 |
-
رحلات السيد علاوي...2
في حضرة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود
وليد العبيدي
بعد مقابلته الرئيس مبارك يطير السيد علاوي من مصر "الكنانة" إلى شبه الجزيرة العربية في مقعد الدرجة الأولى الملكي. وهو بالطائرة تدور أفكار شتى في مخيلته. لم يعتبر يوما أن غيره (هو) يحق له إن ينطق باسم العراق والعراقيين فهو صاحب الحظوة الأولى لدى الأمريكان وهذا يعطيه ما لا يعطى لأحد غيره. طموحة بأن يكون الرجل رقم واحد بالعراق، والذي تعرقل لأسباب لم يحسب لا هو ولا الأمريكان لها حساب، قد اقترب موعد تحقيقه (يعني "اللكمة وصلت للحلك") ولن يسمح لأحد أيا كان أن يأخذ هذه الفرصة منه. أي دستور وأي محكمة اتحادية وأية تفسيرات تلك التي يتحدثون عنها. أمريكا والعرب هم من يقرر من يحكم العراق وليس بضعة صفحات كتبها أناس لم يذوقوا طعم "النضال" والغربة بلندن (حيث لا تزال زوجته وأولاده يعيشون) مدينة الضباب والغيوم الدائمة. شمس العراق الدافئة له ونفطه ودجلة والفرات. هو من يقرر ولن يكون غيره ما بقى له من حياة.
في المطار، وقد حطت الطائرة، يستقبله من البوابة الخاصة بالشخصيات الكبيرة حشد من رجال الأمن والمستقبلين السعوديين، واحد أو اثنان منهم يستطيع أن يميز كونهم من العائلة المالكة من لون"العكالات" التي يلبسوها وغيرهم لا يستطيع ولكن ما هو أكيد أن معظمهم من رجال الأمن والمخابرات ومرافقي المستقبلين. يقود المستقبلون السيد علاوي إلى سيارة ليموزين ضخمة. يجلس في المقدمة السائق ورجل آخر يستطيع وبسهولة أن يعرف أنه رجل أمن من خلال سحنته (فهو يشبه رجال مخابرات صدام) وجهاز الإرسال والتنصت الذي يحمله ورجل ثالث جلس إلى جانبه في المقعد الخلفي لسيارة الليموزين لا بد وأنه من موظفي التشريفات الملكية (وبالطبع ومن خلال خبرته وأيام عمله في البعث يعرف أن لا فرق بين أي موظف من الحاشية ورجل المخابرات).
طوال الطريق ظل رجل التشريفات دائم الابتسام وواظب على القول بين الفينة والأخرى لعلاوي "اهلا وسهلا في بلدك، كيف كانت رحلتك؟ إن شاء الله مرتاحة..." فيجيبه السيد علاوي : "والله الرحلة كانت مريحة..الحمد لله..." ويردف رجل التشريفات القول :"جلالته بانتظارك هو والأخوان. هو والله يكدرك كثير ويحب شوفتك.." ينتظر هنيهة ثم يواصل الكلام وقد علت محياه ملامح ارتباك خفيفة.. فيقول:"طبعا انت تعرف حضرتك ظروف جلالته وأشغاله الكثيرة... (علاوي: طبع.. طبعا..).. يعني إنت فاهم كصدي...فيرد السيد علاوي:" بالطبع فاهم أنا ما راح أطول هواية بالكلام....." بدت علامات الارتياح على رجل التشريفات فقد انزاح عن كاهله هم تبليغ ضيفه بما كلف أن يقول له..
تقف سيارة الليموزين أما بناية لقصر الملكي ويشير إليه مرافقه من التشريفات أن يتفضل. يخرج السيد علاوي من ليموزينه ويتوجه صوب باب القصر. باب ضخم مفتوح يحيط بكل جانب منه عدد من الرجال يلبسون شتى أنوع الملابس العسكرية منها والمدنية. يتوجه علاوي وسط ممر طويل وبهي علقت على حيطانه يمينا ويسارا صور مختلفة للعائلة المالكة مع مناظر طبيعية من مناطق مختلفة من الجزيرة العربية. رجل على اليمين وآخر على اليسار يقودون السيد علاوي عبر عدد لم يحصه من القاعات الفارهة المفروشة بسجاد من كل نوع بعضه إيراني (ولكن من أيام الشاه) وعلى الشبابيك الضخمة ستائر لم ير مثلها في أرقى صالونات وفنادق لندن.
