شبكة كربلاء للأنباء - « عبد المحسن الكاظمي » - 09/07/2004م
لم تستغرق عملية ختم الجوازات في مطار عالية الدولي في العاصمة الأردنية عمّان سوى دقائق قليلة تم منحنا خلالها إقامة مؤقتة لمدة أسبوعين عكس ما قيل لنا أن العراقيين يمنحون 72 ساعة فقط كمرور . و قد تبين أن ذلك الإجراء يطبق في الحدود البرية بين العراق و الأردن حيث يخضع الدخول و مدته أو عدم السماح به أصلا لمزاج مسؤول الجوازات الأردنــي . و يبدو أن ذلك قد انتهى الآن . فأما السماح بالدخول دون ذكر المدة المسموح بها أو عدم السماح بالدخول لأسباب تزوير الجوازات أو عدم اقتناع موظف الجوازات بالسبب الذي يقدمه طالب الدخول إلى الأردن .
بعد غياب زاد عن العشر سنوات ، بدأت الرحلة للعراق . ركبنا سيارة أميركية من نوع جي أم سي كان سائقها الشاب و اسمه حيدر يسابق الريح بها مع استغراب الركاب الذين خبروا الطريق جيدا بسبب ترددهم الدائم على الأردن . فقد بدأت الرحلة في العاشرة مساء و عنى ذلك أننا سنصل الحدود في حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل و بالتالي عدم التمكن من الاستمرار باتجاه العراق لأن الطريق سيكون خطرا جدا بسبب ( السلابة ) الذين يستغلون الليل ستارا لأعمالهم الإجرامية . و بالفعل أنهينا إجراءات الخروج من الأردن في حوالي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل و دخلنا العراق .
حدود سائبة و تزوير علني :
كان الشيء الأول الذي لفت نظري إضافة لعدم وجود صور صدام ، عدم تفتيش سيارتنا إطلاقا من مسؤولي الحدود ، كما أننا لم ننزل من السيارة لختم الجوازات بالدخول ! فقد أخذ السائق الجوازات و نزل من السيارة ليعطيها لموظف يجلس على ( تنكة ) فقام بختم الجوازات بكل ممنونية بعد أن أخذ من السائق ( المقسوم ) !! و عنى ذلك بالنسبة لي على الأقل أن كل الحديث عن غلق الحدود أمام الإرهابيين و الوهابيين هو في مجمله كلام فارغ . لأن سائقنا كان قادرا على الدخول للعراق بسيارة مفخخة بالكامل مع عدد من الانتحاريين التواقين لدخول الجنة بسهولة و يسر من المنفذ الحدودي في طربيل حسب الأصول و القانون . و قد تمنيت ، ربما للمرة الأولى في حياتي عند نقاط الحدود ، أن يتم تفتيشنا بالكامل من باب الاطمئنان على سلامة البلد . و لو كانت إجراءات الحدود الأخرى سائبة كما وجدناها في طربيل ، لما كان هناك مبرر أبدا للمسؤولين العراقيين بلوم الدول المجاورة لإغلاق حدودها لأن العلة منا و بينا كما يقول عزيز علي رحمه الله .
بعد أن ملأ السائق خزان الوقود من محطة طربيل ، قام بتغيير اللوحات المعدنية الحمراء و أبدلها بلوحات سوداء مكتوب عليها ( فحص مؤقت ) أو كما يسمونها في العراق ( منافيست ) . و لما تساءلت مستغربا كيف يمكن لسيارة واحدة أن تسير بنوعين من اللوحات ، ضحك مني الجميع . فاللوحات الأصلية للسيارة هي السوداء المؤقتة التي لم تسجل بعد في دوائر مرور العراق ، و لما كانت الأردن لا تسمح إلا للسيارات المسجلة بدخول أراضيها ، يقوم أصحاب السيارات باستخراج لوحات حمراء مزورة مع كافة أوراقها الثبوتية ( المزورة أيضا ) من سوق مريدي . و هكذا تسير السيارة في العراق بلوحات سوداء ( أصلية ) لكنها مؤقتة ، و تسير في الأردن بلوحات حمراء ( مزورة ) لكنها دائمية !!
