 |
-
كيـم جونـغ - ايـل "القـائـد العـزيـز"
كيـم جونـغ - ايـل "القـائـد العـزيـز"
يلعـب على حافـة الهاويـة
بقلم سحر بعاصيري
18 آب :2001 كيم جونغ - ايل عائدا الى بلاده
في ختام رحلة بالقطار عبر روسيا استغرقت 24 يوما.(أب)
أذهل كيم جونغ - ايل العالم عندما اعلن انسحابه من معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية وتركه حائرا لا يعرف ما اذا كان يقف امام قائد عبقري ام احمق متهور. فالازمة كانت تشتد منذ نقلت اميركا عن كوريا الشمالية اعترافها بوجود برنامج نووي سري لديها، ونموذج التعامل الاميركي مع العراق لا يفترض ان يشجع دولا مثلها على التعنت. لكن كيم استمر مثل جبل لا تهزّه ريح ومضى في التحدي. طالب اميركا بتوقيع معاهدة عدم اعتداء وطرد المراقبين الدوليين واعاد العمل في مفاعل نووي ولا يزال يراقب ما اذا كانت الازمة ستنتهي في مصلحته. والنتائج حتى الان تعجبه على الارجح. ذلك ان اميركا تصّر على الاقل على ايجاد حل ديبلوماسي وثمة فيها من يقول انها تخشى فعلا ان يستخدم كيم سلاحا نوويا، وجيران كوريا الشمالية يحاولون تهدئة الوضع وروسيا لا تريد نقل الازمة الى مجلس الامن لئلا تتعقد اكثر. وكيم لا يتراجع. يتمسك بمعاهدة عدم الاعتداء ويهدد بان اي حشد في المنطقة سيكون اعلان حرب ويبدو جديا. بل يبدو ايضا هادئا لا يستفزه احد. يحيط نفسه بهالة من الغموض. فلا احد يراه منفعلا في خطاب ما، اذ نادرا ما يخطب، ولا احد يرى يده ترتفع غضبا او صوته يتهدج.
واليوم فيما العالم مشغول بالعراق وباحتواء الازمة الكورية، يحتفل كيم جونغ - ايل بعيد ميلاده وتحتفل معه، حسب وسائل الاعلام الرسمية، كل مدينة وقرية في كوريا الشمالية وكذلك محبوه في 40 دولة في مختلف انحاء العالم. وقد خصّ كيم مواطنيه باحتفال يستمر عشرة ايام تعرض خلاله افلام عن حياة قائدهم ومسيرته. ولا شك في ان كيم سيستفيد من المناسبة لرفع لهجته ضد اميركا ولاظهار نفسه زعيما محبوبا في دولة غير معزولة. فمن هو كيم جونغ - ايل؟ وأي صنف من الزعماء هو؟ وأي حياة يعيش؟ وكيف ينظر الى العالم وكيف ينظر العالم اليه؟ وعلى مَ يراهن وما هي حظوظه؟
كيم جونغ - ايل او "القائد العزيز" كما يعرفه مواطنوه، يجلس عمليا على عرش كوريا الشمالية، حاكما مطلقا لجمهورية ديموقراطية شعبية. هو ابن "القائد العظيم" كيم ايل - سونغ ويكاد يكون إلهاً ابن إله في الدعاية الرسمية لبلاده وشيطانا كاملا في الدعاية المضادة للخصوم والمنشقين. شخصيته غامضة ولعله الاكثر غموضا بين زعماء العالم. المعروف عنه محدود وقد ظل سنوات مشبعا بالدعاية والشائعات التي يروجها المعارضون. اما اذا كان من مصادر اخرى فموفدون يمنحهم كيم شرف لقائه عندما يزورون بيونغ يانغ ويقولون بعض الكلام عنه لاحقا. لكن لغز شخصيته يبقى ناقصا.
