عدوية الهلالي

تاريخ النشر 26/12/2010 12:00 AM

العراقيات أمام الخيار الصعب
الأرقام تقول إن 12 في المئة من العراقيين معاقون، نتيجة الحروب الطويلة التي خاضها العراق في العقود الثلاثة الأخيرة، والأرقام تقول ايضاً إن عدد الأرامل والعوانس بالملايين. والسؤال: هل إن الزواج من المعاق يشكل حلاً لمشكلة الترمل والعونسة أم ان الاعاقة لا تزال حاجزاً في وجه هذا الحل؟



‎نراهم في كل مكان، بعضهم فقد نعمة البصر او السمع وبعضهم فقد واحدا او اكثر من اطرافه.منهم من فقد نعمة العقل او التوازن النفسي لكنهم جميعا يحملون صفة معاقين ولو أن البعض يرفض هذه الصيغة ويستبدلها بصفة «ذوي الاحتياجات الخاصة».
‎ويختلف الناس حول حق المعاق في الزواج والانجاب وبناء الاسرة اذا كان لاعاقته انعكاس سلبي على افراد عائلته، فكيف تشعر زوجة المعاق إذن وهي تختار الاستثناء بديلا عن القاعدة؟
‎كانا مخطوبين حين ترك إياد ساقه في مستشفى الرشيد العسكري خلال الثمانينيات من القرن الفائت بعدما حوله لغم بتار إلى شخص معاق. عاد إليها يسير على عكاز ويتدلى البنطلون من منتصف احدى ساقيه فارغاً، ثم ركبت له ساق صناعية فصار مظهره مقبولاً من الخارج بينما أصيب داخله بشرخ وألم كبيرين. في تلك الفترة أسدى أهلها ومعارفها نصحهم بتركه فلن يكون قادراً على مجاراتها في العمل والحياة بسبب عوقه، وقد لا يعثر على عمل اصلاً ويعيش عالة عليها. زادتها النصائح اصراراً على الزواج منه ودفعه اصرارها الى التصرف كشخص سليم والعثور على عمل يناسب كفاءته. وهكذا تمكن من ايجاد وظيفة مترجم في احدى الشركات لاجادته اللغة الانكليزية وتحول اصرارهما إلى اسرة جميلة متعاونة. ويرى اياد ان العمل هو السبيل الأهم لايجاد زوجة لرجل معاق فضلا عن الحب –إذا كان متوافرا -فكل امرأة يعجبها الرجل القادر على اعالتها حتى لو كان معاقاً.
وفي الوقت الذي تنصح زينب الفتيات بالابتعاد عن الزواج من شخص معاق ذهنيا بعدما ذاقت مرارة التجربة بزواجها من ابن عمتها المقيمة في الخليج منذ سنوات طويلة من دون ان تراه، فقد عرضت عمتها لهم صورة ابنها الآخر لتأخذها معها وتخلص والدها من عبء واحدة من بناته الست. واذا كان شبحا العنوسة والفقر قد دفعا زينب الى الزواج بهذه الطريقة والعودة أخيرا الى اهلها بعد محاولة زوجها قتلها في احدى نوبات جنونه، فلا شيء يجبر باقي الفتيات على الرضى بذلك- في رأيها.
‎من جهتها، لا تشعر بتول بالندم على زواجها من ابن عمها الكفيف منذ 25 عاما إذ اعجبها ذكاؤه وخفة دمه واصراره على اتمام دراسته الجامعية كما دفعها تدينها الى محاولة التقرب من الجنة بالزواج من رجل عاجز، فكرست له سنوات عمرها وانجبت منه ستة ابناء اصحاء تزوج كبيرهم وكبيرتهم لتصبح جدة وهي في مقتبل العمر. وترى بتول ان البصيرة اهم من البصر في رأيها وزوجها متفتح البصيرة ويمكنها الاعتماد على آرائه في كل شيء لذا هي تنصح كل فتاة يمكنها مد يد المساعدة الى رجل معاق الاقدام على ذلك من دون تردد لأنها ستشعر بالرضا متى ما رضي الله عنها .


عنوسة وعوق
‎بسبب الحروب واعمال العنف بلغت نسبة المعاقين في العراق مليونين ونصف المليون معاق أي ما يعادل 12 % من المجتمع العراقي حسب ما أورده موفق الخفاجي رئيس تجمع المعاقين في العراق في حواره مع «السومرية نيوز». في المقابل بلغت نسبة النساء العوانس في العراق مؤخرا 85 % ما بين اعمار سن الزواج وممن تجاوزن سن 35 سنة حسب دراسة علمية اجراها استاذ علم الاجتماع الاردني الدكتور اسماعيل الزيود عن العنوسة في العالم العربي، إذ تبين ان العراق هو صاحب اعلى نسبة في العنوسة عربيا. رغم ذلك، ما زال الزواج من معاق هو آخر ما تفكر فيه العراقيات للخلاص من العنوسة وانجاب الاطفال الذين يعتقد معظم الناس انهم سيحملون عوق والدهم.
‎الدكتور عادل الكبيسي اختصاصي الامراض النفسية والعصبية يخالف هذا الرأي مؤكدا على ان قدرة المتخلف عقلياً او المعاق تعتمد على درجة اعاقته وقدرته على اداء واجباته الزوجية بغض النظر عن إمكان الانجاب. فهناك حالات كثيرة من اصحاب التخلف العقلي لا يمكنهم الانجاب طبيعياً مثل الشخص التوحدي او المنغولي، كما أن هناك الكثير من المعاقين ممن انجبوا اولادا اصحاء. ويفترض الكبيسي وجود طرف آخر يقبل الزواج بمثل هؤلاء ليساعدهم على حياتهم ومتطلباتهم، ويرحب بذلك نظرياً، لكنه يشير الى ضرورة مصارحة اهل الفتاة فلا يجوز اخفاء مرض الفصام مثلاً عن الطرف الآخر حتى لو تم الشفاء لأن آثار هذا المرض تبقى. وبشكل عام، الامراض النفسية تتحسن مع الزواج كالفصام والاكتئاب أما الامراض العقلية فتكون مزمنة غالباً.
‎وعما اذا كانت الامراض العقلية والنفسية يرثها الابناء يرى الدكتور الكبيسي ‎انها امراض كغيرها، يمكن ان يرثها الفرد من الناحية العلمية إلا ان ذلك ليس مؤكداً، فكم من مريض نفسي انجب طفلاً، ويبقى الزواج حقاً مشروعاً لكل شخص قادر عليه.

‎ حقوق طبيعية
‎وتشجع نجاة العلي الاختصاصية الاجتماعية في احدى دور رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، الزواج من معاق قادر على الزواج كبديل عن العنوسة، فإذا تم تأهيل الافراد ذوي الاحتياجات الخاصة من جميع النواحي، فهم قادرون على الزواج وتكوين اسرة والانفاق عليها. ومن حق المعاقين ان يتزوجوا ويسكنوا معاً في بيت واحد ويمارسوا غرائزهم الطبيعية بشكل مشروع- حسب العلي - لكن المجتمع لا يفضل احياناً هذا الزواج خوفاً من تزايد عدد المعاقين الذين يمكن ان ينجبوا. وترى العلي ان زواج المعاقين يجب أن يتم على اسس علمية، كأن تقاس شدة الاعاقة واذا كان تأثيرها سلبياً على عملية الانجاب يعقم احد الزوجين لمنع انجاب طفل معوق، مشيرة إلى ان التوعية تلعب دوراً مهماً في اشباع حاجات المعاقين وتهيئتهم لأن يعيشوا حياة خالية من التعقيد والانحراف احياناً.

‎من استطاع فليتزوج
‎من جهته، يؤيد الدين الرأي السابق إذ يؤكد الشيخ محمد عبد الله على ضرورة العمل بمبدأ «الاستطاعة» مستنيرا بحديث رسول الله (ص): (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، والباءة هنا بمعنى الاستطاعة بكل انواعها المالية والصحية والعقلية، لأن للزواج متطلبات وحقوقاً متبادلة بين الزوجين على كل منهما ان يؤديها تجاه الآخر. أما بالنسبة الى الانجاب فيفضل اللجوء إلى اهل الطب ليحددوا امكانية ذلك. وفي حالة الاعاقة الذهنية وطبقاً لمبدأ «الاستطاعة» في الزواج فإن المعاق الذهني ليس اهلاً للزواج، واذا هو أصر على تزويجه فلا يعقد العقد إلا بولي او وكيل للشاب، لأنه في هذه الحالة يعتبر فاقداً الأهلية والعقل، وهما شرطان من شروط عقد الزواج. وكذلك اذا تلفظ بالطلاق فلا يعتبر واقعاً إلا اذا لجأ، إلى القاضي أو إلى وليه او وكيله وصدقا بوقوع الطلاق.
‎بقي ان نذكر ان احدى الدراسات النفسية والتربوية في مصر اوصت بزواج المعاقين وتمنت اقامة قرية للمتزوجين منهم تحقيقاً لهدف انساني. وكي يمكننا ان نتمنى مثـل هذا الأمنية، نـأمل ان تجد نساؤنا من المعوقات وغير المعوقات فرص زواج ينتصرن بها على العنوسة.