بعد مسيرة بضعة عشرات من الأمتار يتوقف ومرافقيه إمام صالة سرعان ما ينفتح بابها تلقائيا. دلف إلى الصالة أو البلاط الملكي، سمه ما شئت، والابتسامة الواسعة لا تفارق محياه ملتفتا يمينه ويساره محييا عشرات المستقبلين الذين أمطروه بكلمات :"أهلا وسهلا". عند مكان ما في البلاط رأى جلالة الملك عبد الله الذي نهض هو وشخصين على يساره لتحيته. تبادل السيد علاوي والملك عبد الله العناق (بالكتف دون قبل فهذه هي التعليمات الصحية الخاصة) ثم سلم على الرجلين الآخرين(لا شك ان أحدهم هو رئيس جهاز المخابرات والآخر "مستشاره السياسي"). أشار الملك بيده اليمنى نحو المقعد الذي على يمينه داعيا السيد علاوي للجلوس غير أن علاوي انتظر أن يجلس الملك أولا ليجلس هو. جلس الملك أولا فجلس السيد علاوي بعده وبنفس الوقت جلس مستشاري الملك. في تلك اللحظة انسحب جميع من كان بالبلاط ولم يبق إلا الرجلين المصاحبين للمك عبد الله.
عبد الله: أهلا وسهلا، كيف الحال..؟
علاوي: إحنا بخير طالما كان جلالتك بخير..
عبد الله: أهلا بيك، شرفتنا..
علاوي: أنتو الشرف كله جلالتك..
عبد الله: (ضاحكا ضحكة خفيفة).. لا عاد خلي إلك شوية...
علاوي: يفتعل ضحكة كبيرة "مبتلعا" ما بدا أنه إهانة خفيفة...
في هذه اللحظة جاء ساقي القهوة. رجل متوسط القامة نحيفها ذو سمرة داكنة يلبس دشداشة بيضاء ناصعة بياقة منشاة ويتمنطق حزاما أسود يحمل بيده اليسرى "دلة" القهوة وفناجين بيده اليمين. صب القهوة وقدمها للسيد علاوي الذي بادر إلى القول: "جلالتك الأول.." فرد عليه الملك عبد الله: "ميصير .. هذه تقاليدنا العربية.. الضيف أول..خاصة إذا كان ضيف عزيز مثلك.." قالها والتفت إلى رئيس جهاز مخابراته مبتسما...أخذ علاوي فنجان قهوته وانتظر مضيفيه ليأخذوا فناجينهم...ظل ممسكا بفنجانه منتظرا ليرى كيف سيتصرف الملك بفنجان قهوته من أجل أن يقلده فهو لم يعتد دواوين العرب بل صالونات لندن وشراب "المولت" الفاخر وليس القهوة العربية. حرك الملك فنجان قهوته برشاقة حركتين دائريتين أو ثلاثة ( وكذا فعل «مستشاروه") ثم قذف محتوى الفنجان في فمه دفعة واحدة...حاول السيد علاوي تقليد الملك فحرك فنجان القهوة حركة دائرية واحدة فكادت القهوة أن تخرج من طرف الفنجان فتنسكب على ملابسه فسارع إلى التهامها فانثالت بعض قطرات من القهوة من طرف فمه الأيمن. بحث عن منديل في جيبه ليمسح فمه فلمح مناديل ورقية على الطاولة الموضوعة أمامه فتناول واحدة مسرعا ومسح بها طرف فمه...
لم يعر الحاضرون اهتماما للمشهد "المربك" وبادر الملك عبد الله إلى الحديث...
عبد الله: ها وين صارت الأمور عندكم..
علاوي: جلالتك مثل ما انت شايف، الشيعة طلعونا بلعبة جديدة إسمهه الكتلة الأكبر ووكفت المحكمة الاتحادية وياهم وهمة يردون يشكلون الحكومة مرة ثانية وخايف لا كل شغلنا وتعبنا يروح هدر...
