اتخذت الدوائر المتخصصة سلسلة اجراءات ضمن الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة، ادّت بمجملها الى تقليل نسب الفساد في الدوائر الحكومية التي تتميز بالاحتكاك المباشر بين المواطنين والموظفين.
وتأتي هذه الاجراءات تنفيذا لاعلان رئيس الوزراء نوري المالكي العام 2009 عاما لمكافحة الفساد،
الذي بدا للعيان بشكل كبير عقب سقوط النظام المباد، بعد ان كان مستترا خلف تعتيم الماكنة الاعلامية قبل ذلك التاريخ.
وعانى المواطنون من تسلط عصابات المفسدين داخل الدوائر الحكومية، وظهرت الرشوة والمحسوبية كأحد الحلول لانجاز معاملاتهم، وقد نشطت العصابات تلك خلال فترة ارتباك الاوضاع الامنية في البلاد، لكن، ومع احكام القبضة على ملف الامن عقب تنفيذ خطة فرض القانون في شباط 2007 تغير الحال، وباتت العناصر المسيئة الى وظيفتها الحكومية والعراق، تحت مطرقة العدالة.
وتسعى الدوائر الرقابية المتخصصة، ومنها هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين وديوان الرقابة المالية الى انجاح تنفيذ خطط مكافحة الرشوة في الدوائر الخدمية، مثل التسجيل العقاري والجوازات والجنسية وامانة بغداد وغيرها، لأن هناك تماسا مباشرا بين المراجعين والموظفين، وينجم عن هذا التماس حالات رشى، وتداول الاموال بشكل غير مشروع.
وتقوم الفرق التفتيشية التابعة للوزارات المختلفة بواجباتها، للحد من ممارسات تداول الرشوة، لا سيما بعد اطلاق الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة، اذ تشهد دوائر بغداد والمحافظات حركة دؤوبة للمفتشين، الذين يرفعون تقاريرهم الى المسؤولين المتخصصين وعلى اعلى المستويات، ويحال الذين تثبت بحقهم تهم الفساد الى القضاء او هيئة النزاهة. وقال المفتش العام في وزارة العدل احمد حبيب العباسي ان فرق دائرته التفتيشية اسهمت في التقليل وبشكل كبير من نسب تداول الرشوة في الدوائر العدلية وخاصة التسجيل العقاري، اذ كانت الارقام تصل الى 69% من نسب تداول الرشوة خلال الاستبانة الاولى التي اجرته هيئة النزاهة العامة في نيسان الماضي، لكنها انخفضت الى 17% خلال الاستبانة الأخيرة.
وتراجع الأرقام هذه، اشّر فعالية الاجراءات الحكومية في القضاء على ممارسات الفساد الاداري والمالي ومنها الرشوة الصغيرة. ويضيف العباسي في مقابلة مع صحيفة (دولة القانون) ان وزارة العدل قامت بمجموعة من الاجراءات غير التقليدية، ادت الى انخفاض نسب الفساد، ومنها اعتماد نظام (الكاونتر) او المنفذ الواحد في تسلم وتسليم المعاملات من المواطنين، فضلا عن وضع الموظفين لـ(باج) تعريفي يحمل اسم وصورة الموظف، لان غالبية الشكاوى التي يتسلمها مكتب المفتش العام بخصوص الابلاغ عن الموظفين الذين يبتزون المراجعين بطلب الرشوة، كانت لاشخاص غير معرّفي الهوية، وهذا الاجراء سهّل التعرف على ضعاف النفوس، وردع الباقين.
وتابع العباسي ان من ضمن الاجراءات المتبعة ايضا، نصب كاميرات المراقبة في عدد من الدوائر العدلية، وقد تم بالفعل نصب اربعة منها في بغداد خلال الفترة القليلة الماضية، وهذا الامر ادى بالاضافة الى الزيارات التفتيشية المفاجئة لفرق التفتيش، الى الحد من ممارسات الفساد.
وتعد مسألة الفساد الاداري والمالي في دوائر الدولة، من اهم الملفات التي قامت الحكومة بمعالجتها على مراحل، لانها ترتبط مباشرة بالمواطنين، وهو ما تسعى اليه (دولة القانون). ويقول موسى عباس وهو يعمل في مجال الاستثمار: ان الشركات الاستثمارية تبحث عن الدول ذات المناخات المستقرة امنيا واداريا لبدء مشاريعها، واوضح ان الامن قد تحسن خلال الاونة الاخيرة، كما ان مسألة الاستقرار الاداري هي في طريقها نحو خلق المناخ المناسب لاستقطاب المستثمرين الاجانب وتدعيم الاقتصاد العراقي من خلال القضاء على آفة الفساد الاداري والمالي بشكل كبير، لأن القضاء نهائيا على الفساد غير واقعي، حتى على مستوى المجتمعات المتحضرة. وتابع ان الاقبال الكبير من الشركات الاجنبية على المشاركة في معرض بغداد الدولي مؤخرا، جاء تتويجا لجهود الحكومة في استقطاب الشركات الاستثمارية، وايجاد مصادر تمويل لميزانية العراق المالية غير النفط، وعن طريق الانفتاح الاقتصادي العالمي.
المواطنون من جهتهم، ابدوا ارتياحهم للاجراءات الحكومية في الحد من عمليات الفساد الاداري وممارسات الرشوة. ويقول باسم جواد بعد أن أنهى معاملة اصدار الجنسية لطفلته في مديرية الاحوال المدنية بمنطقة الكرادة ان عملية اصدار الهوية لطفلته تمت في وقت قياسي. واضاف: كنت مترددا ولوقت طويل في ترويج المعاملة، لأنني ظننت أن مبالغ مالية وعلى شكل رشوة هي ما ستحسم امر اصدار الهوية، لكن اموالي الشخصية بقيت في جيبي، والفضل للقانون واجراءات الحكومة.
وكانت الدائرة تلك التابعة لوزارة الداخلية من ضمن المؤسسات الحكومية التي يتم تداول الرشاوى فيها وعلى نطاق واسع. واضاف جواد: اعتقد بأن رئيس الوزراء كان جادا في اعلان حربه على المفسدين، ووضع حدا لاستنزاف الاموال من جيوب المواطنين، واتمنى ان تستمر تلك الحملة لتكون دولة القانون هي من تقول كلمتها في العراق.
المصدر: شبكة دولة القانون