سلاّبة :
بعد مغادرة محطة الوقود بأمتار قليلة ، استوقفتنا سيارة قادمة لتوها من العراق ليخبرنا سائقها بوجود ( سلاّبة ) في الكيلو 70 يركبون سيارة ( دبل قمارة ) مع وجود رشاش بي كي سي على ظهرها و هي تحوم في تلك المنطقة بوجود أربعة مجرمين بداخلها . و أدى هذا الخبر الذي انتشر بسرعة فائقة إلى مبيت جميع السيارات المتجهة إلى العراق في الحدود العراقية !!
بدأت الرحلة من الحدود بعد آذان الفجر بحوالي ساعة واحدة حيث سارت السيارات في قافلة طويلة زادت عن المائة سيارة . لم يحدث أي شيء يذكر خلال السفرة اللهم إلا في المنطقة التي تسبق مدينة الرمادي حيث أطفأ السائق مكيف السيارة و قال بأنه ( سيكبس ) على دواسة الوقود لأن المنطقة خطرة و مليئة بالسلابة !! و بالفعل ( كبس ) الأخ حيدر و بلغت سرعته 175 كلم / ساعة حتى اجتزنا المنطقة الخطرة إلى بعد مدينة الرمادي . و يستغرب المرء بشدة عند مروره بمثل هذه المواقف . أين الحكومة ؟ أين الشرطة ؟ أين الناس الذين يمنعون هؤلاء من الإساءة لمدينتهم بتلك الأعمال الإجرامية ؟ و يقال أن هناك عشائر في الأنبار يتخصص أفرادها بالسلب و قد أضيفت أعذار جديدة لهم لسلب الناس أهمها بالطبع مساندة المقاومة و المجاهدين !!
الظاهرة الغريبة التي يشاهدها المسافر إلى العراق للمرة الأولى كمية السيارات المحمولة على ناقلات السيارات المتجهة للعراق . فهناك العديد من هذه الشاحنات التي تنقل ( زبالة ) المنطقة الحرة الأردنية كما يقول العراقيون ، و الله وحده يعلم أعداد السيارات التي تتمكن شوارع بغداد و بقية المحافظات من استيعابها . لكن الظاهرة الأغرب و المؤلمة جدا هي عدد الشاحنات الذاهبة إلى الأردن في وضح النهار و هي تنقل الحديد و النحاس و غيرها من المعادن التي سرقت من العراق تحت أنظار الجميع !! و يستغرب المرء بقدرة و صلافة أولئك اللصوص من فعل كل ذلك في وضح النهار . و في وضح النهار أيضا شاهدت أعمدة الكهرباء ذات الضغط العالي و قد سقطت إلى الأرض بعد سرقة أسلاك الكهرباء النحاسية الممتدة لمئات الكيلومترات من الحدود العراقية مع الأردن و حتى مدينة الرمادي !! يعني هذا أن السرقة في محافظة الأنبار سرقة منظمة لها أبطالها الذين لم و ربما لن تطالهم يد العدالة أبدا .
أول أمر يلفت نظر الغائب عن بغداد منذ مدة طويلة العدد الكبير من السيارات في الشوارع . أما الأنواع فحدث و لا حرج , لكن الغريب عدد السيارات ذات المقود في جهة اليمين . فقيادة السيارة في شوارع بغداد المزدحمة ليس سهلا أصلا ، فما بالك و مقود السيارة في الناحية المعاكسة !!