عبد الله: هاي اللي رادها إلنا لمريكان الله يصلحهم...إيش رأيهم باللي يصير..؟
علاوي: تقصد جلالتك الأمريكان...؟
عبد الله: أي، نعم، لمريكان..
علاوي: والله جلالتك أحيانا يحيروني وما أكدر أفسر تصرفاتهم...
عبد الله: لازم تتعلم تفهم منهم بالإشارة...(يقول ذلك ويلتفت إلى رئيس جهاز مخابراته الذي يومئ برأسه موافقا..)
علاوي(ضاحكا): والله مو دائما أفهم إ شاراتهم ...
عبد الله: (ضاحكا هو ايضا) بسيطة .. هاي نعلمك اياها..
علاوي: انا أعرف همة يردوني أصير رئيس وزراء ورتبوا أمور الانتخابات على هذا الأساس ولكن مد
يستعملون كل ثقلهم لفرضي...
عبد الله: لازم تتعلم الصبر...
علاوي: تعرف جلالتك صارلنا صابرين ست سنوات وهمة يثبتون اقدامهم وسوينا كل اللي بايدينا واتصورنا راح بالنهاية نوصل لنتيجة حاسمة لكن شايف انت اللي ده يصير...
عبد الله: هذولة همة العراقيين، خالقين مشكلة للأمة الإسلامية من يوم ما دخلهم الإسلام ويا ريته مدخلهم وظلوا نصارى ولا يهود كان التعامل معهم أسهل...
علاوي: صحيح كلام جلالتك، حتى البريطانيين شكد... (كادت كلمة "حيالين" أن تخرج من لسانه فحبسها شاكرا ربه أنها لم تخرج) شكد أذكياء، داخوا وياهم..
عبد الله: إي....( فاسحا المجال لعلاوي ليكمل حديثه..)
علاوي: إنت تعرف جلالتك لو كانت المشكلة عراقية بحتة ما طلبنا منكم اللي طلبنا وقدمتوا الكثير مشكورين بس هذولة صاروا يشكلون تهديد للدول العربية فوك التهديد الأيراني وفوك هذا صاروا يسوون ديمقراطية على مقاساتهم يعني الديمقراطية اللي يحجون بيها أصلا مموجودة حتى بالغرب...
عبد الله: إنتو العراقيين شجايبكم على الدمغراطية مو انتو عشاير مثلنا.. هذه بضاعة أوربية صارلنا عايشين مرتاحين بدونها مئات السنوات وأحوالنا على خير ما يرام...نستورد منهم سيارات، تلفزيونات، ثلاجات، موش دمغراطية...
علاوي: تعرف جلالتك لو الأمريكان يعرفون الأمور راح تمشي بهذي الطريقة أكيد كان فكروا بطريقة ثانية..لكن صار اللي صار ومدا نعرف شنسوي...
عبد الله: ما اظن العراق راح يرتاح إذا هذولة ظلوا بالحكم ولازم ترجع الأمور لنصابها ويرجع العراق مثله مثل أي بلد عربي..هاي شوفها كله مستقرة...
علاوي: لعد أنا شاريد غير اسوي العراق مثله مثل كل البلدان العربية,, ما شاء الله نفط عدنا كثير.وتعرف جلالتك أنا هاي الديمقراطية مو مقتنع بيها.. احنا وين والغرب وين...
عبد الله: يومئ برأسه دون أن يعلق...فيواصل السيد علاوي كلامه مثيرا سؤالا...
علاوي: والعمل جلالتك...؟
عبد الله: الصبر والتخطيط المدروس... (يقول ذلك ملتفتا إلى رئيس مخابراته الذي كعادته يكتفي بالإيماء برأسه..)
علاوي: وشراح نعمل إذا شكل الشيعة حكومة واستمر الوضع مثل ما كان؟...
عبد الله: مثل ما كلت، الوضع راح يستمر مثل ما كان...
علاوي: (وقد فهم دلالة تلميح الملك) لكن كل ها الموت اللي شافوا وكل ها التفجيرات ومد يتأثرون...
عبد الله: لا، ان شاء الله ها المرة نخليهم يتأثرون... مهما كانت التضحيات...
علاوي: هل هناك مخطط معين، جلالتك..نكدر نشتغل عليه...؟
عبد الله: ما يهمك.. انت بس سوي اللي نكولك عليه...