غريب الاطوار، معقد وغارق في الملذات
الصورة التي رسمها خصومه له ان في وسائل الاعلام الكورية الجنوبية ام اليابانية ام الاميركية وعممت فكرة عنه في العالم، هي صورة رجل اذا لم يكن احمق فهو غريب الاطوار غير مستقر نفسيا. عانى في صغره عدم احترام والده له مما خلف لديه عقدا نفسية وأفقده الشعور بالامان والثقة بالنفس. تضاف الى ذلك عقدته من ميله الى القصر، لذا ينتعل دائما احذية ذات كعب عال. رجل يعيش في عالم خيالي بعيدا عن واقع بلاده وانهيارها الاقتصادي والجوع الذي يفتك في مواطنيها، يعزل نفسه في قصره المؤلف من سبع طبقات وينغمس في ملذاته. يعشق النساء ويقال انه تزوج اربع مرات وان لديه فرقة تسمى "فرقة المتعة" تضم نساء جميلات من راقصات ومغنيات ومدلكات ويقال ايضا انه يفضل الشقراوات ذوات السيقان الطويلة. ويهوى شرب الكحول وقيل مرارا انه مدمن لها. ويدخن ثلاث علب سجائر "دانهيل" يوميا، الى ان تبين اخيرا انه ادمن سنتين الكونياك واكدت شركة "هنيسي" ان كيم كان المشتري الاكبر للكونياك منها بين 1992 و1994 وكان يستوردها بسعر 63 دولارا للزجاجة الواحدة. وتبين ايضا انه تخلى عن التدخين بعدما "ترجاه" اطباؤه وأمر كل الضباط الكبار بوقف التدخين ففعلوا. ويحب الطعام الجيد ويتذوقه وله آراء فيه وفي طريقة اعداده ويستورد طباخين من الغرب اذ يحب البيتزا مثلا. وتظهره هذه الصورة كذلك رجلا جاء الى السياسة مصادفة، اذ يهوى الفن والسينما اكثر من الحكم، لكنها تظهره في الوقت ذاته ديكتاتورا لا يرحم، يزج بخصومه في السجون حتى يموتوا او يحرقهم احياء.
الاسطورة منذ الولادة
لكن القصة مختلفة في كوريا الشمالية. هو ابن كيم ايل - سونغ الذي لم تعرف البلاد غيره وغير تعاليمه منذ قيامها في 9 ايلول 1948 حتى وفاته في 8 تموز .1994 صور كيم جونغ - ايل ترتفع في كل مكان وان يكن حضوره هذا في الشوارع اقل من حضور والده. وسائل الاعلام تتحدث عنه "قائدا عزّ نظيره" و"خلفا عظيما للقضية الثورية"، وفضله يتجاوز مواصلة النهج الستاليني وحماية فلسفة والده الخاصة بالاعتماد على الذات الى ادخال سياسة "الراية الحمراء" عام 1996 وهي، اختصارا، مزيد من عسكرة البلاد. وفضله كبير ايضا على الفنون اذ وضع ستة اعمال اوبرالية في سنتين، وعلى العمارة اذ صمم برجاً ضخما في بيونغ يانغ.
والواقع ان هذه مجرد ملامح. بعض الحقائق ربما. لكن كيم جونغ - ايل تحيط به اسطورة. اسطورة بدأت يوم ولادته. فالرواية الرسمية تقول انه ولد في قاعدة عمليات والده في جبل بيكتو المقدس في الشمال قرب الحدود مع منشوريا الصينية، والجبل هو اعلى نقطة في شبه الجزيرة الكورية وهو الموقع الذي، حسب الاسطورة، شهد ظهور البلاد الى الوجود قبل خمسة الاف سنة. واكثر من ذلك، ففي لحظة ولادته في 16 شباط 1942 "كانت هناك انوار وبرق ورعد وزقزقت العصافير بطريقة غريبة وانكسر جبل الجليد في بركة بيكتو وصدر صوت غامض وارتفع منه قوسا قزح مثيران وسطع نجم جديد". الا ان مؤرخين ومحللين يقولون انه ولد في شباط 1941 في الاتحاد السوفياتي حيث كان والده يعيش في المنفى بعدما خصصت اليابان جائزة مالية للقضاء عليه بسبب نشاطاته الثورية في كوريا المحتلة.
