مهندسو وكالة التنمية وشركة «بكتل» يعملون لإصلاح مجاري الصرف الصحي في بغداد
بغداد: جيمس غلانتز*
انتهى العمل في الآونة الاخيرة من صيانة شبكات الصرف الصحي في بغداد وهو انجاز غاية في الاهمية، اذ باتت مياه المجاري المعالجة تعود مرة اخرى الى نهر دجلة بعد ان كانت كمية المياه المعالجة التي تجد طريقها الى شبكات الصرف الصحي لا تتعدى 20 مليون غالون في اليوم لمدينة بغداد التي تحتاج الى التخلص من عشرة أضعاف هذه الكمية من مياه الصرف الصحي. فقد ظلت مياه الصرف الصحي تعود الى نهر دجلة خلال فترة الـ10 أو 15 عاما الماضية من دون أي معالجة مما تسبب في تلوث كل شيء ابتداء من مرافئ الزوارق وحتى مياه الشرب.
مثل هذا النجاح هو ما كان الكونغرس يأمل فيه عندما صادق على تخصيص مليارات الدولارات لإعادة إعمار العراق، على أمل ان يؤدي تحسن الاوضاع في نهاية الامر الى إقناع العراقيين بالنيات الحسنة للولايات المتحدة. ولكن لأسباب أمنية ظل نجاح وتقدم العمل في هذا المشروع، الذي تشرف عليه الوكالة الاميركية للتنمية الدولية بالتعاون مع شركة «بكتل»، طي الكتمان. فقد وافق مراسل «نيويورك تايمز» على عدم الإفصاح عن موقع مركز معالجة مياه الصرف الصحي لقاء حصوله على وصف عام للعمل من جانب المهندسين العاملين في المشروع. كما وافق المراسل ايضا على عدم الاشارة الى اسماء المهندسين العاملين في المشروع او نشر صورهم. وقال مسؤولون في وكالة التنمية وشركة «بكتل» ان التقدم والنجاح الذي احرز في هذا المشروع حدث في منطقة خطرة بالعاصمة بغداد، اذ ان أي إعلان للمشروع كان سيجعل منه هدفا للمخربين الذين اغتالوا يوم الاربعاء مسؤولا كبيرا بوزارة النفط العراقية وألحقوا أضرارا بأنبوب لنقل النفط. إلا ان السرية التي فرضت على مشروع معالجة مياه الصرف الصحي في العاصمة العراقية أثارت احباطا وسط بعض المهندسين العاملين فيه على اعتبار ان السرية تهزم الغرض الاساسي من العمل. ويقول احد المهندسين الاميركيين ان هذه اول مرة تجري فيها معالجة مياه الصرف الصحي في بغداد منذ 15 عاما، إلا ان إحاطة المشروع بالسرية كان لا بد منه تفاديا لاستهدافه بواسطة المخربين. ولكن على الرغم من هذه السرية، كما يقول المهندس المذكور، فإن العاملين في المشروع لم يسلموا من الهجمات. فقبل حوالي ثلاثة ايام تعرضت سيارة تحمل مهندسا كهربائيا يعمل في واحدة من محطات معالجة المياه الثلاث الى هجوم بقنبلة. لا شك انه من الصعب إخفاء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، مما يعقد الجهود المبذولة لإحاطة العمل فيها بالسرية منعا لتدميرها بواسطة المخربين. وربما لا يكون مصادفة اختيار مناطق غير مأهولة بالسكان لإقامة هذه المحطات. وباستثناء الخزانات الضخمة، فإن بضع منشآت فقط في هذه المحطات تظهر فوق مستوى الجدران المحيطة بها. وقد خصص الكونغرس حتى الآن 24 مليار دولار لإعادة بناء شبكات الكهرباء والمياه والمجاري والنفط والنقل والأمن، ضمن اشياء اخرى، طبقا لتقرير هيئة مراقبة عائدات العراق التي يمولها رجل الأعمال الاميركي جورج سوروس.
وفي بلد صحراوي حيث تعتبر المياه شرايين حياة، فإن الحاجة الى مثل هذا العمل اساسية. وأوضح غازي مالك، 68 سنة، وهو مهندس مدني، عقله عبارة عن مخزن ضخم لتفاصيل شبكات الصرف الصحي في بغداد التي عمل فيها لأكثر من ثلاثة عقود، ان هناك 4 آلاف ميل من انابيب الصرف الصحي، معظمها متهالك.
وأوضح ان بعض أجزاء الشبكة تستقبل فضلات اكثر ألف مرة مما كانت مصممة من اجله، وهو ما يؤدي الى انهار المجاري التي تنتشر في الشوارع في عديد من الأحياء. وفي عهد صدام حسين، الذي لم يكن متحمسا للبنية الاساسية المدنية اذا لم يكن في محيطها قصر من قصوره، فقد كانت الإصلاحات تجري بطريقة غير منتظمة وفي إطار التهديد بالعقاب.
وتغذي انابيب الصرف الصحي المنهارة في بغداد، ثلاثة مراكز لمعالجة الصرف الصحي، وهي الاخرى اسوأ حالا. ففي العقد او العقدين الماضيين اصبحت تلك المراكز منهارة لدرجة ان المهندسين كانوا ينقلون المجاري عبر انابيب الى نهر دجلة بلا معالجة على الإطلاق. وبعد الغزو الاميركي نهبت تلك المراكز.
وكشفت زيارة اقرتها شركة «بكتل» ووكالة التنمية الى واحد من تلك المراكز في 13 يونيو (حزيران) عن الموقف الأمني الخطير الذي ادى الى السرية. فمع اقتراب السيارة التي كان بها صحافي ومترجم وسائق، اصبح من الواضح وقوع انفجار قبل وقت قصير ـ فيما يبدو انه كان يستهدف مجموعة من السيارات تنتظر تعبئة الوقود في محطة قريبة.
وحاولت مجموعة من العراقيين المتوترين توجيه السيارة بعيدا، ثم تراجعوا، قبل ان توقفنا مجموعة من الشرطة العراقية. وأخيرا، سمحت لنا مجموعة من القوات الاميركية بالدخول.
وداخل المحطة تم تنظيف خزانات التكرير الضخمة وبدت مستعدة لاستقبال مياه الصرف الصحي. وسيجرى وضع شبكات ترشيح جديدة.
وكان الموقع في غاية الهدوء، ولكن غير مريح، حيث لم يبدأ عمله بعد. وقالت الشركة ووكالة التنمية ان المصنعين الآخرين في مناطق خطرة لا ينصح بزيارتها.
ولكن في اليوم التالي وافقت الفرقة المدرعة الاولى، المسؤولة عن حراسة مواقع مثل مراكز الصرف الصحي، على نقل ضيفين الى مركز آخر، باستخدام قافلة من ثلاث سيارات مدججة بالسلاح.
وفي الداخل وتحت الشمس الحارة، ظهر مشهد لا يمكن ان يكون إلا نتاجا لاحتلال العراق ومركزا سريا لمعالجة الصرف الصحي ـ ففي الداخل كان مدير الموقع وهو تركي لا يتحدث العربية او الانجليزية، ومجموعة من المهندسين العراقيين الذين صدرت لهم تعليمات مشددة بعدم إطلاع أي شخص على أي شيء بدون تصريح من الادارة.
وبعد اتصالات بالهاتف الجوال، حصلنا على التصريح. وتابعنا عن قرب مجموعة من الجنود اصابعهم على الزناد، وتجولنا في المركز الى ان وصلنا الى قرب النهاية.
وهناك، وبالقرب من برج حراسة مهجور، ظهر مشهد غريب يحمل بصيص امل في ضواحي بغداد: المياه المعالجة تتجه نحو قناتين في طريقها الى نهر دجلة.
* خدمة «نيويورك تايمز»