علاوي: زين.. ندخل الحكومة إذا عرضوا علينا المشاركة..؟
عبد الله: ما وافق.. بس شوف لمريكان أول ويش رايهم...
علاوي: إذا كالوا لي إدخل...؟
عبد الله:وكتها إدخل وسوي اللي عليك وخلي الباكي علينا...
علاوي: وشلون نكدر نذب اللوم على الحكومة إذا دخلنا بيهه...؟
عبد الله: الشغل من جوة أحسن من الشغل من برة.. واحنا حانشوف طرك جديدة...
أراد علاوي أن يفهم ما المقصود بالطرق الجديدة ولكنه خشي أن يسال فقد أفهموه أن الملك لا يحب إطالة الكلام أو الإلحاح بالأسئلة ويتكتم على نوايا السعودية..(.هنا تذكر السيد علاوي كيف أن المخطط السعودي في إثارة حرب أهلية قد انكشف بلبنان مما حدى بسفير السعودية في بيروت إلى الهرب في غبش الصبح إلى قبرص عبر البحر فسارع إلى طرد الفكرة من ذهنه مخافة ان يتفطن المحيطين به إلى ما يدور في ذهنه... ففاجئه سؤال أسرى الرعشة في أوصاله...)
عبد الله: إيش سيد علاوي..؟عندك شك بقدراتنا...؟
علاوي: لا جلاتك... مستحيل... هذا حجي...ثقتي بالله وبيكم بس...
عبد الله (ضاحكا): ليش والمريكان ما عندك ثقة بيهم...؟
علاوي (مرتبكا): لا هذولة... اقصد الأمريكان...يعني.. موضوعهم مختلف..يعني ...أكو واحد يشكك بقدراتهم...
يصمت الملك عبد الله فيفهم السيد علاوي أن اللقاء شارف على نهايته فيسارع إلى القول:
علاوي: شكرا جلالتك المعظمة على هذا اللقاء الأخوي ودمت ذخر لشعبك وللأمة الإسلامية (يعرف السيد علاوي أن السعوديين يحبذون النطق باسم الأمة الإسلامية لأن الحديث عن العروبة يذكرهم بأيام جمال عبد الناصر الصعبة) وان شاء الله راح أطلع منا على اليمن أشوف أخونا علي عبد الله وأنا راجع أمر على جلالتكم أطلعكم على اللي صار بيني وبينه...
عبد الله: لا ما في حاجة...
ارتبك السيد علاوي واستغرب رفض الملك هذه الخدمة "المجانية" فقطع عليه الملك حبل تفكيره وبادره إلى القول...
عبد الله (مشيرا بحركة من يده نحو رئيس جهاز مخابراته يمكن أن تفسر أنها مقصودة أو ربما غير مقصودة): عندنا ناس تكوم بالمهمة.. لا تتعب نفسك...
يودع السيد علاوي الملك عبد الله ومستشاريه ويركب سيارة الليموزين التي ستأخذه إلى مقر إقامته ليأخذ بعض الراحة قبل أن يسافر إلى اليمن..وهو بالطريق يستغرق بالتفكير ويتساءل بينه وبين نفسه:"من يا ترى يوصل أخبار اللقاءات الثنائية بين القادة...؟ يجب أن أكون حذرا فيما أقوله بحضرة علي عبد الله صالح عسى أن تفلت مني كلمة هنا أو هناك ولن أتحدث له عما دار من حديث بيني وبين الملك عبد الله".
عند وصوله إلى مقر إقامته تناول وجبة خفيفة ثم تمدد على فراشه محاولة أن "يأخذ غفوة" إلى أن يحين موعد طائرته إلى اليمن...
في المرة القادمة سنرى السيد علاوي في حضرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح...
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة Walid al Obeidi في المنتدى واحة الحوار العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 10-05-2010, 12:55
-
بواسطة منازار في المنتدى واحة المضيف والتراث الشعبي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 30-11-2005, 09:52
-
بواسطة albasry2003 في المنتدى واحة الحوار العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 05-05-2005, 19:51
-
بواسطة أبو الحارث في المنتدى واحة الحوار العام
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 27-09-2003, 02:26
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |