بسم الله الرحمن الرحيم
اللاوعي في زمن الوعي
زاهر
كنت كلما أمر في شارع الرشيد أتأمل تلك الصور عن بغداد القديمة و التي كان يعرضها ذلك الأستوديو الواقع في أول شارع الرشيد قرب ساحة الميدان. و من بين تلك الصور كانت هناك صورة لجيش الاحتلال البريطاني و هم على جيادهم بينما كان المواطنون واقفون على جانبي الطريق يتفرجون على ذلك الموكب المهيب و كأنهم لم يعرفوا أن هذا الجيش هو جيش احتلال. كنت أقول متعجباً كم كان أولئك بسطاء و سذج و طيبون ، و في نفس الوقت ربما كانوا معذورين حيث لا و سائل إعلام من راديو أو صحف بالإضافة إلى الأمية فمن أين يتأتى لهؤلاء أن يعرفوا حقيقة الأمور. و لكننا اليوم كم نسمع عن جهاد أولئك و تضحياتهم و مقاومتهم لإخراج ذلك المحتل من أرضهم بعد ما عرفوا الحقيقة .
و اليوم تعود الصورة بملامحها العامة و لكن مع وجود وسائل الاتصال و الإعلام المتطورة جداً حتى قيل أن العالم قد اصبح قرية. ففي الوقت الذي لا يزال فيه المجرم صدام المرتكب لأبشع الجرائم متربعاً على كرسي الحكم يبيع الوطن في المزاد العلني شبراً شبرا ً بما فيه و بأرخص ثمن ، و في الوقت الذي امتلأت دول الخليج و بعض الدول المجاورة للعراق الحبيب بالجيوش الغازية و المدربة بكفاءة عالية جداً و المجهزة بأفتك أنواع الأسلحة ترانا في غمرة ساهون من هول الكوارث التي حلت أو تحل بنا ، فمنا من ركض مهرولا وراء الأمريكان ليحصل على نصيبه من الكعكة كما يقولون و لا يعلمون انهم ركضوا خلف سراب ، و منا من وقف متحيراً لا يعرف موقعه من الإعراب ،و منا من يعمل بدور المعارض للحرب ، و أما نحن القاعدة كما يقولون فشغلنا أن ننهش لحومنا و نقطع أعضائنا و نسينا كل ما تعلمناه من آداب و قيم فالتشهير أصبح سنتنا و بالطبع مع التنظير لهذا البرنامج البشع و نسينا قول إمامنا علي أمير المؤمنين عليه السلام "و الله ما معاوية بأدهى مني و لكنه يغدر و يفجر" و نسينا أننا قد تعلمنا أن الغاية لا تبرر الوسيلة و نسينا الكثير الكثير من تلك القيم التي أرادنا الله أن نتحلى بها و التي ضحى من أجلها الشهيد الصدر الأول رض و فضل الموت من أن يعيش دونها كما نعرف ذلك ، و أما مثقفونا مع الاحترام و التقدير فإنهم منهمكون بالتنظير كما عهدناهم ألا يعلمون أن " الحجي ميوكل خبز" فذاك الذي يكتب عن ثورة مفاهيمية يظن أنها ستهز العالم و الآخر عن الدمقراطية كبديل لحكومة الله في الأرض كما كان يقول بها أسلافه و هو يظن أن حالة الاسترخاء التي يعيشها الآن ستستمر بعد سقوط الطاغية على يد الأمريكان ناشري لواء الديمقراطية في ربوع العالم عموما و العراق خصوصا و لهذا استعجل أخونا الفاضل للتنظير للمرحلة المقبلة شاطبا على فكرة المرحلية التي مضى عليها ما يقرب من نصف قرن
داعين إ لى التجديد . و يبدو لي أنا المواطن العادي أننا مع وجود وسائل الإعلام المتطورة و وصول الأخبار باللحظة إلا اننا لم نفهم التاريخ أولاً و لم نفهم ما يجري حولنا ثانياً و كما يقول المثل العراقي "عرب وين و طنبورة وين" أو لربما توجد هناك أمور أخرى لا يمكن الحديث عنها فالله هو العالم. فهل من المعقول أن أحداً لا يعرف ماذا سيحل بالعراق من كارثة ؟ و هل من المعقول أن أحداً لا يدري ماذا سيجري بعد هذه الكارثة ؟ هل نحن حقاً نعي ما حولنا و نعي مسؤولياتنا؟ أم أننا نعيش اللاوعي في زمن الوعي.
استدراك: أرجو أن لا يفهم أحد أنني أريد الإساءة لأحد فليست هذه أخلاقي و لكنني لست كاتبا
و الواقع انا في صدد تقييم الحالة و الواقع الغريبين عنه رغم أننا نعيش فيه و أخيرا أستغفر الله أولا و أطلب العذر منكم ثانياً.