المشكلة الأمنية :
الكل يتحدث عن الأمن أو بالأحرى عدم وجود الأمن . لكن القادم إلى بغداد يستغرب عندما يرى الأعداد الهائلة من الناس و هي تمارس أعمالها اليومية المعتادة و كأن كل شيء طبيعي . و في الواقع أن المشكلة الأمنية تتحدد في ثلاثة محاور : مشكلة التفجيرات و الانتحاريين الذين يريدون تخريب البرنامج الديمقراطي الجديد ، مشكلة الجرائم العادية ( خطف ، قتل ، سلب و نهب ) و مشكلة الإشاعات التي تضخم و تنشر أخبار الجرائم و بالتالي تزيد من خوف و توجس الناس من المستقبل . و يبدو أن الهدف الرئيسي للإشاعات جعل الناس يترحمون على أيام صدام حيث كان الأمن سائدا ( كذا ) في المدن العراقية . و قد مرر صدام ما يريده على الناس بالقسوة الشديدة و بسلاح الإشاعة الذي أرعب الناس و جعل الكل خائفا من الكل . و يبدو أن جهاز صنع الإشاعات التابع للمخابرات الصدامية لازال نشيطا و يعمل بهمة عالية . و يمكن كشف ذلك بسهولة تامة نظرا لسخف و تفاهة أكثر تلك الشائعات . فهناك إشاعات تقول أن الأميركان يؤجرون الانتحاريين كي يفجروا أنفسهم بين المدنيين للإساءة لشرف المقاومة العراقية الباسلة ! بينما تقول إشاعة أخرى أن كافة الاغتيالات التي تجري للرموز السياسية يقف وراءها أحمد الچلبي الذي يفعل ذلك كي يخلو له الجو !!
و هناك أسئلة مشروعة تسمعها من غالبية الناس ، ربما توصل مناقشتها إلى حلول للمشاكل الأمنية . و أول هذه الأسئلة من الذي يقوم بالجرائم الاعتيادية ؟ الكل يعرف أن صدام أخرج جميع المجرمين قبل الحرب مدعيا أنهم من السياسيين الذين تم العفو عنهم بسبب بيعة الشعب الكبرى له و التي بلغت نسبتها 100% ! و المريع أن أعدادا كبيرة من عتاة المجرمين دخلوا في سلك الشرطة الجديد حيث لم يكن هناك تدقيق جيد للمنتسبين الجدد . و هكذا تم التطبيق الكامل للمثل الشهير ( حاميها حراميها ) .
كما يتساءل الناس عن المهن التي يعمل بها الآن المنتسبين السابقين لأجهزة الأمن ، الأمن الخاص ، المخابرات ، الاستخبارات و بقية الأجهزة الأمنية للنظام البائد . أنهم بالتأكيد لا يعرفون إلا التعذيب و القتل و الاغتصاب . و قد عثر على هويات داخلية لبعض منتسبي تلك الأجهزة القمعية تحدد وظائفهم بـ ( مغتصب ، معذِب ، قاتل ، الخ ) . و بالتأكيد أن هؤلاء إضافة لخريجي السجون هم أساس الجريمة المنظمة الآن في العراق . و نظرا لانضمامهم المبكر لتلك الأجهزة القمعية ، فقد حرموا أنفسهم من الانخراط في الدراسة و الحصول على شهادة ما ، أو لم يتعلموا مهنة شريفة كالنجارة ، الحدادة ، الحلاقة ن الخ و بالتالي لا يوجد مجال لهم اليوم سوى الجرائم التي كانوا يمارسونها ضمن القانون في السابق ، و يمارسونها الآن للحصول على ( دفاتر ) الدولارات أو الذهاب إلى أرض الجهاد في الفلوجة لمساندة أبطال المقاومة الانتحاريين .
و يتساءل الناس بحرقة عن أسباب عدم ملاحقة المحرضين على قتل العراقيين . فالجنابي ، الضاري ، القيسي ، الكبيسي ، الخ يبررون يوميا قتل العراقيين . و لم يستنكر أحدهم إطلاقا أي قتل للعراقيين بل على العكس يجدون في وجود ( الأخوة ) العرب من المقاتلين و المجاهدين تعبيرا رائعا للأخوة الإسلامية لأنهم لا يعترفون أصلا باتفاقيات سايكس / بيكو التي مزقت الوطن العربي إلى دول و حدود مصطنعة . و هؤلاء و غيرهم تلعب بهم قنوات العرب الفضائية كيفما تشاء و هم يمررون مخططات تلك القنوات المفضوحة بسذاجة أو خباثة . لكن التساؤل الأكبر يتم توجيهه للحكومة عن سبب عدم اعتقالها حتى الآن العاملين بقناة الجزيرة التي تبث يوميا تقريبا صور و أفلام الملثمين كدعاية مجانية لقتل العراقيين و تخريب حلمهم في حياة آمنة مستقرة بعد عذاب عقود طويلة . المبررات القانونية و الشرعية موجودة فلماذا التلكؤ في التنفيذ ؟ و بالتأكيد أن عدم تصوير هؤلاء الملثمين و بث أفلامهم سيقضي على دعاياتهم و إلا لماذا يصورون تلك الأفلام أصلا ؟ و لا يحتاج الأمر لذكاء كبير أو قليل للإجابة عن التساؤل المشروع الذي يأبى حارث الضاري و القيسي من لف لفهما : من الذي يوفر اختباء و معيشة الإرهابيين القادمين من الخارج ؟ هل من المعقول وصول السوري أو السعودي الخ إلى العراق في سيارته المفخخة و تفجيرها مباشرة في الموقع الذي هده الله له ؟ أليس من البديهي أن تكون هناك شبكة متكاملة من البيوت الآمنة و المواقع السرية التي يلتجئ لها هؤلاء القتلة قبل ارتكاب جرائمهم البشعة ؟ و بالمناسبة يتندر العراقيون عن بلاهة المتعاطفين مع الإرهابيين حين قصفت الطائرات الأميركية بيتا كان يتجمع فيه هؤلاء الأوباش و قتلت 25 منهم . فقد ظهر أحدهم يتباكى على أحد القنوات الفضائية و بيده دليل الإدانة دون أن يعلم ، حيث أظهر أكثر من عشرين قرآنا محروقا نتيجة القصف . و المنطق يقول أنه من غير الطبيعي أبدا وجود أكثر من خمسة مصاحف مثلا في بيوت الناس أما أن يتعدى ذلك فهو الدليل القاطع أن ذلك المكان كان وكرا للذين عُميت قلوبهم من الذين وصفهم الرسول الكريم ( ص ) بأنهم يقرؤون القرآن لا يتعدى تراقيهم .
لا يرضى أغلب الناس التهاون الذي أبداه الأميركان اتجاه المجرمين الذين تم القبض عليهم . كما أن إطلاق سراح أغلبية معتقلي سجن أبو غريب أثار تساؤلات كثيرة . فلو كانوا أبرياء ، لماذا تم اعتقالهم أصلا ؟ أما إن كان إطلاق سراحهم بسبب ضغوط فضيحة سجن أبو غريب أو المساومات التي جرت مع الهيئات المختلفة التي مثلت مجاميع الملثمين و الخاطفين في الفلوجة و غيرها فيعتبر أمرا شائنا و غير مقبولا على الإطلاق سواء من الأميركان أو ممن مثلوا أولئك المجرمين . و يتوق الناس إلى حكومة قوية تعاقب المجرمين بما يستحقونه . و من هنا كان انطلاق خبر أو إشاعة حسم و قوة رئيس الوزراء أياد علاوي . فالخبر أو الإشاعة تقول أن أياد علاوي زار أحد السجون و التقى مجرما مستلقيا على ظهره و هو يدخن بكل راحة . و عندما سأله عن سبب وجوده في السجن أجابه بأنه سلب سيارة أحد المواطنين . فسأله علاوي ثانية عمّا فعله بصاحب السيارة ، أجابه ببرود " لقد قتلته " . فما كان من علاوي إلا أن سحب أقرب مسدس من أحد أفراد حمايته و قتل ذلك المجرم أمام أعين الجميع . و من الواضح أن القصة غير قابلة للتصديق ، لكن نشرها قد ينفع في إعلام المجرمين أن هناك معاملة أخرى صارمة تنتظرهم بدلا من معاملة الأميركان الإنسانية . و على ذكر معاملة الأميركان الإنسانية ، تقول رواية أخرى أن الكثير من أزلام النظام السابق كانوا يتسابقون للتعري أمام المجندات الفاتنات عسى و لعل !!
محاكمة صدام :
عمل جهاز صنع الإشاعات الصدامي منذ اللحظة الأولى التي ظهر بها قائد الضرورة على شاشة التلفزيون أمام قاضي التحقيق العراقي . و قد ساعد ذلك الجهاز الكتاب و المحللين العرب الذين لا هم لهم إلا تسفيه ما يقوم به العراقيون . فالمحاكمة يجب أن تجرى لبوش ، كما أن إغفال وضع شارون في قفص الاتهام هو مؤشر واضح على عدم العدالة أو ( الكيل بمكيالين ) كما كان يردد بطل التحرير القومي . و ربما توجب وضع رامسفيلد ، تشيني ، وولفوتز و غيرهم في القفص لجرائمهم ضد العراق . و المشكلة أن أولئك المغفلين لا يعون ما يقولون . فصدام تتم محاكمته في محكمة عراقية لأنه قتل العراقيين . أما بوش فلم يرش الأميركان بالكيمياوي ، و يترفع شارون على الرغم من دمويته عن وضع إسرائيلي واحد في أحواض الأسيد !! و حالما ردد الفأر المذعور فريته عن الأخوة في الكويت و كيف انتفض لأنهم قرروا أن يكون سعر الماجدة العراقية عشرة دنانير فقط في الشارع ، حتى بدأت شوارب البعثيين بالارتجاف مرة أخرى . لكن الناس تتساءل عن الماجدة التي تقبل النزول أصلا إلى الشارع ، هل يهمها من يعطيها العشرة دنانير ، كويتيا كان أم تكريتيا ! ثم من الذي أنزل تلك الماجدة البائسة إلى ذلك الحضيض غير سياسات قائدهم المقدام بطل الشرف القومي ؟ و إذا كانت الدول تدخل في حروب ضد العالم بأسره من أجل إشاعة أو خبر تم الهمس به في أذن القائد الهمام ، فما هو سبب التبريرات العديدة التي ذكرها إعلام الطاغية بعد دخوله الكويت : مساندة فتية آمنوا بربهم و قاموا بانقلاب ضد أمير الكويت ، منع الكويت من ( شفط ) نفط العراق ، تخفيض الكويت لأسعار النفط العالمية ، طلب حكام الكويت الجدد الوحدة مع العراق ، ثم ضم الكويت إلى العراق و اعتبارها المحافظة التاسعة عشر مع نهبها بصورة كاملة و منظمة !! لم يذكر أبدا سبب الغيرة على الماجدات ضمن مبررات ذلك الغزو الأهوج .
الفرية الأخرى التي أراد بها الطاغية تحريك جهاز صنع الإشاعات هي أن الكويت تعود تاريخيا إلى العراق . و قد بدأ البعثيون و من لف لفهم و المغفلون بترديد مقولة ( عيني الكويت مالتنا ) حالما انتهت جلسة التحقيق الأولى . لكنهم تناسوا أن حزب البعث هو أول من أعترف بالكويت مقابل 30 مليون دولار عام 1963 . كما أن الحدود الحالية للدول رُسمت أثر اتفاقيات دولية رسمية و لا يمكن التلاعب بها إلا عن طريق اتفاقيات دولية جديدة . فلو افترضنا جدلا أن الكويت كانت عائدة يوما ما إلى العراق فهل يعني ذلك حق المطالبة بها الآن ؟ و لو كانت الإجابة بنعم كما يحلو للكثير من المغفلين الحلم بذلك ، يمكن الرد بأن لتركيا الحق بالمطالبة بالعراق و ببقية الدول العربية لأنها كانت يوما ما تحت سيطرة الدولة العثمانية . كما يمكن للعرب المطالبة بأسبانيا على أساس كونها خضعت يوما ما للنفوذ العربي . لكن الخطر الكبير في الاستمرار بهذا الادعاء أن اليهود سيقولون أن فلسطين حق لهم لأنهم سيطروا عليها في وقت من الأوقات .
اليوم و غدا :
في زمن صدام ، كانت العبارة أو النصيحة المقدمة لمن يشكي حاله للآخرين أن ( اليوم أحسن من الغد ) . فقد كانت قيمة العملة في تدهور مستمر و الأحوال المعاشية تزداد صعوبة و الأهم أنه لم تكن هناك أية فسحة لأمل في المستقبل . و قد باع أغلب العراقيون ما يملكونه كي يستمروا في الحياة فيما هاجر الآخرون بحثا عن الرزق و الحرية في بلاد الغربة .
أما الآن فما تسمعه و تراه في الشارع العراقي مختلف تماما . فهناك تفاؤل واضح في المستقبل رغم مخاطر التفجير العشوائي . و يمكن سماع ( غدا أحسن من اليوم ) بكثرة عند الناس العاديين . فالموظفون زادت رواتبهم أكثر من عشرة أضعاف ، و المتقاعدون كانوا يقبضون 8 ألاف دينار شهريا ( 5 دولارات ) بينما يقبضون الآن 100 ألف دينار شهريا و يقال أنهم من بداية آب سيقبضون كحد أعلى 250 ألف دينار شهريا .
و هناك حركة تجارية كبيرة و واسعة في العراق . فالسوق مليء بالسلع الضرورية و الكمالية بشكل لا يصدق ، لكن الغالبية العظمى من هذه السلع تأتي من مناشئ رخيصة كالصين ، كوريا ، ماليزيا ، الخ . و أدت زيادة رواتب الموظفين الكبيرة إلى تهافت محموم لشراء كل شيء تقريبا بعد أن توقف الزمن في عهد صدام عند العام 1990 . و ترى الكثير من الناس يحمل الهاتف النقال بعد أن كان مجرد التفكير بذلك في الماضي أمرا مستحيلا . و كل الذين قابلتهم من الأهل و الأصدقاء لديهم أطباق لاستقبال البث الفضائي ، بعد أن كان التلفزيون مخصصا بالكامل لخطب بطل التحرير القومي . و إضافة للقنوات الفضائية ، هناك الكثير من المحطات التلفزيونية الأرضية في كل منطقة تقريبا .
صحافة و حرية رأي :
بعد أن كانت قراءة جريدة الثورة أو الجمهورية تستغرق في عهد صدام دقيقة واحدة أو دقيقتين على الأكثر ، أصبحت قراءة الجرائد العراقية الآن متعة و فائدة . فهذه الجرائد متعددة و متنوعة و تشتمل على الكثير من المواضيع ، التغطية الصحفية ، التحليلات ، الخ . لكن الأهم من ذلك أن هذه الجرائد حرة بالكامل و يمكنها كتابة ما تريد و هو أمر رائع بالفعل . و بالرغم من العدد الهائل من الصحف العراقية ، تجد في الأكشاك كافة الصحف العربية . و قد ذهلت و أنا أشاهد جريدة القدس العربي تباع في العراق أيضا . و تعمدت البقاء أمام الكشك كي أرى عدد الذين يشترون أو على الأقل يقلبون صفحات القدس العربي ، لكني حمدت الله أن أحدا لم يمس تلك الزبالة .