طفولة حزينة ووحيدة
طفولته كانت قلقة وحزينة. شقيقه الاصغر مات غرقا وأمّه ماتت وهو في السابعة. ومع نشوب الحرب الكورية عام 1950 ارسله والده الى منشوريا حيث امضى ثلاث سنوات. وفي الرواية الرسمية انه نشأ حزينا ووحيدا "بسبب الغياب المتكرر لوالده نتيجة واجبات القيادة" وانه درس في سبع مدارس مختلفة بينها اثنتان في الصين خلال الحرب الكورية، وتخرج من ثانوية نامسان عام 1960 وهي مدرسة خاصة "باولاد الثوريين البارزين والمسؤولين الحزبيين الكبار". الا ان المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية في الصين السفير الاميركي في كوريا الجنوبية جيمس ليلي قال لمجلة "نيوزويك" (13 كانون الثاني 2003) ان حزن كيم في صغره سببه والده، اذ بعدما ماتت والدته "كان ابوه يعامله معاملة الكلاب" وقد امضى حياته محاولا كسب وده واحترامه. وقالت مصادر اخرى ان كيم نشأ حاقدا على اشقائه من ابيه وانه وصف زوجة والده والاولاد بانهم "فروع شجرة" وانه لكي تنمو الشجرة قوية لا بد من "تشحيل الفروع".
الصعود الى القمة
ومع ذلك، يصعب تصور نشأة كيم جونغ - ايل بلا رفاهية والكثير من الامتيازات. الرواية الرسمية تقول انه انتسب الى جامعة كيم ايل - سونغ عام 1960 ودرس السياسة والاقتصاد وتخرج عام .1964 وكان بدأ العمل الى جانب والده وتنقل في مناصب عدة الى ان تولى مسؤولية التنظيم والدعاية في الحزب عام 1973 وكان "القائد العظيم" يقول باستمرار ان ابنه سيلتزم برامجه السياسية وانه يريد لكوريا ثورة ثقافية على الطريقة الصينية. ومنذ 1974 اتضح ان "القائد العزيز" صار ولي العهد وكلف مسؤولية مهمات الحزب في كوريا الجنوبية. لكن الخلافة تكرست في 1980 عندما صار عضوا في اللجنة المركزية للحزب وارتفعت صوره الى جانب صور والده في المدارس والمستشفيات والمؤسسات والمنازل. وفي 1991 صار قائدا اعلى للقوات المسلحة الكورية الشمالية على رغم عدم خبرته العسكرية.
ربطته انباء كثيرة في الخارج بعمليات ارهابية ضد كوريا الجنوبية في الثمانينات، لكنه ظلّ يصعد ويمكن قوته بعيدا عن الاضواء وثمة من قال انه كان الحاكم الفعلي للبلاد في السنوات الاخيرة قبل وفاة والده. بيد ان هذا لم يبدل حقيقة كون حياته تغيرت بوفاة والده في تموز .1994 واذ كان مفهوما في كوريا الشمالية انه الخليفة الطبيعي لوالده وانه تولى هذا الدور، زاد غيابه الكامل عن الاضواء العالم حيرة في امره: من يحكم كوريا الشمالية؟ ثلاث سنوات مضت قبل ان يصير كيم جونغ - ايل الحاكم رسميا، ثلاث سنوات مليئة بانباء عن صراع مرير على السلطة نتيجة رفض قادة حزبيين وعسكريين كيم لنقص خبرته، غذاها انشقاق المنظر العقائدي الكبير هوانغ جانغ في شباط 1997 الى سفارة كوريا الجنوبية خلال وجوده في الصين وكان وزيرا كبيرا في حكومة بلاده ومعروف عنه انه "معلم" كيم ايل - سونغ، وقد تحدث عن "الطموحات النووية" لكيم وعن محاولات انقلاب ضده. ولم تمض اسابيع حتى تغير رئيس الحكومة ومات وزير الدفاع فجأة، وفي تشرين الاول 1997 صار كيم الامين العام للحزب الشيوعي، وفي ايلول 1998 وسع صلاحيات منصب قائد القوات المسلحة الذي يشغله لتشمل صلاحيات رئاسة الدولة. واكتفى بذلك ومنح والده الراحل لقب "الرئيس الابدي" وحمل هو لقب "القائد العظيم" لكنه لا يزال معروفا اكثر باسم "القائد العزيز".
بدايات تغيّر الصورة
ولم يتغير شيء في سلوكه حيال الخارج. واستمر بالنسبة اليه مستبدا معزولا لا يعنيه موت نحو مليوني شخص جوعا منتصف التسعينات كما لا يعنيه انقاذ الوضع الاقتصادي باصلاحات بل بالحصول على مساعدات دولية. كذلك استمر الحاكم الفاسد وقد كثرت الروايات عنه ونقل مرة عن ممثل شركة "مرسيدس بنز" انه صعق عام 1998 عندما طلب كيم 20 سيارة مرسيدس اس قيمة كل منها مئة الف دولار وقيل يومها ان كلفة هذا الطلب بلغت خمس مبلغ من المال كانت الامم المتحدة وعدت به كوريا الشمالية مساعدات. لكن اشارات جديدة عن صورته بدأت تصدر عام 2000 وكان قرر في حينه التعاون مع كوريا الجنوبية وفتح حوارا آملا ربما في انقاذ وضعه. وفوجىء الكوريون الجنوبيون في شباط من ذلك العام عندما قال رئيسهم كي داي - جونغ ان نظيره الشمالي "يتمتع بدرجة من الحكمة والمعرفة والبصيرة يملكها القادة". وجاءت اشارة اخرى من الصين التي زارها في ايار وكانت زيارته الاولى للخارج منذ 17 سنة. فقد قال مسؤول صيني ان قادة الحزب الشيوعي الذين التقوا كيم وجدوه اقل تطرفا وعزما على الحرب مما كانوا يظنون، علما ان كيم كان عادى الصين بسبب برنامجها للانفتاح الاقتصادي واعتبره خيانة.
المفاجأة الاولى: انه انسان عادي
هذه اشارات. لكن المفاجأة حصلت في 14 حزيران 2000 عندما ظهر كيم جونغ - ايل على شاشات التلفزيونين الكوري الشمالي والكوري الجنوبي، مستقبلا الرئيس الجنوبي في مطار بيونغ يانغ. وكانت المحطة الاولى في تغيير الصورة النمطية عنه. ظهر وهو يبتسم ويتحدث مع كيم داي - جونغ ويسأله عن صحته ويمازح اعضاء الوفد الزائر ويظهر معرفة عميقة بما يجري في الجنوب ويتحدِى نظيره اذا كان مثله يتابع كل المسلسلات التلفزيونية في سيول. وفعل اكثر من ذلك اذ سخر من الصحافيين الغربيين الذين يصورونه مثل ناسك وقال "الاعلام الغربي يحاول فهم نمط حياتي المتنسك ويقولون ان الناسك قام بأوّل ظهور علني له في بيونغ يانغ لاستقبال كيم داي - جونغ. لكن الامر لا يهمني. ففي اي حال، انا زرت اندونيسيا والصين وغيرهما بصفة غير رسمية".
ظهر كيم جونغ - ايل للمرة الاولى بالنسبة الى الغرب "انسانا عادياً" ثم كانت زيارة وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت لبيونغ يانغ في تشرين الاول 2000 مناسبة اخرى لتسقط عن كيم صفة "الاحمق المعزول". فقد تبين لاولبرايت بعدما حاورته 12 ساعة ان الرجل "مراوغ خطر لكنه ليس جاهلا. انه يعرف تماما ما يتحدث عنه". وقد سجلت بالتأكيد ان كيم حرص على ان يريها الكومبيوتر الخاص به ويخبرها عن الوقت الذي يمضيه على الانترنت وعن مشاهدته الدائمة لشبكة "سي ان ان" التلفزيونية ومتابعته ما يقال عنه في العالم.
المفاجأة الثانية: اورينت اكسبرس
وكانت المحطة الثانية الابرز في كشف جوانب من شخصية كيم، بعد قمة الكوريتين، رحلته في القطار الى روسيا 24 يوما صيف 2001 وقد رافقه فيها المبعوث الروسي كونستاتين بوليكوفسكي ممثل الرئيس فلاديمير بوتين ووضع عنه كتابا عنوانه "اورينت اكسبرس" اصدره خريف 2002 عقب اعلان اميركا اعتراف بيونغ يانغ ببرنامج نووي سري. وحتى قبل صدور الكتاب بتفاصيل كثيرة عن حياة كيم وعاداته كان بوليكوفسكي جذب انتباها جديدا للزعيم الكوري الشمالي عندما صرح في اكثر من مقابلة صحافية ان "كيم جونغ - ايل شخص مسلّ".
ولعل في ذكر بعض ما جاء في الكتاب ما يضيء شخصية كيم جونغ - ايل. فهو اولا يخشى ركوب الطائرات لذلك سافر بالقطار. والقطار هذا هدية من ستالين الى والده ويتألف من 15 مقطورة فيها مقطورة واحدة مصفحة ينام فيها كيم، اما المقطورات الاخرى فمخصصة للمؤتمرات والطعام والنقل اذ شحن في واحدة منها سيارتي "مرسيدس بنز" مصفحتين. واللافت ان كل مقطورة كانت متصلة بالانترنت. فكيم جونغ - ايل لم يكن يحاول التأثير على اولبرايت فحسب عندما اخبرها عن الانترنت، بل انه مولع بالانترنت ومدمن لها ويقول بوليكوفسكي انه كان يمضي ساعات في الابحاث وانه في كل يوم يكمل حديث اليوم السابق من حيث توقف ويضيف كل المعلومات التي وجدها عنه على الانترنت. ولمتابعة ما يجري في العالم وضع كيم في مقطورة المؤتمرات شاشتين عملاقتين واحدة للافلام والتلفزيون واخرى لخرائط المنطقة التي يسافر فيها.
والافلام مسألة اساسية جدا في حياة كيم ولديه مكتبة ضخمة تضم 20 الف فيلم. وهو قال ذات مرة انه لو لم يصبح حاكما لبلاده لاصبح ناقدا سينمائيا او منتجا، وقد وضع كتابا عنوانه "في فن السينما". اما الافلام الاقرب الى قلبه فهي افلام "جيمس بوند" - وان يكن آخرها يصور كوريا الشمالية على انها الشر كله - واي فيلم لاليزابيت تايلور وافلام الرسوم المتحركة وخصوصا "دافني داك".
ويوضح بوليكوفسكي علاقة كيم بالحلقة الضيقة حوله. ويقول ان الوزراء يتبعون طقوسا معينة في حضرته. "ما ان يدخلوا عليه حتى ينحنوا كثيرا ويستمروا هكذا الى ان تصدر عنه اشارة تسمح لهم بالوقوف مستقيمين بالكاد يلاحظها احد". ويروي الكثير عن نمط حياته مما يثبت ان بعض "الشائعات" حقيقة. قال انه تحدث طويلا مع كيم عن جمال الروسيات في النوادي الليلية الباريسية وبدا انه يعرف الكثير عن هذا الموضوع. اما الموظفات في القطار فكن سيدات جميلات جدا يرقصن ويغنين باصوات رائعة حتى ظنهن بوليكوفسكي ممثلات ومطربات محترفات. "فرقة المتعة"؟ وللطعام والكحول قصة خاصة. فالنبيذ الاحمر يصل مباشرة من باريس وكيم يفضل "البوردو" و"البورغوندي". ويصل القريدس الكبير الطازج ليأكله كيم بادوات من الفضة.
واكثر من ذلك. تحدث كيم طويلا مع بوليكوفسكي عن رأي العالم فيه ووجد في ذلك ايجابية. ونقل عنه: "انني موضع انتقاد في العالم كله. لكنني ارى الامر هكذا: ما داموا يتكلمون عني فانا في الطريق الصحيح".
الطريق الصحيح وسياسة الحافة
فأي طريق هو الصحيح في نظره؟
تسعى كوريا الجنوبية الى اقناع كيم جونغ - ايل بضرورة الاصلاحات الاقتصادية وتعتقد، كما يعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان اقتناعه بذلك ممكن، على اساس انه من دون اصلاح ستنهار كوريا الشمالية: الجوع سيقضي على مئات الالوف وكذلك البرد لعدم توافر النفط والمحروقات. فلا تدفئة ولا كهرباء ومعظم البلاد يتحول مساحات سوداً ليلاً ما خلا نصب كيم ايل - سونغ في وسط المدن والتي يسعى اليها الطلاب للدرس تحت اضوائها.
ويعتقد بعض الدارسين لوضع كوريا وكذلك مسؤولون غربيون ان لا مجال لاصلاح هذا النظام وانه انتهى عملياً بانتهاء الحرب الباردة وبموت كيم ايل - سونغ وان ما يستمر الآن هو شكل من اشكال تنازع البقاء لمجموعة حاكمة على رأسها كيم جونغ - ايل الذي من جهة يخشى الجيش ويراضي ضباطه الكبار باستمرار نتيجة شعور بالنقص حيالهم، ومن جهة اخرى يكدس ثروات خاصة. وثمة أنباء عن انه هرب اكثر من اربعة مليارات دولار الى حساباته المصرفية في سويسرا وأنه يفرض منذ سنوات استخراج الذهب من المناجم في احد جبال الشمال ويرسل الذهب مباشرة الى سويسرا وان لديه فيلا في جنيف وخمس فيلات اخرى في اماكن مختلفة من اوروبا وواحدة في روسيا وواحدة في الصين.
