن الصور المنقوشة المستوردة من إيران نزين بها بيوتنا ومحلاتنا وسياراتنا، وبعيداَ عن المال الذي يجمع كي ينفق حراماَ هنا وهناك.
بعيداَ عن هذا كله، أين الإنسان الشيعي العراقي اليوم؟ إنكم تحشرونه بين مطرقة إسمها الدخول في حرب مفتوحة يستعر أوارها على كل الإحتمالات، يستفيد منها من يستفيد ويخسر فيها من يخسر، وبين سندان أن يكون عميلاَ، متهاوناَ، جباناَ رعديدا. وماذا بعد ؟
أميركا شر مطلق، وكابوس لن يزول بسهولة، كما أن كابوس صدام لم يزل بسهولة. وفي غيبوبتنا المليئة بالكوابيس، نقدم جيلاَ جاهلاَ لا يعرف القراءة والكتابة، وجيلاَ فقيراَ لا يملك مالاَ لإطعام نفسه، وجيلاَ كسيحاَ لا يستطيع أن يفكر بعقله، وجيلاَ ملثماَ لا يعلم مايريد.
إننا في معركة، وربما تختلف معركتي عن معركتكم، إنني أرى كل إنسان مؤمن يستشهد هو بمثابة ثلمة في الإسلام لا يسدها شيئ خاصة في هذه الظروف، وإنني أرى كل يوم يضيع يعني خسارتنا ليوم يتعلم فيه هذا الإنسان القراءة الكتابة، وإنني أرى كل يوم نضيعه يعني فقراَ إلى فقرنا وحرماناَ إلى حرماننا. إننا في حرب مع الزمن ضد عوامل التخلف والجهل والفقر.
إنني أقولها بصراحة لا مقتدى الصدر يملك مشروعاَ إصلاحياَ لهذه الأمة، ولا إمامه الحائري،
ولا سيستاني ولا غيره من مراجعة الإحتجاب والإستغفال
ولا غيرهم من حركات وشخصيات نصبت نفسها متحثة بإسمنا دون أن تأخذ راينا.
ولا أميركا ولا المحتل.
ثقتي بالإنسان الشيعي الواعي، الذي يفهم واقعه، ويخطط له، ويعرف كيف يستفيد من فرص يفتحها له الله كي يحقق بها حياة كريمة. عندما نفهم كشيعة أن هذه القيادات هي سبب البلاء والخراب، عندها سننتبه غيبوبتنا ونتخلص من الكوابيس التي باتت لا تنتهي.
أتمنى أن أعيش إلى ذلك اليوم الذي أرى فيه المتدين الشيعي وقد حدد أولوياته، ومصالحه فيما يرضي الله، دون أن يكون مفروضاَ عليه أن يكون تابعاَ لصاحب الزي المقدس هذا، أو مستضعفاَ من صاحب الفتوى تلك، أو هذه القوة المحلية أو الإقليمية أو تلك القوة العظمى.
إننا لم نفهم لحد الآن، أن الذي يخيف العدو ليس كثرة الصراخ، والزئير، ولكن الذي يخيف العدو هو التخطيط، مع الإعداد، إن الذي يخيف العدو هو تنظيمنا لأنفسنا ومجتمعنا بحيث لا نرى يتيماَ يجوع، أو عائلة تتهدم، أو مراهقاَ أمياَ، أو عجوزاَ لا يجد علاجاَ، إن الذي يخيف العدو هو مدى نجاحنا في المحافظة على قيمنا الإسلامية الأصيلة، إن ما يخيف عدونا هو مدى إنسجامنا وتعاوننا وتنسيقنا.
وقديماَ قالوا
ضعاف الأسد أشدها زئيراَ------------وأصرمها التي لا تزير
أتمنى ألا يهدر دمي بسبب هذه الكلمات !