و اخذ العراقيون حريتهم أيضا في التعبير عن آرائهم بالكتابة على الجدران . و الكتابة على الجدران نوعان : الأول منظم تقوم به حركة أو حزب معين لنشر معتقداته دون دفع أية رسوم ، حيث يطبع الشعار على لوحة يتم حفر الشعار فيها ثم توضع على الجدار و يرش الصبغ عليها و بذلك يتم الحصول على شعار سريع على حائط أحد البيوت أو المؤسسات الحكومية بسرعة و يسر . و الثاني تعبير عفوي من أفراد الشعب . و أكثر تعبير عفوي تقرأه هو ( عاد الملك لصاحبه ) . و الواقع أن مشاعر عديدة تهز الفرد عند قراءته مثل هذه الجملة . فكلنا يعلم المعاناة الكبيرة التي تصاحب البناء في العراق . و من المؤكد أن انتزاع مثل هذا البناء من مالكه أمر شديد القسوة . و من التعابير التي تثير الانتباه ، و ربما تمثل تطرف العراقيين الدائم في الحب و الكره تعبير ( لا عرب و لا جرب ) ! و رد أحدهم على المقاومة الباسلة التي يخوضها المجاهدون بتعبير ( ألف أمريكي و لا تكريتي ) . و قرأت أيضا على أحد الجدران رد أحد العراقيين على مزاعم الأردن اتجاه أحمد الچلبي ( قندرة الچلبي تاج على ... ) . و بمناسبة الچلبي يستغرب العديد من الناس تجاهل الدكتور الچلبي و استخفافه بالاتهامات الأردنية المزعومة بشأن انهيار بنك البتراء . فمجلس إدارة البنك كانت مكونة من 12 عضوا يتحملون تضامنيا قرارات البنك . و هؤلاء الأعضاء منهم 9 أردنيين و 3 عراقيين . و الغريب أو المضحك أن المحكمة الأردنية العسكرية الخاصة التي شكلت على عجل للحكم في قضية البنك لم توجه أي اتهامات إطلاقا للأردنيين التسعة ( لأنهم ملائكة على ما يبدو ) و اكتفت بإصدار أحكام على العراقيين الثلاثة في مجلس إدارة البنك . ويقوا أحد الظرفاء أن تلك كانت عدالة أردنية نموذجية أخذت عدوى الظلم و التجني من عدالة صدام الشهيرة ، أو أن تلك الأحكام كتبت في بغداد و صدرت في الأردن الشقيق جدا .
زعامات و نكات :
لم يتم التعرف حتى الآن على أحد زعماء المقاومة الباسلة . و بالرغم من اختلاف آراء العراقيين مع السيد مقتدى الصدر إلا أنهم وجدوا فيه رجلا صرح علانية أنه يقود جيش المهدي ( كذا ) لمقاومة المحتل . كما أنه دخل في مفاوضات و محادثات مع جهات عديدة لحل المشاكل الناجمة عن إعلانه المقاومة . لكن مقاومة الفلوجة و الرمادي لا يتم الإعلان عن قياداتها . و السبب واضح فتلك المقاومة تقتل من العراقيين أعدادا كبيرة مقابل أي جندي أميركي و بالتالي تشعر بالخزي من إعلان أسماء قياداتها . و تترك الأمر للجنابي و القيسي و الضاري و غيرهم التبرير لها و التسويق بأن قتل العراقيين لا يتم إلا من الأميركان الذين يستأجرون الانتحاريين كما ذكرنا آنفا . و أن الزرقاوي شخصية وهمية لا وجود لها . و يتناسى هؤلاء أن القتل و التفجير جارٍ على قدم و ساق و لا يهم من يقوم بالقتل إن كان زرقاويا أو صفراويا . المهم أن الناس تقتل بالجملة فكيف يتم تبرير ذلك .
و لما كان شر البلية ما يضحك ، انتشرت النكت في الشارع العراقي كما هي عادة العراقيين دائما . فيقال أن من يركب أحد حافلات النقل العام و يجلس بجانب السائق ينتقل إلى الكراسي الخلفية حالما يشاهد حاجزا أميركيا و السبب أن الأميركان يمسكون جماعة ( الصدر ) . و بمناسبة انتشار الصحون الفضائية اللاقطة يقول أهالي الكاظمية أن المسؤولين في مرقد أبو حنيفة وجهوا تلك الصحون باتجاه الكاظمية و السبب ( لسحب ) الزوار من مرقد الإمامين الكاظمين ( ع ) !! و يرد عليهم أهالي الأعظمية أن السنة صنعوا للشيعة ( ترب ) مفخخة تنفجر عند السجود عليها !! و ظهرت آخر نكتة بعد جلسة التحقيق الأولى مع مجرم العصر حيث أرسل برقية إلى عزت أبو الثلج يقول له فيها سلم نفسك إن كنت متضايقا فالمسألة كلها فحص بلاعيم و تفلية قمل و أنت شعرك خفيف و صلعتك كبيرة و يسمحون لك في المحكمة بإلقاء الخطابات و المحاضرات على الجميع !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
تعليق : هناك الكثير من الامور المذكورة في الموضوع غير دقيقة وبعضها لا يخلو من المبالغة .