وفي هذا الوضع يعتمد كيم جونغ - ايل على المساعدات لاستمرار البلاد اكثر مما يظهر استعداداً للتغيير. وهو يحمّل اميركا مسؤولية مباشرة عما آلت اليه الاوضاع لانها، في رأيه، نقضت الاتفاق الاطار الذي وقعه البلدان في عهد والده عام 1994 والذي ينص على ان توقف كوريا برنامجها النووي وتفتح منشآتها للرقابة الدولية في مقابل حصولها على نفط ومحروقات وبناء مفاعلات لتوليد الطاقة تعمل بالماء الخفيف على ان تنجز في .2003 واذا كان جزء كبير من هذا الكلام صحيحاً، فإن سياسة كيم وتردده في الانفتاح اصابا من وضعه مقتلاً مع تبدل الادارة الاميركية ووصول الرئيس جورج بوش الى البيت الابيض وسرعان ما صنّف كوريا الشمالية في "محور الشر" وقال انه "يشمئز من كيم جونغ - ايل". يضاف الى ذلك ان كوريا الشمالية كانت سنوات تصنف من الدول الراعية للارهاب في لائحة وزارة الخارجية الاميركية.
وكانت ورقة اسلحة الدمار الشامل، علماً ان الجزء الاكبر من دخل كوريا الشمالية من العملة الصعبة يأتي من بيع تكنولوجيا الصواريخ من دول نامية تقول اميركا ان بينها باكستان وسوريا وغيرهما. ويعتقد متابعو الوضع في بيونغ يانغ ان هذه الاسلحة هي الورقة الوحيدة في يد كيم جونغ - ايل وتزداد قيمتها ليس لانه يبتز العالم بها فحسب، بل لانه في شخصيته ينزع الى المواجهة والتحدي. ويذكرون انه عندما بلغت الازمة بين كوريا الشمالية واميركا حد المواجهة في ،1994 تدخل كيم ايل - سونغ وتوصل الى تسوية اساسية سميت الاتفاق الاطار. ويقولون ان سياسة حافة الهاوية يتبعها الابن كما اتبعها الاب وان كيم يضغط الآن بتصعيد التهديد توصلاً الى اتفاق جديد، لكنه مستعد للذهاب بعيداً في تحدي أميركا ويبدو قادراً على اختيار التوقيت المناسب للتصعيد. والدليل انه اوجد ازمة لاميركا في وقت لا تريد الا التركيز على العراق مستفيداً من شعور عام معاد لها ومراهناً على ان اوراقه ستكسب، مع معرفته التامة بموقف اليابان المؤيد لاميركا وبخلافه مع الصين بنتيجة تقربه من روسيا واجرائه محادثات معها لوصل الدولتين بشبكة من السكك الحديد تسمح بعد اتمام الوصل بين الكوريتين بحركة نقل واسعة من آسيا الى اوروبا تبقى الصين خارجها، اضافة الى اغضابه الصين باقامة منطقة تجارة حرة على حدودها وتسليمها الى رجل اعمال هولندي صيني المولد، سرعان ما اعتقلته الصين واتهمته بالتهرب من دفع الضرائب. لكنه في المقابل يدرك ان اميركا لا تريد مواجهة لان لها في كوريا الجنوبية 37 الف جندي وان اليابان لا تريدها لانها تقول ان صواريخه موجهة اليها وإن كانت بدأت تهدد الآن، وان لا الصين ولا روسيا ولا كوريا الجنوبية تريدها.
فهل يضمن هذا اتفاقاً جديداً لكوريا الشمالية كما في 1994؟ وهل يضمن اتفاق جديد، اذا حصل، مد عمر النظام طويلاً في بلد يموت سكانه جوعاً حتى لو كانت قبضة النظام محكمة؟
لا يبدو، حتى اشعار آخر، ان كيم جونغ - ايل سيتراجع عن سياسة حافة الهاوية. فهذه ورقته الوحيدة.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |