لم التصعيد العسكري وأبواب الحل السياسي لم توصد؟

كلما لاحت في الأفق بشائر انتهاء الأزمة بحل سياسي سلمي، وانبعث الأمل في حقن الدماء، وتجنيب العراق المزيد من الكوارث، تجدد التصعيد ثانية، وكانت العودة إلى الحل العسكري. فالنجف وكربلاء تشهدان منذ أيام تصعيدا متجددا، أخذ هذه المرة منحى أكثر خطورة من خلال نقل المعارك، إلى الجوار المباشر من المراقد المقدسة لأمير المؤمنين (ع) في النجف وللإمام الحسين (ع) وأخيه العباس (ع). إننا لا يمكن أن نجد مبررا معقولا لهذا التصعيد من جانب القوات الأمريكية، فإن التصعيد وما يتسبب من تعريض المدنيين إلى القتل والجرح والأضرار المادية وسلبهم الإحساس بالأمن وتعطيل الأعمال مصادر رزقهم، كل ذلك يساهم حتما في تعميق المشاعر السلبية ضد المحتلين، مما يفتح الباب واسعة أمام مزيد من التصعيد والتصعيد المعاكس. إن العراقيين سئموا هذا النزف المتواصل، وسئموا تجدد التصعيد من أي طرف كان، وسئموا تعريض أحلامهم في مستقبل أفضل للعراق إلى المخاطر الكبيرة. إن المطلوب من الأمريكان بشكل خاص هو الخروج من النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، كما إنه لا بد إخلاء المدينتين بشكل خاص، وسائر مدن العراق بشكل عام من كل مظاهر التسلح، واللجوء بدلا من ذلك ثانية إلى تحكيم العقل وإلى الحلول السياسية السلمية، لا سيما إن الأطراف التي تحس بمسؤوليتها في القيام بدور فاعل في هذا المجال تجد أن الفرص ما زالت متاحة لذلك، وهي مستعدة لمواصلة دورها الذي بدأته ولم تتوقف عنه، وذلك بتفعيل التفاوض من أجل الوصول إلى الحل السلمي، وكما نطالب البريطانيين أن يحققوا في الأنباء التي وردت عن تجاوزات جنودهم في محافظة ميسان، في تعذيب الأسرى وقتلهم والتمثيل بهم مما يعتبر مخالفة صارخة لاتفاقية جنيف والمواثيق الدولية في معاملة الأسرى، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، إذا ما ثبت حصول تلك التجاوزات. فإننا في الوقت الذي استبشعنا واستنكرنا عملية الذبح الزرقاوية للرهينة الأمريكي، ونستنكر كل اختراق لقيم الإسلام ممن يرتكبونها باسم الإسلام، كذلك نستنكر ما يجري على أيدي قوات الاحتلال من سوء معاملة للسجناء العراقيين ومن تنكيل وتصعيد. صحيح إن قرار المقاومة ليس قرارنا، وإننا لا نتفق مع من يستبدل الصراع السياسي السلمي المشروع إلى قتال غير مبرَّر، إلا أننا لا نرى من الصحيح أن يكون الرد من قبل قوات التحالف بتصعيد وتيرة المواجهة، وبالاستفزاز المتكرر الذي يؤدي بتصعيد من الطرف الآخر للمواجهة، في الوقت الذي يمكن تهدئة الأجواء وفسح المجال أمام الحلول السلمية. ثم إننا في الوقت لا نتفق مع خيار المقاومة، لا يسرنا أبدا، بل يسوؤنا جدا أن نرى دماءهم تنزف

، فهم أبناؤنا الذين نريد لهم الحياة والمساهمة في بناء الوطن بدلا من القتل في معركة غير محسوبة النتائج، ولا سيما إن الكثيرين منهم ينطلقون من منطلقات سليمة رغبة منهم في تحقيق الاستقلال لبلادهم وإنهاء حالة الاحتلال، مما يعتبر بحد ذاته وبقطع النظر عن الأسلوب مطلبا مشروعا، بل واجبا وطنيا مقدسا، ولو إننا نجد الوصول إلى تحقيق ذلك عن طريق الصراع السياسي هو الأكثر ضمانة والأحقن للدماء.



البيان

الخميس 20 مايس 2004

ما للبيان وما عليه برأيكم ؟