بسم الله الرحمن الرحيم
كنتيجة للإحباطات الرساليةالحوزوية المتكررة و القصور في محاكاة فنون المعاصرة تشهد التحليلات و النقاشات الجارية احيانااعتماد النبرات القومية و العنصرية و الإقليميةاحيانا لتطرح نفسها على كيان المرجعية المذهبية !!!.
وقد يبدو غريبا ان تتطابق بعض هذه التحليلات مع ما كتبه قادة الغزو البريطاني - المس بل و السير كوكس - عن قادة المقاومة الاسلامية في العراق و تعريفهم بالغرباء و الاجانب ..ثم تعميم الحالة لتشمل العنصر الشيعي في العراق و اعتباره فارسيا في الادبيات و الممارسات الطائفية اللاحقة .
الإشكالية كما أظن تنشأ من خلال التداخل الحاصل بين العقل السياسي و العقل المذهبي إجمالا ففي السائد من مفاهيم العقل السياسي في المنطقة- وغب قرن من حكم الاستعمار - آثار من الإحساس القومي أو العرقي أو الإقليمي لا يمكن تجاهلها و هي لا تتناغم مع الأصول الدينية و المذهبية إطلاقا ... ذلك التناقض الذي شهده إخوتنا المهاجرون و اللاجئون و المجاهدون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، في إزدواجية واضحة للمعايير الإسلامية المعلنة في ذلك النظام و المقاييس السياسية الإقليمية المتبعة حيال المسلمين غير الإيرانيين الفارين من جحيم الإرهاب البعثي في العراق .
الحوزات المذهبية الشيعية لم تتعامل مع العنصر القومي أو الإقليمي في تاريخها القريب و البعيد ، و هي تتعلق بالإسلام و بعالميته و أمميته عموما و تتعامل بمنطق الإسلام تباعا ... و ما عدا تلك الحالات العاطفيةالباهتة الناتجة عن الإندماج اللغوي الفطري التي تفرز مرجعيات تبدو عربية أو فارسية أو تركية ، أو أفغانية ، فإن التعامل المفاهيمي للحوزات فقهيا أو سياسيا كان بعيدا عن التأثر بالمنطق القومي أو الإقليمي علي مستوى المرجعية و المقلدين .
و الصورة التاريخية المطروحة في ثورة العشرين و الإصطفاف المرصوص لقيادات مرجعيةو علمائية عربية وفارسية كالميرزا الشيرازي و الكاشاني و المحقق الداماد إلى جانب العلماء البارزين العرب كالحبوبي و كاشف الغطاء و الجزائريين محمد جواد و عبد الكريم رحمهم الله جميعا تعكس حقيقة الإتجاه الحوزوي سياسيا ... بينما كانت الإتجهات القومية المحضة في المنطقة و في مقدمتها الشريف حسين الثائر على الإستعمار التركي !!! العثماني يقود جحافله العربية السيارة لدعم الغزاة البريطانيين جنبا إلى جنب قوات و عملاء الحركة الصهيونية للقضاء على الدولة العثمانية .
و بغض الطرف عن الإستثناءات التاريخية في تأجيج العنصر القومي في التاريخ الإسلامي و أكثرها وضوحا الحكم الأموي و التيارات القومية المعاصرة بعد دخول الإستعمار فإن الشعوب ذات الإ ثنيات المختلفة رضخت إلى مفاهيم الإسلام أكثر من رضوخها إلى أصولها القومية و العرقية .
و في الرموز التاريخية للمذهبين الإسلاميين دلالة واضحة في التعاضد الاممي الذي ارسيت قواعده على يد علما ء اجلاء كالشيخ المفيد من العراق و الكليني من ري والصدوق من قم و الطوسي مؤسس الحوزة النجفية من خراسان ... كذا في الشق السني من العالم الإسلامي الطبريون و الطوسيون و النسائيون و الترمذيون و النيسابوريون و البخاريون ..و في ذلك الكم الهائل من رجال الفكر و الفقه و الحديث دلالات كافية على هيمنة العنصر المذهبي مع غياب العنصر القومي في أوساط التخصص المذهبي على وجه العموم .
حتى أن عناوين أسَريةعريقة باتت تغطي بلدانا مختلفة دون تمييز العنصر القومي لها ...العائلة الصدرية مثالا ....فهي عراقية ايرانية و لبنانية لها رموزها و رجالها في تلك البلدان ... و باليقين فهي تتخطى التعريف القومي او الاقليمي كما يرد في بعض التلميحات.
ما أود أن استخلصه مما سبق أن التقييم القومي و العنصري و الإقليمي للبنى المرجعية الإسلامية لا تتناسب مع القيم الفاعلة و المحركة لتلك البنى المذهبية . و إنما قد تحصل إنعكاسا للتقييم السياسي أو إنصياعا للضغط السياسي الحاكم أوتماشيا مع الإثارات القومية الداعية إلى تأجيج المشاعر بهدف تعميق الهوة بين المسلمين و للحد من فاعلية الدائرة الأكثر إتساعا في الأمة...ما ينبغي الحذر منه من لدن المخلصين .
و الحمد لله رب العالمين .